قراءات نقدية
أعتقد أن النقد الأدبي للنصوص والأعمال الأدبية يعيش أسوأ مراحلة التاريخية فبعد عصور الازدهار في العصر الجاهلي والإسلامي والاموي والعباسي وعصر ما بعد الثورة الصناعية وتجليات مرحلة الحداثة وما بعدها وما بعد بعدها أضحى اثراً بعد عين! فلماذا يا تُرى؟
لم يكن النقد الأدبي حِكراً على المهتمين بل الجميع كان ناقداً فالذوق الأدبي رفيع والمعرفة تعيش عصرها الذهبي، كان الشعر المادة الأدبية المسيطرة على المشهد الثقافي في عصر ما قبل الثورة الصناعية، ودخل على الخط النثر بفنونه المتنوعة بقوة على المشهد فتربع على العرش لكنه سقط بوحل هرطقات ادباء الطباعة والنشر..
لو تأملنا في أسباب ازدهار النقد الأدبي في السنوات الماضية لوجدنا أن القراءة كانت سبباً من أسباب الازدهار ووجود صحافة وبرامج تلفزيونية ساهمت بشكل كبير في تحسين وتعزيز الذائقة لدى قطاع عريض من المجتمع، لكن ذلك لم يدم طويلاً فقد انحسر النقد وتحول للقاءات ومساجلات نخبوية وأصبح الفرد يطلع على كل ذلك دون أن يكون له قراءة مستقلة و نافذة تنقل رؤيته..
لو قُدر لأُدباءنا الراحلين بالعودة إلى الحياة وقدر لهم الإطلاع على ما تزدحم به المكتبات من مؤلفات وضعت بجانب السمين من الكتب لأُصيبوا بالذهول ولتمنوا الموت مرة أخرى، العلة تكمن في ضعف التأليف كمادة أدبية والعلة في الضعف تكمن في ضعف ذوق القاريء وجشع الناشر الذي يقبض المال وهو لا يدرك أنه يقتل الثقافة والمعرفة بدراهم معدودة..
ضعف ذوق القاريء يعني ضعف في أساليب القراءة وهذا يعود إلى اشتغال الذهن بأمور أخرى بعيدة عن التعليم والتعلم ويعني ضعف المناهج التعليمية التي لم تعتمد على التفكير وممارسة النقد ولم تعتمد على ابسط ابجديات التعليم الجيد ومن يطلع على أفكار خريجي المراحل الدراسية الثانوية وما دونها يجدها طفولية ومن يحاول قراءة ما يكتبون يجدها طلاسم سحرية؟
النقد الأدبي طبيب الأدب واستشاري الأدباء وظيفته تشخيص الإنتاج الأدبي واكتشاف علله ومعالجتها بطريقةِ علمية ومنهجية.
لقد تحول النقد الأدبي من نقد يمارسه القاريء والأكاديمي كلُ وفق إمكاناته العلمية والمعرفية إلى نقدِ يمارسه المتخصص ولم يستمر ذلك طويلاً فقد تحول إلى منهج وضع على الرف ولم يعد له أي ذكر أو أثر في الحياة الأدبية المعاصرة وهذه حالة تنم عن مستوى الذوق والوعي للقاريء والكاتب على حدِ سواء..
التعليقات (0)