حظي الوضع الثقافي المغربي بأهمية كبيرة ضمن خلاصات التقرير الثاني للتنمية الثقافية العربية الذي أصدرته "مؤسسة الفكر العربي"، فأشار التقرير إلى أن المغرب احتل المرتبة الأولى عربياً وال 34 عالمياً في مؤشر نسبة صادرات تقنيات المعلومات والاتصالات.
وأظهرت المعطيات المتعلقة بهذا الموضوع تفوق دولة الإمارات العربية على كل نظيراتها من البلدان العربية في استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في المكاتب والمدارس والدوائر الحكومية وأعداد المشتركين، كما احتلت المركز الخامس دوليا، فيما جاء المغرب في المركز 111 عالميا.
أما في مجال الإنفاق الحكومي السنوي على الطالب الجامعي فقد أوضح التقرير أنه لا يتجاوز 800 دولار في كل من المغرب ومصر والأردن وسوريا، ويصل إلى نحو 1.800 دولار في لبنان وتونس، ويبلغ 8.000 دولار في السعودية، في حين يصل في كل من إسرائيل وفرنسا إلى أكثر من 10.000 دولار، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ 22.000 دولار.
وعلى العموم فإن التقرير أكد أن معدل إنفاق العرب السنوي على الطالب الجامعي لا يتجاوز 800 دولار في أحسن النماذج في الوقت الذي تنفق فيه إسرائيل أكثر من 10000 دولار على الطالب الجامعي، بينما تنفق الولايات المتحدة 22000 دولار.
لقد حظي إذن ملف التعليم أهمية خاصة ضمن محاور التقرير وخاصة فيما يخص قضية "التمويل واستقلالية الإدارة في التعليم العالي"، فأشار بأن مشكلة التمويل تترك آثاراً على أداء الجامعات: نمو المؤسّسة بمعدل لا يتناسب مع معدل نمو مخصّصاتها، تقلص عدد الأساتذة الذين يجري تأهيلهم في الجامعات الغربية المرموقة واللجوء إلى إعدادهم محلياً، عجز الجامعات عن تمويل الإجازات التدريسية والبحثية لأعضائها خارج البلاد... والأبرز الذي طرحه التقرير كان حول معدلات الإنفاق على التعليم العالي في البلدان العربية، وإذا ما حقّّق الجودة التعليمية المنشودة.
واعتبر التقرير أنه بقدر ما يكون إنتاج بلد عربي قليل الانتاجات السينمائية فإن اهتمامه سيزداد بالمهرجانات وتمويلها دون اهتمام جدي بتمويل حركة إنتاجية.
وأوضح التقرير أن سنة 2008 عرفت إنتاج المغرب 15 فيلماً روائياً طويلاً وعشرات الأفلام القصيرة، كما تميز بتقديم انتاجات مصرية سينمائية جديدة، حيث ظهر ما لا يقل عن 13 مخرجاً سينمائياً مصريا جديداً تولوا إخراج أفلامهم الأولى. وأشار أن المهرجانات الفنية في دبي وأبو ظبي وغيرها تبدو الأكثر قدرة على استقطاب الجديد والجيد من السينمائيين.
ووضع التقرير الثاني للتنمية الثقافية العربية مؤشرات أساسية لقياس التنمية الثقافية في البلدان العربية ومستوى تطورها، بناء على خمسة محاور كبرى تتصل بمؤشرات التنمية الثقافية في العالم العربي، وكفيلة بمحاولة لرسم معالم الخريطة الثقافية العربية وتحديد نقاط ضعفها وقوتها والتأسيس لمنهجية عمل ثقافي يتصف بالشمول والرصد لمجالات تتشكل منها البيئة الثقافية العربية، وهذه المحاور هي: المعلوماتية والإعلام والتعليم والإبداع والحصاد السنوي.
وشكل موضوع "المعلوماتية.. أفق بلا حدود للتنمية" أولى الموضوعات التي راهن عليها التقرير لتبيان حجم الفجوة الرقمية التي تعيشها بلداننا على مستوى البنية المعلوماتية العربية، وحجم الحضور الثقافي العربي على الشبكة العنكبوتية، والدور المحتمل للمعلوماتية في دعم التنمية الثقافي، وكذا رؤيته التقويمية لواقع التعليم العالي وأزماته، باعتباره المرآة التي تعكس حقيقة واقعنا التكنولوجي ومستويات تقدم مجتمعاتنا العربية في هذا المجال الحيوي، إلى رؤى وأفكار حول الجهود الإبداعية والبحثية المبذولة والمعضلات التي تقف في مواجهتها.
كما أبرز حجم الفجوة الرقمية بالنسبة للدول العربية مقارنة مع باقي الدول، ذلك أن المواقع الثقافية العربية لا تعكس الثراء الشديد الذي تتميز به الثقافة العربية والتراث العربي، وأكد عن وجود ضعف في مواقع التعليم الإلكتروني والمكتبات الرقمية والأدب والفولكلور، وضعف شديد أيضاً في محتوى مواقع البحث العلمي على شبكات الإنترنت. كما يلحظ إضافة غياباً واضحاً لمعظم الصيغ التفاعلية مع المواقع الرسمية لوزارات الثقافة والجهات الرسمية، إذ يفاجأ الزائر لعناوين بعض المتاحف عبر الإنترنت أنها قد تحوّلت إلى مواقع دعائية إعلانية لا علاقة لها بالمحتوى المتاح، في حين أن ثمانية مواقع لمتاحف مصرية تضم أهم المقتنيات الأثرية في العالم لم تعمل.
