العلاقات الايرانية ـ الامريکية..إتجاه واحد و أفکار مختلفة
لم تکن عملية احتلال السفارة الامريکية في طهران في 4/11/1979، وإحتجاز الدبلوماسيين الامريکيين فيها من قبل الطلاب"السائرين على نهج الامام"أي الخميني، مجرد عملية عادية لمجموعة من الطلاب تصرفوا بوازع من أهوائهم و ميولهم الخاصة، وانما کانت رسالة منتقاة و بدقة بالغة من جانب التيار الديني تهدف فيما تهدف الى إفهام الولايات المتحدة الامريکية حقيقة و واقع التغيير الذي يجري في إيران وقتئذ على قدم و ساق، وفي نفس الوقت کانت تهدف أيضا الى إرسال رسالة خاصة أخرى الى العالم بشکل عام و المنطقة بشکل خاص بخصوص القادمين الجدد في إيران و حجم الدور الذي يطمحون إليه.
التيار الديني بزعامة الخميني، کان يدرك و بعمق وجهة النظر العربية ـ الاسلامية بخصوص العلاقات الايرانية ـ الامريکية طوال فترة حکم رضا شاه و أبنه محمد رضا بهلوي، والتي کانت علاقة استراتيجية بمعنى الکلمة، خصوصا وان المخابرات الامريکية المرکزية قد قامت بإعادة الشاه الى السلطة و قامت بالالتفاف على الحرکة الوطنية الايرانية التي کانت تتجسد في شخص الدکتور محمد مصدق، وهي عندما قامت بإعادة فرض الشاه على الشعب الايراني و أقصت خياره الوطني الديمقراطي الشعبي، فإنها في نفس الوقت جعلت من الشاه کعفريت اسير في فانوسها الخاص و تأمره بکل ماحلا و طاب لها وفي أي وقت تشاء، والشاه محمد رضا بهلوي، کان يعلم من جانبه بأنه لايملك من خيار سوى الرضوخ الکامل و غير المشروط للإرادة و المشيئة الامريکية، وقد کان الشعب الايراني برمته يعلم هذه الحقيقة ولذلك فإنها"أي الولايات المتحدة الامريکية"، لم تکن تحظى بأية مودة من جانبه وحتى أن سقوط الشاه في 11/2/1979، کان سقوطا مدويا للسياسة الامريکية الخاطئة حيال إيران و کان تجسيدا فعليا لموقف الشعب الايراني من السياسة الامريکية، وقد تمکن الخميني و بذکاء أن يرکب هذه الموجة و يوجهها بالاتجاه الذي يريده و يخدم أهدافه و طموحاته الخاصة، و لعل نظرة متفحصة لعملية إحتلال السفارة الامريکية و التي أعقبت عملية إحتلال أعضاء من منظمة مجاهدي خلق للسفارة الاسرائيلية في طهران و تسليمها لمنظمة التحرير الفلسطينية تأکيدا على العلاقات العلاقات النضالية القوية بينهما، ولاسيما وان المنظمة تذکر دوما موقف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما تدخل شخصيا لدى العراق من أجل عدم تسليم أعضاء من المنظمة کانت قد أعترضت الطائرة التي تقلهم من دبي الى طهران في العقد السابع من الالفية الماضية، وقد توفق في الافراج عنهم، وکذلك مساهمة المنظمة الفعالة"سيما منظمة فتح"، في تدريب أعضاء المنظمة ومن ضمنهم زعيم المنظمة مسعود رجوي، هکذا نظرة الى هذه العملية، و ماأعقبتها من عملية احتلال للسفارة الامريکية و ماتلتها من أحداث، قد جائت اساسا کرد تمويهي على العملية الظافرة و المميزة لأعضاء المنظمة و التي حظيت بتعاطف عربي ـ اسلامي ملفت للنظر مثلما حظيت أيضا بتعاطف فلسطيني منقطع النظير، وقد أراد التيار الديني من خلال عمليته هذه سحب البساط من تحت أقدام المنظمة و الالتفاف عليها و الحيلولة دون بروز اسمها على الصعيدين العربي و الاسلامي، و طرح قضية أخرى للتغطية عليها، عملية احتلال السفارة الامريکية في طهران و کل تلك الشعارات المتشددة و المتزمتة لإقامة أية علاقة مع الولايات المتحدة الامريکية، وخصوصا القول الشهير للخميني من أنه"سيقطع اليد التي تمتد من طهران بإتجاه أمريکا"، و کذلك کل ذلك الرکام الکبير من التصريحات و المواقف المختلفة المضادة لإسرائيل، ذابت و تلاشت کلها أمام فضيحة(إيران ـ کونترا)، والتي أکدت بأن الايادي لم تمد الى واشنطن فحسب وانما حتى الى تل أبيب نفسها من أجل خدمة مصالح و أهداف النظام الديني، وقد أکدت فضيحة"إيران ـ کونترا"او ماسمي بحينه"إيران غيت"، بأن مسألة المبادئ و المواقف المتداعية عنها تأتي"وفق منطق النظام الديني"، دائما خلف مصالحها الاساسية، وهي تطرح المبررات و المسوغات المختلفة لأي أمر تبتغيه و يکون مناقضا مع خطوطها الرئيسية المعلنة، و"إيران ـ کونترا"قد أکدت في نفس الوقت"حرص"الولايات المتحدة الامريکية على أي نوع من التعاون و التفاهم المباشر او الضمني، سريا کان أم علنيا مع النظام الديني، لکن، الامر الذي ميز السياسة الامريکية حيال إيران مابعد الشاه، هو التخبط و عدم الوضوح و الضبابية و الازدواجية التي طغت على جميع مفاصلها، ولم يکن من السهل أن يفرط الامريکان بالتعاون"الضمني"الذي بدأ جليا عبر"إيران ـ کونترا"، وطمحوا الى ان يقوموا بصياغة أفکار و منطلقات سياسية تمکنهم في النتيجة من إقامة خطوط إتصال مع طهران و إعادة"شئ"من الدفأ الى العلاقات التي أهتزت بشدة بعد سقوط نظام الشاه، و قد سعت واشنطن الى تبني سياسة ذات شقين، شق فيه تلويح بالقوة"العصا"، وشق فيه ترغيب عبر الاغرائات"الجزرة"، وفيما يتعلق بالشق الاول، فقد تبنت الولايات المتحدة الامريکية سياسة"الاحتواء المزدوج" الذي طرحه مارتن أندك عام 1993 من منبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، والذي کان يرأسه قبل أن يصبح مساعدا لوزير الخارجية للشرق الاوسط، والذي کان موجها في حينها ضد العراق و إيران، أما بخصوص الشق الثاني، فقد کان عبر إصدار تقرير وزارة الخارجية الامريکية المتعلق بمنظمة مجاهدي خلق عام 1995، حيث إعتبرت بموجبه المنظمة من المنظمات الارهابية، هاتين السياستين الامريکيتين، ساعدتا النظام الايراني و بشکل مباشر و ملفت للنظر على منح المزيد من القوة و اسباب البقاء و الاستمرار، ولاسيما وان سياسة الاحتواء المزدوج التي کانت في ظاهرها موجهة ضد کل العراق و إيران، لکنها في واقع أمرها لم تکن بالنسبة للنظام الايراني سوى مجرد نظرية او فرضية مع وقف التنفيذ، في حين أنها کانت قيد العمل و التفعيل ضد النظام العراقي السابق، ذلك ان هذه السياسة و مانجمت عنها من تداعيات عملت و بشکل فعال على إخراج العراق من معادلة توازن القوى في المنطقة، وان هذه السياسة جعلت من الولايات المتحدة الامريکية تلعب دور الموازن لکل من العراق و إيران بدلا من لعب دور المحافظ على التوازن بين العراق و إيران من أجل استقرار المنطقة و أمنها، بل ويمکن الجزم بأن سياسة الاحتواء المزدوج هي التي أدت في نهاية الامر الى إحتلال العراق عام 2003، و إخراجه و بصورة جذرية من معادلة التوازن و أغرق هذا الامر المنطقة في ضباب کثيف من التعقيدات و الملابسات خرج منها النظام الايراني بمثابة الرابح الاکبر و صار في النهاية أقوى اللاعبين قاطبة في المنطقة و صار العراق الذي کان بالامس غريما و ندا قويا له، مجرد ورقة ضغط في يديه، ومن جانب آخر، کان النظام الايراني يقوم بواحدة من أقوى و أضخم مناوراته السياسية على وجه الاطلاق، عندما طفق يلوح أمام المنطقة و العالم في نهاية العقد الاخير من القرن العشرين بوجود تيار إصلاحي يتبنى سياسة"مرنة"و أکثر إنفتاحا و إعتدالا، وقد تجلى کل ذلك في عملية إنتخاب محمد خاتمي کرئيس للجمهورية عام 1997، وهو أمر کان واضح أن المنطقة و الغرب و الولايات المتحدة الامريکية قد عولت عليها الکثير، بعد أن إنتابه اليأس الکامل من هاشمي رفسنجاني الذي کان يطرح إبان اواخر الثمانينيات و بدايات التسعينيات بمثابة"التيار المعتدل"و"الاصلاحي"في مرحلة مابعد الخميني، وقد جائت کل هذه المسائل متناغمة و متقاربة من بعضها البعض و تکاد أن تشکل معا کقطعة سيمفونية، حيث أن التحرك الامريکي کان يعقبه أيضا تجاوب إيراني و الکل کان يسعى في إتجاه واحد لکن لغايات و أهداف و أجندة مختلفة، لکن السؤال الکبير الذي طرح نفسه بقوة هو؛ لماذا قامت وزارة الخارجية الامريکية بإصدار قرارها الخاص بإعتبار منظمة مجاهدي خلق کمنظمة إرهابية و هل أن إصدار هذا القرار حقق الاهداف و الطموحات التي کانت تقف خلفها، ان الاجابة الشافية على هذا السؤال يتطلب شرحا مسهبا بخصوص هذا القرار و الاسباب و الدوافع التي وقفت خلفه، وللموضوع صلة.
التعليقات (0)