هذا المقال نشر بصحيفة المثقف الاليكترونية يوم 12 مارس 2009م
www.almothaqaf.com
قراءة في محاولة إصلاح التعليم بالمغرب من منظور
الميثاق الوطني للتربية والتكوين: الجودة نموذجا
ذ. عزالدين أبرجي
تعتبر "الجودة" من الشعارات الكبرى التي ترفعها الدول عند الحديث عن
إصلاح منظوماتها التربوية، وبلادنا لم تخرج عن هذا السياق؛ إذ أن " الجودة " تشكل الهدف الأسمى المراد تحقيقه من خلال الإصلاح الأخير المتمثل في " الميثاق الوطني للتربية والتكوين".
1 – موقع الميثاق الوطني للتربية والتكوين ضمن الإصلاحات التربوية المغربية
إن القراءة الأولية للميثاق الوطني للتربية والتكوين كافية لتصل بنا إلى استنتاج واضح مفاده أن وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين جاءت للإجابة عن الأسئلة التي عجزت الإصلاحات السابقة الإجابة عنها. فمنذ الاستقلال عرفت المنظومة التربوية المغربية عدة وقفات يمكن ذكرها بإيجاز فيما يلي:
سنة 1957م تكوين أول لجنة رسمية لإصلاح التعليم.
سنة 1958م تشكيل اللجنة العليا لإصلاح التعليم.
سنة 1964م تنظيم مناظرة خاصة بقضايا التعليم، عرفت بمناظرة المعمورة.
سنة 1980م مشروع إصلاح التعليم (أيام التربية الوطنية بافران)
سنة 1994م تشكيل اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم
سنة 1999م تشكيل لجنة وطنية تتكون من 34 شخصية تمثل مختلف الهيئات السياسية والخبراء برئاسة مستشار صاحب الجلالة، السيد مزيان بلفقيه ؛ بهدف وضع ميثاق وطني للتربية والتكوين، وقد أعلن جلالة الملك في أكتوبر 1999م من قبة البرلمان قبوله لنتائج اللجنة. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن اختيار قبة البرلمان كمؤسسة تشريعية لإعلان قبول نتائج اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين يحمل دلالات عميقة ويشكل مرحلة انتقالية، حيث سيتمكن ممثلوا الأمة من مناقشة قضايا التعليم من موقع دورهم التشريعي، بالتالي إعطاء مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين صفة " الميثاق الوطني للتربية والتكوين " .
2- الجودة أساس الميثاق الوطني للتربية والتكوين
تعتبر مسألة الجودة الميزة التي ميزت الإصلاح الأخير عن الإصلاحات السابقة. تشير وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين صراحة في المادتين 104 و 105 من المجال الثالث إلى ما يلي :
104- يستجيب الرفع من جودة أنواع التعليم من حيث المحتوى والمناهج لأهداف التخفيف والتبسيط والمرونة والتكيف.
105- تتم مراجعة جميع المكونات البيداغوجية والديداكتيكية لسيرورات التربية والتكوين، وذلك في أفق تحقيق غايتين:
الأولى: تهم الإرساء التدريجي للنظام التربوي الجديد لأسلاك التربية والتكوين وفق ما جاء في الدعامة الرابعة من هذا الميثاق.
الثانية: تتعلق بإدخال تحسينات جوهرية ترفع من جودة التعليم في جميع مستوياته.[i]
وانطلاقا من الصيغ التي توظفها وثيقة الميثاق الوطني نستشف أنها تعترف بضعف الوضعية الحالية للمنظومة التربوية المغربية من جهة، ومن جهة ثانية تبرز الرغبة الأكيدة لإدخال تغييرات جذرية تحسن من هذه الوضعية. ولتحقيق كل هذا سطر الميثاق الوطني للتربية والتكوين الدعامات الآتية:
§ الدعامة السابعة: مراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية والوسائط التعليمية.
§ استعمالات الزمن والإيقاعات المدرسية والبيداغوجية.
§ تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها واثقان اللغات الأجنبية والتفتح على الأمازيغية.
§ استعمال التكنولوجيات الجديدة للإعلام والتواصل
§ تشجيع التفوق والبحث العلمي
§ إنعاش الأنشطة الرياضية والتربية البدنية المدرسية والجامعية والأنشطة الموازية.[ii]
انطلاقا من الفقرات السابقة نسجل ملاحظة أساسية وهي أن الإصلاح التعليمي بالمغرب انتقل من المقاربة بالأهداف التي كانت تعتمدها فلسفة الإصلاحات السابقة، إلى تأسيس الإصلاح على المقاربة بالكفايات [iii] ؛ بمعنى أن الإصلاح الأخير جعل المتعلم مركز العملية التعليمية التعليمية، من تم الاعتراف بوجود قدرات لديه (المتعلم) يجب استثمارها، وهذا ما تنزع إليه مقاربة علم النفس المعرفي. وتبعا لذلك فالميثاق الوطني للتربية والتكوين ينظر إلى الجودة من الزاوية الشمولية.
3- الجودة الشاملة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين
أ- اللامركزية واللاتمركز شرط تحقق الجودة الشاملة
لتحقيق الجودة الشاملة لا بد من توفر شرط اللامركزية واللاتمركز في القرارات التربوية، وهذا ما أقره الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ولتسريع بلورة هذا التوجه باعتباره " اختيار ا استراتجيا، ومسؤولية عاجلة "[iv] أقر الميثاق عدة إجراءات:
- إحداث هيئات متخصصة في التخطيط والتدبير والمراقبة في مجال التربية والتكوين، على مستوى الجهة والإقليم وشبكات التربية والتكوين المشار إليها في المادتين 41 و42 من الميثاق، وكذا على صعيد كل مؤسسة بغية إعطاء اللامركزية واللاتمركز أقصى الأبعاد الممكنة[v].
من خلال هذه الفقرة يتأكد لدينا أن المشرفين على الإصلاح الأخير انتبهوا إلى مسألة اللامركزية واللاتمركز كمدخل رئيسي لتحقيق الجودة الشاملة. ولم يتوقف الميثاق عند هذا الإقرار بل تجاوزه إلى تحديد إجراءات دقيقة لتنفيذه، نقتصر هنا على:
- على صعيد الجهة تتم إعادة هيكلة نظام الأكاديميات الحالية وتوسيعها لتصبح سلطة جهوية للتربية والتكوين، لا متمركزة و لا ممركزة ومزودة بالموارد المادية والبشرية الفعالة، لتضطلع بالاختصاصات الموكولة للمستوى الجهوي بمقتضى المادة 162 من الميثاق.
...
- يشرف على كل شبكة محلية للتربية والتكوين مكتب للتسيير يتكون من مديري المدارس والمؤسسات المرتبطة بها ضمن نفس الشبكة وممثلين عن المدرسين وآباء وأولياء المتعلمين وعن الهيئات التعليمية المحلية..
- يسير كل مؤسسة للتربية والتكوين مدير مجلس التدبير.[vi]
لقد كان الميثاق واضحا في تحديد اختصاصات الأكاديميات الجهوية والمصالح الإقليمية والمحلية، حيث عمل على تقسيم الأدوار في إطار التكامل، مما يخفف العبء على المركز ويسرع من وثيرة تنفيذ المشاريع وقضاء مصالح الشغيلة التعليمية في أسرع وقت ممكن.
وفي المواد الآتية نقرأ ما يلي:
• المادة 150: يتم الارتقاء بالجامعة إلى مستوى مؤسسة مندمجة المكونات ذات استقلال مالي فعلي وشخصية علمية وتربوية متميزة
• المادة 151: تحدث هيئة وطنية لتنسيق التعليم العالي.
• المادة 153: يراعى في إحداث الجامعات الجديدة أو أية مؤسسة للتعليم العالي استجابتها لمعايير تلبية الحاجات الدقيقة للتعليم العالي على المستوى الجهوي.ويتطلب إحداث الجامعات الجديدة رأي الهيئة الوطنية للتنسيق المشار إليها في المادة 151.[vii]
إن الاستقلالية التامة للجامعة من شأنها أن ترفع من جودة الخريج، لكن التساؤل العويص هو: أي مستقبل لاستقلالية الجامعة في ظل تبعيتها لميزانية الدولة؟ وغياب موارد مالية قارة وواضحة؟
إجمالا فالميثاق الوطني للتربية والتكوين يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية من بينها:
الهدف الأول الذي يرمي إلى تعميم التعليم وتحسين جودته ومردو ديته، بغاية تدارك التأخر الحاصل.[viii]
لقد أقر الميثاق إذن بتأخر المنظومة التربوية المغربية، وأقر بضرورة الرفع من جودته، لكن ما موقع هذه الغاية في ظل سيادة الأساليب التقليدية في المدرسة المغربية ؟
ب- التكوين المستمر والجودة
تبنى الميثاق الوطني للتربية والتكوين، التكوين المستمر للأطر التربوية والتعليمية كإستراتجية تربوية وبيداغوجية للرفع من جودة التعليم ببلادنا، مما يؤهل الخرجين للانخراط السريع في السوق الاقتصادية خاصة وان المغرب انخرط في سياق العولمة. وقد أشار الميثاق إلى هذه الغاية في المادة 52 بقوله: " يعد التكوين المستمر عاملا أساسيا لتلبية حاجيات المقاولات من الكفايات ومواكبتها في سياق عولمة الاقتصاد وانفتاح الحدود، وتمكينها من نهج تنمية المؤهلات تبعا للتطورات التكنولوجية وأنماط الإنتاج والتنظيم الجديدة. كما يعد عنصرا مسهما في ضمان تنافسية النسيج الإنتاجي، وبالتالي تيسير المحافظة على مناصب الشغل وفتح آفاق مهنية أخرى مما يفضي إلى تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمتعلمين"[ix]
إن القراءة الأولية لهذه الفقرة تثير الانتباه إلى المصطلحات الاقتصادية التي استعملت أثناء الحديث عن التكوين المستمر في مجال التربية؛ فمصطلحات: كفايات، العولمة، انفتاح الحدود، الإنتاج، التنافسية... كلها تصب في الميدان الاقتصادي، وهذه إشارة واضحة إلى التأثير المباشر للعولمة على المنظومة التربوية المغربية، وهذا ما تزكيه التحاليل والدراسات[x]المهتمة بالإصلاح التربوي الأخير، في هذا السياق يقول الأستاذ حفيظ بوطالب في حوار مع مجلة عالم التربية " فالعولمة وما تفرضه من تجديد للمعلومات ومن مواكبة لتقنيات ميزتها الأساسية الحركية والغير مادية كالتجارة الاليكترونية والعمل عن بعد بما في ذلك التدريس، تطرح مسألة المواكبة إذن، كضرورة أساسية للحصول على جواز السفر في شبكاتها العنكبوتية، وعملية المواكبة هاته لا يمكن إنجاحها بدون تكوين مستمر يدخل في أدق التقنيات وأحدثها "[xi] ويشير الأستاذ عبدا لكريم غريب إلى أن " التكوين المستمر، كفلسفة تربوية وتعليمية أصبح يفرض نفسه في الوقت الراهن بشكل أكثر من أي وقت مضى خاصة وان منطق العولمة والمنافسة المحتدة فيها، لا يمكن أن يظفر فيه إلا المجتمعات التي تضع في أولى أولياتها العناية بالرأسمال البشري "[xii] .
إذن فهناك إقرار بأن العولمة فرضت الاعتناء بالرأسمال البشري، وتوجيه التعليم إلى خدمة السوق من خلال تخريج الأطر ذات الكفاءة العالية. ولم يخرج الخطاب الرسمي عن هذه القاعدة [xiii] حيث أقر بضرورة تأهيل المنظومة التربوية المغربية لتزويد السوق بالأطر الممتازة، وهذا لن يتأتى إلا بإخضاع هذه الأطر للتكوين المستمر، لذلك خصص الميثاق الوطني المجال الرابع بكامله للموارد البشرية. وفي الدعامة 13 التي استهل بها هذا المجال، تم الربط بين التكوين المستمر للموارد البشرية والجودة: " حفز الموارد البشرية وتحسين ظروف عمله ومراجعة مقاييس التوظيف والتقويم والترقية "[xiv]. وفي المادة 133 من الدعامة 13 نقرأ ما يأتي "إن تجديد المدرسة رهين بجودة عمل المدرسين وإخلاصهم والتزامهم، ويقصد بالجودة، التكوين الأساسي الرفيع والتكوين المستمر الفعال والمستديم، والوسائل البيداغوجية الملائمة، والتقويم الدقيق للأداء البيداغوجي "[xv].
إذن فالجودة هي الهدف المنشود من خلال التكوين وإعادة التكوين حتى يتمكن المدرس من التكيف الدائم مع المتطلبات الآنية والمستقبلية التي تتعلق بتطور مهنته بصفة عامة ذلك " إن التكوين المستمر لا يمكن (الأستاذ) من إعادة تكوينه في المعرفة العلمية وحسب، ولكن في اكتساب المهارات والخبرات كذلك [xvi].
خلاصات واستنتاجات
إن الجودة هي الرهان الحقيقي للميثاق الوطني للتربية والتكوين.
