قد يكون من الحكمة البالغة والرأي السديد اثناء تناول القضايا السياسية التي تتخذ شكل الازمة –او يراد لها ان تبدو كذلك- ان تؤطر التوجهات والطروحات المعلنة بالثوابت السائدة والمتوارثة والتي تملك حظا طيبا من الرسوخ وتتمتع بصفة المشترك مجتمعياً.
لذا فمن الضروري ان نولي عناية فائقة في تحديد النوافذ التي نطل منها على الموضوع ,وخصوصا في استخدام المصطلحات التي نجد انها تعبر عن الحالة بصورة اقرب الى الواقع.
فمن خلال قراءة اولية للتعقيبات الواردة على موضوع –مصر التي في خاطري..- المنشور في جريدة التآخي البغدادية وعلى عدة مواقع الكترونية أومن خلال الرسائل الواردة تأييدا او نقدا للموضوع .. يتبين ان التفاعل مع الموضوع لا يتجاوز حافة الاشتباك اللفظي الذي ما فتىء يطالعنا عند أي محاولة لتلمس او تكوين مقاربة معقولة للازمة الناشئة بين مصر وحزب الله..اذ ان كل الطروحات والتحليلات والتعقيبات تتحول لا اراديا-وربما اراديا- الى التنظير لموضوعة تآكل او تغييب الدور المصري في المنطقة..وتراجع مكانتها العربية والاقليمية والدولية في خلط قد يكون غير متعمد احيانا - وربما متعمد اغلب الاحيان- بين مصر كدور وتأثير وحضارة وتفاعل وتموقع على قمة المنظومة العربية وبين مصر كموقف وسياسة وتكتيك مرحلي محكوم بالتغير والدينامية المستمرة واجتهادات المتصدين لقيادة العمل الدبلوماسي .
إن مصر –كأي دولة اخرى- لها مواقف سياسية محكومة –بالضرورة- بالتغير والالتواء مع مسارات واشتراطات تداعيات الواقع السياسي المتفاعل مع اولوياتها وتتبع الأحداث والمستجدات والمتغيرات على المستوى الداخلي، والإقليمي والدولي، وبذلك تتعدد فيها الرؤى والطروحات من قبل راسم السياسة الخارجية لتلك الدولة او ذلك النظام ، واعتمادا على المثابة التي ينطلق منها نحو الموقف الذي يراه صائبا، ويجد فيه تحقيقا لمصلحة الوطن والقضية والأمة. وبالطريقة التي يمليها عليه فكره ووعيه وقدرته على صناعة الموقف وتكوين الرأي.
والممارسة السياسة تتحرك نتيجة معطيات تمتلك صفة الآنية والمحلية والتأثير الداخلي للدولة..ولكن الدور يكون مرتبطاً عادة بتوجهات وتداخلات اقليمية ودولية محكومة بدواعي تاريخية بعيدة المدى..أي ان الممارسات السياسية تتعاطى بالمعاش ..بينما الدور محكوم بالمسؤولية التاريخية التي تتحملها الدولة المعنية .
فالممارسة السياسية هنا مرتبطة برؤية النظام الحاكم التي قد تتبدل وتنكمش وتتقوقع تحت ضغط المتغيرات الدولية التي تحيط بذلك النظام ..اما الدور او المكانة فناتجة عن امتدادات خارجية مشروطة بالتفاعل والتقبل الاقليمي ولا يجوز النظر اليها كقدرية راكزة ومتلبسة بتاريخية حضارية راسخة حد الثبات ..لا يعتريها بعض الوهن او التوعك ولا تتراجع او تختفي تحت طائلة التعارض مع قوانين الجغرافيا وحركة التاريخ .
لذا فالكلام والتنظير للتغييب الشامل او الاندثار او الاختفاء وان كان لا يتناسب مع الموروث الحضاري التاريخي لهذا الدور.. ولكنه ليس بالامر المستبعد كما الافتراض ان تتحول مصر الى الضفة الاخرى من المتوسط او ان يجري نيلها جنوبا .
فأنه يصح-وبلا ادنى جدال-الحديث عن انكماش وتثاقل الدور المصري..بسبب انكفاء السياسة المعتمدة من قبل الحكومة المصرية على نفسها ..والاعتماد على حسابات خاطئة بكل المقاييس..وربط مصير ومستقبل مصر بالنجاح في قضية شاليط.. بالاضافة الى الكثير من الارتباك والعطالة في الممارسة السياسية المصرية اثناء الحرب على غزة.وتصعيد اللهجة العدائية تجاه ما يطلق عليه دول الممانعة ..وراهنا في اسلوب التشويش الاعلامي غير المتزن من خلال التفسيرات الرسمية لقضية اعضاء تنظيم حزب الله..والتي تزامنت-كتوقيت بالغ السوء- مع الزيارة الودية لرجل النظام القوي الوزير عمر سليمان لاسرائيل ودعوته ناتانياهو لزيارة القاهرة ، ليقفز على كل التناقضات القائمة مع حكومة موغلة في التطرف ولها أجندة عنصرية استيطانية معلنة , ومبددا فرصة تعاطف المجتمع الدولي مع السياسات المناهضة للطروحات اليمينية المتطرفة للحكومة الاسرائيلية ..بالاضافة الى ظهور مستجدات اقليمية وعربية تدفع باتجاه تغييب وانحسار الدور المصري لصالح مؤثرات وعناصر تبدو اكثر قدرة على ادارة الازمات في المنطقة .
لذا,فان الاسراف في مثل هذه الممارسات والمعطيات يملك قدرة واضحة على عرقلة التكليف التاريخي للدولة المصرية كركيزة وجناحا غربيا للامة ,والامعان فيها سوف يؤثر-بالتأكيد-على صمود وصلابة حقائق وثوابت احكام الجغرافيا والتاريخ والتي جعلا مصر القوة العربية والاقليمية الاكثر تأثيرا والمحملة لشرف قيادة المنظومة العربية.وان فرصة تعافي هذا الدور محدودة جدا في ظل السياسة الحالية المتبعة من الحكومة المصرية..
التعليقات (0)