قراءة نقدية لكتاب أنتوني كوردسمان: "حرب غزة.. تحليل إستراتيجي"
بلال الشوبكي
"حرب غزة.. تحليل إستراتيجي" هو عنوان الكتاب الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن للباحث أنتوني كوردسمان، حيث يسعى في هذا الإصدار إلى دراسة حرب غزة في ضوء الدروس المستفادة من الحرب، محاولاً التوصل إلى ماهية التغيرات التي حصلت في التكتيك الإسرائيلي والقدرة على القتال. حيث اعتمد في تحليله للقتال على البقاء داخل إسرائيل طيلة فترة الحرب وبعدها بقليل مما مكّنه من الاطلاع اليومي وبشكل تسلسلي على تطورات الأوضاع في المنطقة. كوردسمان إعتمد بشكل أساسي على التقارير اليومية الصادرة عن الناطق باسم الجيش الاسرائيلي.
إن من بديهيات التحليل القول أن مخرجات أي تحليل تعتمد بشكل أساسي على مدخلاته بالإضافة إلى منهجية التحليل. كوردسمان أشار بوضوح إلى أن مصدر معلوماته الأساسي كان تقارير الجيش الإسرائيلي ومقابلاته مع بعض القيادات الاسرائيلية؛ موضحاً أن العديد من البيانات والمعلومات لم ينشرها الجيش الاسرائيلي ولم تكن متاحة له. وهنا يمكن الاستنتاج أن كوردسمان اعتمد على مصدر منحاز في المعلومات بالإضافة إلى كونه مصدر منقوص باستثناء بعض المصادر البسيطة من جهات أخرى. فالتقارير الصادرة عن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي في الحرب هي جزء من الحرب ولا تنفصل عنها، فهي أداة ضمن الاستراتيجية الإعلامية للحرب، ولا يمكن اعتبارها مؤشراً على حقيقة ما جرى. مضافاً لذلك ومن خلال النظر إلى قائمة المصادر في نهاية الكتاب، يمكن الملاحظة أن معظم القراءات التي عاد اليها المؤلف إسرائيلية أو أمريكية. وهنا يجدر التساؤل عن سبب الإعتماد على مصادر المعلومات الإسرائيلية وتجاهل مصادر خارجية أخرى وأهمها الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية العالمية، التي أصدرت تقارير عديدة.
بالرغم من ذلك؛ فإن كوردسمان لديه ملاحظات حول ما صدر عن إسرائيل من معلومات حول الحرب وما صدر عن حماس، مفادها أنه لم يجد في إسرائيل من لديه رؤية أو وجهة نظر فيما يخص الحرب، فيما أن حماس لم يصدر عنها سوى شعارات وبروباجندا ولم يكن لديها رؤية واضحة. وهنا يخطئ مرتين، الأولى حين يتعامل مع إسرائيل وحماس على أنهم ضمن نفس التصنيف، رغم إدراكه أن هذه الحرب بين دولة ومنظمة اٌقل من الدولة هي حماس، فكيف لتعاملها مع الحرب أن يكون بمنطق الدول في مجال التقارير الحربية وغيرها؟ والثانية حين يحاكم حماس على أساس أنها هي من بادرت بالحرب، وبالتالي يطالبها برؤية واضحة ومعلومات دقيقة، والحقيقة أن نشاط حماس لم يكن سوى رد فعل على إعلان إسرائيل للحرب.
