أثبتت تركيا من خلال موافقتها المبدئية على دعوة رئيس حزب العمال الكردي "عبد الله أوجلان" لأنصاره وقف إطلاق النار. وتعهدها بإعطائها حقوق الأكراد السياسية باعتبارهم ثاني أكبر مكوّن في البلد . أثبت القادة الترك ومثلهم الكرد على أنّهم يعون جيّداً المتغيرات التي تحدث في المنطقة بعد الربيع العربي وينظرون الى المصالح القومية لشعوبهم فوق كل الإعتبارات وبنظرة عملية متزنة فما كان يصلح للشعب قبل ثلاثين عاماً قد لا يصلح اليوم وإذا كان النضال آنذاك بالبندقية فاليوم يحقق النضال أهدافه بالصوت والقلم والمظاهر السلمية للنضال.
بذلك الإعلان التأريخي الذي صدح به عبد الله أوجلان من زنزانته في إمرالي في بحر مرمرة على لسان ممثلين كرد في البرلمان التركي باللغتين الكردية والتركية قد يضع حداً لحرب دموية حصدت ألاف الأرواح من الطرفين و قد يطوي هذا الإعلان صفحة من صفحات النزاع القائم في الشرق الأوسط الذي بدء فيه تمرد حزب العمال الكردستاني منذ عام 1982 . حيث كلّف الجانبين ضحايا تزيد على خمسة و أربعين ألف قتيل وتكلفة تتجاوز الأربعمائة مليار دولار.
تمخّض السلام التركي الكردي بعد حوالي عام من المبحاثات بين الزعيم الكردي المعتقل والحكومة التركية التي كان لها الدور الرئيس في التوصل لهذا الإتفاق الذي أعلن عنه سابقاً رئيس الوزراء التركي أردوغان مستبقاً الأحداث مما يعني أن التوصل لهذا الإتفاق كان مدرجاً على الأجندة التركية منذ انطلاق أول شرارات الربيع العربي . حيث تريد تركيا كسب الأكراد بصفها لدفع مخاطر استغلال الأكراد من قبل أنظمة مثل النظام السوري والإيراني حيث كانت ولا تزال تستغل الملف الكردي للضغط على الحكومة التركية.
إنّ الحل التركي للمسألة الكردية يأتي على أساس منحهم حق المواطنة كمواطنين من الدرجة الأولى وذلك من شأنه أن يدرأ خطر التفكك للدولة التركية الذي خيّم على هذا البلد منذ إنطلاق شرارة الحرب بين حزب العمال الكردستاني والنظام التركي منذ ثلاثين عاماً.كما في الخطوة تقدماً الى الأمام نحو الإنضمام الى الإتحاد الأروبي الذي يضع شرط حقوق الأكراد كأولوية لإنضمام تركيا للإتحاد.
إنّ محاولات إجهاض هذا الإتفاق سوف تتركز على استغلال دول لا تريد لتركيا الحصول على هدنة مع الأكراد ولا للأكراد الحصول على حقوقهم خوفاً من امتداد هذا التطور الى بلدانهم وفي مقدمة هذه الدول هي الدولة الإيرانية التي سوف تستغل الراديكاليين في كلا الطرفين الذين يعارضون الوصول الى هذا الإتفاق ؛ المتطرفون في حزب العمال الكردستاني وهم يخشون من تهميشهم من قبل الشعب الكردي الذي سوف يختار المعتدلين من الأكراد لتمثيله بعد نكث وعودهم بإنشاء دولة للأكراد وكذلك المتطرفين في الجيش والقوميون الأتراك الذين يرون في الحرب أولوية لهم لمواجهة حكومة أردوغان ومواصلة لمشروعهم التسليحي الذي يدرّ أرباحاً كبيرة لهم . من هنا فقد تقف في وجه السلام التركي الكردي عقبات قبل تطبيقه على الأرض يجب على الطرفين تدراكها قبل الوقوع في مطبات الفشل.
التعليقات (0)