بقلم: محمد أبو علان
http://blog.amin.org/yafa1948
16/9/2008
كتاب الحياة مفاوضات للدكتور صائب عريقات يشكل نتاج لتجربة شخصية عمرها تجاوز الخمسة عشر عاماً كمفاوض بالإضافة لشغله العديد من المناصب في السلطة الوطنية الفلسطينية كان أكثرها وزيراً للحكم المحلي لجانب كونه كبير المفاوضين الفلسطينيين، وبالإضافة للتجربة الشخصية التي كانت الموجه الأول في إعداد هذا الكتاب حاول الدكتور عريقات إغناء كتابه بالاعتماد على عدد من المراجع العربية والأجنبية والتي كانت ضرورية لإخراج هذا الكتاب الذي يعتبر إضافة نوعيه وهامه للمكتبة العربية وللدارسين ومحبي المعرفة في موضوع المفاوضات كعلم.
ومن قراءة كتاب الحياة مفاوضات تخرج بتصور أن الدكتور صائب عريقات سعى لتحقيق هدفين أساسيان من إصداره لهذا الكتاب ، الأول وهو الأهم سعيه لإضافة ما هو جديد للمكتبة العربية حول موضوع المفاوضات كعلم، حيث أشار الدكتور عريقات في كتابه لمحدودية المراجع في المكتبة العربية لكتب حول المفاوضات كعلم، وهذا يتضح كذلك من الفارق الكبير في عدد المراجع التي استند عليها الدكتور عريقات في كتابه ما بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، فمقابل تسعة مراجع باللغة العربية كان لديه أربعةٌ وأربعون مرجعاً باللغة الإنجليزية مما يعزز وجهة نظر الدكتور عريقات حول حاجة المكتبة العربية لمثل هذا النوع من الكتب.
والهدف الثاني هو أن الدكتور صائب عريقات أراد لهذا الكتاب بأن يكون المقدمة لما سيُصدر مستقبلاً من كتب حول موضوع المفاوضات وبالتحديد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية والدور الأمريكي في هذه المفاوضات، وما يعزز وجهة النظر هذه أن الدكتور عريقات تحدث بتلميحات عن بعض المواقف والأمور التفاوضية بشكل أثارت الفضول وحب المعرفة لدى القارئ للتفاصيل التي لم يتحدث عنها الدكتور عريقات ووعد بالحديث عنها في إصدارات مستقبلية وخاصة فيما يتعلق بتفاصيل المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وبالنهج الأمريكي في التفاوض وتأثيره على المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية حين تحدث في الصفحات الأخيرة من الكتاب عن موضوع الوساطة في المفاوضات واستعانة المتفاوضين بطرف ثالث لجسر هوة الخلافات بينهم.
وبالإضافة لتوسيع آفاق المعرفة لدى القارئ حول موضوع المفاوضات وقواعدها والصفات التي يفترض أن يكون عليها المفاوض الناجح، وأهمية عمل فريق المفاوضات كجسم واحد متجانس، وضرورة معرفة فريق التفاوض لحدود صلاحيته التفاوضية على اعتبار أن المفاوض ليس صانع قرار، كان لأسلوب الدكتور عريقات في عرضه للكتاب عامل إيجابي آخر وهو اخرج الكتاب من أن يكون نصوص جافه حول موضوع المفاوضات، فاستشهاد الكاتب بمواقف من سيرة ألإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقصة عبد الملك بن مروان وحالة الاكتئاب التي مر بها، وبالمثل الشعبي من يقف خلف شجرتك وغيرها من القصص والحوادث والتجارب في شرح وتوضيح ما يريد قوله دور في زيادة الاستيعاب للكتاب ومحتوياته بالإضافة لخلق عنصر التشويق والاستمتاع في قراءة هذا الكتاب.
وعلى الرغم من ألأهمية والقيمة العلمية لكتاب الحياة مفاوضات لا يمكنك قراءته وتقييمه بعيداً عن شخصية المؤلف كون ما يكتبه المؤلف يفترض أن يكون تعبير إما عن قناعاته الفكرية وإما نتاج تجربته الشخصية وإما الحالتين معاً كما هو الحال في كتاب الدكتور عريقات، بالتالي ربط التقييم بالحالة التفاوضية الفلسطينية الإسرائيلية موضوع أساسي كون الدكتور عريقات جزء من هذه العملية منذ بدايتها ولا زال.
بالتالي لا بد من محاكمة مسيرة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية ومدى سلامتها وإمكانية نجاحها بناء على ما عرضه الدكتور عريقات على قاعدة ما بين النظرية والتطبيق، مما يعني أن هناك ضرورة للمقارنة بين الجانب النظري الوارد في الكتاب حول موضوع المفاوضات (قناعات وتجربة المؤلف) والواقع العملي الذي يمارسه (كونه كبير المفاوضين الفلسطينيين) كجزء من الحالة التفاوضية الفلسطينية الإسرائيلية، وكونه لم يتحدث عن تجربته التفاوضية في كتابه هذا بشكل صريح ومفصل سنحاول قراءة ما بين السطور في عملية المحاكمة والتقييم لعملية التفاوض الجارية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بناءً على ما ورد في كتاب الحياة مفاوضات لحين صدور ما وعد به حول موضوع المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في المستقبل والتي سيكون بكل تأكيد فيها الكثير الكثير لقوله .
و من قراءة ما بين السطور في كتاب الحياة مفاوضات نجد أن كبير المفاوضين الفلسطينيين يعترف بطريقة شبه مباشرة بمجموعة من الحقائق المعروفة والواضحة لعامة الناس وأولها عبثية المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وبقاء الواقع الحالي على ما هو عليه في الحالة التفاوضية يجعل تحقيق تقدم في عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية حلم من سابع المستحيلات تحقيقه، والحقيقية الثانية غياب المهنية الكاملة لدى بعض الشخصيات الفلسطينية لارتباط البعض بمصالح مع الجانب الإسرائيلي مما يعكس نفسه سلباً على أداء هؤلاء الأشخاص في مهتم كمفاوضين على مصالح وحقوق وطنية للشعب الفلسطيني.
حيث ذكر الدكتور عريقات لم يكن هناك في الجانب الإسرائيلي من يدفعه هاجس النجاح الشخصي أو الطموح السياسي، أو تحقيق المكاسب المادية أو العلاقات التجارية أو تحرير الصفقات، لقد كانوا يعملون وفقاً لأبسط قواعد المفاوضات لا يجوز أن يكون للمفاوض مصالح، ومقابل هذه الصفات للمفاوض الإسرائيلي كانت الساحة الفلسطينية تعج بالأحاديث والإشاعات التي لم يكن سبل للتأكد من صحتها بصورة مطلقة (نتيجة عدم وجود إعلام فلسطيني حر قادر على نقل الصورة في الواقع الفلسطيني عندما يتعلق الأمر ببعض الشخصيات المتنفذه وسبل استغلالها لمناصبها لتحقيق مكاسب مادية شخصية) حول شخصيات متنفذه في السلطة الوطنية الفلسطينية على علاقة بالمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي استفادت من هذه العلاقات للحصول على امتيازات ووكالات تجارية لهم أو لمقربيهم، وإلا ما الذي يمكن فهمه من قول الدكتور عريقات كان الجانب الإسرائيلي ونظراً لأنه يملك مفاتيح الحياة الفلسطينية من حركة مرور، وشخصيات VIP ،ودخول وخروج بضائع أو منعها، أو تسهيل صفقات وتحريرها، أو منح وكالات تجارية للأبناء والبنات والزوجات والأشقاء....الخ
بالتالي لا يمكن للجانب الفلسطيني إدارة مفاوضات في ظل تحكم الإسرائيليين بكل مفاتيح الحياة الفلسطينية والتي تعني بهذا الشكل تحكم الإسرائيليين بكل شيء، مما يعني أن الثبات في موقف المفاوض الفلسطيني تجاه القضايا الوطنية سيعكس نفسه بسلسلة من العقوبات الجماعية على أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من قبل الاحتلال عبر الحواجز والاعتقالات والقتل ومصادرة الأراضي، هذا ناهيك عن وجود شخصيات تفاوضية في الوفد الفلسطيني لها مصالح مع الجانب الإسرائيلي مما يجعلها في موقف ضعف أمامه، وهنا لا ولن يكن الوضع سليماً لوجود تضارب المصالح لدى هؤلاء المفاوضين، مما يعني أن واقع المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي يعاني من طرف إسرائيلي متعنت ووفد فلسطيني جزء منه مرتبط بمصالح مع الجانب الإسرائيلي مما سيعكس نفسه على سلامة هذه المفاوضات.
والعامل الآخر الذي يدلل على عدم سلامة الأجواء والبيئة لهذه المفاوضات هو عدم وجود من يقف وراء شجرتنا وفق المثل الشعبي الذي أورده الدكتور عريقات والذي يروي فيه قصة تحالف الأرنب والأسد، حيث أن وجود الحلفاء في المفاوضات مسألة هامة وضرورية في ظل مفاوضات بين طرفين إحداهما قوي قادر على فرض شروطه بالقوة إن فشل من تحقيقها بالمفاوضات مثل الطرف الإسرائيلي، وطرف ضعيف أكثر ما يملكه هو قناعته بعدالة قضيته وإرادة قوية لتحقيق أهدافه الوطنية كما هي حالنا نحن الفلسطينيين، ففي الوقت التي فقدت القضية الفلسطينية بعدها القومي والديني على مستوى العالمين العربي والإسلامي نتيجة حالة التراجع الوطنية التي تعيشها الشعوب العربية وفقدان الأمل في القيادات الرسمية لهذه الشعوب، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي كقوة كانت داعمة لنا لنيل حقوقنا الوطنية بتنا وحيدين نواجه دولة احتلال تمتاز بقدرات عسكرية واقتصادية هائلة، وتقف من خلفها أكبر قوة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، فإن كانت أمريكا خلف شجرة إسرائيل، فنحن لا يوجد لنا حتى شجرة تحمي ظهورنا ليقف ورائها أحد وفق تعبير المثل الشعبي، وبات حالنا أشبه بحال الأرنب الذي يعيش في غابة لا يجد فيها غير الحيوانات المفترسة التي تتسابق جميعها للفوز به كفريسة.
ومن عملية المحاكمة والتقييم للعملية التفاوضية بناء على ما ذكره الدكتور عريقات نجد بعض التناقض في ما يؤمن به الدكتور عريقات بالمفاوضات كعلم وبين ما يمارسه في الواقع التفاوضي، فمن الاعتراف شبه المباشر بعبثية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في حالتها وظروفها الحالية ينتقل الدكتور عريقات للحديث عن موضوع الانسحاب من المفاوضات (بشكل عام وليس بالتحديد عن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية) عبر طرح الأمر بالشكل التالي عليك أن تدرك تبعات الانسحاب، وتبعات الاستمرار، وتبعات الموافقة أو عدمها على ما جئت أساساً بهدف تحقيقيه .
وهذه التساؤلات المشروعة والمنطقية لأي وفد مفاوض بغض النظر عن قضية المفاوضات على درجه عالية من الأهمية، ولكن يبقى السؤال كم من المرات تم التعامل مع المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي بهذا المنطق (منطق إمكانية الانسحاب)؟، وهل تم ربط عملية الاستمرار من عدمه في هذه المفاوضات بما تم تحقيقيه من نتائج؟، بكل تأكيد الإجابة بلا كون المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية مستمرة منذ سنوات دون تحقيق أية منجزات على الأرض، بل على العكس الاحتلال يعمل على فرض الحقائق على الأرض والطرف الفلسطيني مستمر في المفاوضات وكأن شيء لم يكن، مما يعطي أو بالأحرى يؤكد الانطباع بأن هذه المفاوضات مفروضة على الجانب الفلسطيني وخياره ليس حراً في استمرارها من عدمه، ودليل ذلك لم نسمع ولو مره واحدة تهديد بوقف هذه المفاوضات باستثناء مره واحدة سرعان ما تراجعنا عنها نتيجة الضغط الأمريكي والتخوف من الاتهام للجانب الفلسطيني بتعطيل المفاوضات، فما هو مبرر استمرار هذه المفاوضات إذن بظروفها الحالية؟.
وهنا يرجعنا الدكتور عريقات لما أورده في كتابه وفي الصفحة (179) ليبرر الاستمرارية في هذه المفاوضات العبثية مع الاحتلال في واقعها وظروفها الحالية،حيث يقول الدكتور عريقات تذكر أن المفاوضات ليست حرباً ويجب أن لا يجبرك أي طرف على توقيع اتفاق، فأنت تتفاوض ولا تقوم بتوقيع وثيقة استسلام،وتذكر دائماً عدم التسرع وضرورة التريث، هذا النمط من التفاوض ممكن الاعتماد حتى وإن طالت المفاوضات لفترات زمنية طويلة ولكن شريطة أن لا يُحدث أي طرف تغيرات الأرض طيلة فترة المفاوضات خاصة عندما يدور الحديث عن احتلال تشكل الأرض محور الصراع الرئيس معه، أما أن تكون المفاوضات الغرض منها كسب أكبر وقت ممكن لتحقيق مكاسب على الأرض على حساب الطرف الآخر (كما هو الجانب الإسرائيلي) فهذه فعلاً حرب ولكن بطريقة مختلفة عن الحرب التقليدية والشيء المؤكد لا يمكن تسميتها بمفاوضات.
وضعف الحالة التفاوضية الفلسطينية تبرز في أكثر من موقع من كتاب الحياة مفاوضات ومن عوامل الضعف هذه الوسيط الاحتكاري وغير النزيه في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ألا وهو الجانب الأمريكي الذي يركز جل جهوده على ضرورة الالتزام الفلسطيني فقط بما يتم الاتفاق عليه دون إلزام الطرف الإسرائيلي بتنفيذ أية التزامات، وهذا ما ينقله الدكتور عريقات عن كل مسئول أمريكي له علاقة بالمفاوضات عبر قولهاحرصوا على التنفيذ، وقوموا بما عليكم كطرف فلسطيني دون الالتفات إلى ما تقوم به أو لا تقوم به إسرائيل، ساعدونا حتى نستطيع مساعدتكم، وهذا ما يتم على الأرض فعلاً وما يقوم به الجانب الفلسطيني المفاوض باستمرار وخاصة كل ما يتعلق بالأمور الأمنية والجانب الإسرائيلي يستمر بمخططاته دون إبلاء موضوع المفاوضات أية أهمية أو اعتبار، فكيف يمكن الاستمرار في مفاوضات فيها وسيط كالولايات المتحدة الأمريكية؟.
وفي النهاية أود توجيه مجموعة من الملاحظات للدكتور صائب عريقات أولها على شكل تساؤل كمؤلف لكتاب الحياة مفاوضات وكمفاوض فلسطيني، لماذا هذه الفجوة الكبيرة بين ما تؤمن به تجاه المفاوضات كعلم وبين ما تمارسه (بصفتك الرسمية كجزء من طاقم المفاوضات) من نمط تفاوضي يكاد يخالف كل قناعاتك الواردة حول المفاوضات بصورتها المثالية في الكتاب؟، فمتى ستستخلص العبر من هذه المفاوضات؟.
والملاحظة الثانية حول محتوى الكتاب نفسه، فعلى الرغم من أهميته وفائدته العلمية في محتواه الحالي حول موضوع المفاوضات كعلم كان بإمكان الدكتور صائب عريقات جعل هذا الكتاب بمثابة مرجع أشمل من خلال ما ورد فيه من مبادئ ونظريات حول المفاوضات وربط ذلك بمجريات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وما رافقها من أحداث وتفاصيل ومواقف منذ مؤتمر مدريد وحتى الواقع الحالي للمفاوضات من خلال الربط المباشر لمبادئ ونظريات المفاوضات كعلم ومدى تتطابق ذلك على ما جرى ويجري من مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، ومدى تحقيق المهنية التفاوضية في الأشخاص والأسلوب في الجانب الفلسطيني لهذه المفاوضات، مما كان سيضيف لهذا الكتاب أهميته التاريخية والتوثيقية بالإضافة لأهميته الأكاديمية بشكله الحالي.
وعلى المستوى الشخصي بقي لي القول إن كتاب الدكتور صائب عريقات الحياة مفاوضات أعادني للوراء ثلاثةٌ وعشرون عاماً عندما كنت طالباً في قسم العلوم السياسية والصحافة في جامعة النجاح وبالتحديد في العام 1985، حيث كنت أحد الطلبة المشاركين في مؤتمر القمة العربي الصوري (تحدث عنه الدكتور عريقات في كتابه) الذي تم عقده في جامعة النجاح الوطنية في سياق دراسة مساق النظم سياسية لدى الدكتور صائب عريقات والذي كان بدون شك نمط مختلف في التدريس له الكثير من المزايا والإيجابيات.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)