مواضيع اليوم

قراءات في المعترك الراهن

أحمد الشرعبي

2010-01-02 10:30:52

0

قراءات في المعترك الراهن

إثر عودة الأخ الأستاذ علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي من رحلته الأخيرة ولقائه بأخيه الفريق/ علي عبد الله صالح رئيس مجلس الرئاسة الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام في مدينة صلالة العمانية وهو اللقاء الذي رعاه جلالة السلطان وهو اللقاء الذي رعاه جلالة السلطان قابوس بن سعيد أحد الزعماء العرب الذين ابلوا بلاءً حسناً في سبيل الحفاظ على الوحدة اليمنية ورأب التصدعات واحتواء الأزمة السياسية الراهنة وفيما تضاربت آراء المحللين حول نتائج اللقاء الذي اكتنفه الغموض حيث لاح ذلك وكأنه غموضاً متفقاً عليه (!!) وبينما التكهنات على أشدها إذا بالشارع اليمني يتداول إشاعة مفادها عودة الانقسامات إلى صفوف قيادة الحزب الاشتراكي ومصرع صالح منصر السييلي محافظ عدن عضو المكتب السياسي النشط متأثراً بحراحه الناجمة عن إصابته بطلقات نارية صوبها نحوه أحد القادة البارزين في قيادة الحزب وترافقت تلك الشائعة مع مواقف ............. شديدة تبدو على جانب من التذمر وتعبر عن اتجاه اشتراكي مغاير لطبيعة الصراع السياسي السابق وظهر جلياً وكأن تحولات .......... جوهرية بدأت تتشكل في أوساط الحزب وفوجئنا بأن من رفعوا شعار الثورة على صنعاء وتحريرها من قبضة .................. وخاضوا في طريقهم تحقيق حلم الإجهاز على صنعاء بأشكال العنف الثوري المسلح فوجئنا بهم يتحدثون بلغة ................. ومنطق أقرب لمصلحة الوطن ويبادرون لطرق موضوعات ساخنة ويلمحون إلى سخريتهم من الانفصالية وتقسيم اليمن وفقاً لخارطة مناطقية جديدة ويلوحون بخيارت وحدوية خارج نطاق "المربعات". ويؤكدون على ضرورة التجرد من الولاءات الحزبية الضيقة.
وفي لحظة أقرب على المباغتة تنادت بعض الاجتهادات المصابة بأمراض الريبة والشك لاتهام المؤتمر الشعبي العام بتغذية مظاهر الانقسام والتصدع داخل الحزب الاشتراكي وهي تهمة لا مصوغ لبذل جهد من أجل دحضها لأنها لا تخرج عن سياسات الاشتراكين الذين اعتادوا التملص من ............ الداخلية وتسويقها ........... ............. لأنهم أدمنوا تحويل الآخر على مشجب يعلقون عليه القصور ويلمزونه بالتبعات ويضعون على كاهله مسئولية ممارساتهم السلبية.
ومها يكن الهدف من هذه التهمة وما في عدادها إلا أن تجربة المؤتمر الشعبي العام طوال الفترة الماضية بقدر ما استندت على تنوع المشارب الفكرية والاتجاهات السياسية ووجهات النظر المتباينة فإنها إلى ذلك مثلت في محصلتها الحالية نموذجاً سياسياً متميزاً وتجربة خصبة قابلة للتطور والنمو اللذين يوفران لها فرص التلائم مع منطق العصر ويتيحان أمامها مقومات الثبات، إذ يحتفظ المؤتمر لنفسه بخصائص لا مثيل لها في بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى فعلى الصعيد العقائدي يلتزم المؤتمر بالإسلام عقيدة وشريعة وترتبط أهدافه بالنهج الإسلامي بمنابعه الصافية وأركانه الأساسية والخالية من التعصب المذهبي والسلالي والبعيدة عن ضيق الأفق ومحدودية الرؤية ورتابة التأويل وجنح الجمود.
