مواضيع اليوم

قراء في قصة" قريبا من الدموع" لحنان المنذري

الزوج السابق

2010-07-30 17:50:53

0

 

تعتبر الكتابة النسائية من بين المواضيع التي يصعب على الباحث الخوض فيها ، وسبر أغوارها ، لأنها مغامرة ذات نتائج متفاوتة المردودية لما تعرفه من غموض وسرية.
و الكاتبة حنان المنذري عندما خاضت غمار الكتابة القصصية عن المرأة العمانية ، في مجتمع تقليدي ، كانت ذكية في اختيار ألفاظها ، واحترمت الصيغة اللبقة لتبليغ رسالتها دون تجاوز الخطوط الحمراء .
و القاصة هنا في قصة "قريبا من الدموع" اعتمدت أسلوبا وسطا يمزج بين مستوى المثقف ومستوى الإنسان البسيط ، من أجل إيصال الأفكار المتزاحمة التي تريد الخروج تباعا و البوح عن نفسها ، بل تريد أن تأخذ مكان الصدارة ، ولكن يبدو أن الكانبة فضلت التعبير عن هذه المواضيع الساخنة حسب أولويات كل موضوع على حدة.
و أول هذه المواضيع التي وضعتها الكاتبة ضمن الأولويات ، رغبة الفتاة العمانية في اتخاذ مكانة عالية و هامة في المجتمع الأبيسي ، الذي تكون فيه السلطة للأب.
وقد اتخذت من البطلة وسيلة للتعبير عن هموم المرأة العمانية ، وعن دورها الهامشي في المشهد الاجتماعي ....فيشعر القارئ عبر مقاطع القصة و كأن الكاتبة تحرك البطلة بالطريقة التي تحب ، و كأنها سطرت لها مجموعة من الأهداف التي ينبغي تبليغها للقارئ.
فهي بصدد توجيه رسالة من البطلة الكاتبة إلى القارئ الإنسان العماني من خلال خطاطة رسمتها لإيصال رسالتها
المرسل ____الرسالة___المرسل إليه

 

فكان المرسل هو البطلة و الرسالة هي الرغبة في التعبير و إثبات الذات ، و المرسل إليه الرجل العماني الذي صم أذنيه تجاه مطالب المرأة التي ذاقت درعا من هذه التصرفات المجحفة في حقها.
و القارئ يشعر و كأن الكاتبة تحرك البطلة بالطريقة التي تحب و كأنها سطرت لها مجموعة من الأهداف التي ينبغي تبليغها للقارئ,
فالبطلة تبحث عن الوسائل الممكنة لكسر هذا الحاجز و القفز عليه. و لعل أقرب وسيلة ممكنة للانفلات من هذه القيود هي متابعة الدراسة الجامعية في مدينة أخرى ، مما يتيح لها فرصة الابتعاد عن أوامر الأسرة و ضغوطها.
إن حصول الفتاة العمانية على شهادة البكالوريا يعطيها الفرصة للتعبير عن نفسها أمام زميلاتها ، و الاعتناء بنفسها وببشرتها التي طالها الاهمال، وذبلت قبل الأوان بفعل البيئة الجافة و القاسية.
لقد كان المقطع الخاص بالصديقة هو المقطع المفصلي الذي سيغير مجرى حياة البطلة و يخرجها من غفلتها ، إن الصديقة تمثل الجانب المتفتح الذي يطمح إلى التغيير و فرض الذات ، لقد كانت لها التجربة و الخبرة في كسر حاجز الصمت ، وعبرت عن نفسها بقوة .
و بينت للبطلة كيفية الخروج من هذا الوضع الاجتماعي المتردي ، و الحياة المتخلفة, و كأن البطلة تعيش في سجن كبير اسمه البيت أو القرية ، أو البلد المحافظ.
فصديقة البطلة أشارت عليها بضرورة الاعتناء بجمال الوجه ، و إزالة كل الشوائب التي تمنع النضارةعن الوجه ، وهذا الجمال قد يتيح فرصة الإعجاب من طرف الشباب الذين يتابعون دراساتهم الجامعية، وقد تلتقي هناك مع فارس أحلامهاو يتحتم على الفتيات اللجوء إلى شتى حيل الجمال الممكنة لجعل الرجال ينتبهون .

