مواضيع اليوم

قراءة في خطاب أوباما الموجه للعالم الإسلامي

محمود ابو بكر

2009-06-11 12:52:03

0

 

لا شك أن الخطاب التاريخي الذي القاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس الأول بالقاهرة والموجه أساساً للعالم الإسلامي يشكل "نقطة بداية مهمة " وفي الأتجاه الصحيح بعيدا عن "التشكيك المسبق للنوايا والتوجهات الأمريكية الحديثة ، والواقع أن تفكيك الخطاب ومحاولة قراءة الجديد فيه يمكن ان يمهد لعملية القراءة الصحيحة للرسالة التي تريد الإدارة الجديدة في واشنطن البعث بها للعالم الإسلامي ، سيما وأنها إدارة انتخبت وفق برنامج " تغير شامل " للوضع الذي بقى راكداً (او مؤسساً في السياسة الأمريكية سواء الداخلية منها او الخارجية.


وعليه فإن عمليات الاستباق ومحاكمات النيات لا ينبغي ان تسبق "التحليل الموضوعي" للخطاب او تكون بديلا له –على الأقل- ، حيث تعودنا في العالم العربي والإسلامي أن نشكك في كل ما يأتي من "بلاد العم سام" ولنا كامل الحق في فعل ذلك نظرا للتاريخ الطويل والمخزي للإدارة الأمريكية المتعاقبة تجاه هذه المنطقة ،


إلا ان ذلك لا ينبغي أن يمثل "عقبة" دائمة أمام أي فعل إيجابي يمكن أن تقوم ب هاو تقترحه الإدارة الجديدة التي برهنت خلال الفترة القليلة الماضية انها ماضية بجدية نحو إحداث تحول نوعي في سياساتها الخارجية – على الأقل في جانبها النظري - ، وعلينا أن نساهم في محاولة الوصول لترجمة تلك الأقوال للأفعال لا أن نلفظها مسبقا ونضع العراقيل أمامها بحجة أنها لا تحقق كل تطلعاتنا ..ففي السياسة الواقعية يمكن الاتكاء على منطق "أن ما لا يدرك كله لا يترك جله".

وبقراءة واعية ودقيقة يمكن التقاط الكثير من المؤشرات الإيجابية في الخطاب الذي أطلق بجامعة القاهرة ، بدءا من "قرار مخاطبة العالم الإسلامي" فذلك في حد ذاته يمثل فاصلة مهمة في التعاطي مع قضايانا ، بعد أن ظلت الإدارة السابقة تضعنا في "مؤخرة اهتماماتها " عدا فيما يتعلق بـ " النفط و القضايا الأمنية " فيما أن التعاطي مع قيمنا ومفهومنا الحضاري والثقافي والسياسي ظل مؤجلا الى أجل غير منظور ..كما ان دوائر الاهتمام والتعاطي مع القضايا منذ نهاية الحرب الباردة ظلت تدور في فلك ما يعرف بـ " الشرق الأوسط وشمال إفريقيا " في تجزئة مادية وسياسية خطيرة للعالم الإسلامي ، في حين أن الإدارة الجديدة ، تعود الى مصطلح " العالم الإسلامي " كدائرة اهتمام ووحدة جديدة في التعاطي " وهو ما يعطي القضايا العربية ، "نفسا جديداً " ويعيدها الى دائرة اكبر وأعمق ..كانت قد فقدتها في ظل "التكالب الذي حدث مع إطلالة ما يسمي بالنظام العالمي الجديد ، الذي جزأ المجزأ وقسم المقسم ، وكانت الدول العربية أحدى أدوات ذلك التقسيم

 

ما الجديد في خطاب أوباما


هذا السؤال هو ما وجهته إلي أحد القنوات الفضائية ليلة أمس ، وفي الواقع فإن الإجابة تحتاج الى مساحة أكبر إلا أن القراءة السريعة يمكن أن تضع أمامنا مجموعة من العناصر المهمة ، والتي يمكن ان تشكل "بناءا نظريا وفلسفيا مهما "للسياسة التي تنوي واشنطن إتباعها في حالة توفر كل العناصر المساعدة ، لترجمتها على أرض الواقع ، وتلك مرحلة مهمة من مراحل "صناعة القرار" خاصة في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية


وعودة للإجابة يمكن القول : أن الرئيس الأمريكي وفي تناوله لحركة حماس ، استخدم مصطلح "مقاومة" بدلا من اي مفردة اخرى كما استخدم مفردة " العنف "عوض الإرهاب ، وهو تطور نوعي على مستوى الخطاب السياسي الأمريكي الذي ظل يعتبر أي "فعل تقوم به حماس بانه الإرهاب وأنها كمنظمة تصنف ضمن الحركات الإرهابية – وهذا في مرحلة من المراحل قد يقود الى إعادة تعريفها فعليا - ..ثم أن الحديث عن حماس وإمكانية قيادتها لمقاومة سلمية ،والنموذج الجنوب افريقي الذي ورد في الخطاب ، يمثل إدانة واضحة لإسرائيل باعتبارها " أنها تمارس سياسة أبارتايد " كما كان بالنسبة للنظام في جنوب إفريقيا قبل بداية التسعينيات ، وهو أمر لن يسعد تل ابيب إطلاقا ..بقدر ما يضعها في قائمة الدول التي تمارس التفريق العنصري.
وفي الشأن الفلسطيني أيضا ، تحدث أوباما بلغة حازمة وحاسمة حول المستوطنات قائلا : "اننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية. وان عمليات البناء هذه تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوض من الجهود المبذولة لتحقيق السلام. لقد آن الأوان لكي تتوقف هذه المستوطنات " وهي رسالة واضحة للحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو في إسرائيل ، والتي عبرت خلال الأسابيع الماضية رفضها لهذا المطلب ..وبالتالي فإن تأكيده لرفض المستوطنات وعدم شرعيتها يعطي المطلب الفلسطيني "دعما سياسيا اكبر " ويعمق الفوارق القائمة بين تل ابيب و واشطن إجرائيا حول هذه الجزئية –على الأقل - .
وبالمثل يمكن الاعتداد برؤية الدولتين المتجاورتين التي وردت في الخطاب – وان كانت رؤية ليست بجديدة بالنسبة للإدارات الأمريكية حيث سبق ان ذكرها كلينتون وبوش – فإن التأكيد عليها واعتبارها الحل الأوحد للنزاع في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة اليمينية في إسرائيل هذه الرؤية يعد ، أمرا ضروريا وجوهريا في الموقف الأمريكي تجاه المنطقة .
كذلك اعتباره للقدس كعاصمة ومدينة للديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية ) على عكس الإدعاءات الاسرائيلية والامريكية السابقة بإعتباره عاصمة ابدية لإسرائيل !، وهذا يعد تطورا ذو اهمية قصوى في النظرة الامريكية .
في الشأن العراقي والأفغاني وتأكيد أوباما أن الحرب الأمريكية " تجاه أفغانستان كانت مفروضة على بلاده " كنتيجة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر ، واتخاذ القاعدة لذلك البلد كمنطلق ، اوضح أم الحرب على العراق " كانت خيارا " وليست "ضرورة مفروضة " وهذا "اعتراف مهم " للمضي في عملية إنهائها وانسحاب القوات الأجنبية من ارض الرافدين ، حيث قال "ان الولايات المتحدة لا ترغب في الاحتفاظ بقواعد عسكرية في أفغانستان" وأضاف أن بلاده " تتحمل المسؤولية في ترك العراق للعراقيين وبناء مستقبل أفضل له " وجدد التزامه بالتوقيت الزمني للانسحاب .
وكذلك الأمر بالنسبة لإيران التي أكد أحقيتها في امتلاك برنامج نووي سلمي ، مع الاشتراط بضرورة الشفافية والتوقيع على معاهدات منع انتشار الأسلحة النووية ، تعزيزا لما اسماه هدف الولايات المتحدة في "إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل " وهو المطلب العربي ، ويمكن الاعتماد عليه في الجهد المبذول تجاه وضع برنامج "إسرائيل تحت المراقبة والمطالبة بتفكيك مفاعلها العسكرية –حتى لو بدا مطلبا بعيد المنال – في الوقت المنظور .


المواقف والنقاط الموحية في الخطاب

 


ضمن النقاط السبع التي حددها أوباما وارتجلها في القاعة الكبرى بجامعة القاهرة ، هو حديثه المسهب عن "الإسلام كعقيدة وكقيمة إنسانية مضافة للحضارة ومؤثرة في مساراتها " ، وكان هذا الجزء المهم من الخطاب مثار اهتمام كبير يوم أمس من قبل وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية ، حيث بدت الرؤية متجاوزة تماما لكل ما تم ترديده خلال العقدين الماضين ، كما أكدت النماذج والتواريخ التي ذكرت في متون الخطاب ، أنها لا تمت بصلة لتلك "الخطابات المجاملاتية التي ظل يطلقها الامريكان بين فترة واخرى ، بل يمكن أن تمثل " بناءا نظريا ومفاهيميا مهما " وإدراكا واعيا في صناعة السياسة الأمريكية الجديدة " تجاه المنطقة والعالم .
وقد تعمد أوباما الى الاقتباس من القرآن الكريم والأحاديث النبوية ،لسبعة مرات متوالية طوال مدة الخطاب ، وهو ذات عدد النقاط التي حددها كمداخل لعلاقة جديدة مع العالم الإسلامي .
وبالرغم من التوظيف المتداول للتواريخ القديمة في الشرق من قبل الادارات الامريكية السابقة على شاكلة الاعتماد على سير الانبياء ، إلا ان التاريخ سيسجل لأوباما بانه اول من استخدم " قصة الإسراء" وصلاة الانبياء في المسجد الأقصي .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !