مع اقتراب الموعد الإنتخابي ليوم 25 نونبر نقرأ و نسمع آراء و تحليلات متضاربة تتعلق بالنتائج المنتظرة لأول انتخابات تشريعية يعرفها المغرب في ظل الدستور الجديد. لكن مختلف القراءات لا تتأسس على معطيات دقيقة بقدر ما تنطلق من الواقع الحزبي و نتائج التجارب الإنتخابية السابقة. و تأسيسا على ذلك تبدو إمكانية التخمين بطبيعة المشهد السياسي الذي ستفرزه هذه الإنتخابات أمرا بالغ الصعوبة.
إذا انطلقنا من المعطيات الحالية التي تتعلق بحجم حضور و تمثيلية الأحزاب السياسية في البرلمان بمجلسيه، فإننا سنستنتج أن أربعة أحزاب كبرى مرشحة لاحتلال المراتب الأولى في الإنتخابات المقبلة. و يتعلق الأمر بالأصالة و المعاصرة و التجمع الوطني للأحرار و الإستقلال و العدالة و التنمية. و من المحتمل أن تحصل الأحزاب المذكورة على أعداد متقاربة جدا من المقاعد البرلمانية. و انطلاقا من روح الدستور الجديد فإن رئيس الحكومة المقبلة سيكون منتميا إلى أحد هذه الأحزاب على الأرجح. و هو طبعا الحزب الذي سيحتل المرتبة الأولى. لكن اقتراع 25 نونبر لن يفرز أبدا قوة حزبية مكتسحة بالنظر إلى طبيعة النظام الإنتخابي المعمول به في بلادنا من جهة و استنادا إلى البلقنة التي يعرفها المشهد الحزبي من جهة ثانية. أي أن انفراد حزب سياسي معين بالأغلبية يعد أمرا مستحيلا كما جرت العادة في الإستحقاقات السابقة. لذلك فإن لعبة الإستقطابات و التحالفات هي التي ستحسم في أمر تشكيل الحكومة الجديدة التي ستقود البلد خلال الخمس سنوات المقبلة.
يبدو إذن أن سؤال: من سيفوز في الإنتخابات المقبلة؟ ليس إلا مقدمة لسؤال أكبر يتعلق بطبيعة التحالفات التي ستفرزها الخريطة السياسية الجديدة. و هنا تحديدا تكمن غرابة الممارسة السياسية في بلادنا. ذلك أن الحديث عن تحالفات حزبية متجانسة لا مكان له في أجندات الأحزاب المغربية. و بالتالي لابد أن ننتظر بعض المفاجآت خلال المشاورات التي ستسبق الإعلان عن الحكومة القادمة. و من خلال قراءة حظوظ الأربعة الكبار المرشحين لاحتلال المراتب الأولى يبدو أن فوز حزب الجرار أو حزب الحمامة سيضمن استمرار تحالفهما مع مجموعة الثمانية التي تضم حساسيات مختلفة، لكنها قد تكون كافية لحصد الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة المرتقبة خصوصا إذا حصل حزبا " الحركة الشعبية " و " الإتحاد الدستوري" ( و هما مشاركان في المجموعة المذكورة )على عدد من المقاعد يساوي أو يزيد عن حصيلتهما في الإنتخابات السابقة. أما إذا فاز حزب الإستقلال بأغلبية الأصوات فإن أكثر السيناريوهات المحتملة هي عودة حزبي التجمع الوطني للأحرار و الحركة الشعبية للتحالف من جديد مع حزب " الميزان" و حليفيه في الكتلة " الإتحاد الإشتراكي و " التقدم و الإشتراكية". و المبرر الذي سنسمعه طبعا هو مواصلة العمل المشترك و تنفيذ " الأوراش" التي بدأتها الحكومة السابقة. و إذا حدث هذا، فإن ذلك سيعني نهاية مبكرة لمجموعة الثمانية.
أما الجديد الذي قد تحمله هذه الإنتخابات هو فوز " العدالة و التنمية". و في هذه الحالة ستختلط الأوراق إلى حد كبير. ففي ظل تنامي مد " الإسلام السياسي المعتدل" في عدد من دول المنطقة، تظل احتمالات فوز حزب المصباح واردة جدا، خصوصا و أنه بات بالنسبة لفئة عريضة من الكتلة الناخبة خيارا يجب اختباره في المرحلة المقبلة لاسيما أن هذا الحزب ظل حتى الآن في صف المعارضة. لكن مشكلة التحالفات السياسية ستشكل عائقا أساسيا أمام طموحات هذا الحزب الذي سيكون مضطرا لتقديم كثير من التنازلات إذا كان مهتما بقيادة الحكومة المقبلة. و قد يكون حزب الإستقلال أكثر الأحزاب قابلية للتحالف معه، لكن طبيعة الأحزاب الأخرى المحتمل انضمامها لأغلبية يقودها حزب " العدالة و التنمية " تتوقف على حجم الحقائب الوزارية المقترحة عليها و ليس على مرجعيتها السياسية. ثم إن احتمال فوز " العدالة و التنمية" قد يفرض من جديد عودة مفهوم " الوزارات السيادية" بطريقة أو بأخرى في ما يتعلق بالخارجية و الداخلية و الأوقاف... و في كل الحالات سيكون أي تحالف سياسي يتزعمه حزب " العدالة و التنمية " هشا و معرضا للإنفجار في أية لحظة.
تلك هي السيناريوهات المحتملة لمشهد ما بعد 25 نونبر. لكننا تعودنا في المغرب أن كل تحليل للواقع السياسي و منتظراته يفتقد إلى الدقة و الوضوح بسبب غياب هذا الوضوح نفسه في الفعل السياسي برمته. لذلك تظل هذه السيناريوهات مجرد قراءة في فنجان ما بعد انتخابات 25 نونبر. و هي قراءة لها ما يبررها على كل حال. محمد مغوتي.23/11/2011.
التعليقات (0)