ولعل لون السمرة يعتبر عقدة لدى المرأة العمانية لأن مقياس الجمال في نظر الرجل العماني , هو بياض البشرة كما جاء في القصة أن الشبان في حاضرنا هذا قد باتوا يفضلون الاقتران بنساء بيضاوات ذوات تقاسيم ناعمة كاللائي يرونهن في التلفاز والمنشوررات الإعلانية .
كل هذه الأفكار و هذه التصورات ، لم تكن تخلذ ببال البطلة لولا صديقتها التي يبدو أنها متفتحة على المجتمع بشكل كبير، لدرجة أنها لا تحسب حسابا لأقاويل الجيران و أفكارهم التقليدية , المتخلفة التي تجاوزها الزمن..
غير أن البطلة أمام هذا الوضع الجديد تعيش أزمة انكسار و انشطار ، بين حب الأسرة رغم هناتها ، و الرغبة في التمرد على التقاليد و العادات البالية.لأن أغلب الجيران قد رحلوا و غيروا المكان إلا أسرا قليلة يظهر أنها أكثر محافظة , و من بين هذه الأسر المحافظة ، أسرة البطلة .

و هذا الانشطار يظهر من خلال معانقة البطلة لمخدتها التي ترمز إلى شئ من الماضي و الرغبة في تجاوز هذا الماضي, لكن الحنين إلى المخدة ، و إلى الدفئ العائلي جعلها تبكي ، مما ترك القصة مفتوحة على كثير من الاحتمالات، فهي تصور مشهدا تراجيديا تعني به البطلة ، معانقة المخدة لآخر مرة و مغادرة المكان ، وبداية حياة أخرى جديدة.أو قد تعني به حنينها إلى الماضي وعدم رغبتها في طيه و نسيانه انبطحت على بطني وألصقت خدي بالوسادة التي امتصت دموعي الصامتة في الظلام. .

و الكاتبة سجلت كذلك في هذه القصة دور العمالة الأجنبية ،و خاصة العمالة الهندية وهذا مقطع آخر من مقاطع القصة ، الذي يكشف عن ظاهرة ابتعاد الإنسان العماني ذكرا كان أم أنثى ،عن الخوض في هذه الأعمال التي تبدو لهم أعمال مهنية لا تليق بالانسان العماني .

فقصة الهندي صاحب الدكان ثيمة أساسية في السرد الحكائي ، لأنه يعرف كل التفاصيل بما فيها الجزئيات التي تخص المرأة مثل المساحيق و أدوات التجميل .

فالعامل الهندي أصبح جزءا من المنظومة العمانية ، لا تصح الحياة الاجتماعية و الاقتصادية بدونه ، ولعل أهمية الهندي هنا قد تصل إلى مرحلة الاعجاب و الدخول معه في علاقة غرامية ، و لو بشكل سري ، لأن العلاقة الغرامية من هذا النوع تعتبر ضربا من التحدي و الجنون الذي لا يقبله المجتمع العماني الذي مازال يؤمن بصفاء العرق ونقاء القبيلة لا أدري لماذا انتابني خجل مفاجئ حين التقت عيناي بعينيّ البائع الأسيوي الذي كان يدندن وحيداً بترانيم هندية، والذي رمقنا بنظرة دهشة لعودتنا المباغتة والسريعة إلى المتجر!.,.
و الكاتبة في هذه القصة تكشف كثيرا من المشاهد الاجتماعية ، و تنقلها في قالب قصصي تتحرك فيها الشخوص بشكل حداثي لا علاقة له بالشخوص العادية ،من لحم و دم ، بل هي شخوص من ورق كما قال رولان بارث يمكن توظيفها و تكييفها مع مجريات الأحداث، في فضاء زمكاني حساس مثل الفضاء الذي كتبت فيه وله القاصة حنان المنذري قصة "قريبا من الدموع".

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !