مواضيع اليوم

قراءة فى انتخابات مصر

انور محمد

2012-01-18 13:13:41

0

قراءة فى انتخابات مصر
-------------

   إن المتابع لانتخابات مصر بعد الثورة يقف حائرا أمام حقيقة ماحدث ، فبعيدا عن الاتهامات بالتقصير أو التزوير وما شابه من ألفاظ التخوين والتشكيك ، نضع هنا بعض الملاحظات الأولية التى تثير التساؤل وتستحق النظر ، وهى ملاحظات مرصودة على أرض الواقع .
   أولى هذه الملاحظات أن جميع من قاموا بالانتخابات لم يكونوا على دراية بما يفعلون ؛ بداية باللجنة العليا للانتخابات وانتهاء بالناخبين مرورا بلجان الانتخاب والفرز والرصد وحتى الطعن ، حيث لم يكن الطاعن عالما كيف يطعن على ما يظنه من الأخطاء الانتخابية .
  

إنها المشكلة الأزلية التى نعيشها جميعا فى مصر والعرب ؛ إنها الجهل ... وهى حقيقة لا نريد أن نعترف بها ، رغم معرفتنا جميعا أن الأمم لا تبنى إلا بالعلم ، ولن تبنى أمة على جهل مهما فعل أبناؤها ، كما قال أمير الشعراء : " لم يبن مجد على جهل وإقلال " . ومهما بذلوا من جهد وراء ذلك ، فالعلم هو السبيل الوحيدة للنهوض بالأمم ، وإن الخطوة الأولى للعلاج تبدأ بمعرفة الداء ، والداء المتغلل فى عقولنا هو الجهل ، فنحن لا نفعل الأشياء من منطلق العلم بأصولها ، ولكن بما يسمى فى الوسط الشعبى " الفهلوة " .
 

   بعيدا عن لغة التخوين نبدأ الملاحظات الأولى ، حيث كان من الغريب أن تقام الانتخابات قبل الدستور ، وهو أمر كان مستنكرا من كافة المثقفين ، وظهر فى النهاية لماذا أصرت طائفة على هذا الوضع الخاطئ ، كما ظهر أيضا من يريد مطلبا شخصيا أو فئويا على حساب المصلحة العامة للبلاد ، وهو أمر يدعو للدهشة ونترك للقارئ الكريم وضع اللفظ المناسب لهذا الوضع !!!
    ثم كانت الدعوة لإنشاء الأحزاب وقانونها العجيب الذى وضع شروطا لإقامة الحزب ، ولم تطبق ، ثم تقسيم الدوائر تقسيما أكثر عجبا وغرابة !! ، رغم أن البديهى أننا فى فترة لا تستدعى تغييرا يرهق ذهن الناخب والمرشح ؛ أحدهما أو كليهما ، وهى الدعوى التى تكررت كثيرا ، وهذا ما تمسكت به القوى الحاكمة ، حيث أبقت على نسبة العمال والفلاحين متسترة بهذه الدعوى ، ولكننا وجدناها نكصت على عقبيها وقامت بتعديل الدوائر تعديلا تعجيزيا ، كذلك لم يتم تدريب السادة القضاة على العمل باللجان ، فوجدناهم يجتهدون فى الفصل فى كل ما يرد إليهم بشكل متناقض مما يدل على عدم وضع معيار موحد لهم مسبقا ، كما ورد فى تقرير لجنة كارتر .
    كذلك تحول اختيار أعضاء لجان الفرز لسباق غرضه الأصلى المال ، خاصة مع طبقة الموظفين الكادحين ، وأصبحت اللجان وسيلة للنزاع والمحسوبية وتسلل إليها المتسلقون ، وهذا معلوم لكل من كان فى الوسط الوظيفى الفقير فى مصر ، وهؤلاء من البسطاء الذين من السهل السيطرة عليهم واستقطابهم ، وهذه ملاحظة شاهدناها عيانا ، ويلم بها جيدا كل من اقترب من القائمين بهذا العمل .
   نأتى للمخالفات التى حدثت وهى كثيرة ، ولكن الغريب ليس فى المخالفة نفسها ، فهذا أمر وارد فى كل زمان ومكان ، ولكن الغريب عدم إتخاذ أى إجراء أمام هذه المخالفات ، مما أثار الشكوك الحقيقية واليأس لدى الكثيرون ، أما عن الاستقطاب الدينى الذى بدأ بتكوين أحزاب دينية على أساس دينى رغم مخالفة ذلك للقانون صراحة ، واستخدام الشعارات الدينية فى الانتخابات ، فحدث ولا حرج ، وهو أمر كذلك مخالف للقانون ، ولكننا لم نجد من يحرك ساكنا ، وكأن ذلك من الأمور المخطط لها مسبقا ، وغير مسموح بالحديث عنها .