ربما هذا ما دفعه لاعتبار أن بداية الحرب لم تكن في نهاية العام 2008 وإنما بدأت مع بداية العنف في عام 2000، حين قرر عرفات أن يرد بعنف على زيارة شارون للمسجد الأقصى. فالمؤلف هنا يحاول الهروب إلى الخلف محاولاً القول أن بداية العنف كانت فلسطينية. معتبراً أن هذا العنف الفلسطيني الذي انطلق عام 2000 جاء مسبوقاً بفساد حركة فتح ومنظمة التحرير مما منع ظهور سلطة قوية بالإضافة إلى الانقسامات الفلسطينية والإسرائيلية وانتشار المستوطنات. وهنا يبدو أن المؤلف يختار من المعلومات ما يدعم توجها بعينه ويتجاهل معلومات مكمّلة لها. وهنا لا بد من الملاحظات التالية:
• الفلسطينيون لم يبدأوا بالعنف عام 2000 احتجاجاً على زيارة شارون للمسجد الأقصى، وإنما بدأوا بالاحتجاج بصورة مدنية داخل ساحات المسجد الأقصى، والرد الاسرائيلي كان عنيفاً على تلك الاحتجاجات وتم استخدام الأسلحة النارية مما أدى إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين خلال يوم واحد بعد زيارة شارون. علماً أن شكل الاحتجاج الفلسطيني والمقاومة تطورت من المظاهرات إلى رمي الحجارة إلى استخدام الأسلحة الخفيفة ومن ثم الصواريخ يدوية الصنع كرد فعل على التصعيد الإسرائيلي الذي استخدم طائرات الإف 16 في قصف مخيمات اللاجئين في كافة مدن الضفة وغزة.
• لو اتفقنا جدلاً وتجاوزاً مع كوردسمان وقلنا أن عرفات من بدأ العنف في عام 2000، فلماذا يعتبر أن الحرب هي حرب بين إسرائيل وحماس فقط، مستثنياً كل فصائل منظمة التحرير الأخرى. حقيقة الأمر إذا ما اعتبرنا أن الحرب بدأت عام 2000 فإن كل الفلسطينيين كانوا هدفاً لها، فكل الفصائل الفلسطينية اغتيلت قيادتها. حتى في الحرب على قطاع غزة لم تكن حماس وحدها المستهدفة، ولم تكن حماس وحدها من قاوم إسرائيل. حتى أسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط على أرض غزة كان عملية مشتركة بين العديد من الفصائل وإن كان بقيادة القسام.
• أتفق مع المؤلف أن حركة فتح ومنظمة التحرير تورطت في الفساد بشكل كبير مما أدى إلى إضعاف السلطة الفلسطينية، لكن أن يتم اعتبار هذا الفساد كأحد الأسباب الممهدة للعنف فهذا لا أتفق معه، لسبب منطقي واحد: أن أي استخدام للعنف هو تهديد لبقاء السلطة، وإذا كانت فتح ومنظمة التحرير فيها فساد، فهذا يعني أن هناك منفعة شخصية تحققها قيادات فتح من السلطة، وليس من مصلحتها بأي شكل أن تهدد وجود السلطة من خلال دعم العنف، وهذا الأمر أقرب للواقع، فقد قامت أجهزة السلطة الأمنية بالتصدي لحركات المقاومة الفلسطينية رغم عدم التقدم في العملية السلمية.
يشير كوردسمان أنه لم يهدف إلى محاكمة الحرب أخلاقياً أو قانونياً، فرغم قوله بعدم إمكانية تجاهل أهمية القانون الدولي يشير إلى أن السياسة تتلاعب بالقانون وتطبيقه، وهو محق في هذه الجزئية؛ لكنه يضيف سبباً آخر لعدم محاكمته للحرب قانونياً، وهو أن الحرب على غزة تجري بين دولة ومنظمة أقل من الدولة، وهنا يقول أن اسرائيل هي الدولة وهي مقيدة بالقانون الدولي وخاضعة له، أما حماس فهي ليست دولة ولا تعتبر القانون الدولي مقيداً لها. وهنا نتساءل، إذا كان الفلسطيني لم يحصل على استقلال دولته بسبب سياسة الإحتلال الإسرائيلي وتلكؤ المجتمع الدولي، فهل هذا يعطي أي شخص الحق أن يتعامل مع الفلسطينيين كجهة لا يحق لها الاحتكام للقانون الدولي، وكأنها هي من اختارت أن لا يكون لها دولة؟ إن مثل هذا الطرح تحت إطار علمي لا يتفق بأي شكل مع مبادئ حقوق الإنسان، علماً أن أول ما قصفته إسرائيل في قطاع غزة كان مؤسسات ووزارات السلطة الفلسطينية، وهي مؤسسات مدنية.
في ضوء حديثه عن مقدمات الحرب على قطاع غزة وبعد اعتباره أن البدايات كانت منذ عام 2000، يشير إلى تطور نفوذ حماس في المجتمع الفلسطيني، ونجاحها في الانتخابات المحلية والتشريعية، وهنا يتبنى المؤلف تفسيراً تقليدياً لسبب فوز حماس في الانتخابات، وهو برنامجها الاجتماعي مقابل فساد فتح، وهنا أود الإشارة إلى أن هذه العوامل صحيحة لكنها ثانوية في ضوء فشل محادثات السلام وعدم قيام الدولة وانهيار مؤسسات السلطة في انتفاضة الأقصى، كل هذه الأمور دفعت نحو تبني الفلسطينيين لخيار آخر من ناحية سياسية وليس اجتماعية فقط، وللتدليل أكثر على أن انتخاب حماس كان سياسياً أكثر من كونه دينياً أو اجتماعياً، أنه لو كان انتخاب حماس دينياً فلماذا لم يتم الإلتزام بقرار حزب التحرير والجهاد الإسلامي بمقاطعة الانتخابات، وإذا كان ردة فعل على فساد فتح، فلماذا لم يتم انتخاب الطريق الثالث أو المبادرة الوطنية أو الأحزاب اليسارية التي لم يُعرف عنها الفساد.
من ثمّ يشير المؤلف إلى سيطرة حماس على قطاع غزة، مضيفاً إلى أن سيطرة حماس على القطاع لم تكن نتيجةً لقوة حماس وإنّما لضعف فتح والسلطة وتدني مستوى القيادة. معتبراً أن النتيجة هي حكم حماس في غزة وحكم السلطة الفلسطينة في الضفة الغربية، وهنا يبدو أن المؤلف يستخدم ما يستخدمه الإعلام من مسمّيات ولا ينطلق من تقييم علمي يعتمد على معايير واضحة، فلماذا يعتبر أن من يحكم في غزة هي حركة حماس، ومن يحكم في الضفة هي السلطة الفلسطينية؟ رغم أن الحكومة في غزة حكومة منتخبة تم إقرارها في المجلس التشريعي، ومن يديرها هي الكتلة التي حصلت على الأغلبية في الانتخابات، أما الحكومة في الضفة فهي غير منتخبة ولم يتم إقرارها المجلس التشريعي ورئيسها لم يحصل على أكثر من 2% في الانتخابات، وهذا ما يخالف مسودة الدستور الفلسطيني، ومع ذلك يعتبرها المؤلف هي السلطة الفلسطينية، ولا يرى أن من يحكم في الضفة هي حركة فتح أو سلام فياض.
كوردسمان يوحي للقارئ أن سبب الأزمة في غزة هو نتاج تسلسل مجموعة من الأحداث أهمها:
• فساد فتح ومنظمة التحرير.
• العنف الفلسطيني في انتفاضة الاقصى.
• فوز حماس كخيار متشدد.
• استيلاء حماس على غزة.
• قصف "البلدات" الإسرائيلية بالصواريخ.
لكن سبب الأزمة في غزة والحرب عليهامن وجهة نظري، وسأعود سنوات إلى الوراء كما عاد المؤلف:
• فشل قمة كامب ديفيد، وعدم قيام دولة فلسطينية نتاجاً لعدم التزام إسرائيل بالتزاماتها.
• ظهور العنف كنتيجة لفشل خيار التسوية.
• تدمير إسرائيل مؤسسات السلطة في انتفاضة الأقصى.
• فوز حماس كخيار يتناسب مع خيار المقاومة.
• انسحاب إسرائيل من قطاع غزة شكلياً مع بقائه محاصراً من الجو والبر والبحر.
• عدم إلتزام إسرائيل والمجتمع الدولي بخيار الديمقراطية، ورفض نتائج انتخابات السلطة.
• مقاطعة حماس وحصار غزة.
• التخطيط لإسقاط حماس عبر جهة داخلية بتعاون خارجي.
• فشل إسرائيل في إسقاط حماس عن طريق الحصار.
فكانت النتيجة اختيار إسرائيل للحرب ضد غزة حتى تجبر الشعب على إسقاط حركة حماس، وتزامن ذلك مع الحملة الإنتخابية للكنيست الإسرائيلي، مما يؤشر على أن توجه كاديما للحرب آنذاك كان في إطار تنافس مع الليكود، وكأن كاديما أراد القول للإسرائيليين: نحن خياركم للحرب والسلم، والضحية هم الفلسطينيون.
يعود كوردسمان ليؤكد أن "استيلاء" حماس على قطاع غزة، وما لاقته من حصار جعلها تدرك مأزقها، ويستمر كوردسمان في تصوير مسار ما قبل الحرب وخلالها بشكل يفيد أن المسؤول هو حماس، و يزعم أن حماس هي من بادرت ببدء الصراع من خلال إطلاقها الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين، والمنشآت المدنية الإسرائيلية. وهو بذلك يقول: إن حماس هي من افتعلت ظروف الحرب، وقد مهدت لذلك عبر تجهيز نفسها بالصواريخ التي تصلها من إيران وجزب الله وسوريا.
وهنا أزعم كناقد أن كوردسمان يعاني من ازدواجية في الإطّلاع على الأمور، فهو يشير إلى أن الحرب على غزة كانت مسبوقة بصواريخ حماس التي أصابت مدنيين إسرائيليين، ولا يشير بحرف واحد إلى أن صواريخ حماس المضخمة إعلامياً مسبوقة بمقاطعة حماس دولياً، ومحاصرتها إسرائيلياً، وقبل أن تطلق الصواريخ على "المدنيين" الإسرائيليين وهم في الأصل مستوطنون على أرضٍ فلسطينية كان أطفال قطاع غزة يموتون لنقص الدواء والغذاء. علماً أن ذلك الأمر لن يتطلب من كوردسمان عناء السفر إلى قطاع غزة، بل يكفيه مكالمة تلفونية على منظمة أطباء بلا حدود.
بدأت الحرب بدون أهداف واضحة أو مؤكدة لإسرائيل وفي ظل انقسام القيادات، وقررت أن تعتمد في حربها على هجوم جوي ومن ثم بري تقضي فيه على بنية حماس الأمنية. ما يقوله الباحث حول عدم وضوح أهداف إسرائيل صحيح لمن يريد الاعتماد على المصادر الإسرائيلية فقط. فتصريحات القادة الإسرائيليين بشأن الحرب على قطاع غزة كان يكتنفها غموض متعمد لسبب ذكي، وهو عند انتهاء الحرب لن يكون بمقدور أحد أن يقيّم نجاح إسرائيل أو فشلها إذا لم يكن يعرف أهدافها بشكل واضح، حينها ستعلن إسرائيل أن أهدافها هي ذاتها التي حققتها من الحرب. لكن هذا ليس رأي العديد من المراقبين الذين يجزمون أن الحرب جاءت لتفعل ما لم يفعله الحصار.
البداية كانت مع الهجوم الجوي الذي قام بالأساس حسبما أشار الباحث على خطة الاستهداف، والتي حددت على أساسها إسرائيل كل المقار التابعة لحماس والأجهزة الأمنية والقيادات والبنية التحتية لضربها من الجو، ويقول كوردسسمان هنا: إن هذه الخطة أفادت إسرائيل كثيراً، فهي أنهكت حماس التي لا قدرة لديها على مواجهة القوات الجوية، وجنّبت إسرائيل مخاطر الحرب البريّة. وفي هذا الصدد يورد كوردسمان جداول تفصيلية للأنشطة العسكرية الإسرائيلية والصواريخ الفلسطينية وملخصاً لأهم الأحداث اليومية، معتمداً على بيانات الجيش الإسرائيلي.
