مواضيع اليوم

قراءة في قصيدة (زياراتـــ) لعبد السلام مصباح

أحمد مكاوي

2012-10-11 16:08:19

0

 

قراءة في قصيدة (زياراتـــ) لعبد السلام مصباح

 

بقلم أحمد مكاوي

 

في خمسة مقاطع توغل قصيدة عبد السلام مصباح في بيداء الكلمة لتزرع حقلا من ورد وغابات من شجر الفرحة, هي نوع من ألق الصبح وحسن الليل إذا أقمر، هي بوح المشجون, وشوق المحبوب لنظرة من كان اللهب الساكن في القلب وماؤه, هنا نشتم رائحة الروح ونلمس يد الضحكة ونقبلها , وهل هناك أجمل من القصيدة التي تجعلنا نحس كل ما قلت وأكثر؟!عندما تأتي زائرة تفتح معها كل المسامات وتخلق لنا دروبا في عتمة العمر نحو النور وتجبرنا على تجاوز المفاوز التي نصبتها لنا الحياة !لقد كان عبد السلام وهو يرصد زياراتها هنا إنما يؤرخ ما تفعله فينا معشر الشعراء يقول :
كَانَتْ تَأْتِينِي بَعْضَ مَسَاء
وَعَلَى شَفَتَيْهَا سَيْلُ رُؤَى
أَوْ طُوفَانُ قُبَل،
تَنْثُرُهَا بَيْنَ يَديَّ
بَيَاضَ قَصِيدَة
مُتْرَعَةً
بِالْحَرْفِ الْمُثْقَلِ بِالتَّمْرِ
وَبِالْجَمْرِ...
وَحِينَ يَسيلُ النَّبْضُ
جَداوِلَ شَوْقٍ
وَيُفَجِّرُ بُرْكاناً في جَسَديْنا
َترْْحَل
هنا في هذا المقطع تلبس القصيدة إيهاب الحبيبة عندما تأتي على خفر مساء تحمل على شفتيها سيل الرؤى وطوفان القبل هي المترعة بالحرف المثمر بالمتناقضين التمر والجمر, وكذلك تفعل بنا على حلاوة تحملنا لعوالم كم حلمنا بها ورأيناها بعيون قلوبنا ولم نلمس منها شيء! لكنها خلفت جمرا نتلهف لإطفائه بكل ما يمكن من حلم ومنى وكم كانت لوعتها تحي فينا من الشجن اللذيذ والحرقة الحلوة ما لا يحسه سوى الشاعر ! ومع ذلك تتركه وترحل!
كَانَتْ تَأْتِينِي فِي شَغَبِ الْيَقَظَة
مُذْهِلَةً
فِي عَيْنَيْهَا أَلَقُ اْلَحْقلِ،
خَبَايَا الْغَابَاتِ
وَعُمْقُ الْبَحْرِ...
وَتَجْلِسُ فِي أَبْهَاءِ الْحَرْفِ
تُطْلِقُ حُلْماً
يَتَسَلَّلُ مِنْ قَافِيَةِ الأَرْضِ
وَيَجْتَاحُني
يَلْبَسُني
يَتَوَغَّلُ فِي زَمَني
(لاَ وَقْتَ لِلدَّهْشَةِ والصَّمْتِ)
فَأَشْهى ثَمْرَتَها الْعَذْراء
وَحِينَ أَمُدُّ يَدِي كَيْ أَقْطِفَها
تَفْتَحُ نافِذَةً في الْحَرْفِ الْمَنْذُورِ
وَُتُغَافِلُنِي
تَخْطِفُ أَحْزَانَ الصَّدْرِ
وَتُشْعِلُ قِنْدِيلَ الْحُبِّ...
وَفِي طَرْفَةِ عَيْنٍ
تَرْحَل.
وهل هناك غير القصيدة التي تجمع في عينيها ألق الحقل وخبايا الغابات وعمق البحر,تتلبس امرأة تجلس في أفياء الحرف, وتطلق حلمها يجول عل مشارف أماني الشاعر وأوهامه تجعلها اليقظان في جوف الغفوة والغافي في ألق اليقظة ! لكن حين تمتد اليد لتقطف ثمار الحلم تنفتح النافذة في الحرف وتغافل الشاعر لتخطف منه أحزان الصدر وتشعل فيه قنديل الحب...وترحل!
كَانَتْ تَأْتِيني فِي عِزِّ الْحُلْمِ
مُسَرْبَلَةً بِالنَّزَوَاتِ
وَبِالطَّيْشِ
وَبِالدِّفْءِ...
وَتُطْلِقُها في مَلَكُوتِ الْبَدْءِ
أَوْ في شَهَواتِ الّليْلٍ
نَجْماً
نَهْداَ
قَمَراً...
فَتُبَعْثِرُهَا
بَيْنَ الصَّمْتِ الْمُلْتَفِّ
هَمْساً
آهاً
أَوْ بَعْضَ غُبَارَ اللَّحْنِ...
وَتَرْحَل.
