عرض وتحليل: معتز عناد غزوان صدر في بغداد مؤخراً كتاب ((ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون عند الغرب)) لمؤلفه المخرج المبدع الدكتور صالح الصحن، يتضمن هذا الكتاب أربعة فصول تحدثت عن أثر حكايات ألف ليلة وليلة المعروفة بقصصها وتأويلاتها وخرافاتها ومدى تأثيرها في المتلقي العالمي ولاسيما في عرضها كسرد تلفزيوني وسينمائي. إذ يقول المؤلف في عرضه لمقدمة كتابه ((تناول الغرب بعضاً من حكايات ألف ليلة وليلة جملة أفلام أو مسلسلات أو سلسلة أو أفلام تلفزيونية، وأظهر الشرق بأشكال ومحتويات متباينة، بحسب ثقافة صانع المنجز المرئي ودوافع الجهة المنتجة له، مع الإقرار بحجم الإمكانيات المسخرة لإظهار الأجواء الشرقية وفضاءاتها المعروفة. وما رافقها من قصص وحكايات عجائبية وواقعية وأسطورية))، كما عرض أهم المشاكل التي واجهت البحث العلمي ولاسيما تحديدها بأسئلة ينطلق منها لتحقيق الهدف المطلوب في هذه الدراسة، وهي الكيفية التي عالج الغرب حكايات ألف ليلة وليلة من الناحية الفكرية والجمالية في خطابه السمعي البصري، وكيف عولجت مقومات الموضوعات التي تناولتها الشخصيات بأدوارها، وأبعادها الفكرية والاجتماعية والأخلاقية، بالقدر الذي تقتضيه آليات التكييف والمعالجة بالكشف عن نوع القص ونظامه البنائي وأشكال تناوله والدوافع التي قادت إلى حدود التشابه والاختلاف؟ تلك هي مشكلة البحث التي تمثلت بكيفيات المعالجة، جمالياً وفكرياً، في الخطاب البصري للحكايات سينمائياً وتلفزيونياً عند الغرب ومن تأثر بهم. تطرق المؤلف إلى دور التراث ودوره في السينما والتلفزيون ولاسيما عند الغرب، إذ تحدث عن ذلك قائلاً ((يشكل التراث العربي الذي تمتد مساحته الزمنية لمئات السنين معيناً لا ينضب، ليس على مستوى الدراسات الاجتماعية والفلسفية والجمالية والأدبية فحسب، بل يأتي مصدراً للإبداع نظراً لما يحويه من كنوز الحكي بأجناس القصة والرواية والأسطورة، وحكايات ألف ليلة وليلة هي مثلنا في هذا التراث، التي أمتد تأثيرها وانتشارها لأعماق بعيدة في الحضارة الإنسانية، إذ أنتج الشرق والغرب عدداً من الأعمال في مجال السينما والتلفزيون، عن طريق الاقتباس أو التناص لمجموعة من القصص والحكايات في إطار من الخيال والابتكار في صياغة الأحداث ومعالجتها، وتأتي أهمية هذه الدراسة في استقراء تحليلي لجانب مهم في التراث العربي وهو حكايات ألف ليلة وليلة والتي أنتجت من منظور حضاري آخر والوقوف على كيفيات التناول والمعالجة من الناحية الفكرية والجمالية، فضلاً عن كشف الإمكانيات المسخرة في معالجة التراث العربي أو الشرقي من وجهة نظر الآخر «الغرب» بما يتلاءم وثقافته، ويمكن أن تكون هذه الدراسة صفحة نافعة للأفكار وكتاب السيناريو والمخرجين والمهتمين بشؤون الفنون السمعية والمرئية، كما يمكن أن تسد النقص الموجود في الدراسات المتعلقة بحكايات ألف ليلة وليلة وعلاقتها بالفنون الإبداعية لاسيما السينما والتلفزيون)). أما الفصل الثاني من هذا الكتاب فقد تضمن ثلاثة مباحث نظرية تطرقت إلى دراسة الجوانب المعرفية والفكرية لحكايات ألف ليلة وليلة وما تشكله من أهمية تراثية ودرامية وسردية، كدراسة تلك السردية العربية القديمة فضلاً عن مكونات البنية السردية التي تتضمن (الراوي والمروى عنه والروي)، والتطرق إلى الجانب العجائبي في هذه الحكايات الشيقة بأحداثها المتغيرة وفق تحولات القص والسرد. بعدها تطرق المؤلف إلى حكايات ألف ليلة وليلة في الثقافة العالمية وما شكلته من تماس حضاري وفكري وفلسفي أثار العديد من الجدل حول التلاقح الفكري والمعرفي لهذه الحكايات المرتبطة بسحر الشرق بمكانه وزمانه مع الفكر الغربي. إذ تطرق المؤلف إلى تلك الثقافات وتحليلها من خلال تماسها مع المسرح العالمي، وفن الموسيقى، والفنون التشكيلية، والشعر والرواية والقصة. أما المبحث العلمي الثالث والأخير فقد تطرق فيه المؤلف إلى دراسة تأثير حكايات ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون ولاسيما أنها ترتبط بهذا الجانب كنوع من الإعلام والترويج والانتشار العالمي. أما الفصل الثالث من هذا الكتاب فقد تضمن جهداً قيما ً من حيث اختيار النماذج الفنية التي أخرجها الغرب لحكايات ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون، ومنها أفلام سينمائية وتلفزيونية أنتجت في الغرب تحدثت عن تلك الشخصيات المهمة في حكايات ألف ليلة وليلة كشهرزاد، وعلاء الدين والمصباح السحري، والسندباد البحري، وغيرها من تلك الشخصيات المعروفة في هذه الحكايات. قام المؤلف بتحليل تلك النماذج العالمية الغربية من حيث المكونات الجمالية والفنية الإخراجية كالإيقاع والإضاءة والألوان، وتقنيات المونتاج، والتصوير وحركات الكاميرا السينمائية والتلفزيونية، وتكوين المشهد بصرياً من خلال عناصر العمل الفني والجمالي، كما تطرق المؤلف إلى جانب تحليل الشخصية المجسدة لتلك الأعمال الفنية ودراسة حالاتها وانفعالاتها النفسية والاجتماعية بما يتطلبه إخراج العمل الفني، فضلاً عن السرد والبنى السردية وتأويلاتها وبيان أهدافها وتفاعلها من حيث الفكر الشرقي وما يفسره الغرب من تأويل وسرد. خرجت هذه الدراسة بعدة نتائج من شأنها بيان الأهمية الكبيرة للفكر الشرقي وتراثه الكبير في الخيال والغرابة والسرد. مما تقدم فقد نجح المؤلف والمخرج القدير الدكتور صالح الصحن في بيان هذه الخصائص الجمالية والفنية لحكايات ألف ليلة وليلة وقدم لنا نوعاً من الأواصر الفكرية ما بين النظرة الشرقية من جهة والنظرة الغربية من حيث الإدراك والتأويل في العمل الفني ولاسيما السينما والتلفزيون بوصفهما الأكثر تماساً مع حياة المجتمع وتأثيراً في أفكاره وسلوكه.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=2346
التعليقات (0)