ومن الناحية الوطنية تتحدد ميول وسياسات المؤتمر وفقاً لمصلحة الوطن وبمقتضى إيمانه العميق بمبدأ الولاء الوطني المحض وهو لذلك ضد التبعية والارتهان وضد الارتباطات الخارجية التي تمس السيادة وتبتغي تسخير اليمنيين للعمل على تغييب الهوية وتجعل منهم أدوات مختلفة سهلة التطويع والانقياد لصالح توجهات سياسية توسعية تدين بالولاء لأنظمة حكم خارجية تمارس في اليمن مالا تسمح بممارسته في بلدانها.
والمؤتمر إلى هذا وذاك إطار وطني مفتوح للهواء النقي وكيان يمني تتناغم ضمن بنيته التنضيمية مجمل الشرائح الاجتماعية وتتفاعل في تجويفاته وجهات نظر مختلفة ومؤتلفة وتحتشد في خضمه الكبير تباينات كثيرة يوحدها الالتزام للثوابت والاحتكام للمبادئ والعمل الجماعي المشترك لصالح الأهداف الوطنية العلياء.
ومن أشد الخصائص والسمات التي تميز المؤتمر عن سواه قدرته على بلورة الأفكار واستيعاب التباينات وترسيخ مفاهيم حضارية تجعل التعايش أساساً متيناً وضمانة ديمقراطية مثلى لتظافر الجهود وتكامل القدرات وتناسق الأداء في معزل عن سياسات الإلغاء وعوامل الصدام.
عشرات القادة العسكريين انخرطوا في عضوية المؤتمر الشعبي لكنهم يفرقون جيداً بين ميولهم السياسية من جهة وبين مهامهم الرسمية من جهة أخرى.
وهم يمارسون نشاطهم التنظيمي والسياسي في حياتهم الاجتماعية والخاصة أما حين يكونوا في مواقع عملهم فإنهم لا يلتزمون لأحد خارج قنوات المؤسسة العسكرية ولهذا لا يستطيع الأمين العام ولا الأمين العام المساعد أن يخضع هؤلاء لسيطرته بصفته القيادية في المؤتمر الشعبي ولا يستطيع د/ حسن مكي النائب الأول لرئيس الوزراء أن يتحدث للصحف كما تحدث العطاس بقوله (الحزب أمر قواته والحزب وجه ألويته العسكرية والحزب أصدر تعليماته لهيثم).
وفي المؤتمر الشعبي قطاع واسع من الفقراء والمعدمين لكنهم لا يؤمنون بالصراع الطبقي ولا يرفعون شعار التأميم ولا يسيل لغابهم لما أنعم الله به على غيرهم من يسر ورفاه.
وفي المؤتمر يمين، ويسار ووسط لكنا لم نسمع يوماً أن أحد هذه الاتجاهات قاد انقلاب عسكرياً أو تآمرياً على الآخر.
وإذاً فمن أين للمؤتمر الشعبي العام أن يُصدر للحزب الاشتراكي بضاعة ثبت أن الذي يمتلكها هم الاشتراكيون وليس المؤتمر؟
والتجارب أيضاً
تكمن أهمية التاريخ بما يرويه من تجارب وما تدخره سيره من عضات. والذين يتقنون قراءة التاريخ ويفيدون من عبره هم ولا شك أكثر وقاية من العثرات وأقدر على خدمة الأوطان.
ومن المؤكد أن الحزب الاشتراكي لم يكن ليقع في تجربته المأساوية الطويلة الأمد لو أنه انتفع ببعض ما ترويه صفحات التاريخ عن الحركات الانفصالية التي جرت عبر تاريخ الأمة العربية والإسلامية وإذا كان مثل هذا الأمر بحكم المستحيل على رفاقنا في الحزب لأن علاقتهم بالماركسية لم تكن تسمح بأن يكونوا على صلة من أي نوع كان لا بجذور الأمة ومعتقدها ولا بتجاربها أو ملامح شخصيتها، ولكن أليس في تاريخ الرفاق ذاته عبرة للألباب وعضة لكل ذي ضمير حي وعقل يقض..؟؟
ولم لا يفيد الرفاق من صورتهم في مرآة التجارب الماضية وما الذي يحضهم على تكرار المحن ضد شعبهم ووطنهم.. أوليس في وسعهم أن يجدوا من جنون الماضي وطيشه وسيلة تدبر وتبصر واعتبار.
لقد اعتادت قيادة الحزب الاشتراكي على حكم الشعب بواسطة الأزمات المختلفة ولكنها عبر تجربتها السابقة لم تستطع لمرة واحدة أن تجعل من القيم الأخلاقية سياجاً يحمي الحزب من التمزق والاقتتال ونظراً لما أعتور تجربة الاشتراكي من فقر في القيم وإملاق في امتلاك المثل لذلك فهي تلجأ لاختلاق أعداء وهميين وتضع قيادات وقواعد الحزب أمام غول مفترس لا وجود له.
وعلى مدى 23 عاماً من تجربة الاشتراكي لم يكن ثمة إمكانية أمام قيادة الحزب لتوحد الصف ولم الشمل أو للخلاص من المجازر إلا عن طريق بث الرعب في أوساط المجتمع وإيهام قواعد الحزب بأنهم أمام مواجهة خطيرة وقاتلة مع عدو شرس يتربص بهم الدوائر ويعد العدة لابتلاعهم وهو ما يدعوهم للتريث في تصفية الحسابات الخاصة فيما بينهم ريثما يتخلصون من أشباح الخصومات التي يهيأ لكل منهم وكان رأسه بين فكيها.
أمثلة في الذهن
لنبدأ الأمثلة من آخر محطات الصراع التصفوي في أوساط الحزب حيث أفلحت قيادته بخلق حالة من التماسك التي سادت منظمات الاشتراكي وهيئاته العسكرية والأمنية بفعل الخوف المزروع في أوساط الرفاق من هجمة إمبريالية متوقعة تخطط لها الأنظمة الرجعية العربية ولصد هذه الهجمة المزعومة اتجه علام الحزب لتكريس نظرة عدوانية ضد السعودية ودول الخليج وتحت تأثير الخوف أمكن لقيادة الحزب أن توفر لنفسها فرصة للاستمرار في الحكم لكن ظهور مؤشرات مفاجئة دلت على جود توجه اشتراكي يقوده الأمين العام الأسبق الأخ علي ناصر محمد باتجاه التقارب مع تلك الدول هذه المؤشرات دفعت بتجنحات الحزب نحو التحرر من كابوس الأنظمة الرجعية وأيقظ في ذاكرتها الحنين للتصفيات وكانت النتيجة المأساوية المعروفة بـ "13 يناير".
ولقد عنيت مؤسسات علمية عربية ودولية بدراسة النفسية الدموية في تكوين الحزب الاشتراكي لكنها لم تصل حتى الآن لأكثر من الحيرة رغم جهدها الكبير لاستكشاف الغور الحقيقي الذي تكونت فيه تلك النفسية المشوهة؟
وكان من الواضح بجلاء تام أن الحزب الاشتراكي لم يخص معركة أو يرفع بندقية صوب أولئك الأعداء الواهمين الذين ناصبهم العداء عبر الشعارات والخطب ولكن مآسيه المتعددة إنما انبعثت من صفوفه وحدثت بين قياداته وكان ضحيتها الأول والأخير قواعد الحزب وجماهير الشعب.
وعلى ذكر مؤسسات البحث أورد مقتطفاً من الاستخلاصات التي وصلت إليها مؤسسة الأبحاث العربية إذ تقول: "في آخر تشرين ثاني (نوفمبر 1967م) أعلن قيام جمهورية اليمن الشعبية وتلوت الجبهة القومة زمام السلطة لكن المتاعب والمشاكل والمآسي بدأت مبكرة فعلاً فمنذ الأسابيع الأولى بدأ (الصراع بين الرفاق) فمن المؤتمر الثاني في آذار مارس 1968م الذي أعقبه محاولة عسكرية فاشلة إلى خروج عناصر قيادية إلى "الجبل" لقيادة "الحركة التصححية" في 22/6/1969م وتولى سالم ربيع علي" سالمين" السلطة مع عبد الفتاح إسماعيل ومحمد علي هيثم إلى قتل فيصل عبد اللطيف الشعبي على أيدي رفاقه في سجن عدن في نيسان "أبريل" 1970م إلى سلسلة أحداث دامية وتطورات سياسية مذهلة لم توفر أحداً من الذين لعبوا دوراً أساسياً في مرحلتي الثورة وبناء المجتمع الجديد إضافة على أن هذه الأحداث المأساوية حرمت هذه التجربة الخاصة والفريدة من فرصة تقديم نموذج لبناء مجتمع متطور جديد رغم فقره الشديد، وتخلفه المدقع، وكانت آخر المآسي ما وقع في 13 كانون ثاني "يناير" 1986م وما بعدها حيث اقتتل "الرفاق" وتعرضت عدن للدمار وواجه المئات التعذيب والموت على يد رفاقهم".