وهل القصيدة غير نزوة وطيش ودفء؟! وهل هي غير شهوة ليل ونجم ونهد وقمر ؟! نعم تأتي مسربلة بنزوات شاعر يراها عروسا في ليلة جلوتها خفر وجمال وخوف وقلق وارتياب! وصمت يحمل في طياته أمل كلمات يمكن أن تقال تترجمها العيون اللواتي كحلها سهد الانتظار وجملها !الصمت المتحول لهمس وآه وغبار لحن يوشح كل معنى ترسب بين طيات الروح لكن .. ترحل !
كَانَتْ تَأْتِينِي قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ
مُهَفْهَفَةً
تَجْلِسُ فِي كَفِّي
أَوْ بَيْنَ جِرَاحِي
تَسْبُلُ جَفْنَيْهَا
وَتُلَمْلِمُ أَوْرَاقَ التُّوتِ
تَفُكُّ إِزَارَ قَصِيدَة،
في غَفْلَه
تَسْلكُ دِرْباً بَيْنَ الأَحْرُفِ
(كَي تَرْوِي زَهْراً في صَدْرِي)
أَو تَنْسُجَ مِنْ غَيْماتٍ مُثْقَلَةِ
بِاللَّحْنِ الْمَكْنُونِ
وَبِالزَّادِ
وَبِاَلفَرَحِ...
أَزْمِنَةً خَضْرَاءَ
تُتَواءَمُ قَافِلَةَ الشُّعَرَاءِ
وَتَسْقيها مِنْ أَخْبَارَ الْعُشَّـاقِ
وَأَخْبَارِ الأَزْمِنَةِ الْمَسْرُوقَةِ
وَالزَّمَنِ الْمُتَاَلِّقِ
وَالزَّمَنِ الْمُوغِلِ
فِي أَحْضَانِ الْغَيْمِ
وَبَيْنَ الْمَاءَيْنِ،
وَحِينَ يَمُسُّ النُّورُ الْوَاعِدُ دَاخِلِنَا
تَرْحَل.
عندما ينهك الليل الشاعر ويستعد ليأخذ قسطا من الراحة تأتي تحمله على مد راحته وفتح جراحه لتجلس بينهما مسبلة جفنيها متوهجة بألق المعنى تتلذذ وهي تتسرب من بين الحروف إلى حدائق الروح تلمس زهرة هناك تقطف ثمرة هنا وتداعب غيمة هنالك تستحم بماءين ماء الدمع وماء اللحن المنسوج بالفرحة حين يهم الشاعر بالقبلة بعد أن أشرق وجهها بنور الوعد مستجيرا بالأزمنة المسروقة من أخبار العشاق .. ترحل !
كَانَتْ تَأْتِينِي فِي غَيْرِ مَوَاعِدِهَا
تَمْتَطِي مُهْراً
تَتَنَاثَرُ تَحْتَ حَوَافِرِهَا
سُنْبُلَةُ الْحُبِ
لِتُورِقَ فِي أَعْطَافِ الْقَلْبِ
تَوَاشِيحَ
وَأَشْعَاراً...
تَتَفَيَّأُهَا النَّبَضَاتُ الشَّارِدَةُ
وَالنَّوْرَسُ
وَالْحُلْمُ...
وَحِينَ أَمِيلُ إلَِى عَيْنَيْهَا
لأُِعَانِقَهَا
وَأُبَارِكُ فِعْلَتَهَا
تُسْرِجُ خَيْلَ الْبَرْقِ
وَتَرْحَل.
يا الله ّ!..كم هو محظوظ الشاعر و متعوس ؟!! ينتظرها فلا تأتي وحين لا يكون الموعد تأتي ممتطية مهر المعنى ينثر من بين حوافره سنبلة الحب فتورق في أعطاف القلب التواشيح والأشعار حيث النبضات التي حلمت وانتظرت وكادت تيأس و النوارس البيضاء المسافرة في بحر الحزن واللهفة والحلم المورق في كل الأزمان وحين يأتي أوان العناق والغرق في عيونها يسعفها خيل البرق و... ترحل
قدر الشاعر أن تظل القصيدة امرأة لا تعرف سوى الرحيل الدائم تأتي على غير انتظار محملة بكل ما يغري تفتح في القلب جرحا وترغم الضحكة على التوهج و تمتح من أمل حالم يسرج خيل الظنون وراءها وهي في أبهى جلوتها عروسا تغري وتلهب النزوات وتكتب حرفها في معنى الحرف وتتركه عطشان في قائضة صيف وترحل !!
هكذا تأتي زيارات عبد السلام مصباح لترصد لنا تقلبات القصيدة التي يطاردها الشاعر في كل تحركاته ليبقى الأثر ولا يكون له منها سوى تعداد مرات القدوم وأزمنة الرحيل!!!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !