قراءة في بعض القصص القصيرة جداً
التي نشرت في موقع أوروك الجديدة
زكريا إبراهيم المحمود
-----------
القاصة جهاد الجزائري
في قصة حورية من السماء رصد للحظة حياتية بلغة لا تبتعد كثيراعن لغة الحياة اليومية، ويمكن القول أنها واقعية تسجيلية بأمانة متناهية، فهكذا يتحدث الرجل عندما يرى امرأة جميلة،
ويكون التعبير عن السخط كما أوردته الكاتبة، إذ نراه يلعن الساعة التي تزوج بها ..ولا يمكن أن نعطي للمرأة في هذه القصة أية مساحة رمزية إضافية، فهكذا وردت في النص والبحث عن أي أفق رمزي لها يكون نوعا من التعسف، في البحث عما وراء الشكل، لان التركيب النهائي للقصة لا يوحي بأكثر من ذلك..
وفي القصة الثانية التي عنونتها الكاتبة ب" شمس "يظهر العمق الفكري أكثر من القصة السابقة، رغم البساطة باستخدام الرمز، فالرمز الأكثر إيحاء " الشمس " ذو دلالة تقليدية واضحة، والحامل لهذا الرمز هو اللغة البسيطة المحببة.. هذا الرمز الذي يتسم بالبساطة، جمع مكونات قصة فيها الكثير من الجمال، ولعل الكاتبة لا تريد إتعاب القارئ، فقد ختمت بشكل نهائي وحاسم " كان يحلم " ورغم ذلك فالقارئ لا يستطيع أن يبتعد كثيرا في الحلم، فالحلم كان واضحاً في الثنايا الداخلية للقصة.
القاص عزيز العرباوي :
في قصة "الشاي" لا يمكن أن نعطي للقصص التي عنونها الكاتب ذات الصفة التي أعطاها الكاتب لها"قصص قصيرة جدا" بل يمكن أن نطلق على النصوص الأربعة، مسمى الأقصوصة، حيث يبدو أن مفهوم القصة القصيرة جدا مازال ملتبسا لدى الكثير من كتاب القصة، فالذي يقدمه القاص عزيز أقصوصة متكاملة اعتمدت على تفاصيل دقيقة لبناء أقصوصة جميلة موحية، ولكن الأكيد أنها ليست قصة قصيرة جدا..
في قصة الشاي يرسم القاص عزيز اندياح العاطفة بشكل جميل، وببراعة تجعل القارئ يتنشق رائحة الشاي، ويتخيل ملامح الرجل صاحب الصورة، ويشعر بأسى شفيف يعتصر القلب بلقطة ذكية،وذلك عندما يجعل مسار العاطفة يطغى من خلال بساطة اللغة، فيرسم قصة أو "أقصوصة" باقتدار .
تبدو قصة دموع عملاً متكاملا، أو لنسمها أقصوصة، رغم أنها أتت قصة متكاملة، من خلال الرمزية الشفافة التي أضفت جمالا أخاذا على النص القصصي، الذي أتى انسيابيا مع تفصيلات رسمت لوحة قصصية متخيلة بشكل مدهش، ولا أدري لما عنون القاص عزيز قصصه بالقصيرة جدا، فما كتبه قصص قصيرة متكاملة، فيها الكثير من الإبداع والتألق، فهذه الأقصوصة هي لوحة مرسومة ببراعة كاتب متمكن من أدواته، قادر على استخدام الرمز بإحالات فكرية عميقة، ترسم فن القصة كما يجب.
القاص زياد صيدم :
أقدار مبعثرة(( قصص قصيرة جداً))
القاص زياد صيدم يكتب قصة قصيرة بحق، ولكن على ما يبدو مازالت ال .ق . ق .ج مفهوم أو مصطلح غائم عنده، ومن خلال نظرة إلى ما عنونه القاص زياد ( أقدار مبعثرة )، نجد عنوانا موحدا لمقاطع متوالية :
في المقطع الأولى نجد قصة قصيرة جدا، من خلال التكثيف وترك الفواصل الزمنية، والعودة إلى التراكيب المكثفة للإحاطة بالحالة التي يحاول الكاتب رصدها، ومن خلال جمله المتلاحقة التي أتت متسارعة مع افتقادها للتوتر العاطفي، بل إن التسارع المذكور كان لطغيان الفكرة ومحاولة الإيصال للقارئ، التي سيطرت على القصة فدخلت بتجريد لايحيل إلى مرتكز حدثي، ولكن فنيات ال .ق.ق.ج كانت موجودة بشكل واضح، إلا أنها لم توظف بشكلها الأمثل..ويتابع القاص في المقاطع التالية ليكوّن فكرة جامعة، هي القدر الذي يرسم المسار الحياتي لمجموع الشخصيات المتباينة فكريا ومجتمعيا . المقاطع كما أرادها الكاتب تراوحت بين القصة القصيرة جدا التي وقعت بالتجريد، كما في المقطع الأول أو القصة الثانية التي بقي الرمز فيها عاجزا عن الإحالات، رغم التكثيف والاختصار الحاد للحدث، والتراكيب الجملية التي حاولت أن تنهض بالقصة من خلال الاعتماد على اللغة ..
القصة الثالثة كما أرادها القاص، تبتعد عن القصة لأنها بقيت في إطار الفكرة الذهنية التي عجزت التراكيب الجملية المتلاحقة عن الإضاءة الكاشفة، فأتت القصة نوعاً من الرسم اللغوي، الذي أبقى الحدث مشتتا دون إضاءة لاستكثار الرجاء أو الرحيل، لذلك نرى الكاتب لجأ للعبارة الجاهزة " فكسر وراءها الإبريق " كي تساعد على رسم الحالة النفسية للشخصية الذكورية في النص..
القصة الرابعة هي قصة قصيرة جدا، مكتملة من حيث التكثيف وامتدادات الحدث أفقيا وعموديا والإحالة الرمزية الموفقة.
لاشك أن مسار الإبداع يحمل الكثير من التألق، ولا نستطيع بهذه العجالة أن نحيط إحاطة كبيرة بالجانب الإبداعي، فما قمنا به هو قراءة ونظرة أولية لبعض القصص المنشورة في الموقع، رغم وجود الكثير مما يستحق إفراد قراءة خاصة، وأظن أننا فاعلون في المستقبل القريب...
يتبع ....
في المقال الثاني قراءة لبعض القصص القصيرة..مع رؤية لمفهوم القصة عامة..
-----------------
زكريا إبراهيم المحمود
محرر في موقع أوروك الجديدة
zakaria@orook.com
---------------
روابط القصص المنشورة على موقع أوروك
في مهب الجرح
لجهاد الجزائري
قصص قصيرة جداً
لعزيز عرباوي
أقدار مبعثرة
لزياد صيدم
التعليقات (0)