بقلم: محمد أبو علان:
http://blog.amin.org/yafa1948
عُريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات في العاصمة الأردنية قال معقباً على موقف السلطة الوطنية الفلسطينية من تقرير غولدستون قائلاً " منذ متابعتي لبواكير الثورة الفلسطينية لما أراها متلعثمة كما هي اليوم".
وبالفعل قرار سحب أو تأجيل التصويت (سموه ما شئتم) على تقرير "ريتشارد جولدستون" كشف قضية باعتقادي أهم على المدى البعيد، وقد تكون أكبر وأخطر من قضية الموقف تجاه التقرير نفسه أوجبت مثل هذا التلعثم والبلبلة، ألا وهي قضية كيف يتخذ القرار في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل عام، وفي ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على وجه التحديد?.
قنوات التلفزة الإسرائيلية كانت أول من كشف عن عملية سحب التقرير من عملية التصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الساعة الثانية عشرة ليل الخميس/الجمعة، ومن ثم تلاها "يتسحاق ليفانون" ممثل دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة، بعد الإعلان الإسرائيلي جاء النفي الفلسطيني على لسان كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات، إبراهيم خريشه ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية في الأمم المتحدة خرج للإعلام ليؤكد سحب التقرير، بكلمات أخرى كذب نفي الدكتور عريقات وأكد على ما صرح به يتسحاق ليفانون.
الفوضى بدأت تدب في صفوف الشخصيات والمؤسسات الرسمية الفلسطينية بين نفي لعملية السحب، وبين تأكيد من أجل الوصول لوضع أمثل في عملية التصويت القادمة، وتجنيد الأصدقاء التاريخيين على حد تعبير نمر حماد المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
فصائل منظمة التحرير الفلسطينية قاطبةً بما فيها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" (التي تقود مؤسسة الرئاسة وتشارك بالحكومة) أعربا عن ترحيبهما بالتقرير ورفضهما لسحبه، لا بل طالبت حركة فتح على لسان المسئول الإعلامي للحركة محمد دحلان بتشكيل لجنة تحقيق وتحديد المسئوليات في عملية سحب التقرير، وعلى صعيد الحكومة الفلسطينية الوزير خوري أعلن عن تقديم استقالته احتجاجاً على عملية سحب التقرير، وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور على الجرباوي استغرب هذه الخطوة .
إعلامياً في الوقت الذي سخرت فيه معظم القنوات الفضائية والإخبارية عناوينها الرئيسة لعملية سحب التقرير وتداعياتها، تعاملت وسائل الإعلام الرسمية الفلسطينية والمرتبطين بها من بعض كُتاب وإعلاميين باستحياء مع موقف السلطة، مقابل ذلك هناك من ذهب لأبعد من ذلك وأخذ يكيل التهم لفضائيات مثل الجزيرة واتهامها بالتحريض لتوسعها في تغطية الحدث،وسعيها لشق الساحة الفلسطينية وكأن الساحة الفلسطينية تعيش الوحدة الوطنية الفلسطينية على أحسن أحوالها.
الرئاسة الفلسطينية تجاوبت مع مطلب حركة فتح وبقية الفصائل وأعلنت عن تشكيل لجنة تحقيق في مجريات اتخاذ القرار في سحب التقرير، وحتى هذه الخطوة كان موضوع اتخاذ القرار فيها شبيه بآلية قرار سحب التقرير من مجلس حقوق الإنسان، فما أن أعلن أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه عن تشكيل الرئيس للجنة تحقيق حتى أعلنا عضوي اللجنة التنفيذية غسان الشكعة وعبد الرحيم ملوح عن استغرابهما لتشكيل لجنة تحقيق قبل عقد اجتماع للجنة التنفيذية للنظر بالموضوع، وليس هذا فقط بل هناك خلاف مسبق على الهدف من لجنة التحقيق هذه ما بين فصائل المنظمة وبين مؤسسة الرئاسة الفلسطينية.
بعد كل هذه الفوضى باتت المشكلة بالدرجة الأولى هي تفرد أشخاص بعينهم أو سعيهم على الأقل لتكريس سياسية التفرد في اتخاذ القرار، ويسعى هؤلاء الأشخاص لتغييب المؤسسات الرسمية من المشاركة في صنع القرار بقضايا وطنية وذات حيوية للشعب الفلسطيني، وخطورة هذه الحالة تعود لكوننا شعب يخضع للاحتلال، وأرضه مسلوبة وأي كل قرار مهما كان وزنه يكون له تبعات على القضية الوطنية برمتها.
وغولدستون سيبقى أسمه راسخ في التاريخ الفلسطيني منذ اليوم في مسألتين رئيستين، الأولى مباشرة، وهي إصدارة لتقرير بتوكيل من الأمم المتحدة يجرم دولة الاحتلال الإسرائيلي بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حربها الأخيرة على غزة يمكن أن يحاكم قادته على أساسه في محكمة الجنايات الدولية، والثانية غير مباشرة تمثلت في كشفه عن درجة الفوضى والتفرد في اتخاذ القرار في قضايا تمس القضية الوطنية الفلسطينية.
والفوضى الأكبر هي تشكيل لجنة تحقيق في مسألة كهذه وكأن الأمر يدور حول عملية اختلاس قام بها أشخاص مجهولون، فالشخوص ذوي العلاقة معروفون، والمطلوب هو التحلي بجرأة عالية وتحمل المسئولية السياسية والوطنية والكشف الصريح عمن أصدر الأمر لممثل السلطة الوطنية الفلسطينية بسحب التقرير.
moh-buallan@hotmail.com
التعليقات (0)