إن تخصيص المجال الثالث لـ " جودة التربية والتكوين " والمجال الرابع لـ " الموارد البشرية " وعلاقتها بالجودة لا يعني أن المجالات الأخرى لا تتخلها فكرة الجودة ذلك أن:
المجال الأول الذي خصص لنشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي، يتحدث عن :
تعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب
التربية غير النظامية ومحاربة الأمية
السعي إلى تلائم بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي[xvii]
المجال الثاني خصص للتنظيم البيداغوجي ويشير إلى الجودة من خلال التأكيد على:
إعادة هيكلة وتنظيم أطوار التربية والتكوين
التقويم والامتحانات
التوجيه التربوي والمهني[xviii]
المجال الخامس ويتعلق بالتسيير والتدبير ويتمحور حول:
• إقرار اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية والتكوين
• تحسين التدبير العام لنظام التربية والتكوين وتقويمه المستمر
• تنويع أنماط ومعايير البنايات والتجهيزات ومعاييرها وملاءمتها لمحيطها وترشيد استغلالها، وحسن تسييرها[xix]
المجال السادس: الشراكة والتمويل ويتمثل في الدعامتين 18 و 19 [xx]
إن الحديث عن الجودة كفلسفة جديدة للإصلاح الأخير لا ينفي وجود عدة عوائق أمام المنظومة التربوية المغربية، هذه المعيقات يمكن إجمالها في ثمانية تمظهرات:
1- قصور النظام التربوي
2- الهوة القائمة بين مضامين ومحتويات التعليم
3- وضعية اللاتطابق بين مدخلات التعليم ومخرجاته
4- ضعف مردو دية المنظومة التربوية
5- مسألة التبعية التي ما زالت مهيمنة كسلوك سياسي في اتخاذ القرارات على المستوى التربوي
6- فشل النظام التربوي وعجز الدولة عن تأسيس مدرسة وطنية
7- واقع التعليم بالوسط القروي
8- تعثرات الإصلاح الجامعي خاصة على مستوى البحث العلمي.[xxi]
إن المتمعن في الميثاق الوطني للتربية والتكوين لا يمكنه إلا أن يثمن الطموحات الكبرى التي يرمي إليها. لكن الإشكال يكمن في العلاقة بين ما يتم التنظير له والواقع المغربي؟ ثم ما هي ضمانات تنفيذ القرارات المتخذة لتنفيذ المققرات التي تهدف إلى الرفع من جودة المنظومة التربوية؟ وماذا تحقق بعد مرور نصف العشرية المحددة لتنفيذ بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟.
باحث من المغرب.
E-mail: abarjia@yahoo.fr
________________________________________
[i] المملكة المغربية، اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين ص 47
[ii] نفسه ص ص 47 -49 -51 -54 – 55 -58
[iii] انظر أحمد أوزي، جودة التربية وتربية الجودة، الطبعة الاولى1426 هـ 2005م، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء
مرجع سابق ص 79
[iv] انظر وثيقة الميثاق الوطني... مرجع سابق ص 67
[v] نفسه ص67
[vi] نفسه ص ص67-68
[vii] المرجع السابق ص ص 70-71 -72
[viii] المملكة المغربية، اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، إصلاح منظومة التربية والتكوين 1999-2004 ، حصيلة مرحلة ومستلزمات دينامية، يونيو 2005
[ix] الميثاق الوطني، مرجع سابق ص 27
[x] نذكر على سبيل المثال العدد المزدوج من مجلة عالم التربية (10 / 9) والذي خصص للتكوين والتكوين المستمر
[xi] نفسه ص ص 25 - 26
[xii] نفسه ص 43
[xiii] أنظر وثيقة الميثاق، مرجع سابق
[xiv] نفسه ص 61
[xv] نفسه ص 61
[xvi] بوشعيب الزين، موقع التكوين وإعادة التكوين في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مجلة عالم التربية، مرجع سابق ص 70
[xvii] الميثاق الوطني، مرجع سابق ص 16 - 22
[xviii] نفسه ص 31 - 44
[xix] نفسه ص 67 - 73
[xx] نفسه ص 76 -77
[xxi] ذ محمد لمباشري، قراءة في كتاب الخطاب الإصلاحي التربوي.قراءة تواصلية في الإطار النظري والمنهجي للأستاذ مصطفى محسن. مجلة عالم التربية، مرجع سابق ص ص 320 – 321
التعليقات (0)