الجزء الثلاثون سور"الأعلى والغاشية والفجر والبلد "
سبحان ربى الأعلى...هو المربى الذى أحسن كل شىء خلقه ..وقدر له مسيرته وهداه إلنجدين ..
سبحانه جعل لكل شىء بداية ونهاية كالمرعى الذى يبدأ خضرا ثم ينتهى غثاء ...
ومن تربية الله لعباده هذا القرآن الذى أقرأه رسوله الأمى وبشره أن هذا القرآن لن ينسى ..
وسيظل مذكرا لمن أراد التذكر ...ولكنه سيكون عمى على أهل الشقاء الخالدين في النار...
والفالح الفالح من طهر نفسه بذكر الله ..ولكن التعيس هو من اشترى الدنيا الفانية وباع الآخرة الباقية ...
إن الدعوة إلى الله عزوجل هى الخط العام الذى يربط الرسالة الخاتمة بما سبقها من رسالات السماء.
.................................................. ..
وتأتى سورة "الغاشية "لتتلقف الخيط من سورة "الأعلى "وهاهى تبدأ بالتذكير بالقيامة التى تغطى العباد بأهوالها وإذا الناس حيالها فريقان
ذليل معذب ..وعزيز مكرم ...وتحرص سورة "الغاشية "على ذكر بعض مظاهر النعمة في الجنة من السرر والأكواب والوسائد والبسط ومن قبل ذلك الحديث الطيب ..وقد يقول قائل :وما جدوى ذكر هذه الأشياءونحن نملك مثلها في الدنيا ؟...
وجواب ذلك ان نعم الجنة لامثيل لها وإن كانت تتفق مع متع الدنيا في الاسم "وأتوا به متشابها.
ففى الدنيا خمر وأكل وشرب وزواج وفىالجنة مثل ذلك ولكن شتان شتان شتان ...كما أنالقرآن حرص على ذكر متع الجنة بالأسماء والألوان ليؤكد أن نعيم الجنة مادى وليس حلما..كما أنه يذكر بعض النعم على سبيل المثال "مثل الجنة التى وعد المتقون ..."محمد 15
ثم تأخذ سورة "الغاشية "الناس إلى النظر في المكان ..في الكون وبعض مشاهداته الملابسة لحياة الناس ..الإبل والسماء والجبال والأرض ..
لعل التفكر في هذه الأشياء يقود إلى الإيمان بخالقها جل وعلا..
ثم تختم السورة بتذكير النبى صلى الله عليه وسلم بمهمته وهى (التذكير بالله ) وأنه "لاإكراه في الدين "وأن من اختار الضلالة فمرده إلى الله
حيث العذاب الأكبر الذى لامهرب منه .
.................................................. ...
وإذا كانت سورة "الغاشية "تتجول بالإنسان في المكان فإن سورة "الفجر" تتجول به في الزمان
وهل حياتنا إلا زمان ومكان ؟
والزمن في سورة الفجر...زمن رخى هادىء "الفجر"وزمن طهور "ليال عشر والشفع والوتر"وزمن مطلق "الليل إذا يسر" وكأن الإنسان ابن الزمان والمكان يتنوع بتنوعهما ..
ويأتى الحديث عن الزمن في سياق القسم الذى يترك الله عزوجل جوابه لأنه مفهوم بالضرورة
يدل عليه "إن ربك لبالمرصاد "...
ثم تسوق سورة الفجر نماذج للطغاة (عاد.وثمود
وفرعون )وقد كانواقوة عاتية ولكن الله أخذهم أخذ عزيز مقتدر...
ثم تبين السورة المقياس المريض الذى اعتمده الطغاة ..إنهم ظنوا أن امتلاك القوة المادية دليل
على الكرامة وأن الفقر دليل المهانة وكذبوا فقد كان أنبياء الله وأولياؤه جلهم فقراء وهم خير خلق الله..
ثم تبين سورة الفجر قيمة المال في تمكين المحتاجين من حوائجهم خاصة الضعاف من اليتامى والمساكين ..أما إذا كان الهم جمع المال ولو من الحرام فبئس المال الحرام للرجل الفاسق ...
وياسبحان الله ماذا يفعل الإنسان لو أنه جمع مال الدنيا كلها؟ااا فهذه الأرض ستصبح هشيما ولايبقى إلا الآخرة حيث يواجه الطاغى جهنم فيتذكر سوء عمله حيث لاتنفع الذكرى وهنا..تبرز قيمة أصحاب النفوس المطمئنة بذكر الله حيث يجزون الجزاء الأوفى .
.................................................. .....
ثم تأتى سورة "البلد "لتسير على نفس النهج فتبدأ بالقسم الإلاهى بالبلد الحرم وبمكانالرسول صلى الله عليه وسلم فيها وبالإنسانية كلها فالله تعالى خالق ذلك كله ...وهو سبحانه يقسم على أن حياة الإنسان كلها مشقة وأنه لاراحة إلا في الجنة..ولكن الإنسان كثيرا ما يخيب فيظن أنه على شىء وما هو بشىء ويغره كثرةالمال وينسى أنه سيحاسب عليه بل سيحاسب على حركاة عينيه ولسانه وشفتيه وفى ذكر هذه النعم تذكير للخائبين الذين بدلوا نعمة الله كفرا فأحلوا أنفسهم دار البوار ...
ثم تقول سورة "البلد "إنه لن ينفع الإنسان إلا الأعمال الصالحة مثل عتق الرقاب ..وإطعام الجائع وإكرام اليتيم ..ومن قبل ذلك صدق الإيمان بالله تعالى ...
وإذا كانت حياة الإنسان سلسلة من المعاناة فإن المؤمن الحق هو الذى يصبر ويرحم ويحث غيره على الصبر والرحمة وهؤلاء جديرون أن يكونوا من أصحاب الميمنة جعلنا الله منهم وأبعدنا من أصحاب المشئمة ومصيرهم الأسود .
والله أعلم
التعليقات (0)