" هى دى " ديوان شعرى بالعامية المصرية للشاعر سمير سعدى " ، والديوان صادرمن عن سلسلة إبداع الشباب 2003 مكتبة الأسرة ، والشاعر سمير سعدى أحد شعراء قنا المتميزين ، والذين يحملون صوتا خاصا وحسا مرهفا ومحاولات جادة لكتابة قصيدة شعرية خاصة به ، لا تتماهى مع السيل الشعرى الجارف الذى يجتاحنا ، ورغم ان سمير سعدى كتب قصيدة التفعيلة العامية إلا أنه قادر على كتابة قصيدة النثر بقوة وجمال أخاذ ممتلكا لأدواتها الخفية المستعصية على أيدى النقاد ، وكتابة الشاعر لقصائد موزونة وزنا خليليا صحيحا أفادته أكبر الفائدة حين اتجه لكتابة قصيدة النثر حتى لا يكون متنكرا لحاضره ، كما أنه بار بماضيه برا يمكن مشاهدته بسهولة فى مضامين قصائده وصوره الشعرية ، ومفرداته والتصاقه الشديد بالبيئةالتصاقا تاما ؛ تأتى قصائد سمير كسمير نفسه فرغم أنه رحل إلى القاهرة منذ سنوات بعيدة إلا انك كلما التقيته لا تحس أبدا أنه غادر قنا ، لقد استحوذت القاهرة على جسده فقط أما روحه فإما أنها تتجول فى شوارع وحوارى وأزقة ومقاهى ومساجد قنا ...، وإما أنها أخذت قنا بكاملها معها لتصحبها فى رحلتها إلى القاهرة والديوان مكون من جزأين : الجزء الأول بعنوان " مشاهد من فوق رصيف الحياة " ويضم اثنين وعشرين قصيدة تنتمى كلها إلى الكتابة الحديثة الطازجة ، والجزء الثانى يضم خمس قصائد من الواضح أنها من قصائد البدايات ، دون ان يعنى هذا أبدا أنها قصائد ضعيفة بل هى قصائد جميلة وحالمة ،وإنما هى تؤكد بنفسها أنها من قصائد البدايات بسبب تقنيات الكتابة التى اتكأت عليها ، إضافة - طبعا - إلى الإهداء الذى جاء كالتالى " إلى زوجتى سهام ..أجمل قصايدك ..بنتى رحاب : وطن فرحان بيها خالص وهى بتحبى تحت سقف الشمس " وتتجلى فى الإهداء حالات للمصالحة : مصالحة الشاعر مع ذاته الحاضرة : سهام ، وذاته المستقبلية : رحاب ، وذاته المفقودة : الجنوب / الشمس / الحقيقة ، وذاته الحالمة :وطن ! الذى ربما يتجسد فيه كل ذلك ، وحلم الشاعر بوطنه يتطابق مع حلمه رحاب / ابنته ، وحين نطل على قصيدة " اللحظة " سنرى أنها تصور غربة الذات فى مجتمع المدينة ، وضبابية الملامح وعدم وضوح الرؤية ، والخوف من انهيار كل شىء فجأة حتى انهيار الجدران يقول سمير :" اللحظة بالضبط القهوة المغلية السودا / والبن ردىء /والناس حواليك بوشوش بهتانة / وضحك سخيف مرسوم / وحيطان عماله تميل بالضل عليك / وانت بتدوس كعبك على عقب سيجارة أخير / قبل ما تنده على الجرسون تديله حساب المشروب اللى ما كملتش شربه / وتقوم تسند بإيديك آخر حيط بيميل / خايف ...يملا الدنيا عفار / يخنق ناس مرسومة بضحك سخيف " ورغم أن الذات تخاف من انهيار كل شىء إلا أنها تتمناه فهى فى داخلها توقن أن ذلك جزاءعادلا لزيف الوشوش ولخداع الظل / الجدار المائل ، والشاعر ينجح فى تصوير انكماش الذات فى المدينة لحد السخرية حين يصورها أنها وقفت لتسند بيديها آخر حيط بيميل ، وإذا كانت قصيدة اللحظة تمثل صورة علوية لقطاع من المدينة فإن قصيدة " النظرة " تمثل اشتباكا مع شخوص المدينة : بنت غريبة، وشوارعها: قدامك بير ، وأدواتها : عربية كبيرة بصندوق عالى: " نظرة عينك على بنت غريبة ...داخلة برجليها شرك منصوب / بتحاول ليها تشاور / أوعى قدامك بير / فى اللحظة اللى تعدى عربية كبيرة بصندوق عالى ..." وينجح الشاعر فى تصوير اغترابه ، وعدم قدرة الذات الحاكية فى القصيدة على الفعل الإيجابى أو الفعل السلبى رغم وعيها وإحساسها بالأخطار الحسية : البير فى لشارع ، والأخطار المعنوية :الشراك المنصوبة لتدمير الروح وقتل براءة البشرية، وكذلك يأتى طبيعيا فى القصيدة تصوير الشاعر لطفل فى الشارع : إنه هو نفسه أخرجه من ذاته ، وجعله يمشى الأرض تأكيدا لبراءته ، وتبريرا لعدم قدرته على الفعل ، فعل أى شىء، يقول سمير :" وانت بتسمع صدى صرخة بعيدة / مش عارف إن كانت بنت بريئة وقعت فى الفخ / ولا من طفل صغير ... مش واخد باله / وهو بيعدى طريق... / قدام عربية كبيرة بصندوق عالى ..." وهناك تأكيد على ملمح اغتراب الذات فى المدينة ، ففى قصيدة "الجملة " نجد سيطرة الإحساس بالفقد من خلال فقد الشاعر لصديقه ، والتوحد مع السيجارة ، وكأنها الصيق الوحيد الباقى بالصدق حتى لو كان صدقا متوحشا قاتلا ، وينجح الشاعر فى تصوير عدم خصوصية الذات فى المدينة ، وأنها مجرد رقم أو شىء " سحبتنى من فوق الكرسى / ورميت نفسى فى الزحمة / وبكيت ..." ! وفى الديوان بعض الأخطاء الأسلوبية غير المبررة مثل حذف كلمة من الجملة فمثلا الشاعر يقول :" قبل يودعنى بشويش" والمقصود : قبل ما يودعنى بشويش ، وليس هناك مبرر فنى لحذف ما النافية ، ولا يمكن الاحتجاج بالموسيقى ،لأن القصيدة نثرية ، وكذلك محاولة الشاعر شرح بعض المفردات، دون إضافة الشرح شيئا جديدا للمعنى مما يعد استطرادا ، لا داعى له ، وذلك كقول سمير :" وضحكه يتيمه / وسته جنيه باقى حساب / دينه لعم أحمد موسى الجرسون " فكلمة دينه هى نفسها " باقى حساب " فما الذى أضافته للنص ؟
وفى النهاية نقدم تحية للشاعر المبدع سمير سعدى الذى تمتعت بقراءة ديوانه الشعرى الحى والنابض " هى دى "
التعليقات (0)