الحرب الجوية أدت إلى تدمير بنية حماس التحتية وقتل مئات المقاتلين منها، وهذا ما عدّه الباحث نجاحاً للحملة الجوية. يبدو أنه قد نسي إشارته في بداية دراسته أن الحرب الاسرائيلية ليست ضد دولة وإنما ضد حركة، بمعنى أن تدمير كل مقرات الحكومة الفلسطينية لا يعني أي شيء من الناحية اللوجستية لحركة مثل حماس، فهي لا تتخذ من هذه المقرات قواعد لها، ولا تتدرب عسكرياً فيها، وكل أنشطة الجناح العسكري لحركة حماس سرّية للغاية، ولو كانت بهذه العلنية لما احتاج الأمر من إسرائيل سوى مجموعة غارات جوية أثناء أي عملية تدريب لكتائب القسام، إلا إذا كان الباحث يعتبر قصف إسرائيل لمقار الشرطة في غزة وقتل مئات من شرطة المرور وحفظ النظام في يوم تخرجهم إنجازاً عسكرياً ضد حماس.
يضيف الباحث أن الإنجاز العسكري الذي حققته إسرائيل توازى مع خلاف وانقسام داخل ترويكا القيادة الإسرائيلية، الخلاف كان على متى وكيف يتم إنهاء الحرب؟ فأولمرت يريد إنهاءها، وليفني وباراك يؤيدان الاستمرار. مضافاً إلى ذلك كانت إسرائيل تخسر دبلوماسياً على الصعيد الإقليمي والدولي، وقد بدأت حدة الانتقادات تزداد من العالم العربي والإعلام الأوروبي والمؤسسات الإنسانية والمنظمات الحقوقية، والطواقم التابعة للأمم المتحدة.
ومع ذلك يحاول كوردسمان أن يبرر ما اقترفته إسرائيل ضد الإنسانية، ويقول أنه لا توجد إلا شواهد قليلة على استهداف المدنيين، وأن أي حرب في منطقة سكنية لا بد أن يكون لها ضحايا، وهذا لا يؤشر على خرق القانون الدولي، كما لا يمكن التوصل إلى حل سحري يضمن أمن إسرائيل دون دفع الفلسطينيين تكلفة الأمر الذي تتحمل حماس مسؤوليته.
بعد كل الضربات التي تلقتها غزة من الجو، كان لا بدو من حملة أخرى، لأن هناك الكثير من الأهداف التي لا يمكن الوصول إليها من الجو، ولأن بعض القيادات في إسرائيل أدركت كما يقول الباحث أن الوضع بعد الحملة الجوية لم يكن وضع انتصار لإسرائيل، وأنها لن ترسم سياساتها بناء على موقف الشارع العربي أو الإعلام الأوروبي، وهذا ما يبدو سبباً لبدء الحملة البرية الجوية بتاريخ 3 كانون الثاني حتى 18 كانون الثاني.
الهدف من إطلاق هجوم أرضي جوي حسبما أورد كوردسمان هو تعزيز الردع وإضعاف حماس، وتقليل عدد الصواريخ التي تطلق على إسرائيل. يضيف كوردسمان أيضاً، أن إسرائيل استفادت من حرب لبنان 2006 وأخذت منها دروساً مفيدة، ولذلك استمرت في التدريب على مدار عامين، وقد طوّرت منهجية جديدة للحرب البرية ضد حماس تعتمد على الهجوم الليلي مستفيدة من قدراتها التكنولوجية في هذا المجال ومستخدمة للأسلحة النارية الموجهة عن بعد، كما أنّها منعت الصحافة من دخول غزة وسحبت أجهزة الهاتف من الجنود مما ضمن سرية الاتصالات العسكرية، بالاضافة لذلك فإن إسرائيل تجنّبت الأماكن الضيقة داخل المدن.