    ثم يأتى من بعد ذلك الطعن ؛ وهو من الأمور العجيبة التى انتظرناها بفارغ الصبر ، وذلك لأن المجلس فيما سبق كان سيد قراره ، وغير مسموح لأحد بالطعن عليه ، مما ترك غصة فى حلق المواطن ، فكان انتظاره لما يحدث فى الطعون مشهدا فريدا ، لكن للأسف تحول إلى مشهد هزلى ؛ كما حدث فى دائرة المنصورة وسيناء ، حيث أعيدت الانتخابات ثلاث مرات ، فى سابقة أقرب للضحك من البكا ، فكان الناخب لا يعلم أصلا وهو فى طريق اللجنة ماذا سيرى فى ورقة الانتخاب ، ففى كل مرة كان يتوقع مفاجاة ، أضف إلى ما تقدم من سلبيات حجم أعداد المرشحين الذى تجاوز أرقاما فلكية يصعب على الفصيح استيعابها ، فما بالك بنسبة الأمية التى تصل للنصف بين المرشحين ، نعود للحديث عن الطعن ، فلم يعلم الطاعن كيف يطعن على المخالفة التى يراها عيانا بيانا ، كذلك امتلأت الساحة بمخالفات مسجلة بالصوت والصورة ، داخل اللجان وخارجها ، وكانت الأذن عنها صماء والأعين عمياء أيضا .

   بقى حصاد هذا المشهد ، حيث حصد الحرية والعدالة حوالى 40 % ، وجاء النور السلفى بنسبة تتجاوز 20% ، واشتركت الأحزاب المتبقية من الوفد والكتلة والثورة مستمرة فى بقية المقاعد ، كما اشتمل المجلس فى محصلته النهائية على أقل من عشرين مقعدا لمن يعرفون بالفلول ، وهم من بقايا الحزب الوطنى المنحل قانونا ، حيث سمح لهم نفس القانون الذى حل حزبهم لما ارتكبوا من فساد سياسي على حق الترشح مرة أخرى .

   وقد اعتبر البعض هذا المشهد محبطا للتوقعات ، لكنه كان فى نظر أخرين بداية مبشرة مهما كانت مليئة بالسلبيات ، على أساس أنها بداية لمجتمع يمارس الديموقراطية إن لم يكن لأول مرة ، فلعلها الأولى بعد زمن طويل ، وهى نتيجة طبيعية لكل هذه الأخطاء الإدارية والتنفيذية والتعنت وعدم تقدير الأمور بشكل دقيق ، حيث كان من الواجب تأهيل عناصر الانتخابات من ناخب ومرشح ، حتى القائمين على العملية الانتخابية ، ولا أستثنى اللجنة المشرفة على العملية الانتخابية نفسها والتى ظهرت سطحية تعاملها مع كثير من التساؤلات ، والذى برز من خلال المؤتمرات الصحفية ، وطريقة الرد على ملاحظات الجمهور والإعلام .

   تلك ملاحظات التى قدمناها ملاحظات من قلب الحدث ، وممن اشتركوا فعليا فى رسم الصورة سواء كانت جميلة أو قبيحة ، بسطناها بكل حيادية ، ويبقى أن نعترف بأخطائنا ، ونفهم أن العلم هو الأساس وكان علينا أن نتعلم كيف تدار الانتخابات ، وكيف يرسم الطريق أمام الناس ، وبوضوح تام ودون محاباة سواء عن قصد أو عن غير قصد ، هذا إذا أردنا بناء مصر ؛ فمصر لن تبنى بالجهل ، ولكنها ستبنى بالعلم ، والعلم وحده فقط .

    ومن كل ما تقدم لا أعتقد أن المجلس القادم سيكون له دورا حاسما فى أىّ من القضايا التى تدور على الساحة ، ذلك لأن الهيكل الممثل للمجلس جاء نتاجا لعملية متعجلة لم تسمح بحسن الترشح ولا حسن الاختيار ، وما ينطبق على العملية الانتخابية من فهلوة ، ينطبق على المرشحين أنفسهم فلم يتم الترشح بناء على علم ولا دراية بالدور النيابى ، بل جاء وراء خلفية مذهبية ؛ نتجت عن تفاوت بين ثقافات الشعب المصرى طوال ثلاثين أو أربعين عاما ؛ تلك الفترة جعلت هناك بونا شاسعا بين المجتمع المصرى ، نتيجة لتخلف التعليم الوطنى الذى تخلى عن دوره فى ثقافة القاعدة العريضة من الناس ، مما سمح بتوغل الثقافات البدوية بين طبقات المجتمع ، والتى حلت محل دور التعليم لدى قطاع عريض من الشعب ، ذلك الذى مهد لمثل هذه النتيجة التى ظهرت فى أول انتخابات تشريعية بعد الثورة ، والتى نرجو أن يتعلم ويستفيد منها المجتمع كله .
                                        والله من وراء القصد
                                                      بقلم
                                                أنور محمد أنور





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !