كاتبات وناقدات يتحدثن عن قراءة السرد الأنثوي ويجبن عن السؤال الشائك...
كتابات المرأة...لماذا تستثير شكوك القارئ وتحرّضه على «التلصّص»؟
جدة - هلا الجهني الحياة - 14/04/09//
غالباً ما تكون العلاقة بين الكاتبة وعملها السردي علاقة حميمية. وقد يختزل منجزها الإبداعي صلتها بالعالم والأشياء، من خلال أبنية سردية تراعي مكون اللغة وأثرها في التشكيل الفني لسلامة العمل السردي، ولكن غالباً ما يصدم المنجز الإبداعي للكاتبة السعودية بثقافة القراء، لا تفصل بين السيرة الذاتية والخيال الروائي ولا بين البوح الذاتي المباشر ومدلول مجازات السرد. هي ثقافة تتعامل مع المنجز الإبداعي النسائي باعتباره مذكرات شخصية متاحة للقارئ، ثقافة قد تعجز أحياناً في إسقاط الحاجز بين الخاص والعام. فكاتبات مثل زينب حفني أو رجاء الصانع أو بدرية البشر لن تمر كتاباتهن من دون أن تثير شكوك القارئ.
في ضوء ذلك، نطرح الأسئلة التالية: هل تحد هذه الثقافة من انسياب الرؤية الإبداعية للكاتبة؟ هل تضعها في فضاء مربك يجبرها على الاستدعاء القصدي المناسب؟ ما مقاييس عادات قراءة أدب المرأة في مجتمعنا المحلي المحافظ؟ هل يحول هذا النوع من الثقافة من دون نتاج خطاب تتوافر له جماليات السرد الروائي الأنثوي المشحون باللغة النابضة المتوترة؟ هل نحتاج إلى أفق ثقافي أوسع تتحرك فيه ذائقة التلقي في أدبنا المحلي؟.. هنا شهادات لعدد من الكاتبات.
سقف الحرية اتسع
تؤكد القاصة هدى المعجل انسياب الرؤية الإبداعية للكاتبة، بسبب تحدي هذه الثقافة، وتضيف: «إذ لم تستطع الروائية الفصل بين السرد( الحبكة الروائية)، والسيرة الذاتية أو البوح المباشر، لأن الاشتغال على الرواية كرواية هو ما تعاب عليه الروائية... إذ إن أغلب الروائيات اتخذن من الرواية مفكرة يبحن فيها عن هم يعانين منه حتى انفصل السياق عن خط السرد، فغابت الحبكة والعقدة مع غياب الرواية، وحضور شخصية الروائية أمر طبيعي، ولكن خروجها بذاتها وخيالها وبوحها عن النسق الروائي هو ما يعوق ويحد من انسياب الرؤية الإبداعية لها».
وترى المعجل أن « سقف الحرية القرائي اتسع، وأصبحنا منفتحين على العالم مطلعين على نتاجه المترجم أو بلغته الأم لمن تمتلك اللغة الأخرى. المخزون البيئي والتراثي بحاجة إلى أن يلتفت إليه. المرأة في الطريق إلى حقوقها، وهي على معبر الحصول عليها، تسير إذاً، لماذا تصرّ الروائية على إعطاء المجتمع الآخر، أن المرأة السعودية مقهورة، مظلومة، مقيدة، مسلوبة الرأي والإرادة، ونحن لسنا كذلك. نعم هناك بضع أنظمة وقوانين بحاجة إلى صياغة لصالحنا نحن النساء والمثقفات، ولكنها ليس بالكم الذي يجعل منه هماً نفرد لأجله رواية حضورنا الذاتي، كُسرت الأعمدة، ففقدت مسمى رواية ذات بناء سردي مكتمل».
أما الروائية أميرة المضحي فتتحفظ على مسمى «أدب المرأة»، وتقول إن الرجال يكتبون عن المرأة، «كما أن تسمية أدب المرأة توجب أن يكون هناك أدب الرجل أيضاً، كما يجب أن يطاول هذا التصنيف جميع العلوم الطبية والهندسية، والتاريخية والإنسانية. بكل بساطة يوجد أدب إنساني فقط. وأنا اعتقد بأن التسميات الحديثة ظهرت في محاولة لتحجيم الأديبات والكاتبات على أساس أنهن أدنى مستوى من أدب الرجل، وإبعادهن عن أخذ مكانتهن الطبيعية، فالرجل يحتكر الأدب والصحافة والإعلام ودور النشر. اتجاه النقد والقراءات الصحافية في الفترة الماضية لمواكبة نتاج المرأة والاحتفاء به، في مجال القصة والرواية بغض النظر عن المستوى الأدبي، فيما نتاج الرجل -الذي يوازيه في الكم والكيف - لا ينال الاهتمام نفسه. هذا الاحتفاء أدى إلى هذه التحقيقات والدراسة محاولة لفهم ما يجري، أهي ريادة وتفوق المرأة في الإبداع والأدب وهي التي دخلته حديثاً، أم أن هذه الظاهرة رد فعل لما عانته المرأة في السابق من تهميش لمكانتها الأدبية؟».
نبوءة الطيب صالح
وتفضّل الروائية سمر المقرن أن تبدأ حديثها، «بالتأكيد على تحقق نبوءة الروائي الطيب صالح عندما سُئل قبل حوالى ربع قرن عن سبب عدم ظهور الرواية في السعودية مقارنة بما هو في بقية البلدان العربية فقال: الرواية في السعودية ستكتبها المرأة». وتقول إن هناك إشكالية حقيقة، «قد تقف حجر عثرة أمام المبدعة السعودية عندما يتشبث البعض بالخلط ما بين كتاباتها وحياتها الشخصية. وهذه رؤية ضعيفة، وهي أحد أوجه الحرب التي تحاول عرقلة هذا الإبداع، ولعل المبدعة السعودية أنها ليست قادرة على تجاوز مثل هذا، لأن الوقوف على مثل هذه الرؤى السطحية ستعرقل مسيرة الإبداع النسوي». وتتصور أن الكتابات الجديدة «التي استطاعت أن تنطلق من المكان الذي تعيشه الكاتبة قد أوجد هذا الخلط في ذهن البعض، فلو نظرنا إلى الكتابات النسوية الأولى التي ظهرت في الستينات والسبعينات نلاحظ افتقادها إلى روح المكان والبيئة المحلية بسبب إقامة الكاتبات خارج المملكة وافتقاد أعمالهن لهموم المرأة في الداخل، على عكس الكتابات التي ظهرت في التسعينات وما بعدها وظهور كاتبات انشغلن بهاجس التعبير عن المكان والبيئة في رواياتهن، ما حفز الروائية السعودية على تجاوز الكتابة التقليدية والاستجابة لرغبة داخلية ملحّة في إضافة كتابة مختلفة تخترق التابوهات بجرأة وتحمل سمات مغايرة تعيد النظر في المسلمات».
مشيرة إلى أنه ومع هذه الظروف السلبية، «إلا أنها كان لها وجه إيجابي مهم، وهو ما دفع المرأة الكاتبة إلى التعبير عن معاناتها عبر شكل فني، فكان اختيارها للرواية بعد أن حررتها من القوالب الجامدة، وأصبحت الروائية الجديدة مثل الفنان التشكيلي الذي أبى أن تظل لوحاته الفنية حكراً على النخبة فخرج من مرسمه ومن قاعات العرض إلى الشارع، إلى الناس على مختلف أطيافهم، فرسم الجداريات معتمداً على مضامين الثقافة الشعبية والمكانية. واعتمد وعي الكاتبة في ذلك على مخزونها الثقافي والاجتماعي ومرئياتها وسيرتها الذاتية وسير صديقاتها ومشاهداتها اليومية والحياتية، فاستطاعت أن تأخذ من نار الحقيقة عن المجتمع وخباياه ما يلفت النظر، ويجعلنا أمام مرحلة جديدة من التطور الروائي».
كاتبات اتخذن من المحرمات مواضيع
وتعتقد القاصة والكاتبة هيام المفلح أنه ليس بالضرورة أن تحد هذه الثقافة من انسياب الرؤية الإبداعية للكاتبة، «ليس بالضرورة، بدليل أن هناك كتابات نشرت أخيراً لكاتبات كانت من الجرأة، أحياناً بما لم يصدر عن كاتب رجل في مجتمعنا قديماً وحديثاً».
وتقول إنه لا علاقة لجماليات السرد واللغة بالحؤول من دون إنتاج خطاب تتوافر له جماليات السرد الروائي الأنثوي، «فالأديبة حين تصوغ موضوعها بتمكّن لا شيء يعوقها حين تكون في يدها كل الأدوات ناضجة، رأي القارئ هنا لا دخل له في حسن صياغتها وتمكنّها، المواضيع فقط هي التي قد - وأقول قد - تتسع وقد تضيق لهذا الأمر، لكن جماليات السرد واللغة لا تتأثر، بدليل أن هناك كاتبات اتخذن من المحرمات مواضيع طرحنها في رواياتهن، لكن للأسف كانت صياغتهن غير فنية ولغتهن سطحية بعيدة كل البعد عن الأدب، وذلك بسبب عدم تمكّنهن من أدواتهن الفنية والأدبية ، فتركيزهن على الموضوع من دون الشكل الفني والصياغة الأدبية أفقر رواياتهن أدبياً، وإن أكسبتهن شهرة وفرقعة إعلامية!».
وتقول المفلح إن القارئ الآن «بات أكثر وعياً، وأكثر تميزاً في فرز الأدب الجيد من الرديء، قد ينساق في البداية للفرقعات الإعلامية المصاحبة لكل رواية نسائية، لكنه بعد قراءتها والتمعن فيها يستطيع تمييز نقاط قوتها من ضعفها، بعض القراء يركزون على ضرورة وجود الرسالة الأخلاقية في كل منجز أدبي، وهذا من حقهم، وأنا أنكر على بعض الأدباء ذلك، لكن الأدب في النهاية له رسالة، هو متعة وتشويق وتسلية نعم، لكنه إضافة إلى هذا هو معنى وإفادة تبرر لهم الوقت الذي أضاعوه في قراءتها والمال الذي أنفقوه في شرائها».
أما الناقدة نورة القحطاني فتقول إن الرواية النسائية السعودية «أثارت في السنوات القريبة الماضية ولا تزال ردود فعل مختلفة من كل المتلقين لها داخلياً وخارجياً، ويرجع ذلك الاهتمام في معظمه إلى الأسلوب الجديد الذي ظهر في التجارب الروائية الشّابة، من خلال اللجوء إلى كشف المستور من جهة، وكسر كثير من التابوهات والمحرمات من جهة أخرى، فارتادت في كتابتها مناطق محظورة بجرأة قد تصل أحياناً حد الابتذال لإثارة المتلقي فقط، بقصد لفت الانتباه وتحقيق الانتشار والرواج، فيقبل القارئ على مثل هذه الروايات رغبة في التعرف على الآخر-المرأة لاكتشاف عالم النساء السحري، ويزداد فضوله إن كانت الكاتبة (سعودية)، تلك المرأة التي تمثل لغزاً بالنسبة إلى العالم من حولها، ومغامرة دخول هذا العالم من خلال رواية المرأة تستهوي الكثيرون».
وأشارت إلى أن ذلك فتح شهية دور النشر الخارجية، «لتلقف أعمال الكاتبات السعوديات وطباعتها بغض النظر عن قيمتها الفنية، لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى اهتمام النقاد بها، فهي بالنسبة إليهم ظاهرة طارئة على أدب المرأة عندنا، فبعد أن كانت الرواية النسائية تتضاءل كماً أمام رواية الرجل، أصبــحت فــي الآونة الأخيرة تـــنافـــسه من حــيث غزارة الإنــتاج».
