فضاء الكلمة
بقلم : خليل إبراهيم الفزيع
قراءة الواقع والشجاعة المطلوبة
تعاني جميع الدول مشكلات التنمية, وما قد تجلبه خططها من إشكالات, وما ينجم عن تنفيذ تلك الخطط من سلبيات, وأول تحد يواجه التنمية هو موقف المجتمع منها, وهو موقف يتفاوت بين الرفض أو القبول, وأحيانا الحياد الذي لا يهتم بالرفض ولا بالقبول, تاركا الأمور للزمن ليثبت ما هو صالح ومناسب للحاضر أو المستقبل. وكل هذه المواقف لها أسبابها ودوافعها وأهدافها, ومن الإنصاف النظر إليها من منطلق حرية التعبير حول ما يعيشه المجتمع من حراك تنموي مدعوم من قبل الدولة, لكن الخطورة تتأتى في القراءة الخاطئة لهذا الحراك التنموي, وهي قراءة تقود أحيانا إلى التشدد في حالة الرفض, أو إلى التسيب في حالة القبول, أو السلبية المطلقة في حالة الحياد, وكل هذه المواقف لا يمكن ان تخدم التنمية, ولا تسهم في ازدهارها, بل تزيد وتعمق جذور المشكلات والإشكالات والسلبيات المحتملة, وكل هذه الإفرازات ناتجة عن القراءة الخاطئة للواقع, وهو واقع لا تستأثر به فئة معينة, لتفرض عليه وصايتها وتتحكم في مساره, بل هو واقع ينتجه ويعيشه كل أفراد المجتمع مهما اختلفت وجهات نظرهم حول هذا الواقع ومواقفهم حياله, تبعا لانتماءاتهم المختلفة. من اجل ذلك تصبح القراءة الشجاعة للواقع مطلباً أساساً لكل حراك تنموي منشود, وهذه القراءة الشجاعة تأخذ في اعتبارها في المقام الأول المصلحة الوطنية التي تنتفي معها كل التبريرات لأي هدف آخر خارج إطار المعادلة الوطنية, لذلك فان مهادنة الواقع انحيازا لهذا الموقف أو ذلك, أو إرضاء لهذه الفئة أو تلك, هذه المهادنة للواقع لا يمكن أن تخدم أي حراك تنموي, لأنها تشيع بين أفراد المجتمع نوعا من الإتكالية التي تملأ فجواتها مواقف محسوبة على فئات معينة, مع الأخذ بعين الاعتبار ان القراءة الشجاعة للواقع تسعى لتصحيح أي مسار خاطىء في الحراك التنموي من خلال تلمس مواطن الخطـأ وتشخيص الأدواء الناجمة عنها وصولا الى الإصلاح المنشود، وهو إصلاح يفترض أن يكون هدف الجميع دون ان تحتكر مهمة القيام به فئة دون سواها، كما أن هذه القراءة الشجاعة للواقع تحتاج الى نظرة خالية من التشكيك في أهدافها, بل نظرة مؤازرة من الجميع وفي مقدمة الجميع المسئولون في الدولة الذين يهمهم قبل غيرهم نجاح تنفيذ خطط التنمية في مجالاتها المختلفة, مع الإيمان بان القراءة الشجاعة للواقع والمتمثلة في النقد البناء, هي اقرب الطرق لعلاج الأخطاء بل وتحاشي الوقوع فيها مستقبلا. والقراءة الشجاعة للواقع لا تخضع لأي دافع ذاتي أو هدف شخصي, بل دافعها الأول والأخير هو المصلحة الوطنية, وهدفها الأسمى انتظام الحراك التنموي في الاتجاه الصحيح, مع المحافظة على أي منجز تنموي وصيانته من عبث العابثين, وبالقراءة الشجاعة للواقع يمكن أن تصل سفينة التنمية لبر الأمان حاملة معها الخير للجميع في حاضرهم ومستقبلهم
التعليقات (0)