وحين بدأ كوردسمان بطرح سردي لمجريات الحرب يومياً، بدا واضحاً انشغاله بمحاولة تبرير الخسائر الإنسانية في الجانب الفلسطيني بشكل غير مباشر، مشككاً في رواية حماس حول الخسائر، وواضعاً إحصائيات يبين فيها التباين بين الأرقام التي وضعتها حماس والارقام التي وضعتها جهات أخرى، فهو يريد إيصال رسالة أن حماس ضخمت الأعداد. لكن حقيقة الأمر غير ذلك، فمن خلال الإطلاع على الأرقام التي وضعها في كتابه يتبين أن الفروق بين إحصائيات حماس وإحصائيات الجهات الأخرى لا تتجاوز العشرات فيما العدد الكلي بالآلاف، وهنا لا بد من التذكير أن المؤلف أشار إلى تدمير إسرائيل لكل البنية التحتية في غزة وشبكة الاتصالات وكل المؤسسات الحكومية، فكيف يتوقع من حماس وهي في الأصل لا تمتلك مؤسسات دولة أن تخرج باحصائيات مطابقة لإحصائيات الجهات الأخرى، هذا أولا، أما ثانياً، فإن كوردسمان أشار في كتابه إلى منع إسرائيل لكل الأجانب من دخول غزة بما في ذلك الصحفيين، فكيف حصلت هذه الجهات على إحصائيات دقيقة، فيما يتم التشكيك برواية من يقطن غزة؟
بعد انتهاء الحرب عسكرياً على قطاع غزة فإن الأزمة لم تنته حسب الباحث، فقد أكد أن كلا الطرفين حماس وإسرائيل باستطاعته الادعاء أنّه منتصر. مضيفاً؛ إن حماس بقيت تسيطر على قطاع غزة، ولم تقم إسرائيل باستعادة جلعاد شاليط، ولم تحل مشكلة الحدود، وزادت من تعاطف العرب والمسلمين مع حماس، ولم تجر ترتيبات واضحة مع أي طرف بشأن إعادة إعمار غزة، والخسائر التي تلقتها حماس في الأرواح يمكنها تجاوزها، والصواريخ لم تنقطع حتى نهاية الحرب. بعد كل هذه النقاط التي أشار إليها فإن استنتاجه بأن اسرائيل تستطيع الادعاء أنها منتصرة أمر غير منطقي.
آخر ما يطرحه الباحث هو ردود الأفعال الدولية على الحرب، معتبراً أن النتائج جاءت سلبية بالنسبة لإسرائيل، فقد ظهر جليّاً غضب الدول العربية والإسلامية والأوروبية على الهجوم العسكري الإسرائيلي، لكنه يذكر أن هناك فروق واضحة في طبيعة المواقف العربية والاسلامية، فهو يضع إيران وسوريا وحزب الله في جهة، وما أسماه بالدول العربية والإسلامية "المعتدلة" في جهة أخرى من بينها مصر والأردن والسعودية وقطر، مشيراً إلى تركيا أيضاً والتوتر الذي شاب العلاقة مع إسرائيل لأن إسرائيل اختارت وقت الحرب حين بدأت تركيا وساطة بين إسرائيل وسوريا.
يشير الباحث وهو محق في ذلك، إن من حق إسرائيل الافتراض بأن الغضب الخارجي عليها سيتلاشى بعد فترة قصيرة خاصة من الدول العربية الداعمة للسلام والدول الأوروبية. النتيجة الأكثر وضوحاً وأهمية برأيه هي تأثير الحرب على المجتمع الإسرائيلي الذي بات يشهد حالة من الانقسام حول إمكانية تحقيق السلام، خاصة أن ثلاثة أزمات واضحة حصلت بعد اتفاق أوسلو؛ انتفاضة 2000، حرب 2006، حرب 2008. الفكرة الأخيرة فيها نوع من التلطيف لصورة المجتمع الإسرائيلي، فهو لم ينقسم بعد حرب غزة وإنما منذ أوجد عام 1948 كما أن انقسامه السياسي حالياً ليس متعلقاً بكيفية تحقيق السلام، وإنما بكيفية تسخير عملية السلام لخدمة المشروع الصهيوني، وإن كان هناك طعن في ما أقول، فليرجع أي مراقب لللتقارير حول الاستيطان في الضفة الغربية مع انطلاق المفاوضات المباشرة في بداية أيلول 2010 في واشنطن.
ملاحظة: يمكن الإطلاع على هذا الإصدار على الرابط التالي:
http://csis.org/publication/gaza-war
باحث ومحلل سياسي فلسطيني- ماليزيا
التعليقات (0)