مواضيع اليوم

قراء في المجموعة القصصية "ساعة اينشتاين الاخيرة" لكاتبها : وليد سليمان

ختام البرقاوي

2010-06-09 12:23:03

0

قراء في المجموعة القصصية "ساعة اينشتاين الاخيرة"
لكاتبها : وليد سليمان

 

اطّلعتُ بكثير من الشغف على المجموعة القصصية "ساعة اينشتاين الأخيرة" الصادرة ضمن سلسلة "ديدالوس" لصاحبها وليد سليمان و الذي ناقش أثره يوم الجمعة الفارط 04 جوان 2010 بفضاء دار الكاتب بتونس العاصمة.
حضي اللقاء بحضور ثلة من المثقفين التونسيين و قد أشرف على حلقة النقاش هذه السيد عمر السعيدي بوصفه القائم على نادي القصة و الأستاذ رضا بن صالح بوصفه ناقدا أدبيا و قد أمتعنا و أفادنا بتناوله الجدي و العميق للمجموعة.
على قلة عدد الحاضرين فان النقاش كان ثريا و ممتعا للغاية فقد سمح لي شخصيا باكتشاف كاتب موهوب في مجال القصة القصيرة و مترجم شغوف بالانفتاح على ثقافات متعددة و اليكم اهم ما أوقعته المجموعة في خاطري من انطباع :
سأبدأ من حيث أريد أنا لا من حيث أراد لي الكاتب ان ابدأ. فسأتجاوز ساعة أينشتاين الأخيرة (أول قصة في المجموعة من حيث الترتيب و التي تحمل كل المجموعة عنوانها) لأعلق على رائعة "كلام مجانين" الذي أعتبره لب هذه المجموعة و زبدها.
فقد اختصرت الأقصوصة الواردة على شكل حوار بين "هي" و "هو" معضلة الإنسان المعاصر و أشدد على وصـف المعاصر لان المجــموعة في اغـلبها تـخاطـب هذا الإنـسان المعاصــر الحـديث. تُخاطبــه و تتحدّث عنه في مرات عدّة.


أولا : من حيث الأسلوب


الأسلوب و اقصد هنا القصة القصيرة و القصيرة جدا في بعض الأحيان تأخذ بعين الاعتبار بل هي تُعيد الاعتبار للقارئ المعاصر اقصد القارئ اليوم الذي تعوّد أن يقرأ على عجل ما كُتب أمامه على الشاشات و تعوّد أن تُختصر أمامه أعظم المؤلفات في مقالات تنشر على الشبكة العنكبوتية و يلجها في لمح البصر ما ان إصبعه على لوحة التحكم نقر.
اشكر الكاتب على الأقل على رد الاعتبار لي بوصفي قارئة من هذا الجيل تعودت أن احمل كل شيء في جيبي: هاتفي و كراسي و قلمي و حتى الكتاب من هنا فصاعدا.
شخصيا أميل إلى هذا الأسلوب في الكتابة لأنه لا يُرهق القارئ المستعجل مثلي كما لا يستهين في ذات الوقت بعقلي. فالأقاصيص الواردة في الكتاب على قصرها عميقة في معانيها مغالية في تعقيدها
و فلسفيتها.
نجح الكاتب على حدّ رأيي في توسيع هامش التأويل بينه و بين القارئ و هذا في وجهة نظري نجاح كبير.
فـ "رياضة التأويل" هي الكفيلة بان تفتح أمام القارئ المتروي -على عجلته- مجالات أرحب للقراءة
و فك الرموز و البحث بين الأسطر عما أراد الكاتب أن يقول.
نجح وليد سليمان في توسيع هامش التأويل لدى القارئ الفطن فلم يخنق المعنى و لم يغتصب حرية القارئ على أن الأسلوب السردي قد طغى على الأقصوصة الأولى و لا أعيب ذلك على الكاتب بقدر ما أشير إلى إنني استحسنت نصوصه الأخرى كثيرا خاصة منها القصيرة و المقتضبة.

 

ثانيا :من حيث المعضلة أو القضية المطروحة

 

معضلة الإنسان المعاصر التي أبدع الكاتب في اختزالها في جملته "ما يُخيف حقّا هو أن يُتهم الإنسان بالعقل".
نظرية أثبتت صحتها عبر الأزمان و التاريخ و هي قضية اليوم بلا منازع. فالعقل لم يكن دائما موضع ترحاب من الجميع ونحن نعلم الكثير عن قصص العلماء الكبار الذين عانوا الكثير و الكثير في مجتمعاتهم.
أليست مأساتنا اليوم مردودة الى العقل؟

هذا النص الناقد يبدو ظاهره هزلا في حين أن باطنه نقد لاذع لادغ بليغ- و لعلّي هنا استحضر المقولة المأثورة "شرّ البلية ما يُضحك" فقد يضحك أصحاب العقول السطحية لقراءة "كلام مجانين" و قد يتصور البعض انه مشهد هزلي لكن القارئ الفطن المتيقظ هو وحده الذي يلج المعاني الخبيّة لهذا النص- و لعل الكاتب هنا أثقل كاهل النخبة- الفئة المثقفة- بهذا النص فقد أجهر بمسؤولية كل منا عن عقله و عن خياراته و اختياراته- فمن يختار منا أن يكون عاقلا و من يحق له أن يختار أن يكون مجنونا؟
و هنا استسمج الكاتب في أن استجوب النص و أسائله من جديد ما الجنون و ما العقل؟
من يُحدد المفاهيم و يضع التعريفات؟ و هل هناك تعريف واحد للجنون و العقل و هل هناك من يحق له أن ينعت هذا بالعاقل و ذاك بالمجنون؟
الأسلوب المستعمل في هذه الأقصوصة (كلام مجانين) بالذات بديع فقد خلتُني أمام مشهد من مشاهد مسرحية على الطراز العبثي تبحث اعقد الأشياء و ابسطها في ذات الوقت فتحيلنا على مرجعيات فلسفية و أدبية تبحث في معنى الحياة و الموت / الجنون و العقل / و أخرى مدنية قانونية إن صحّ التعبير فتتناول العلاقة الجدلية بين الأغلبية و الأقلية و تُنظّر من جديد على نحو مفكري عصر الأنوار في وضع أو إعادة صياغة أُسس الديمقراطية.
على كل الأمور نسبية كما هي كل الأشياء في النصّ اللامتناهي في الفلسفية على بساطة أسلوبه. فقد حيرتني المجموعة إن كانت تقصد العامة أم النخبة؟

 

الكاتب على امتداد المجموعة إنسان يتخبّط في هذه الحياة يبحث فيها عن أشياء فيجد أشياء أخرى
و يضيع بعضا من أحلامه في الطريق...و ما الضمائر المستعملة إلا خير دليل على ما أقول:
أنا و ضمير المتكلم الغائب.
أركز هنا على الصبغة العالمية للكاتب في معنى مواطن العالم le citoyen du monde
و أهنأه على زاده الثقافي و المعرفي و المعلوماتي- و أغبطه على ذلك كثيرا- فقد أسقط عن نفسه القناع و اخبرنا من خلال مغامراته عن نفسه الشيء الكثير و عن تكوينه الأكاديمي العلمي ما أغناني حتى عن قراءة نبذة عن حياته. فكدت أجزم قبل أن اقرأ التعريف أن الكاتب متأثر بالأدب الأمريكي اللاتيني حتى عجزت في مواضع عديدة عن الفصل بين الشخصيات و الكاتب في حدّ ذاته و خلتني لبعض الوقت اقرأ مذكرات كاتب ذو نظرة فلسفية بوصفه ذات تبحث عن نفسها ،عن مستقر لها ،عن معاني الأشياء عن معنى العالم.


شكرا للكاتب فما كتبه جعلني أتعرف أكثر إلى نظرته للعالم vision du monde الشيء الذي وسّع مجالات نظرتي للعالم. نظرتي التي لم تكتمل بعد و التي لن تكتمل إلا بالموت أو الجنون أو الانتحار 
أرجو لكل من يقرأ مجموعة "ساعة انشتاين الاخيرة" أن يسلم من انتحار اينشتاين و عقل المجانين و أن ينجح في الاحتفاظ بـ"جميلته" bella ...

 

حتى اختم لا اجد افضل من هذا المقطع الوارد في اقصوصة كلام مجانين :
"بعقولنا نستطيع ان نفكر في الجنون، في حين اننا لو كنا مجانين لعجزنا عن التفكير في العقل"
"الجنون اعلى مراحل السعادة/ الجنون اعلى مراحل الغباء"

لقد اعتبرت هذا المشهد ضربا من ضروب الدروس في المحبة و التسامح فالاختلاف وحده هو الذي جعل المجتمع أو القائمين على هذا المجتمع يصنّفون "هو" و" هي" (أبطال كلام مجانين) ضمن خانة المجانين مكانهم الطبيعي هو مصحة الأمراض العصبية في حين أن ما دار بينهما من حوار شيق و ممتع و ثريّ لا يدل أبدا على ذلك بل يكشف عن سدادة قول و رجاحة عقل.
"ان الاختلاف لا يُفسد للود قضية "غير أن ما يراه الأخر ليس إلا جزءا من الحقيقة و على حد قول ابن الرومي فان الحقيقة مرآة سقطت من يد الإله فتناثرت أجزاؤها هنا و هنا . وَهْما يظن كل من التقط جزءا من تلك المرآة انه يمتلك الحقيقة.


مع خالص تقديري و احترامي
ختام البرقاوي


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !