مرت الأنظمة السياسية في الغرب بثلاث مراحل أساسية . أولها الإسترقاق ، فالإقطاعية ثم الرأسمالية . و غالب الباحثين يتحدثون عن الأنظمة الأولى ( الرق و الإقطاعية ) كأنها من مخلفات التاريخ التي أكل عليها الدهر و شرب ، و أنها لن تعود في المستقبل ولو على شكل نظرية ،وهم يعتبرونها قديمة و يعتبرون العصر عصر تحديث و تجديد .
إن ما يميز العالم القديم – في العصور الوسطى ـــ كونه بدائيا و واضحا و ساذجا بكل المقاييس . فلا حاجة للتعمق لفهم سلوكيات المجتمع ، ولا حاجة لكثرة البحوث لا ستكشاف أغوار السياسة المحلية و الإقليمية و حتى العالمية . فالحاكم كان مستبدا بسلطة من عنده يدعيها بمنطق النيابة عن الله أو الألهة في حكم الأرض ، و الرعية بدورها خاضعة لحكم الإله في صورة الحاكم . ووضعهم الإقتصادي في ذاك العصر كان ممثلا في التجارة البدائية و تجارة الرق و مغانم الحروب . ووضعهم الإجتماعي تميز بطغيان منطق القبيلة و منطق الطبقية ،و انقسام المجتمع إلى أسياد من الطبقات النبيلة و الشريفة و العبيد من طبقات غالبية الشعب ومن الأجانب.
أما في عصرنا الحالي فكل المعايير تغيرت فالسياسة باسم الشعب، و الإقتصاد باسم الشعب،و العلاقات الإجتماعية على حساب الشعب . فالحاكم في الدولة القومية اليوم يحكم باسم قومية بلده و باسم شعبه . واقتصاد الدولة غالبا ما يعتمد على ضرائب المواطنين و مصالحهم و أما علاقاتهم فقد طغى عليها منطق المصلحة أولا قبل الأسرة أو القبيلة .
عموما ليس هذا الذي ذكر هو الفكرة المطروحة لدي ، و إنما أحببت تمهيد الموضوع بما قلت أعلاه حتى يتسنى للقارئ ربط الفكرة بالتاريخ . في الغرب حاليا و في الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا ، منطق جديد قديم في التسلط . فالإسترقاق كنظام سياسي و اقتصادي قديم، حاضر في صورة حديثة . ثم إن الإقطاعية أيضا حاضرة بثقلها في تعامل الحكام في البيت الأبيض مع العالم ، وخاصة العالم الإسلامي .
فإن أردنا مثالا واحدا على عودة نظام الرق أخذنا صورة الرئيس الأمريكي ،غير أن الغريب في هذا العبد أنه مسترق لدى أسياد كثر. أولهم أرباب اللوبي الصهيوني في واشنطن، ثم سياسيو الدولة العبرية ثم شركات النفط العملاقة . فمن رضي عليه هؤلاء الأرباب من الرؤساء أمنهم و أمن شرهم و أما من عصى و غوى فسبيله تهلكة و مصيره محرقة .و البيت الأبيض مجرد صك للإسترقاق يتعهد فيه الرئيس أنه عبد لأولئك الأسياد .و الذين يرومون تحريرأراضيهم ببادرة من البيت الأبيض هم واهمون ، فإن أول شيء يفتقده البيت الأبيض نفسه هو الحرية . فلا هو حر في تقرير مصير بلاده و لا هو حر في تحرير غيره .
إنه من الغباء أن ننطلق في دوامة لا تنتهي من الأحلام ، نعتبر فيها أنفسنا باحثين عن الحرية فيما نحن نعرض أنفسنا للبيع في سوق للعبيد . يجب أن ننظر بشيء من المنطق و الواقعية إلى ألأمور، و ننفي تلك السذاجة القديمة ، حتى نعلم أن العبد في عصرنا يمكن أن يظهر بمظهر السيد المحرر . فعندما يقدم أحدهم مصالح بلاد أسياده على مصالح بلده – وهو عين ما يقوم به الأمريكيون منذ نشأة إسرائيل إلى اليوم – أو يضحي بمئات الأمريكيين في حرب ليست حربه ولا ناقة له فيها و لا جمل ، دفاعا عن أسياده ، فهذه حتما ظاهرة تستحق الوقوف عليها ، لأنها تؤكد ما نذهب إليه في أن الأمر بيد السيد ولو كان خفيا ، و أن التنفيذ و الطاعة المطلقة في كاهل العبد ، و لو تجلى هذا الأخير في صورة أخرى .
إن مهمة الإنسان المسئول في هذه الأرض هو تكريس قيم الحرية و العدالة و الأخوة ، و أما إن كانت الغاية العظمى لدى الإنسان هي السيطرة على الأخرين بأي شكل كانت تلك السيطرة استعبادا أو إذلالا أو إغتصابا للحقوق ، حينها نحن أمام حيوان لا يعي ذاته و لو كان هذا ( الإنسان ) يعيش في ناطحات السحاب و يتعلم في أرقى الجامعات . ورغم ما يردده هؤلاء على مسامعنا أو ينقله ببغاواتهم أو يتناقلونه هنا و هناك ، أن الغرب حامي الحريات و أنه واهب الحرية و قاهر الإستعباد ، لا نرى في هذه العبارات إلا تزييفا للحقائق و مكرا بالشعوب الضعيفة . و لا نرى في عبيدهم إلا أناسا طمست عقولهم و عميت أبصارهم حتى توجهوا بصفات الكمال للغرب و أرباب البيت الأبيض دون الذات الإلهية .
ونقول أن أول من يحتاج للحرية الحقة من الشعوب هي الشعوب الغربية ، لأنها تستعبد من قبل زمرة خارج بلدانها و تسير من قبل كائنات خفية لا تراها . هذه الحقيقة يجب أن تكون راسخة لدى من يسمون أنفسهم بالنخبة في عالمنا الإسلامي ، فغالبية رجال الأقلام يترامون زرافات ووحدانا في أحضان الغرب ، ابتغاء الحرية على طريقة أسيادهم و ابتغاء الفوز برضى ألهتهم المتفرقة في عواصم الغرب .
يتبــــــــــــــــــــــع
التعليقات (0)