وتلفت القحطاني إلى أن تحليل هذه الظاهرة، «يساعد في كشف مدى تطور الرواية النسائية عن سابقتها، ويعطي صورة حقيقية عن أدبها، فلن يبقى مستقبلاً إلا من يحمل قيمة فنية عالية، فكثير من الروايات النسائية لا تمتلك في بنيتها الفنية والإبداعية ما يؤهلها لذلك الانتشار والسطوع، فهي تمثّل خطاباً يؤسس للدفاع عن قضاياها بكل أبعادها، فلا تخبئ عيوب الواقع، بل تــكشف عنــها. وتنقدها لعلّها تجد من يعالجها ويقف ضدّها بلغة روائيّة اتّسمت بالبعد عن الفن، واقتربت من الخطابيّة المباشرة التي انتشرت في بعض نصوصها الروائيّة في شكلٍ نأى بها من طريق الفن، الذي يقوم أساساً على الإيحاء لا التقرير».
كتّاب يوحون بـ «الإلحاد» ... بناء على «سطر» في كتاب!
< اعتبرت الناقدة الدكتورة -لمياء باعشن أن هذا الربط المباشر بين الأدب وكاتبه، «مشكلة تواجه كل كاتب، رجلاً كان أم امرأة، سواء كان البحث بين الصفحات عن تشابهات في تفاصيل الحياة، أو كان البحث عن آراء ومعتقدات يظن أنها تعبير عن مواقف الكاتب من دون إعطاء النصوص مساحة لتنفصل عن كتابها، وكأن الأدب هو مجرد اعترافات خاصة، لذلك جرت محاكمة الكاتب أوسكار وايلد في نهاية القرن الـ 19، إذ استند القضاء على أدلة مستقاة من النصوص الأدبية للكاتب لإثبات انحرافاته الاخلاقية. وهذا الأمر للأسف ما زال يجري في بداية القرن الـ 21، أي بعد مضي 200 عام، اذ نجد الكثير من الكتاب يصنفون على أنهم مضللون وكفار وملحدون بناء على سطر في كتاب أو كلمة في قصيدة».
وتقول باعشن إن المرأة بطبيعة الحال «موضوعة تحت المجهر وكل ما تكتبه محسوب عليها، ولنقل ضدها، بشكل مضاعف، وهي تحت ضغوط قوية عند صدور كتبها، خصوصاً لو شاءت أن تتوخى الصدق والعفوية في طريقة عرضها لإبداعها، فحينها تنعت بأسوأ الألقاب وترمى بأقذع الشتائم.
بعض الكاتبات يجدن أنفسهن فعلاً حريصات على الالتزام بما يتناسب مع متطلبات المجتمع وهذا الحرص يعمل كرقابة داخلية تقوم بقص الكثير من الأفكار التي تكون غير لائقة في مقياس الآخرين.
وتضيف: «كذلك فإن البعض الآخر يغالي في الكشف إلى درجة يصل فيها البوح إلى الإباحية، والخط الفاصل بين الاثنين لا يراه هذا البعض بوضوح كاف، ويجد متعة في تخطيه، من أجل أن يوصف النص بالجرأة والشجاعة في الطرح، من دون التقيد حتى بفنيات العرض الفني».
وتوضح أن الضغط والتورية والرمزية أحياناً، «تضمن إنتاج جماليات أكبر، فالمرأة حين تكتب لا تكتم ما تريد قوله، وإنما تحوله بحرفية وإتقان إلى المجازي المغلف بشاعرية رقيقة، تفصح بقوة من دون أن تصرح بفضائحية. صحيح أن القراءة التي تربط بين الكاتب ونصوصه غير ناضجة، لكن الكتابة أيضاً لا تعتبر ناضجة إن لم تنجح في إيهام القارئ أن الحبل السري بين النص وكاتبه انقطع تماماً».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://pressfile.kau.edu.sa/PreesArch.aspx?Site_id=5710571&nid=3888&lng=ar
التعليقات (0)