ظاهرة المرأة الحديدية في شعر سوسن السوداني
قراءة نقدية
سوسن السوداني شاعرة متمكنة من لغتها ، متمردة حتى على ذاتها . وبعكس الكثيرين ممن يكتبون قصيدة النثر، نجدها تكتب بلغة متماسكة واستعارات جميلة ، وتستخرج الموروثات الثقافية والدينية الشرقية والغربية ، وتوظفها بشكل موفق يخدم النص ،ويسهل وصوله إلى المتلقي بطريقة فنية .وهذا يؤدي الغرض الأول من الكتابة الأدبية .
وأود أن أشير إلى أن الكثير ممن يكتبون قصيدة النثر ،لا يعرفون للأسف الشديد ألف باء القصيدة .فتأتي نصوصهم ركيكة ومفككة ، وتدعو القارئ المتمكن من لغة الخطاب الشعري إلى التساؤل والحيرة : لماذا يكتبون؟ ولمن يكتبون؟
وهناك من شعراء قصيدة النثرمَنْ حافظوا على شعرية النص وإيقاعاته الداخلية والخارجية .واستخدموا أدوات الشعر بشكل موفق .كما ساعد تحررهم من أوزان الخليل بن أحمد على التوسع في رسم الصورة الشعرية .وشاعرتنا سوسن السوداني تعتبر من هذا الصنف ، حيث لاحظت الكثير من الأبيات في قصائدها موزونة تماما ً .
لنبحر في قصائدها .. حتى نرى نبرة التمرد والحديدية الأنثوية الجميلة واضحة في نصوصها .
1- التمرد على التقاليد البالية في النظرة الدونية إلى المرأة :
في قصيدة بعنوان " ممنوع "،تعلن تمردها على الموروث الثقافي والديني والكهنوتي الذي ابتليت به الأمة تجاه المرأة .حتى أن بعض الكتاب عابوا على المرأة كتابة شيء من شعر البوح الأنثوي .تقول سوسن السوداني :
لقد منطقوا كلَّ شيء
كلَّ شيء باسم الله والدين
2
موت غامض
تلفـّه أقدار عجيبة
مثقلة أنا
فوق أكتافي
تتراكم مآسي بلدي
لم أكن هشةً حد الكسر
ولم أكن لينة حد الطيّ
وجعي اسود
تصفعني حقائقهم:
يوم القيامة
الحلال والحرام
اغتيال العقل
صرنا نسمع الله وإبليس معا
صار للحلم طعمُ الحزنِ
ولونُ الدم
والامل يئدونه بمهده
3
البسطاء الطيبون ........
المذبوحون
"تنازلوا عن عقولكم
نحن نفكر بدلا عنكم
نحن نضاجع نساءكم
ليلدن أسيادا مثلنا"
لك الكرامةُ يا هذا
لقد وطئ سيدٌ انثاك
نساؤكم
أموالكم
حرث لكم
(أنّى) شئتم
نحن نباركهن لكم
منطق الأسياد المقدس
على رقاب المسوخ
وأحيانا ً نلمس عندها نبرة من الإحباط واليأس من التغيير نحو الأفضل .
ففي قصيدة بعنوان " أحلام الجلجلة " ، تقول :
النفس لا تسْلمُ من الأكاذيبِ المنثورةِ حواليها،
انها تضع قدمَها في منطقةِ الجنون ،
رغم رغبتها في الاضطلاع بدور ٍ ما
أقوى الأقراصِ سحريةً
لا يمكنها ان تهوِّنَ طريقَ الجلجلة
لانّ (درب الصّدْ ما رَدْ)
ممتدةٌ برسوخ ٍ
إلى اللانهاية
2- التمرد على الأوضاع الراهنة في العراق
كأي مثقف عراقي يعيش مغتربا ً عن وطنه ، حلمت سوسن السوداني بتغيير يوفر ولو الحد الأدنى من الأمن والأمان للعراقيين .ويتجلى هذا الإحساس لديها في معظم قصائدها حتى قصائد الحب والعشق .دعونا نرى :
في قصيدة " الحزن طاعن في جراحي " ، تقول :
اسمعُ صوتَكَ يناديني:
"..... لقد نالت عقوباتُ الربِّ الجماعية
مبكراً منا
ففي غرفةٍ بلا كهرباء...
أحصي أصواتَ القذائفِ ... والمتفجراتِ
على ضوء شمعة...
وألتَهِمُ العقاقيرَ المضادة َ للذكرياتِ الأليمة"
تفتحُ مدينتُنا عينيها
كلَّ صباح ٍ على .....
تلالٍ من الجثثِ الضاحكةِ
من هول ما ترى:
سيفا منهمكا في إجراءاتِ ختان ٍ جماعي
نسوة ٌخرافيات
لأنهن يُذبحن تماما كالخراف!
هل غاب َ(......) عما يفعلون
فقد ارتدى الشيطان عمامة
وأطال لحيته كتيس ٍ جبلي
خطانا مزدحمة ٌ بالأسئلة
فالذين يمرون بشوارعنا
تكسّر سرفات دباباتِهم جوْزَ أحلامِنا
المنافي لا تسَعُ أحلامَنا
فما حملناهُ من تعاويذِ العمرِ....
..... ليس إلا أوراقَ آمالٍ زائفة
ويبلغ الإحتجاج على الأوضاع المتردية في العراق ذروته في قصيدة " متّهَمون " حيث تقول :
متهمون
متهمون بالالحاد
لرفضنا الإدبار والأدبار..
ورفضنا الخديعة.
يا لصوص الظلام،
ابحثوا فيّ،
لن تجدوا سوى
ورقة سرية ولحظة سرية
و عادة سرية ..
سجناها ...قمعناها
داخل الالحاد
او داخل الحجاب
متهمون بعمالتنا للوطن
لاننا كتبنا عنه:
وطن اشلاؤه ممزقة
يبحث عن عنوان..
وامة ليس لها عفة
وكل شيء مباح
نصلي فجرا
نثمل ليلا
في وطن ٍ
الحب فيه ممنوع..
الجنس فيه ممنوع
العصافير فيه لا تغني،
لان الغناء حرام
مقامرون
يتخفون خلف جبنهم
وأقنعةٍ كالحة..
كتموا اصواتنا
لجموا شفاهنا
كي لا تنطق الحقيقة
وطن ٍ ...
حوارُه حذاءْ
رجاله اشباه
في عيوننا نثروا الرماد
وملأوا افواهنا علقماً
نثروا الملح على جروحنا
فضّوا بكارات نهاراتنا
بمضاجع الاشباه
...
...
اي هون ٍ هذا..ّ!
هل اعتدنا الهوان..؟
ثم تصب جام ّ غضبها على المتسترين بثوب الدين، وهم يمارسون على أرض الواقع كل ما حرمه الدين .ففي قصيدة "ممنوع" تشرح وضع الجماعات والأحزاب المتلفعة بعباءة الدين وشعاراته .والتي كانت أحد أسباب تفجر شلال الدم الذي لا يزال يجري في العراق .فالقتل يمارس باسم الله والدين .وكذلك الإختطاف والإغتصاب .وتتحدث أيضا ً عن تبعية البسطاء المخدوعين برجال الدين ،مع أنهم في الحقيقة ليسوا كذلك .تقول :
خطوطٌ حمرٌ
رموز ..........
علامات.......
إشارات........
رموز
الله قابل للنقد
كما الرموز قابلة أيضا
من أين جاء هؤلاء الغرباء....
لا نعلم
لقد جاؤوا وحسب
يدّعون أنهم كانوا جزءا منا
لكن .....
لا نلمس لهم لونا
ولا نلمس لهم رائحة
جاؤونا بجنازيرَ وبأسماءٍ
لم نألفْها
لاشيء خارج المنطق
لقد منطقوا كلَّ شيء
كلَّ شيء باسم الله والدين
2
موت غامض
تلفـّه أقدار عجيبة
مثقلة أنا
فوق أكتافي
تتراكم مآسي بلدي
لم أكن هشةً حد الكسر
ولم أكن لينة حد الطيّ
وجعي اسود
تصفعني حقائقهم:
يوم القيامة
الحلال والحرام
اغتيال العقل
صرنا نسمع الله وإبليس معا
صار للحلم طعمُ الحزنِ
ولونُ الدم
والامل يئدونه بمهده
3
البسطاء الطيبون ........
المذبوحون
"تنازلوا عن عقولكم
نحن نفكر بدلا عنكم
نحن نضاجع نساءكم
ليلدن أسيادا مثلنا"
لك الكرامةُ يا هذا
لقد وطئ سيدٌ انثاك
نساؤكم
أموالكم
حرث لكم
(أنّى) شئتم
نحن نباركهن لكم
منطق الأسياد المقدس
على رقاب المسوخ
4
صبرا كلماتي
صار الصمت نعمة
الموت وافرٌ
كوفرة الأكفانِ والقبورِ والرصاصْ
تمهّلْ .....تمهّلْ
ايها الكلام
حتى نتعلم الفعل
بنينا قبورنا
مذ كنا أحياء
ففي القبر متعة لا تُضاهى...:
حدودٌ، ودفءٌ، وطمأنينةٌ
القبر أجملُ
فالأمان نبعٌ
افتقدناهُ منذ زمنْ
3- نبرة التمرد والقوة في قصائد الحب والعشق
الحب حالة من الضعف البشري والإستكانة اللذيذة ، يشعر بها المحب تجاه حبيبه .ولكن سوسن السوداني حينما تكتب عن حالة الضعف هذه ، فإنها تصور لنا امرأة قوية تحول ضعفها إلى قوة .ففي قصيدة " جنكيز خان ومنطق الوردة " ... تفتتح القصيدة بعبارة ولا أجمل :
سأهيمن عليكَ أيها المتجبر
طوالَ أيام ِ حياتكْ
أشواكٌ ... وأشواكٌ أيضا
ستولدُ لكَ
من عرَقِ جبينكْ
هذه القصيدة تصور امرأة عنيفة في حبها ، قوية الشكيمة ، تحب تبادل السيطرة من الطرفين بقوة .
ومن الجدير بالذكر أن بدايات ومفاتيح قصائد سوسن السوداني تأتي موفقة ومدروسة بشكل فني .وتجعل القارئ المتمكن يفهم المكتوب من عنوانه كما يقال .ويتجلى ذلك في قصيدة " طقوس التبجيل " :
كيف تسللتَ خلسةً مني
أسرتَني ...سبيتَني
أيُّ خمر ٍ في عينيكَ أسكرني؟
وأيُّ سيفٍ من رمشيْكَ قتلني؟
سلبتني بهواك َ
وقبلكَ
ماعرفت ُالهوى
إنها تستكثر أن يخترق ذلك الرجل جدارها الحديدي ،بينما لم يستطع أحد من قبل أن يفعلها . إن مقدمة القصيدة تصور حالة رائعة من الإستغراب والدهشة .
ثم تُعرّج الشاعرة على حالة الضعف اللذيذ التى ذكرناها ، حيث تقول :
بذراعيكَ ضُمّني
إسقِني
لتخضرَّ صحرائي
ظمآنةٌ أنا
إروِني
وبثّ َ الروحَ في روحي
إلى أن تصل إلى قمة العطاء الأنثوي لإمرأة حديدية حين تقول :
متى أخلو بكْ
وأمتصُّ من شفتيكَ رحيقي
ألثمُكْ ...
وأنْهَم ُ ربيعي
نلاحظ أن كلمة " أنهَمُ " لا يمكن استبدالها بكلمة أخرى تؤدي نفس قوة المعنى .
ثم تنهي القصيدة بمقطوعة مبتكرة ورائعة :
سأجعلكَ تنسى كلَّ نساءِ الدنيا
اباركُكْ
والثمُكْ
أدخلْ جهنمي
هي أجملُ من دنياكْ
وتتكرر صورة المرأة الحديدية في قصيدة " في الباب رجل ٌ ... أنت " ، تقول :
إلى أن تصل إلى عبارة :
خفّفْ غرورك َ
ما أحقر َ كراهاتك َ المغذاة َ بالأكاذيب
وهي هنا تطلب أن يصل الحبيبان إلى نقطة التعادل " الكل رابح ...win-win situation " حيث تقول :
4- خاتمة
لا بد لنا في الختام من التعريج على استخراج الموروثات الثقافية والدينية عند سوسن السوداني .وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها شاعرة مثقفة وقارئة جيدة ومطلعة على الثقافات الشرقية والغربية :
1- الإقتباس من القرآن الكريم :
في قصيدة " ممنوع " ، إقتبست ( نساؤكم ، حرثٌ لكم ، أنّى شئتم ) :
نساؤكم
أموالكم
حرثٌ لكم
أنّى شئتم
يقول الله تعالى : " نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم " .
في قصيدة " خفقةٌ دونما تصنُّع " . إقتبست ( ينوء، صبر جميل ) .. تقول :
تهوم عيناي في الفراغ
وينوء داخلي ب " صبر ٍ جميل ٍ "
ففي سورة يوسف قال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام : " فصبر ٌ جميل ٌ والله المستعان " . . وفي سورة القصص ، قال تعالى عن قارون : " وآتيناه ُ من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة " .
في قصيدة " بين كلماتِك َ أرتحل ُ " ، إقتبست كلمة " سورة " كمجاز ٍ لغوي عندما قالت :
كل َّ ليلة
نغيب ُ في سورة الروح ِ
حتى الصباح
هذه ليالينا
2- الإقتباس من التوراة :
في قصيدة " الحزن طاعنٌ في جراحي " إقتبست عبارة ( عقوبات الرب الجماعية ) من التوراة حيث تقول :
اسمعُ صوتَكَ يناديني:
"..... لقد نالت عقوباتُ الربِّ الجماعية
مبكراً منا
ففي غرفةٍ بلا كهرباء...
أحصي أصواتَ القذائفِ ... والمتفجراتِ
على ضوء شمعة...
وألتَهِمُ العقاقيرَ المضادة َ للذكرياتِ الأليمة"
3- إستعارة أسماء لمشاهير غربيين والإقتباس منهم :
التشكيلي الهولندي( فنسنت فان كوخ 1853 – 1890 ):
في قصيدة " خفقةٌ دونما تصنُّع " ، تقول :
أحالَ الحزنُ شمسَ " فانكوخ "
إلى علبةِ صفيح ٍ صَدئة
والقطّ ُ الأسودُ خرج من فم القصخونِ
متجهاً قبالتي
مسخني طائراً يترقب عاصفةً
الشاعر الأمريكي المجدّد ( إزرا لوفيس باوند 1885 – 1972 ) :
في قصيدة " في الباب رجلٌ أنت " ، تقول :
أرجو أن أكون قد وُفقت في هذه القراءة السريعة لشعر المبدعة سوسن السوداني
التعليقات (0)