ليس للحمير تاريخ مكتوب.. رغم أنها كانت تشارك في الحروب.. ورغم أنها كانت وما زالت تنقل المؤن والحبوب.. والحقيقة أن الحمير تنظر إلى التاريخ.. تماما كما ينظر الناس إلى ما فسد من الطبيخ.. لكن الحمار يعرف - تاريخياً - أنه مركوب.. وأنه دائما على أمره مغلوب.. وإن كان في بعض الأحيان.. يحب أن يحرك فمه كأنه يمضغ اللبان.. ويتظاهر بأنه في منتهى الغباء.. حتى يخدع بتصرفاته جميع العقلاء.. وليس سرَّاً أن الحمير تلتزم بمنهج دقيق.. يتيح لها أن تتعرف على خارطة الطريق.. لكنها لا تلتزم بهذا المنهج في النهيق.. فلكل حمار نهيقه الخاص المستقل.. مهما صغر شأنه أو قَلَّ.. وكل حمار يعرف أنه مستغَل.. وأنه لا يستطيع معاملة الناس بالمِثل.
خلال مشي المجنون مع الحمار والحمارة.. أكد الحمار أن صديقته حمارة ثرثارة.. رغم أنها لم تقرأ »ثرثرة فوق النيل«.. وهو أمر مؤكد ولا يحتاج لدليل.. فهي لا تتكتم على أي سر.. وهذا شيء لا ينفع بل يضر.. واشتكى الحمار أن لسان صديقته.. لا يكف عن الثرثرة أمام حمير حظيرته.. وأنها تحكي عما بينهما من أمور.. بعضها خاص وبعضها محظور.. من بينها أنه ابتلع حبة فياجرا مع الحبوب.. وانه يهز ذيله تكفيرا عما ارتكب من ذنوب.. رغم انه لم يفكر يوماً أن يتوب!.
طأطأت الحمارة أذنيها من فرط الخجل.. وأشارت إلى أنها لم تقم بأي عمل.. تقصد منه تجريحا أو إساءة.. وأنها قالت ما قالته بمنتهى البراءة.. كما أنها تحب حمارها لدرجة العبادة.. وتسعد بأنها طيلة عمرها له منقادة.. وهنا انحدرت دموع الحمار على خديه.. وبللت الأرض من حواليه.. فأعطاه المجنون ورقة كلينكس معطرة.. كما طلب من الحمارة أن تكف في المستقبل عن الثرثرة.. واختلطت أصوات الثلاثة ما بين كلام للمجنون.. ونهيق يتداخل وينفذ كالسهم المسنون:
= لم أكن أعرف أن ما ابتلعتُه فياجرا.. ولا أنها تجعل الجسم في عنف شلالات نياجرا.. فالحبة التي ابتلعتها سقطت من يد مالك الحظيرة.. وهو عجوز مشبوه النية والسريرة.. لكنه يحب أن يبدو مفتول العضلات.. خصوصا حين يخشى أن تضيع منه الحظيرة في لحظات.. ويقال إنه في جلسة سرية.. أكد لمن حوله أنه لن يتنازل أبدا عن المِلْكية.. لأن حظيرته هبة من السماء.. وهو وحده الذي يحقق لها الرخاء. - لكنك تعلم يا صديقي الحمار.. وهذا ليس سرا من الأسرار.. أن الحظيرة أصبحت قذرة.. وفيها ألف حشرة وحشرة.. أما ما فيها من أسراب الفساد.. فإنها أكثر من أن يحصيها تعداد. || وأنا قلت مثل هذا بالأمس.. فاتهموني بأني حمارة لا تميز بين الذيل والرأس.. لكني أعترف لكما بأني عرفت أخطر الأسرار.. فقد رأيت رجلا يمسك بسيف بتار.. يؤكد لمن معه انه اتخذ أصعب قرار.. وهو قرار بقطع ذيل صديقي وحبيبي الحمار.. بعد اتهامه بأنه يفضح الأسرار. .. فجأة ثارت في الجو زوبعة.. فاحتمى الحمار منها بالبرذعة.. وكذلك فعلت الحمارة التي معه.. أما المجنون فبقي وسط المعمعة.. بينما اندفعت الريح.. حاملة صوتا يفيض بالتباريح:
يصرُّ الشيخ أن يبقى شبابَا فيلتهم الكوارع والكبابَا ويهضم بطة في السمن ساحتْ ويلحس بعدها عسلا مذابَا وحين يطيش تخدعه الفيجرا فيسرع للسرير بما أصابَا وزوجتُه الجميلةُ لا تبالي بمن يحتال كي يبقى شبابَا فيحسبها، وبعض الظن إثم تريد له نعاساً أو غيابَا لكي تلهو مع الشبان ليلاً وتنزع عن مفاتنها النقابَا يظل الزوج في غمٍّ يعاني يخبىء تحت جفنيه ارتيابَا يؤجل أن تبث الشمسُ نوراً ويفتح للظنون السودِ بَابَا يقول: سَأُصلح الجدرانَ وحدي فإني لم أزلْ زوجاً مهابَا وينسى الزوج أن البيت يهوي وأن ربيعه أضحى سرابَا وأن النور بالإصلاح آتٍ ليفضح من تلكأ أو تغابَى وأن الأرض تبحث عن فتاها فهذا الزوجُ لم يقرأ كتابَا وليس بنافعٍ بلعُ الفيجرا إذا غاب الشباب وما أجابَا "وليس بعامرٍ بنيانُ قومٍ إذا أخلاقهم كانتْ خرابَا"
|
التعليقات (0)