حجم الأزمة غير واضح والتفاعلات مستمرة
قراءة في انعكاسات الأزمة المالية
مروة كريدية من دبي: لا شكّ في أنّ سنة 2008 كانت مفصليّة ومصيريّة وشكلّت منعطفاتٍ إقتصادية وسياسية عنيفة وحادّة طالت معظم دول العالم، وأدّت الى إعادة تمحور القوى الاستراتيجية الكبرى ، فيما سارعت الدول الغربية لا سيما الاوروبية منها الى بذل الجهود ووضع الخطط والاستراتيجيات لمواجهة الآثار السلبية للأزمة الشديدة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، فتداعيات الأزمة ما زالت تتفاعل وتنتشر في العالم محدثة حالة من الذعر حول المستقبل، ومن المتوقع ان ترخي بظلالها على العام المقبل، لا سيما في الدول النفطية الخليجية التي تُعد أكثر الدول العربية المتضررة بعد الانهيار الحادّ لاسعار النفط الخام الذي يشهد تدهورًا حادًا حيث وصل سعر البرميل الى ما دون 34 دولارًا لحظة اعداد هذا التقرير.
ومع الخسائر الضخمة التي تعرضت لها البورصات العالمية التي تقدر بالمليارات، فإن التشاؤم هو سيد الموقف والتوقعات حول مستقبل النمو العالمي تُعد بمعظمها سيئة، فقد توقع رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس مؤخرًا تباطؤ النمو العالمي إلى 3.7 في المئة العام المقبل، مؤكدًا أنها من أدنى النسب في العقدين الأخيرين". ويرى محللون اقتصاديون انّ مكمن الخطر في الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية هو أن جوانبها المختلفة لم تتضح بعد. وبحسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين، فإن تفاعلاتها لا تزال مستمرة ولم تصل بعد إلى وضع الاستقرار الذي يتيح التعرف إلى حجمها الحقيقي والإلمام بأبعادها المختلفة وبالتالي وضع الخطط الناجعة للتعامل معها.
كرة الأزمة الاقتصادية في ملعب الدول النفطية
وفيما تنعكس الازمات الاقتصادية على الأبعاد السياسية والاستراتيجية الخارجية في دول العالم الذي تبلور من خلال عودة الدور الروسي والصيني الى الواجهة الدولية من جديد، وتنامي تأثير قوة الدول الأقليمية في الشرق الأوسط المتمثلة بإيران وتركيا وإسرائيل ، فقد بدأت انعكاسات ذلك تظهر على السياسات الداخلية والتشكيلات الحكومية والتكتلات الحزبية في كل دولة، غير انّ الدول الخليجية النفطية التي تعتمد كل واحدة منها نظامها السياسي الخاص بها، فإن التغيرات المتوقعة ستطال الجانب الاقتصادي في ظل الاستقرار الملحوظ لسياساتها الداخلية، فيما المطالبات الدولية لها تبدو ملحة بشأن التدخل الفوري لإنعاش الاقتصاد العالمي المتدهور، والذي لا يمكن قراءته دون الزيارات المتكررة للمسؤولين الاوروبين والأميركيين لمنطقة الخليج بهدف حثها على تقديم السيولة اللازمة للبنوك العالمية المتعثرة .
وفي هذا الاطار جاءت زيارة رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون خلال نوفمبر الماضي الى المنطقة لتؤكد ضرورة "ضخ الأموال" إلى الأسواق الغربية المتعطشة للسيولة النقدية، واعدًا إياها بإعطائها دورًا اساسيًا و"محوريًا" في صندوق "النقد الدولي" من اجل ضمان استقرار الاقتصاد العالمي.
فيما أشار ئيس صندوق النقد الدولي لذلك بوضوح بقوله " إن القطاع الخاص غير قادر وحده على إعادة الثقة إلى الأسواق الدولية، وكذلك تدابير السياسات الاقتصادية الكلية ومعالجة كل حالة بمفردها، ولكن ما يعيد الثقة بالفعل إلى هذه الأسواق وبالتالي تهدئة مخاوفها هو تدخل واضح وكامل تقوم به الحكومات- (الخليجية) - وناشئ عن التعاون بين الدول " .
وفي هذا السياق نفسه أكد رئيس بنك"جي بي مورجان تشيز" الأميركي جيمس ديمون على أهمية الخليج والشرق الأوسط في حل الأزمة الائتمانية العالمية. حيث أشار في حديث لمجلة "ميد" إلى أن الخليج مرتبط بالازمة وهو غير منفصل عن الغرب وعن تداعيات الأزمة الائتمانية العالمية.
