مواضيع اليوم

قراءة موضوعية عاجلة في أحداث سوريا...

  في البدء لا بد من التأكيد على أن الحكمة هي ضالّة المؤمن، وعلى أن الحقيقة هي الهدف الذي يسعى إليه، وأن كلمة الحق يجب أن تقال حتى لو كانت ضد أقرب الناس إليك، وأدناهم منك، وحتى لو كانت أيضًا إلى جانب عدوٍّ يناصبك العداء، وقديمًا قالت العرب: والفضل ما شهدت به الأعداء.

   وفي البدء أيضًا لا بد من الإشارة إلى أن المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ولا يخذله، ولا يتخلى عنه، ولا يبيعه بكل كنوز الدنيا، وبكل مغرياتها، ولا بد من الإشارة إلى أن المسلمين تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سواهم، ولا بد أيضًا من الإشارة إلى أنه إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، لأن المقتول كان حريصًا على قتل صاحبه!! ولا بد من التأكيد على أن الناس جميعًا في كل ديار العروبة والإسلام هم إخوةٌ متحابون، ومواطنون متساوون أمام القانون، وهم جميعًا شركاء في بناء أوطانهم، وصنع حضاراتهم، وإثراء ثقافاتهم، يشهد على هذا تاريخ هذه الديار العربية الإسلامية، وحضارة هذه البلاد العربية الإسلامية، وآداب هذه الديار العربية الإسلامية، وعلومها، وسائر إنجازاتها في مجالات الطب والهندسة والصيدلة والفلك واللغات، وسائر العلوم الإنسانية التي بنى صرحها، وأرسى دعائمها، وأعلى بنيانها كل مواطني هذه الديار على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وألسنتهم وأديانهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم عندما قرروا العيش في كل ديار العروبة والإسلام، في شرق الدنيا وغربها، إخوة متحابين متسامحين عاملين من أجل إثراء هذه الحياة وإغنائها بالعلم والعمل والمحبة والتسامح والتعاون والبناء والتقدم والتطور والنهوض بالأفراد والمجتمعات والتجمعات والشعوب، لتنهض بذلك الأمة ، ويحقق الناس الغاية التي وُجدوا من أجلها، والهدف الذي من أجله كانت هذه المجتمعات، وكانت هذه الحياة البشرية في هذا الوجود.

   لا بد من التذكير بهذا كله، ولا بد من التأكيد عليه، والإشارة إليه، ولا بد قبل ذلك، أو بعده، من الإشارة إلى أن علاقة هذه الدولة العربية الإسلامية مع غيرها من الدول كانت قائمة على الاحترام والتعاون وتبادل الخبرات والمعلومات، ولا ينسى أحد من أهل هذه الديار، وغير هذه الديار، كيف كانت العلاقة بين المسلمين وأعدائهم حتى في حالة الحروب والغزو العسكري، عندما أرسل صلاح الدين أكبر أطبائه وأشهرهم لعلاج أكبر أعدائه ريكاردوس، ولا أحد من أهل هذه الديار أيضًا يمكن أن ينسى كيف كانت هذه الدولة العربية الإسلامية قوية عزيزة مرهوبة الجانب يخشاها أعداؤها، وإن كلمات الخليفة العباسي التي وجهها إلى الغزاة لا تزال تتردد في جنبات هذا الكون: الجواب ما تراه، لا ما تسمعه، لقد أرسلت لك بجيش أوله عندك، وآخره في منابت الزيتون!! ومنابت الزيتون هي بلاد الشام.

   لم تكن علاقة العرب والمسلمين مع غيرهم من دول هذا العالم آنذاك قائمة على الخضوع والتبعية، ولم تكن قائمة على المذلة والهوان، ولم تكن قائمة على تلقي التعليمات والأوامر من تلك الدول، ولم يكن العرب والمسلمون ليسيروا في فلك تلك الدول، ولم يكونوا ليطئطئوا الرؤوس، أو يحنوا القامات والهامات أمام رؤساء تلك الدول، أو سفرائها، أو جيوشها، وإنما كان العرب والمسلمون سادة الدنيا في أيام السلم، وفرسانها في أيام الحرب، ولعل من الضروري هنا أن نشير إلى أن هذه الديار قد تعرضت في الماضي لموجات من الغزو، وأسراب من الغزاة، وألوان من الاحتلال والمحتلين، ولكن أهل هذه الديار على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأديانهم كانوا دائمًا يتصدون لهؤلاء الغزاة المحتلين، وكانوا دائمًا يحررون هذه الديار العربية الإسلامية من عدوانهم وغزوهم، وكانوا دائمًا يستعيدون أراضيهم وديارهم من عدوان المعتدين الغزاة الطامعين.

   هكذا كان العرب، وهكذا كان المسلمون في سالف الأحقاب والأزمان، وهكذا كانت علاقاتهم مع غيرهم من دول هذا العالم وأممه وشعوبه، على الرغم من تلك الانتكاسات التي أصابتهم في ذلك الماضي، وعلى الرغم من فترات الضعف التي كانت تعتريهم بين الحين والآخر، وعلى الرغم من الهزائم التي حاقت بهم أيضًا.. إلا أنهم كانوا سرعان ما يحولون الهزائم إلى انتصارات، وسرعان ما كانوا يستردون عافيتهم، ويحررون أوطانهم، وسرعان ما كانوا يوحدون صفوفهم من جديد.

   إن تاريخ هذه الديار (على الرغم من كثير من المآخذ، وكثير من السلبيات) هو تاريخ مشرّف مشرق، وهو تاريخ حافل بالأمجاد وحافل بالانتصارات، وحافل بالعزة، والثقة، والمحبة، والتسامح حتى في أسوأ الظروف، وأمرّها، وأشدها حلكةً وسوادًا .. ولقد كان تاريخ هذه الديار حتى عهد قريب تاريخًا يبشر بقرب انتصار العرب على أنفسهم، وبقرب انتصارهم على عوامل ضعفهم وتخلفهم وتفرقهم وتمزقهم، وبقرب انتصارهم لقضاياهم العادلة، وما أكثر هذه القضايا!! لقد كانت الشعوب العربية حتى عهد قريب شعوبًا متفائلة مؤمنة بحقها في الوحدة والحرية والاستقلال، شعوبًا مؤمنة بحقها في فلسطين، وحقها في تحرير كافة أراضيها المحتلة، وحقها في بناء دولة الوحدة العربية، وإقامة المشروع العربي فوق أرض العرب.. ولقد كانت هذه الشعوب حتى عهد قريب لا تنظر بارتياح إلى هذه الحدود التي اصطنعها الاستعمار بين أقطار العالم العربي، ولا تنظر بأدنى ارتياح إلى هؤلاء الحكام الذين يسيرون في فلك الغرب، ويستمرئون التعاون معه، والتبعية له، والسير على خطاه.. ولقد كانت هذه الشعوب حتى عهد قريب مؤمنة بثوابتها، متمسكة بحقوقها، متشبثة بأهدافها وغاياتها في صنع الحياة الحرة الكريمة لأمة العرب على كل أرض العرب.

   وإن تاريخ هذه الديار ليؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك على أن معسكر الاعتدال العربي (وهو المصطلح الذي يطلقه السياسيون العرب على البلدان العربية الموالية للغرب) كان حتى عهد قريب لا يجرؤ على المجاهرة بتبعيته للغرب، وكان حتى عهد قريب يخشى الشعوب العربية، ويخشى الأنظمة العربية التقدمية، ويخشى الثوريين العرب، والتقدميين العرب، والمثقفين العرب، والإعلاميين العرب، ويخشى الحركة التحررية العربية، والحركة الوطنية العربية، والحركة القومية العربية، والمد القومي الثوري العربي.. وكان هذا المعسكر يعمل – على الأغلب – في الظلام، حتى كانت حرب أكتوبر 73، وكانت اتفاقات كامب ديفيد، وكانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وما تلا ذلك من معاهدات واتفاقات، وما أعقب ذلك من علاقات عربية اسرائيلية رسمية أو شبه رسمية، سياسية، أو اقتصادية.. لقد تمكن هذا المعسكر من الترويج لأفكاره وسياساته وارتباطاته وتوجهاته، وتسويغ ذلك كله، أو فرضه على كثيرٍ من العرب، مستفيدًا في ذلك من انهيار الاتحاد السوفياتي، ومستفيدًا من ضعف حركة التحرر العربي، واهتزازها أمام ضربات الغرب، ومستفيدًا من اجتياح العراق العربي، ودخوله في حظيرة الاحتلال، ومستفيدًا من التبشير الغربي بالفوضى الخلاّقة، ومستفيدًا من حالة التقهقر العربي، والتراجع العربي، والانهيار الذي أصاب كثيرًا من العرب على اختلاف أسمائهم ومسمياتهم، وعلى اختلاف صفاتهم ومواصفاتهم.. وهكذا وجد كثير من العرب أنفسهم في سباق مع الزمن من أجل تحقيق المكاسب الشخصية عن طريق الانخراط في سلك هذه الأنظمة، وفي سلك هذه المشاريع التي أقامها الغرب بشقيه مع حليفته، ورأس حربته في المنطقة العربية.. وهكذا أيضًا دخل كثير من المثقفين العرب، والكتاب العرب، والإعلاميين العرب، والمفكرين العرب، والأكاديميين العرب، وزعماء القبائل العرب، والعمال العرب، والنقابيين العرب، وكثير من الشخصيات الاعتبارية العربية، وكثير من الرأسماليين العرب هذه اللعبة القديمة الجديدة، وأصبح هؤلاء إضافة إلى من سبقوهم أعضاء فاعلين على الساحة العربية، ومع هذه الأنظمة العربية، أو خلايا نائمة تنتظر الإشارة للتحرك.

   وهكذا أصبح معسكر الاعتدال العربي قوة سياسية اقتصادية إعلامية اجتماعية تغلغلت في صفوف أبناء الأمة العربية (مستفيدة من هذه الخلافات والانقسامات، وموظفة حالة البطالة والفقر والحصار وسائر التناقضات) وضمت كثيرًا منهم إلى صفوف أجهزتها وقواتها النظامية والشعبية.. وهكذا أيضًا وجد هذا المعسكر نفسه وجهًا لوجه أمام تحالف طهران – بغداد – دمشق – أنقرة، هذا التحالف الذي يدعم حزب الله والمقاومة في لبنان، وحماس والمقاومة في فلسطين.. وهكذا أيضًا خاض هذا المعسكر حربه المكشوفة ضد هذا التحالف: فإيران شيعية فارسية تضطهد السنّة، وتحتل ثلاثًا من الجزر العربية، وتعكف على مشروع نووي رهيب يهدد الأمة العربية في شبه الجزيرة والخليج، وعليه، فلا بد من التصدي لإيران ولمشاريعها الرهيبة، وأطماعها في بلاد العرب، وأما العراق فكثير من أبنائه شيعة، ولكن كثيرًا منهم أيضًا سنيون، دولة شمال العراق كردية سنية، وهذا يخدم قضيتنا كثيرًا، وأما بغداد ووسط العراق فلا بد من تفجيره وتثويره وإحراقه بنيران رجال السّنة.. وأما سوريا فلا بد من إحراقها وتمزيقها بحرب أهلية طائفية مدمرة، أما السبب، أو الأسباب، فمؤازرتها للمقاومة اللبنانية التي استولت على لبنان، وحررت الجنوب، وهزمت إسرائيل، وباتت صواريخها تهدد الوجود الإسرائيلي، وتهدد بالطبع وجود كثير من التجمعات العربية الموالية لمعسكر الاعتدال، وسلاح حزب الله هو سلاحٌ سوري إيراني يجب أن يُنزع، وهو يدٌ سوريّة إيرانية يجب أن تُقطع!! وأما المقاومة في فلسطين فيجب أن تنتهي إلى الأبد، ليتمكن المجتمع الدولي من حل هذه القضية، وفرض الحل الذي يراه، كما فرض كثيرًا من الحلول من قبل!! أما الانتخابات التي أتت بهؤلاء، فإننا لا نعترف بنتائجها، لأنها التفافٌ على "الديمقراطية" وتسخير صندوق الانتخاب لغاياتٍ وأهدافٍ لا نريدها، ولا يريدها المجتمع الدولي، فصندوق الانتخاب يجب أن يأتي بالمسالمين، وإلا فإن أحدًا لا يمكن أن يعترف بمن أتى بهم هذا الصندوق، لأن هذه هي الديمقراطية، ولأن هذا هو العدل والحق، ولأن هذا هو السلام الذي اتفقنا عليه، ونسعى إليه.

   وأما تركيا، فلا بد أن يقف أردوغان عند حده، ولا بد أن يُلغي كافة الاتفاقات التي أبرمها مع سوريا، ولا بد أن ينقلب إلى عدو لسوريا من جديد، بتحريض من حلف الناتو الذي قرر شطب سوريا عن الخريطة، بعد إسقاط النظام فيها، وتقسيمها إلى عددٍ من الدويلات الطائفية والعرقية.

   معسكر الاعتدال العربي، وبعد سيطرته على الجامعة العربية، وبعد تخلي الغرب عن فكرة تدمير سوريا بأسلحته وطائراته وصواريخه وعدوانه المباشر كما فعل في ليبيا بعد موقف روسيا والصين، وبعد أن أوكل إليه الغرب هذه المهمة راح يعمل بكل الوسائل من أجل إنجاحها، بالتعاون مع الغرب وإسرائيل صاحبتي المصلحة في شطب سوريا عن الخريطة كدولة مستقلة ذات سيادة، وتقسيمها إلى دويلات، وضم أجزاء منها إلى هذا البلد أو ذاك... وراح هذا المعسكر يعقد المؤتمرات، ويستقطب الأنصار والأعوان، وينسّق مع كل أعداء سوريا، ويجنّد الحاقدين والجهلة والموتورين والبسطاء الذين لا يعرفون حقيقة ما يُراد بهم، وبوطنهم السوري، وبوطنهم العربي بعد ذلك، ويخوضها حربًا مدمرة على السوريين في مدنهم وقراهم، ويرتكب من المجازر والمذابح ما تقشعر لهوله الأبدان، ملصقًا كل ذلك بالنظام، ومتهمًا جيش سوريا بما يرتكبه هو من عدوان على الناس في أرزاقهم وأموالهم وأعمالهم ومؤسساتهم وأمنهم وأمانهم واستقرارهم، تقف إلى جانبه في كل ذلك، وفي كثير غيره مما لا يقال، ومما لا تستسيغ سماعه الآذان فضائيات عربية وغير عربية، وشيوخ مسلمون ضالعون مع رموز هذا المعسكر، يزينون له سوء عمله، ويشدون أزره بهذه الفتاوى التي بات أمرها عجبًا، وبات وقوفها إلى جانب أعداء العروبة والإسلام جليًّا واضحًا ليس بحاجة إلى دليل أو برهان!!

   ولكن ما ينبغي أن يشار إليه في الوقت نفسه أنه، وبعد مرور أكثر من أربعة عشر شهرًا على هذه الفتنة العمياء التي أثاروها في سوريا العربية، وبعد كل أعمال التدمير والتفجير والتقتيل وسفك الدماء، وكل محاولات تخريب البلد، وكل محاولات الاصطفاف، والأعمال الكيدية، والأكاذيب، والافتراءات، والفتاوى التحريضية التي مارسها شيوخ الفتنة، وبعد كل هذه المؤامرات العربية الإسرائيلية الغربية التي بات المراقبون السياسيون والعسكريون في هذه الديار يدركون جيدًا كل أبعادها، ويمسكون جيدًا بكل خيوطها ومؤشراتها خيطًا خيطًا، ومؤشرًا مؤشرًا، وبعد افتضاح أمر هذه المؤامرات للقاصي  والداني، وبعد أن رُفع المحظور، وظهر المستور، وسقطت ورقة التوت، أو أوراق التوت، وبعد أن صار اللعب بعد كل هذه المدة الزمنية على المكشوف، وبعد أن أصبح المراقب في هذه الديار، وفي غيرها من ديار العروبة لا يخشى في قول كلمة الحق لومة لائم، وبعد أن أصبحت المعركة معركة وجودٍ أو عدم، وبعد أن سقطت كل الأقنعة عن كل الوجوه.. ما ينبغي أن يشار إليه بعد كل هذا هو أن سوريا قد تصدت لهذه المؤامرات والدسائس بكل قوة وجرأة ووحدة وتماسك وثبات، وأن جيش سوريا كان متماسكًا قويًّا ولا يزال، وأن شعب سوريا قد انتصر على المؤامرات والدسائس على كثير من الصعد، وفي أكثر من مجال، وأن الغالبية الساحقة من المسلمين السنة في سوريا قد حاربت هذه المؤامرات، وتنبهت لمراميها منذ الأيام الأولى لهذه الفتنة العمياء، والجهالة الجهلاء، وكذا سائر الطوائف والمذاهب والأعراق والألوان والألسنة في سوريا العربية، وأن الغالبية الساحقة من أبناء العروبة والإسلام من المقيمين في سوريا العربية كانت ولا تزال كغيرها من السوريين الشرفاء الذين يفتدون تراب الوطن السوري بالمهج والأرواح، وأن الغالبية الساحقة من أبناء العروبة في أقطار الجوار، وعلى امتداد الوطن العربي أيضًا قد ازدادت تمسكًا بعروبة سوريا، وتأييدًا لكل مواقفها العربية العروبية المعلنة، وبكل توجهاتها السياسية والفكرية والثقافية والنفسية في كل بلاد العرب والمسلمين، ولعل طرد السفراء الغربيين من دمشق يشير بوضوح إلى إصرار هذا القطر العربي على الندية في المعاملة، ولعل هذا أيضًا قد أثار إعجاب كثيرٍ من العرب، وإعجاب كثيرٍ من المسلمين بمواقف سوريا الثابتة، وغير القابلة للمساومة والمهادنة على حساب الحق العربي والكرامة العربية.

   وما ينبغي أن يُشار إليه هو أن العزف على نغمة سنيٍّ وشيعيٍّ لم تجد آذانًا صاغية، ولم يتمكن المخططون لهذه الفتنة الكبرى من تحقيق أهدافهم، ولم يتمكنوا من تحريك الجماهير العربية بالعزف على هذه النغمة النشاز، والضرب على هذا الوتر المقطوع، ولم تجد آذانًا صاغية كذلك كل محاولات التكفير، وكل محاولات التحريض، وكل محاولات إغراق الحدود السورية بالأموال والأسلحة والمرتزقة المجلوبين من كل واد.. لقد انقلب السحر على الساحر في تركيا، حيث تحاصر الأحزاب التركية، والقوميون الأتراك، ونقابات العمال، وكثير من المثقفين والمفكرين والإعلاميين هذه الحكومة التركية التي يقف على رأسها أردوغان، لأن الشعب التركي، والأحزاب والتنظيمات والقوى الوطنية والاجتماعية والثقافية في تركيا، كل ذلك لا يريد لهذه العلاقات التركية السورية أن تتدهور، ولا يريد لهذه الحدود بين البلدين أن تُستغل ضد سوريا، وشعب سوريا، وإرادة الحرية والتحرر والتحرير في سوريا.. ولقد انقلب السحر على الساحر في لبنان، وكانت الوحدة الإسلامية التي تجلت بين الشيعة وكثير من أقطاب السّنة ورموزها، والغالبية الساحقة من المسلمين السّنة على كل أرض لبنان، مضافًا إليها هذه الوحدة الإسلامية المسيحية التي جمعت في صفوفها كافة الشرفاء من اللبنانيين العرب العروبيين.. كان ذلك كله هو الرد اللبناني على كل محاولات تسخين "الحدود"، وعلى كل محاولات تهريب الأسلحة والأموال والمرتزقة إلى الوطن السوري عن طريق هذه "الحدود".. ولقد انقلب السحر على الساحر في كل أقطار الجوار، وباءت كل مراهنات المراهنين على التلاعب بعواطف الناس ومشاعرهم بالخسران المبين، وها هم الناس في كل أقطار الجوار يؤكدون وقوفهم إلى جانب سوريا، والتفافهم حول قلعة العروبة في دمشق.. وكذلك فإن السحر بدأ ينقلب على الساحر في تلك المناطق التي تعهدت أنظمة الحكم فيها بمواصلة أعمال التخريب والقتل والتدمير في سوريا نيابة عن كل أعدائها، وبالأصالة عما تكنه لسوريا ولكل العرب الشرفاء من حقد وكراهية وعداء، لقد بدأ السحر ينقلب على الساحر هناك، ويستطيع المراقب بسهولة ويسر ودون عناء أن يرى ذلك على وجوه أولئك الذين يناصبون سوريا وأمة العرب العداء، وأن يدرك أبعاد ذلك أيضًا في هذيانهم وتناقضاتهم وأميتهم التي تعكسها حركة ألسنتهم في أفواههم، وما تخفي صدورهم أمر وأدهى، ولكن لا يشعرون، ولكنهم – يقينًا – سيعرفون أن الله حق عندما تتولى شعوبهم أمر حسابهم وعقابهم ومساءلتهم عن نفط هذه الأمة، وأرصدتها في يوم بات أقرب إليهم من حبل الوريد.

   ما من شك في أن من أسباب انتصار سوريا على هذه الفتنة العمياء هو وقوف روسيا والصين وكثيرٍ من دول العالم وشعوبه إلى جانبها، وما من شك في أن تماسك الشعب والجيش كان سببًا من أسباب ذلك، وكذلك فإن وقوف كثير من الأشقاء العرب، والإعلاميين العرب، والمفكرين العرب، والأحرار العرب إلى جانب سوريا كان له تأثير بالغ على حسم الأمور فيها لصالح الوطن السوري، والقضية السورية التي انتصرت على كل دعاة الفتنة والوقيعة والدسيسة، ومحاولات القضاء على هذا القطر العربي السوري، وشطب هذا الاسم الجميل، ومحوه عن الخريطة كما يقول كثير من المفكرين العرب والأجانب، وما من شكٍّ أيضًا في أن الإعلام السوري قد لعب دورًا مميزًا في هذا، وقد كان له الأثر البالغ في شرح الحقيقة، وتوضيحها، وكان له الأثر البالغ في الرد على خصومه، وفي الرد على المتآمرين الكاذبين المفبركين المحرضين، وكان له الأثر البالغ في إقناع الشرق والغرب بكثيرٍ مما يحصل على الأرض في سوريا، وبكثيرٍ من الحقائق المتعلقة بالأوضاع في سوريا، ولقد تمكن الإعلاميون السوريون بما لديهم من فضائيات ومطبوعات ووسائل إعلام واتصال من إحراز النصر على جيوشٍ كثيرةٍ متنوعةٍ تجمعت للنيل من سوريا، وعلى مؤتمراتٍ تبنت كثيرًا من المؤامرات ضد سوريا، وضد لبنان، وضد فلسطين، وضد العراق، وضد أمة العرب، وضد القرار العربي الحر السيد المستقل، وضد مصير هذه الأمة العربية، ومصير الأجيال العربية على كل أرض العرب.

   واليوم، وبعد أن تبين لكل هؤلاء وأولئك ما كان لهذا الإعلام السوري، والإعلاميين السوريين، وللإعلاميين العرب الشرفاء من أثرٍ فاعل في هزيمتهم، وتعرية أكاذيبهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وبعد أن أيقن هؤلاء وأولئك أن الإعلام العربي السوري قد تمكن من إحراز النصر في معارك غير متكافئةٍ مع كل هذا التجييش الإعلامي الذي استهدف سوريا، واستهدف معها كل قضايا الأمة العربية العادلة، فقد قرروا في جامعتهم مؤخرًا أن يشطبوا الفضائيات السورية، بعد أن فشلوا في شطب الوطن السوري! ظنًّا منهم أن إغلاق هذه الفضائيات سيمكّنهم من سوريا! ألمثل هذا الحد بلغ بهم الحقد على سوريا؟ أإلى هذا الدرك قد انحدر بهم التفكير؟ أيظنون أن هذه الشركات لعبة في أيديهم؟ أم يظنون أن سوريا عاجزةٌ عن إيجاد البدائل؟ عجيبٌ أمر هؤلاء! ألا يعلمون أن إغلاق هذه الفضائيات السورية سيكون نصرًا جديدًا مؤزرًا لسوريا؟ لأنه سيلهب مشاعر العرب في كل أرجاء هذا العالم، ولأنه سيدفع العرب جميعًا إلى الثورة ضد هؤلاء الطغاة الذين يقتلون الشعب السوري، وغيره من شعوب هذه الديار، ويحاصرون الشعب السوري، وغيره من شعوب هذه الديار، ويعتدون على الحريات العامة في القول والتفكير والتعبير، ويصادرون حق الشعوب في التعبير عن نفسها، ويصادرون أبسط حقوقها التي نصت عليها كافة الشرائع، وكفلتها كافة القوانين والأعراف في هذا العالم الذي يقول هؤلاء إنهم ينتمون إليه؟.