واحتلت تونس المركز الأول عربيا والـ 28 عالميا في مؤشر مدى إقبال الشركات والمؤسسات داخل الدولة على تمويل البحوث. أما مصر فجاءت الأولى عربيا والـ 36 عالميا في مجال استخدام الإنترنت تجاريا.
وأظهر التقرير أن الكويت كانت هي الأولى عربيا والـ37 عالميا في معدل براءات الاختراع وحرية الصحافة، في حين احتلت السعودية المركز الأول عربيا والسابع عالميا وفقا لمؤشر القدرة على الإبداع والابتكار، وأيضا المركز الأول عربيا والثامن عالميا في مؤشر نسبة الإنفاق على التعليم.
وجاءت قطر الأولى عربيا وفي المركز 25 عالميا في مدى توافر الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، وسوريا الأخيرة عربيا وفي المركز 131 عالميا، وأيضا قطر الأولى عربيا والـ 16 عالميا في مؤشر جودة النظام التعليمي وقدرته على دعم احتياجات التنمية.
وأظهر التقرير وجود 203 ملايين خط هاتفي (محمول وثابت) في العالم العربي الذي يبلغ عدد سكانه 342 مليون نسمة، ويستخدم 55 مليون شخص الإنترنت بصورة أو بأخرى، ويملك عشرة من كل مائة عربي جهاز كمبيوتر. ويعتبر التقرير أنه من بين الإيجابيات التي حقّقها العرب حصولهم على متوسط 4،4 درجة من 7 في توظيف تقنية المعلومات لتطوير الأداء الحكومي، وعلى 3,8 من 7 درجات في تأهيل الموظفين على التعامل مع تقنيات المعلومات، وعلى 3,6 من 7 درجات في تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين إلكترونياً، و3,8 في التوظيف التجاري للإنترنت.
ونبه التقرير إلى أنه لا يمكن إنتاج مجتمع عربي إيجابي ومشارك في الشأن العام بوجود فجوة معرفية ورقمية بين بلدانه، معتبرا أن الدول التي سجّلت تقدماً فعلياً على صعيد حرية الوصول إلى المعلومات وتداولها، هي نفسها التي حققت تقدماً في توظيف تقنية المعلومات كأداة من أدوات التنمية الثقافية.
وأكد التقرير أن الخطاب الثقافي يأخذ منحى ناقداً للآخر الغربي وخصوصاً الأمريكي، منطلقاً من أطروحة "سيطرة المادية على الحياة في الغرب"، وأن التنوع السياسي أو العرقي في الغرب يعكس في جوهره حالة اقتصادية تعتمد على الطبقية الشديدة.
في المقابل يطرح التقرير أزمة القارئ الشعري التي كانت هي الأبرز وتشهد عليها أرقام المبيعات الشعرية، كما هو حال دواوين شعراء محدثين بارزين، وقد يكون لجوء الكثيرين من الشعراء إلى حفلات التوقيع حلاً لهذه المشكلة. ويلفت التقرير إلى غياب روائيَين كبيرَين خلال العام 2008 هما اللبناني سهيل إدريس والعراقي فؤاد التكرلين، في حين شهد العام نفسه صدور خمس روايات عربية تدور حول عالم السجون.
وفي ملف المسرح العربي توقف التقرير على اهتراء البنى الثقافية التي تشرّع لوجود المسرح في المجتمع، وأشار إلى أنه ولأسباب عديدة خرج المسرح العربي إلى فضاءات جديدة تنتمي إلى الحياة اليومية كالشارع والأقبية والأنفاق والبيوت، وهي ظاهرة نمت وتطورت في العام 2008. كما لاحظ التقرير ارتباط الإنتاج المسرحي بظاهرة المناسبات كالمهرجانات أو إعلان مدينة ما عاصمة للثقافة كما جرى في دمشق.
كما أشار التقرير إلى ارتفاع حاجة المكتبة العربية إلى معاجم وقواميس علمية باللغة العربية ومتخصّصة أيضاً في الفكر والعلوم الإنسانية.
في قراءة أفقية لمؤشرات تقرير التنمية الثقافية العربية، تشير أن مقولة "المشرق يكتب والمغرب يقرأ" تجوزت اليوم، ولم تعد صحيحة الدلالة، حيث أثبت المغرب كما تونس وما عدا الجزائر وليبيا جدارته في جودة أداء مساهماته الثقافية بندية إلى جانب باقي الدول العربية، وبما فيها الدول التي عرفت تاريخيا بكثافة انتاجهما الأدبي والفني السينمائي.
وتشير مؤشرات تقرير التنمية الثقافية العربية أن المغرب استطاع أن يحتل وبتوازن مراتب دالة في الإنتاج الثقافي العربي، حيث رقى من انتاجاته الثقافية كما وكيفا.
Elfathifattah@yahoo.fr
0663215880
التعليقات (0)