نحاول في هذه السطور أن نسلّط الضوء
على قصيدة الشاعره ضحى بوترعه بعنوان"هكذا أبدو أكثر تناقضاً"
وهي قصيدة نثرية كان عنوان النص له تأثير في نفس القارئ
وهذا العنوان بداية رائعة للنص
والتي إستطاعت الكاتبه بمهارة أن تشّد القارئ اليه
فيبحر في سردها ليعرف سبب هذا التناقض
وهذه طبيعة بشرية تبدع الكاتبة
حينما تتمكن من إصال رسالتها يلطف وخيلاء
ولعّل هذا الإبداع في النص مرّده
الى فهم النواحي النفسية لمن تكتب لهم
والتعّمق في دراسة علم النفس مهارة أساسية
لمن أراد أن ينفتح على العالمية
ولعلّ التناقض إنّما هو تناقض ظاهري،
ولكن من يغوص في النص سيجد عمقاً في فكر الكاتبه
والنص على العموم يرتقي بأن يكتب حوله حروف
لتكشف بعض غموضه
والغموض في النص يفتح أبواباً عديدة لمن أراد تحليل النص
غير أنّ الكاتبه هي وحدها من ترسم لحظة تنويرها..
فكتبت عن الم ينزف داخلها
ولكنّ الجمال الكامن في النص أنّه يحتمل الف معنى
كل قارئ يقلب النص حسب تجاربه،ومعاناته
وكنت أتمنى أن أكتب عن المعاني
التي ترسمها الكاتبة بمداد من عاطفة تعشق الصباح بنسيمه العاطر
ولكن هناك الآم تموج في أعماقها لاتعرف كثيراً عنها
وسأحاول أن أتنقل بين مفرداتها
رغم أنّي أتحدث عن هذه المدرسة بقاموس
يختلف عن قاموس مدرستي"المثاليه"
في بداية قصيدة الشاعره ضحى نلمس عمق التجربة،
فكانت البداية موفقة جدا تقول:
"هكذا أبدو أكثر تناقضا
"مع فكرة تنحني للسياق"
ورغم الغموض الاّ أن الفكرة،رسمت بجمال الأسلوب
تقول الشاعره ضحى في المقطع الثاني:
"مع ريح تجمع أخطاءها
وتركض في نفسه
مع عشاق يتطايرون فوق نومهم
ولعلنا نلقي الضوء على كلمات المقطع الثاني
والذي إستطاعت الكاتبه أن توظف الألفاظ لتقّرب الينا الصورة تماما
وبذا كانت لغتها عاملاً أساسياً في بناء متماسك ومعاني راقية جميلة
رغم توغلّها في الرمز ،وهذه المدرسة
لها جمال ورموز تدلّ على أشياء قد تكون مفهومة
لمن يتابع نتاج الأديب الذي بصدد الحديث عنه
ولعلّ صورتها"تركض في نفسها" تعطي دلائل بالغة التّصور وعميقة
جداً في رسم النواحي النفسية الداخلية للشخصية
نلمحها واضحة جلّية في صورة جميلة بتراكيب هي من إبتدعتها
وبلا شك فإنّها أجادت وببراعة في نثر تلميحاتها الاجتماعية،
والتناقض النفسي داخل الأنسان وبالتالي ما يعاني منه المجتمع
هكذا أبدو أكثر تناقضا
مع فكرة تنحني للسياق
ونعود حيث كانت نهايتنا ،
ولنتأمل أكثر بداية نص الشاعره ضحى
حيث تجيب على تساؤل ملح تخاطب الآمجهول في عمق الحياه
لتلتقط أنفاسها وتترك القارئ يتنقّل بين أمواج متدفقة،،
ورياح تركض بعبير الذكريات ،لتلّون بحروفها زاويا مظلمة
وهذا الأسلوب من الأساليب الحديثة في الكتابة الأدبية
ولايتقنه الاّ كبار الكتّاب،والشعراء ،وقد أتقنته شاعرتنا بامتياز
تناقضها رسمته هالة من الرموز التي لآتلبث
أن تتكشف لتظهر وجه الحقيقة
وما أقسى على الإنسان حينما يكتشف حقيقته.
تناقضها مع فكرة تعصف بها ،
وهنا نجد الأفكار التي تركض في أعماق الوجع الداخلى
ولم تستطع الكاتبة أن تلجم الأفكار المتضاربة
والتي تعصف برياح النص
ولكنّها تركت على النص إشارات دلالية لعمق التجربة
كذلك نجدها مع ريح ومن منّا لم يرى هذا المشهد التي أجادت الشاعره
في إختزال كثير من المعاني في حروف قليلة..
وهذه مهارة لايجيدها الاّ الكبار من الأدباء العالميين.
وأيضاً نجدها مع عشاق تتلاقى أرواحهم
عندما ينام الجسد لتسبح الروح في عالم الخيال
نعم حياة مريرة يعيشها عشّاق طالما تحجرت عيونهم من البكاء
هذا خيال شاعرة سواحل إبداعها تمتد على جبين شفق الحروف
الحروف التي تغّرد لحن الحياة لآرواح ترفض أن تتفارق
ترفض بشدة. بعد أن وجدت قلباً حالماً يحضنها
مع ريح تجمع أخطاءها وتركض في نفسها
مع عشاق يتطايرون فوق نومهم
استطاعت الكاتبه في كلماتها السابقه
أن ترسم لنا روعة البنيّة الفنيه والترابط المذهل في وحدة النص العضوية والفنية
ليس من كتب هذه الكلمات أديب عادي إنّها مبدعة عالمية
بهذا النص تصل بكل شموخ الى سماء رحبه في الأدب العالمي
ونسير نتابع بعض جمال النص والذي نفتخر بكونه لكاتبة عربيه
لاشي يحتدم في شريان امرأة تنحني لليل
وتنهض على ايقاع ساعتها الرمليّة
هنا بدأت الشاعره ضحى في رسم الصراع الداخلي في أعماق الأنثى
وقد أبدعت في هذا المقطع بإختيار اللفظة المناسبة -يحتدم،إيقاع-
نفت الصراع وبالتالي مراقبة النجوم
وإنتظار الطيوف التي ترهق النفس البشرية
عن امرأة تنام ليلها بكل هدوء وسكينة
وتستيقظ في الزمن الذي تحبّه
وقد إستطاعت الشاعره أن تشكل وحدة الزمن ،والمكان
وهذا الأمر يتضح جليّا
في سياق النص وسيكتشف واضحاً في مقاطع متقدمة
في النص سنتحدث عنه لآحقاً-باذن الله-
ونجد الرموز التي إستطاعت الشاعره
أن تتركها على ظلال النص لتؤكد مقدرتها
على رسم إنحناءات تتماوج بالنص
لتترك بعض الغموض وليس تناقضاً في نسيج القصيدة
إجادتها لترتيب الصراع كان عاملاً هاما لبناء قوي ومتماسك.
ولم أجد حروفاً أو كلمات زائدة مما كان له الأثر الجيد على جمال النص
والذي إمتاز بلغته السليمه،ولم تهمل العاطفة
وكانت تتذبذب ،وتتغلغل أحياناً داخل روح النص
نقول أن شاعرتنا إستطاعت بموهبتها ،
وتمكنّها من أساليب المدرسة النثرية
أن تخرج لنا نصاً يُعد من روائع نصوص القصيدة النثرية،وأضفت
اليه مهارات من المدرسة الرمزية
مما كان له الأثر الكبير في عمق القصيدة
التي ماتضع يدك على المعنى حتى يقودك الى معاني عميقة ورائعة
وهي في كتابتها تضاهي نصوص "أدونيس" رائد هذه المدرسة
ويكمن التشابه في الكتابة النخبوية
وكان هناك إحتدام بين الأدباء في هذا الامر
لسنا بصدد الحديث عنه ولكن مايهمنا معرفته بأنّ القصيدة النثرية
لآيعرف جمالها الاّ قلة قليلة من النخبة لتعمقها في المعاني
ولست مع القصيدة النثرية المبتذلة دون إيقاعات نفسية
في تمام الحيرة تعبر يدي الصلاة البعيدة
ومكيدة المعنى في دمي
نجد شاعرتنا تجتاحها رياح من الحيرة في لملمت عشقها الحرفي
الذي سكن أعماقها..تبحث عن عشق يرتقي فوق العشق الذي نعرفه
وكم كانت أمنيات"مي زياده" التي عشقت جبران خليل دون أن تراه
وكانت بينهم رسائل في غاية الجمال
وهاهي شاعرتنا تريد أن تقطع المدى
لتبحث عن تراتيل حب يطفئ عطشها الذي القى بجفافه على أوراقها
عشقها يسري في دمها،ولن تبوح به لأحد فما هناك شخص يفهمها
في هذه القصيدة تبدو شاعرتنا وقد تمزقّت عاطفتها
لعشق يسري في دمها ،لآترى الوجود الاّ من خلال بريقه
عشقها للكلمة جاوز كل عشق..
لآتهمها المظاهر..والحديث خارج حدود عشقها
فترى الكون قد ضاق بها..حائرة تركل الحياة بوجه الحقيقة ..
وتنادى أطيافاً ممزقه
وحدتها ترسم علامات ذهول في محيطها
فترى الحقائق ماثلة أمام عينيها سكون وغربة روح
هذه الغربة التي تئن لها قلوب الشعراء ،
وتسكن في أعماقها أرواح طالما داعبت خيالها
وركضت بها نحو جزيرة لآشواطئ لها
تعبث تحت زخّات المطر وتسطّر بدفئها قوس قزح
غموض يكتنف مستقبل حياتها..
فيبحر بها في رمال متماوجه تحّرك كوامنها وتشعر بالمتناقضات
هاهي تبدو أكثر وضوحاً،وصدقاً مع نفسها
حينما تتّكسر عواطفها وقد عبّرت بلفظة
كانت في غاية القسوة على النفس البشرية ..
وهي "الخلع" وما أشدّ مرارةبأن تشعر بأنّ المجتمع قد تركك
في زاوية لاتنبت فيها زهور ولاتنبع من ذاتها أنهار
وهي تعبّر عن ذاتها المتعطشة لكلمة تنفض عن روحها غبار الغربة
لكأنني ليل مخلوع
وهذا الأمر يتضح جليّاً في هذا البيت ..
تبدو شاعرتنا أكثر إنسجاماً مع نفسها
والانسجام يدل على إرتفاع مستوى حالتها النفسية وتوافقها مع نفسها
وهل هناك مرض أكثر من تناقض النفس البشرية؟
وقد أبانت عشقها الحقيقي:
"
إنّه عشق لغة تبحر بها حيث الأمواج..وطيور النورس
تغني للحياة لحن الخلود ..
هي اللغة التي تحرك نفوسنا
وتعبر بنا نحو محيطات تنقلنا على ضفاف رياح تنفذ لأعماقنا
كما تتمائل الأنثى طرباً
لحفيف الأشجار..والندى ..والطين..والمطر ..وتعشق الزهور
وتنادى للصباح قيثارة العشق القديم..
وما أروع الأنثى حينما تعشق!!
مجنونة ينبع من وجدانها إعصار
أبدو أكثر انسجاما
مع لغة تلهو بالنوايا
مع حدائق تخففت من فصولها
وجسد يثير انتباه التراب
مع غرفة تركض في تعب الشهوة
نعم هو الشاعر حينما يتجاوز الواقع ويعيش حالة إستثنائية
ركضت باللغة نحو عوالم تخصّ عالم الوجدان
عندما تشّع شمس الخميلة
وعندما يستطيع الوجه الخارجي أن يلفت إنتباه العاشق
ليغوص في مراتب دلال
يشتّم رائحة العبير تطلقها خيول ملتحفة
بوشاح من حرير تتمايل كالأغصان
في حديقة غنّاء لاتعترف بزمان ولامكان
حديقة معلّقة فوق هامات الحروف
روادها قلوبهم معلّقة بأرواحهم.
.يصنعون لهم قصورا وارفة ويعشقون الخيال
كحقيقة لآمناص منها وهذا الارتقاء سبب غربتهم والآمهم..
فهذه الحياة لآتوجد الاّ في خيال شاعر ..تركض به أحلامه ليتجاوز
المكان الذي يكون فيه وهنا نجد أن شاعرتنا تعبّر عن هذا المعنى
بغرفتها كوحدة مكان ولكنّها ترى الحياة أوسع من مكان يكتم أنفاسها
لتعبر وحدة الزمن وتنتقل الى عالم يثير كوامنها
حينما تشعر بالدفء والأمان..
في تمام الحيرة
تتناسل فينا
أنحاء أخرى مغلقة
تؤكّد الشاعرة ضحى بأنّ الاحتراق، والوحدة،
والحيرة في صراع عميق مع النفس
هي اللحظات التي تولّد لحظات التنوير في نص يقذف بداخله كل الأمواج الداخلية
هنا تبدأ الأفكار تتناسل وتكثر لتفتح منافذ مغلقة من الابداع
الذي يسمو بصاحبه
وهي بذلك تعطي للغة حقّها
فلغتنا لغة صوتية تحمل على حروفها الانفعالات النفسية
فنشعر بحرارة الكلمات،وأنواع الانفعالات
التي لاتنسكب في النص الاّ بلحظات صدق،ومعاناه
وهنا تبدع في خاتمتها وكأنّها تقول:"إنّ الألم حد الاحتراق الذي أشعر به
يكون في نهاية المطاف مخاض أستقبل فيه طفلتي
لأضمها الى أزهار مؤرقة"
ولنختصر الحديث حول هذه القصيدة الرائعة التي تحمل مضامين مختلفة
تؤدي الى معاني متراكمة كلما جاوزت معنى فتح الباب أمام معنىً جديد
ولكن المعاني العميقة ليست في متناول الجميع ولذا هي إستطاعت
أن تجعل رسالتها معان تتضح فيه شرائحها الخارجيه للجميع
بينما يظّل الجمال يعبق بالندى في أعماق النص.
قراءة على منهج مدرستي "المثالية"
التعليقات (0)