   إن المراقب المحايد المتتبع لسير الأحداث في سوريا منذ أربعة عشر شهرًا يستطيع بسهولة أن يدرك أن الغرب بشقيه، وبأداته ورأس حربته، وبأعوانه وحلفائه، وبكافة خلاياه العاملة، وتلك النائمة قد قرر توجيه ضربة قاضية لسوريا، لأسبابٍ تعرفها الدنيا كلها، ولقد قرر هذا التحالف في البدء تطبيق السيناريو الذي اتبعه في ليبيا، ولكنه فشل في ذلك، ولم يجد في الداخل السوري من يعتمد عليه، ويلجأ إليه في وضع هذا السيناريو موضع التنفيذ، ولما رُفع الأمر إلى مجلس الأمن كان الفيتو الروسي، والفيتو الصيني، وعندما أيقن الغرب، ومعه حليفته وربيبته ورأس حربته أنه سيصطدم بالمعسكر الشرقي الذي أعلن قادته أكثر من مرة أنهم لن يسمحوا بالعدوان على سوريا، فإنه قد راح يتراجع عن هذا السيناريو، وراح يعهد لأتباعه وحلفائه وأعوانه في بلاد العرب بهذه المهمة، وراح يكلف أردوغان، وبعض اللبنانيين بتهريب السلاح والمرتزقة والأموال إلى الداخل السوري، وراحت قنوات الحقد الأسود تقوم بدورٍ تحريضي مكشوف، وتمارس الأكاذيب والألاعيب ضد سوريا، كما راح شيوخ الفتنة يحرضون ضد هذا القطر العربي السوري، في الوقت الذي لم يخفِ فيه القادة الإسرائيليون قلقهم واستياءهم من بطء العمل الذي يجري ضد سوريا، وفي الوقت الذي عقد فيه "أصدقاء سوريا" عددًا من الاجتماعات لتنفيذ مخططاتهم دون جدوى، وبعد أن فشل الأتباع والأعوان والحلفاء والأدوات في القيام بدور الغرب، راح هذا التحالف يفكر بالسيناريو اليمني، وراح يعرض خططه ومخططاته في هذا الشأن، وراح أيضًا يروج لها، ولما لم تجدْ هذه الخطط والمخططات آذانًا صاغيةً في سوريا، وفي غير سوريا أيضًا، ولما حوصرت الفتنة التي حاولوا إشعال نارها، وإذكاء أوارها في طرابلس الشام بين علويٍّ وسنيٍّ وشيعيٍّ كما قالت بعض وكالات الأنباء، ولما عهدت الدولة اللبنانية بهذا الملف الطائفي البشع إلى الجيش اللبناني الذي حاصر الفتنة ووأدها في مهدها، أو هو في طريقه يقينًا إلى ذلك، ولما كان افتتاح مجلس الشعب السوري في دمشق، وما تضمنه خطاب الرئيس من إصرارٍ على متابعة نهج الإصلاح والتصدي والتحدي والمقاومة والممانعة والتمسك بالثوابت والحقوق والحفاظ على النهج العربي العروبي في سوريا، والمضي قدمًا في مقارعة الفتنة حتى تتم هزيمتها رسميًّا.. عندما حدث هذا، وكثيرٌ غيره في الأيام القليلة الماضية التي سبقت قرار هؤلاء الأعراب الذين باتوا يحكمون الجامعة العربية، ويتحكمون فيها، ويعقدون اجتماعاتهم في أروقتها بعد أن أنزلوا العلم السوري عنها، راح هؤلاء بالأصالة عن أنفسهم، وبالنيابة عن أسيادهم وحُماتهم الغربيين يطالبون بإغلاق الفضائيات السورية ظنًّا منهم أن إغلاقها سيساعدهم في تنفيذ المهمة التي أُسندت إليهم، وأُنيطت بهم، وراحوا يصعّدون من جرائمهم وموبقاتهم ضد شعب سوريا وجيشها، وراحوا أيضًا يلصقون كل ذلك بالنظام جريًا على مألوف عادتهم في ذلك!!.

   إن القراءة الموضوعية في هذا الملف السوري بخاصة، وفي غيره من الملفات العربية والإقليمية والدولية التي لا تنفصل عنه تشير بوضوح إلى أن سوريا ستخرج من هذه الفتنة التي أشعل نيرانها ألد خصومها وأعدائها أكثر قوةً، وأشد مضاءً، وأقوى عزيمةً، وسوف تشارك سوريا بعد ذلك في صنع النظام السياسي الرسمي العربي استنادًا إلى قواها الذاتية، واعتمادًا على التأييد الشعبي العربي والإقليمي، وانطلاقًا من المؤازرة الروسية، ومواقف بوتين الذي يتوقع المراقبون أن يظل في السلطة حتى عام 2024.

   وإن القراءة الموضوعية في أحداث العالم العربي تشير بوضوح إلى حتمية انتصار هذه الأمة العربية، وإلى حتمية استردادها كافة حقوقها في السيادة على أوطانها، وفي بناء هذه الأوطان، وصنع هذا الإنسان العربي الجديد القادر على المواجهة، وعلى العمل، والبناء، وحماية الأرض العربية من عدوان المعتدين، وأطماع الطامعين، وكذلك فإن هذه القراءة تشير بوضوح إلى إمكانية قيام نظام سياسي عربي يحترم الإنسان، ويحترم سائر حرياته، ويحترم حقه في العيش الآمن الحر الكريم، ويحترم كافة حقوقه في العمل، وفي المسكن والمأكل والمشرب والملبس، ويحترم كافة حقوقه في مجانية التعليم، ومجانية العلاج، والعيش باحترام في وطنٍ حرٍّ عزيز سيد مستقل يرفض التبعية للأجنبي، ويرفض المذلة والخضوع والهوان تحت أي ظرف، وبأي شكلٍ من الأشكال.

   وبعد، فإن المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في سوريا والعراق، وفي غيرهما من ديار العروبة لَيؤكد على أن خير هذه الأمة وعزتها ومنعتها وقوتها وتطورها وسيادتها على أرضها كامنٌ في وحدتها، وحاضرٌ في نبذها كل أسباب الخلاف والشقاق والنفاق والتبعية للأجنبي الطامع فينا، المجترئ علينا، المستهتر بنا.. وإن المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في هذا العالم العربي من محيطه إلى خليجه ليؤكد أن المستقبل الواعد المشرق البسام سيكون من نصيب هذه الأمة إذا هي أحسنت التصرف، وإذا هي عرفت كيف تقضي على خلافاتها، وإذا هي وحدت كلمتها، وتمسكت بثوابتها، وأنصفت أقلياتها، وساوتها بالغالبية من المواطنين في سائر الحقوق والواجبات، وإذا هي تحررت من التبعية للغرب بشقيه، وتحررت من الاستعمار القديم والحديث، وتحررت من التدخل الأجنبي في شأنها الداخلي، وتحررت من التبعية لأعدائها، وألد خصومها، ممَن ناصبوها، ويناصبونها كل أنواع العداء منذ فجر التاريخ، وإذا هي حافظت على توازنها واتزانها وكرامتها واحترامها بين أمم العالم وشعوبه.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !