قراءة في عيد البوريم والمولد النبوي
يحتفل عموم اليهود والمسلمين هذا الاسبوع بعيد البوريم العبراني وميلاد الرسول محمد، حيث يحضرني خلال مطالعتي لمجلة استير او سفر استير التناخي الذي يقرأه عموم اليهود في عيد البوريم، تحضرني بعض الوقائع والسياقات التاريخية التي كانت لها علاقة بهاتين المناسبتين ورافقت ظهورها.. ولتجنب التكرار، نلفت الى اننا قمنا بالتعريف بعيد البوريم اليهودي في تناول سابق بعنوان ( عيد البوريم بين بابل وفارس ) يمكن مراجعته على الرابط التالي:
ashrf.elaphblog.com/posts.aspx
مجلة استير وجلاء المستور
يبدو هذا العنوان لاول وهلة غريبا بعض الشيء لكننا نود ان نلفت الانتباه الى حقيقة قد يجهلها البعض ومفادها ان مفردات اللغتين العربية والعبرية مهما بدت غريبة عن بعضها في بادئ الامر الا انها تبدو متشابه في الكثير من الاحيان في شكلها ومضمونها عندما ننظر اليها بعين فاحصة.. فعبارة مجيلاه التي تصبح مجيلات عند إضافتها تشبه كلمة مجلة العربية شكلا ومضمونا حيث كلاهما من الفعل جلا الذي يتشابه معناه في كلا اللغتين، ومثلها فعل ستر الذي يرمي الى نفس المعنى في كلا اللغتين ومنه اشتقت عبارة مستور بالعربية مثلما هي استير العبرية وهي بطلة مجلة استير وعيد البوريم اليهودي..
واما جلاء المستور فهي القراءة ما بين السطور لاحداث تلك الحقبة التي يعود زمانها الى ما قبل 2500 عام.. حيث مطالعة احداث ووقائع مجلة استير تعيد الى الاذهان احداثا عظام وقعت في ذلك الزمان ممثلة بسقوط الامبراطورية البابلية بايدي الجيوش الفارسية التي طفقت تبسط جناحيها على المنطقة برمتها.. وقد كان لهذه التطورات كبير أثر على الوجود اليهودي في ارض اسرائيل وبلاد الشام، بعدما صدرت الاوامر الفارسية بفرمان ملكي بالسماح للشعوب التي تم اجلاءها ايام الحكم البابلي بالعودة الى بلدها وارضها، ليستفيد مهجري اليهود من هذه الفرصة السانحة حيث بدأوا يعدون العدة للعودة الى ارض اسرائيل وبناء معبدهم وقدسهم من جديد بعد خرابها بايدي الجيش البابلي.. بيد ان الشروع في اعادة بناء بيت المقدس اليهودي لم يرق لبعض الاقوام الوثنية التي كانت تحيط باليهود من كل جانب فشرع هؤلاء يبثون رسائل التحريض الى البلاط الفارسي متهمين بني اسرائيل بالتخطيط لثورة وشيكة ما نجم عنه تجميد عملية اعمار القدس وبيت المقدس لفترة وصلت الى حوالي 18 عاما.. هنا بدأت احداث عيد البوريم..
وهنا أدرنا عجلة التاريخ لنصل بعد حوالي 1000 عام الى عام 570 ميلادي الذي شهد مولد النبي محمد او ما يسمى اسلاميا عام الفيل حيث كانت هذه الفترة قد شهدت ايضا احداثا جسام تمثلت باحتدام الصراع بين الامبراطورية الفارسية من جهة والرومانية هذه المرة من الجهة الاخرى، اضافة الى وصول الجيوش الحبشية المسيحية من اليمن الى تخوم الحجاز حيث يقول بعض المؤرخين إن هدفها كان فتح جبهة جديدة ضد الفرس بايعاز من الروم المسيحيين ومناوشة الجيش الفارسي من اطراف الجزيرة العربية حيث كان لا بد لهذه الجيوش ان تمر من مكة، بينما يرى نوع آخر من المؤرخين ان جيوش الاحباش سارت الى مكة تحت امرة ابرهة الاشرم بغية هدم الكعبة وتحويل الحجيج الى كنيسة القليس المسيحية في اليمن.. هنا في هذه اللحظة بالذات يذكر التاريخ الاسلامي ان قريش الوثنية ما كانت لتقوى على حماية البيت المحرم والوقوف في وجه القوات الغازية.. هنا كانت ولادة النبي محمد..
وعودة الى بيت المقدس حيث بدأ يهود ارض اسرائيل يشعرون بالبلاء ويستشعرون خطرا وجوديا يهدد بقاءهم وديانتهم وهويتهم.. هنا تستدرج مجلة استير القارئ الى نتيجة حتمية مفادها انه مهما بلغت الاخطار المحدقة ببيت المقدس فان الله باعث لهذا البيت من يحميه ومسخر له من يعيد اعماره وهو قادر على حفظ هذا الدين.. فكان ظهور استير، تلك الفتاة اليهودية التي هبت لنجدة شعبها مبدية استعدادها لكل مهمة حتى لو وصل الثمن الى حد المجازفة بحياتها والوصول الى قصر الملك الفارسي، ولم تكن استير تعمل لوحدها بل كانت ومعها عمها مردخاي سفراء لبني قومهم في البلاط الفارسي.. واما يهود ارض اسرائيل فقد وجهوا نداء استغاثة الى كل من تلكأ من اليهود المهجرين - وهم الغالبية آنذاك - بالعودة الفورية الى بيت المقدس لنجدة اخوانهم المحاصرين.. هنا تتسلل رسالة مبطنة اخرى خلال سرد الاحداث في مجلة استير مفادها ان اليهود حتى لو طال بهم المقام في المهجر ومهما بلغوا من المجد والرخاء بعيدا عن قدسهم فان الشعوب التي تحتضنهم والبلدان التي تأويهم لا بد ان تدير لهم ظهورها وعليه فلن يجدوا الامن والامان الا في مكان واحد وعلى ارض واحدة دون سواها هي ارض اسرائيل..
اما بلاد الشام فكانت في ذلك الزمان تموج بكل الوان الوثنية.. كانت الوثنية تحيط ببيت المقدس من كل جانب، لكن اليهود كانوا على يقين ان لديانة التوحيد رب يحميها وان للبيت رب يحميه.. تماما كما قال عبد المطلب جد النبي محمد لقائد الجيوش الحبشية ابرهة الاشرم.. واما البيت فله رب يحميه.. واما جزيرة العرب فكانت عشية ولادة النبي محمد قد عرفت الديانات الوثنية الى جانب الحنيفية والصابئة والديانات التوحيدية واتباعها الروم المسيحيين ونصارى نجران ويهود يثرب.. كانت الديانة اليهودية يومها قد تخطت كل العقبات وانتشر افرادها واتباعها في ارجاء بلاد الشام وجزيرة العرب حاملين راية التوحيد ومعززين بايمانهم العميق ويقينهم التام ان اي هامان واي نبوخذنصر واي فرعون لن يرجعونهم عن عقيدتهم وهويتهم ودينهم فقد ظل كل هؤلاء يحاولون ويمكرون لكن أنى لمن صبر وصابر ورابط وصمد في وجه اعتى غزاة الارض ان يرجع عن هذه العقيدة وان يرضى بديلا لهذه الارض الطاهرة..
وظلت عبارة ( ارتدت الامور على عقبيها ) و ( رد كيدهم الى نحورهم ) من اقوى واسمى معاني عيد البوريم.. فان اشتد الامر على اليهود لبرهة وحاصرتهم الابادة من كل جانب.. فقد كتب لهم ولدينهم النجاة والخلاص وتمتين العروة الوثقى وكان لهم عهدا وموعدا جديدا مع بيت المقدس.. ونجا النبي محمد وصحبه من كل الاخطار وتجاوزوا كل العثرات باعجوبة يشهد لها العدو قبل الصديق.. وطفقوا ينشرون ديانة التوحيد.. وكان ليهود يثرب موعد مع نبي الاسلام.. وكانت يثرب على موعد مع صراع بين ديانتين رفعت كلاهما راية التوحيد.. فخرج من خرج وبقي من بقي واعتنق الاسلام خلق كثير من يهود حملوا على كاهلهم ديانة التوحيد وحاربوا مع المسلمين وأضاء علماءهم سماء الاسلام.. وكان يهود ارض اسرائيل ينظرون غير مصدقين وهم يشاهدون حاميات الروم تسقط الواحدة تلو الاخرى امام جيوش المسلمين.. ها قد جاء الخلاص من جديد بعدما هدم الروم معبدهم واستنزفتهم الثورات وانهكتهم العقوبات التي فرضها عليهم الروم.. واستبشروا بوعد قورش جديد يبيح لهم اعادة اعمار قدسهم ومعبدهم.. وطمعوا بحكم ذاتي كما كان حالهم ايام الحكم الفارسي.......
هنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.. أطلنا عليكم.. سنكمل في مرة لاحقة.. فشهرزاد لا تقوى على قول المباح.. واليوم عيد فلا بد من زيارة الاهل والخلان ..
طابت اوقاتكم .. وكل عام وعموم المسلمين واليهود بكل خير
التعليقات (0)