قائلاً انه عندما بلغ سعر النفط 140 دولارًا للبرميل، ساعد ذلك في حدوث طفرة عالمية كما كانت طفرة في دول الخليج. لذلك ليس من المستغرب عندما يكون هناك كساد عالمي أن يسبب ذلك انخفاضًا في أسعار النفط ويؤثر على اقتصاديات الدول المصدرة للنفط. وأضاف أن نوايا حكومات الخليج في الانفاق على مشاريع البنية التحتية لدعم اقتصادها هو التصرف السليم في ظل الأزمة العالمية.
الموقف الاماراتي الرسمي يُؤكد متانة الاقتصاد
وفي سياق احتواء الأزمة على الصعيد الاماراتي الداخلي فإن المصادر الحكومية والرسمية تعمل على إدارة الأزمة من خلال بثّ الرسائل التطمينية بشكل يومي الى المستثمرين والمودعين على حدٍّ سواء، وأهم تلك الخطوات ما أكدّ عليه الرئيس الإماراتي سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بداية الازمة حول متانة اقتصاد بلاده وكفاءة جهاز الامارات المصرفي، والبنوك الوطنية.
ليعود ويؤكد ذلك مؤخرًا بالقول "لا شك ان دولة الامارات ومن خلال انفتاحها على الاقتصادات العالمية لم تكن بعيدة عن تاثيرات هذه الازمات وتداعياتها، غير ان الامارات بما تملكه من قاعدة اقتصادية ومالية قوية وصلبة تستطيع ان تحد من تاثيرات هذه الازمة عليها". ويطمئن مجددًا" ان الامارات بما تملكه من قاعدة اقتصادية ومالية قوية وصلبة تستطيع ان تحد من تاثيرات هذه الازمة عليها". معتبرًا ان التراجع الكبير في اسعار النفط هو المؤثر الاكبر حيث ان الامارات هي ثالث اكبر منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) مع حوالى 26 مليون برميل يوميًا. مؤكدًا استمرار بلاده في "مشاريع التنمية التي يجري تنفيذها".
وكان مجلس الوزراء الاماراتي قد اتخذ خلال الشهرين الفائتين العديد من الاجراءات الاحترازية وعددًا من الخطوات الوقائية الداخلية. وذلك من منطلق الحرص على المصلحة وضمان استمرارية النمو الاقتصادي وحمايته، وكان اهمها أن تضمن الحكومة عدم تعرض أي من المصارف الوطنية لأي مخاطر ائتمانية، من خلال ضمان الودائع والمدخرات في المصارف الى جانب توفير ضمانات عمليات الاقتراض فيما بين المصارف العاملة في الدولة وضخ السيولة اللازمة في الجهاز المصرفي في حال تطلب الأمر ذلك.
وفي وقت اعرب فيه رئيس الوزراء محمد بن راشد في أكثر من مرة عن ان الدولة جادة في حماية نظامها المالي وقطاعها المصرفي حفاظًا على المصالح العليا للدولة، فإن محافظ بنك الإمارات المركزي سلطان بن ناصر السويدي أوضح : "أن ملكية ودائع العملاء في هذه البنوك تتوزع على المواطنين بنسبة 75 في المئة والعرب بنسبة 8 في المئة وجنسيات أخرى بنسبة 17 في المئة... حيث أن نسبة المواطنين والعرب في ملكية الودائع تزيد في البنوك الوطنية." ليقول في احد تصريحاته :"أن تمويل البنوك من إصدارات الأوراق التجارية الأوروبية / إي سي بي/ والسندات متوسطة الأمد / إم تي إن إس / إلى مجموع موجودات البنوك يبلغ 9.9 في المئة فقط في حين أن نسبة ودائع بين البنوك إلى إجمالي الموجودات تبلغ 12.7 في المئة ومعظمها ودائع مملوكة للبنوك في الدولة".
العقار الاماراتي في مهب الأزمة
في وقت اقر مجلس الوزراء الاماراتي في تشرين الاول/اكتوبر الماضي موازنة مالية اتحادية من دون عجز للسنة المالية المقبلة 2009 بلغت 4911 مليار دولار وتعكس زياردة بنسبة 21% مقارنة بالسنة الحالية فإن المراقبين يرون ان هذه الميزانية وان عكست توافر موارد مالية جيدة الا انه من الصعب على الدولة ان تدعم قطاع العقارات لا سيما الشركات الخاصة منه التي ان توقف العمل في مشاريعها فإن ذلك سيؤثر حتما على كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى .
وعلى الصعيد العملي لتضرر قطاع العقار في دبي، فإن الصورة تبدو قاتمة نوعًا ما، فيما يتحاشى المدراء التنفيذيون لشركات العقار من الافصاح عن حجم الأضرار الناجمة عن الأزمة وقد قال مصدر مطلع لايلاف رفض الكشف عن اسمه: "إن ما يعانيه قطاع العقارات من ضرر نتيجة الازمة المالية العالمية له ارتباط وثيق بما يجري بالعالم من ازمات بنكية"، مضيفًا ان الامر عبارة عن " سلسلة متتالية ومترابطة بشكل وثيق، وعليه فقد تم الإستغناء عن العديد من العاملين واعلان بعض الشركات عجزها عن متباعة المسيرة".
ويضيف أن "الازمة الآن تكمن في المطورين الرؤساء للعقار في دبي (نخيل ، دبي للعقارات، اعمار..) الذين يحاولون ابقاء أسعار العقارات على ما كانت عليه قبل الأزمة رافضين الخضوع لمبدأ العرض والطلب، فعلى الرغم من توقف شبه تام للطلب على العقار فإنهم يتمسكون بأسعارهم المرتفعة، في وقت يجب ان تهبط الاسعار فيه الى نصف ما كانت عليه".
أما العقارات المملوكة لأفراد وشركات صغيرة فإنها شهدت هبوطًا في الاسعار بسبب تعطش ملاكها للسيولة حيث سجل ادنى هبوط لسعر القدم بدبي الى اكثر من 40% مما كان عليه" .
وردًّا على سؤالنا حول الاسباب قال "لقد تم وضع سيولة نقدية كبيرة في البنوك بالخارج وتحديدًا الاميركية منها... وبالتالي فإن هذه البنوك التي اعلنت انهيارها بسبب ازمة الرهن العقاري العالمي انعكست مباشرة على سيولة في البنوك المحلية التي اعلنت عن توقيف اعطاء القروض العقارية مما ادى الى هبوط حاد في قطاع العقارات بدبي بشكل كبير".
وأولى انعكاسات ذلك هو انهاء خدمات عدد كبير من العاملين بقطاع العقارات والبنوك في دبي، وتشير التقديرات الى خسارة آلاف الموظفين لوظائفهم في دبي في ظل التكتم الرسمي شبه التام حول الارقام الحقيقية كما إن الارقام المعلن عنها تشير الى فقدان أكثر من ألفيّ عامل وظائفهم في امارة دبي وحدها .
ويضيف المصدر بأن هناك الكثير من "الانهيارات غير المعلنة في الشركات" فقد استغنت دبي للعقارات على سبيل المثال عن خدمات 250 موظفًا الشهر الفائت، وكثير من الشركات الكبرى أيضًا حذت الفعل نفسه منها: سما دبي سرحت حوالى 300 موظف، أما اعمار فقد صرفت حوالى500 من موظفيها ، ونخيل 500 موظف ، فيما سرحت باريس غاليري 100 عامل، وشركة انجاز صرفت حوالى 70 موظفًا، اما شركة ارابتك فقد استغنت عن 200 موظف ، وتعمير سرحت 300 موظف، فيما صرفت داماك منذ شهرين حوالى 200 من عمالها، مؤسسة بن هندي 100 موظف... وقد تم اغلاق عدة محلات في السيتي سنتر. القائمة طويلة والامثلة كثيرة، ولكن المصادر الرسمية تتحاشى الاعلان عن الارقام الحقيقية خشية إحداث حالة من الذعر في السوق " .
وعن انعكاسات ذلك على بقية القطاعات اشار الى ان الازمة ستطال "جميع القطاعات ولن يسلم منها أحد ان لم تكن هناك خطة حكومية اتحادية لوقف النزيف الحاصل " .
وعن التوقعات يقول " يتوقع انخفاض عدد الوافدين في امارة دبي تحديدًا الى النصف في النصف الثاني من السنة القادمة كحد اقصى كما انه من المتوقع ايضًا اعلان افلاس عدد كبير من الشركات في حال هبط سعر برميل النفط الى ما دون 26 دولارًا".
أخيرا فإن للازمة الحالية إيجابيات كونها أعادت الاقتصاد إلى جذوره الاساسية او أجرت عملية تنظيف في الأسواق المالية، خصوصًا في ضوء تفاعل الحكومات العالمية مع هذه الازمة وسعيها إلى الامساك بزمام الامور واستعادة الثقة المفقودة في الأسواق المتأرجحة أو المنهارة.
http://65.17.227.80/Web/AkhbarKhasa/2009/1/396447.htm
التعليقات (0)