وإذا كانت قيادة الاشتراكي قد اختلفت عدواً جديداً اسمه المؤتمر الشعبي وأخذت تبث الشائعات عن دور المؤتمر في تشجيع الانقسامات داخل بنية الحزب فإن علينا أن لا نستبعد قيام الاشتراكي بارتكاب حماقة جديدة على غرار تجاربه الدموية السابقة لكننا بكل تأكيد لا نجد مصلحة في مجازر الرفاق فهم في الأخير إخوتنا ومهما يكن الخلاف بين أبناء الوطن الواحد محتداً إلا أنه يجب أن يظل تحت سيطرة العقل والضمير وأن يكون بعيداً عن المساحات الحمراء التي اعتاد الحزب أن يبسط عليها راحتيه ويستمد منها حياته ويواصل من خلالها انبعاثاته المتعطشة للدماء.
وبحسب هنا التذكير بموقفنا الذي سجلناه في إحدى حلقات المعترك والمتضمن حرصنا البالغ على حياة الأستاذ علي سالم البيض وخوفنا أن يفلت الزمام من يده ويسلم رأسه أسوة بمن سبقوه لمثل ذلك المصير من الأمناء العاملين للحزب الاشتراكي.
ولو كنا نبيت السوء أو نمكن للضغينة في نفوسا لما بادرنا للتعبير عن قلقنا تجاه الأستاذ البيض خصوصاً وأنه يعلم أكثر من غيره طبيعة المؤامرات التي ذهب ضحيتها قحطان الشعبي سالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل وأفلت منها علي ناصر محمد.
فما من موقف صدامي شجع هؤلاء على تبنيه إلا وكانوا أول ضحاياه.
وليس خاف على أحد أن الرموز الوطنية في المؤتمر الشعبي العام كانت عبر كل مراحل الصراع الدموي للاشتراكي هي التي تدفع الثمن باهضاً لقاء حرصها على حقن الدماء ووقف نزيف الوطن.
وما من تجربة مآساوية خاضها رفاق في الماضي إلا وألقت ظلها على المحافظات الشمالية التي سخرت إمكاناتها المختلة لامتصاص اللهب الرفاقي المستعر.
ولنا أن نتصور حالة الحزب الاشتراكي لو أن الرموز الوحدوية المخلصة في المؤتمر الشعبي العام وعلى رأسها الأخ الفريق/ علي عبد الله صالح أغلقت حدود ما كان يمسى بـ "الجمهورية العربية اليمنية" ومنعت حق الاستضافة واللجوء لعشرات الآلاف من أعضاء الحزب وضحاياه ولو أنها أعادتهم من حيث جاؤوا ومارست سياسة التحريض والتمويل لهؤلاء ترى ماذا كان بوسع الحزب عمله؟ وما هي النتائج التي كان لمثل هذا التعامل أن يسفر عنها..؟
ولعل الحزب وهو يتذكر تلك المواقف الوطنية النبيلة التي قدمها الرئيس علي عبد الله صالح في أحرج الظروف وأشدها قسوة على الحزب لعله بمثل ذلك التذكر سيجد نفسه أحوج ما يكون لرد الجميل بدلاً عن التنكر ونكث العهود ونبذ المواثيق ومحاربة الشعب في معيشته وأمنه وتقويض مسيرة الوحدة خدمة لمخططات الأعداء وتنفيذاً لرغباتهم وطمعاً باثداء النفط والتشوق المجنون لمجازر الأمر ومآسيه.
وليس حرصنا على الرفاق هو السبب الوحيد لقبولنا مهمة أن نكون البعبع الذي يستخدمه الحزب لتخويف قواعده.. ولكن السبب الجوهري الأهم يمثل بإدراكنا بأن الذين اقتتلوا بالأمس في ظل الفقر وبتلك الصورة الوحشية البائسة وابتلعوا 17 ألف ضحية في غضون ساعات قليلة لن تكون مجزرتهم القادمة أقل بشاعة من كل تجاربهم الماضية.. فهذه المرة سيكون صراعهم ممولاً بأكياس النقود وملايين الدولارات التي تعاطتها قيادة الحزب ثمناً لموقفها من الوحدة وليس مجرد صراع أجوف على مجموعة من الشعارات غير الطازجة والكراسي العرجاء مثل ما كان عليه الحال في السنين العجاف.
ولعله الخوف ذاته على أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية الذين دفعوا الثمن الباهض طوال مراحل الصراع.
ومن أغب ما خلق الله على وجه الأرض أن قيادة الحزب تصنع الأعداء لتخيف قواعدها وترتق بالذعر ثوبها المهلهل ثم لا تلبث غير قليل وإذا هي الأخرى تقع ضحية الخوف من أكاذيبها حيث يتحول الوهم في حياتها إلى حقيقة ماثلة وهو ما نخشى آثاره السلبية على علاقة الحليفين الاشتراكي والمؤتمر.
إن عقدة الخوف التي تنمو في مخيلة الرفاق هي في الأساس مسألة مرتبطة بتكوين الحزب وتراثه الإيديولوجي..
ولقد كانوا يقتلون الشعب ويضعون أيديهم على عنق الوطن محتسبين أجرهم في ذلك على غير الله.
وكانوا ينصبون المشانق لبعضهم تطوعاً فما بالك وهم اليوم يتقاضون الثمن مقدماً لمحاربة الوحدة ووأد الثورة وينفضون أيديهم عن شرف المشاركة في المنجز التاريخي العظيم الذي تحقق في الـ 22 من مايو 90م.
على أن الرفاق وإن كانوا يجدون من دفئ التمويل السخي ما يغرهم على الانفصال فمن أين لهم بتمرير خطة التشطير في ظل يقظة الشعب وذلك هو الرهان الذي سيبقى وهو الرهان الكفيل بإسقاط التجليات المناطقية والأحلام الطوباوية التي تصور آباء النفط وكأنها كل شيء.
بيد أننا لا بد أن نستدعي بعض صور الماضي الكئيب في تاريخ الحزب ريثما نتيح أمام الرفاق فرص التثاؤب بعد سبات طويل..
وبهذا الصدد نورد نزراً يسيراً مما تضمنه كتاب "جذور الصراع الماركسي في الشطر الجنوبي من اليمن" الصادر عن مكتب الدراسات والفكر التابع للتجمع القومي.
فلنتابع جميعاً ما يقول التاريخ:
الخط الثالث: عقد الخوف
"عقد الخوف، هي الخط الثالث التي تتشكل منها نفسية العضو الماركسي في الجنوب، إلى جانب عناصر التشكيل الأخرى، فالعضو بمواصفات عقدة الخوف المستمرة إلى جانب مجموع أعضاء التنظيم، يشكلون نفسية كلية خائفة بمشتركات جمعية سائدة في عمومها، ثم يتشقق التنظيم الكلي بينياً إلى محاور وجيوب في الإطار الواحد، فيلتقي كل محور أو جيب على مشتركات محددة، فينشأ الصراع الداخلي، فتتجسد ظاهرة التآكل الحزبي إلى درجة الانفجار..!!
والإنسان بطبعه وفطرته التي خلقه الله عليها في حاجة إلى الأمن من مصادر الخوف كلها، فالسلام أصل من أصول الحياة، أما الخوف فأمر طارئ في الحياة وعارض، لهذا جعل الله الأمن والسلام منه ومنحه ونعمة لعباده، (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).. والأمن النفسي لا تحصل أسبابه من خارج النفس البشرية، بل ينبع ويتولد من داخلها إذا ما حدث التوازن فيها، ولا يتحقق إلا بأبعاد ثلاثة مستقرة في داخلها:
1- اليقين بمعرفة مصدر وجوده، كي يظل حائراً في لغز الكون والوجود.
2- اليقين بمعرفة غايته في هذه الحياة الأرضية كي يصرف طاقته ونشاطه الحياتي وفقاً لما يحقق هذه الغاية.
3- اليقين بمعرفة مصيره بعد الموت والانتقال من هذه الحياة الدنيا كي يطمئن على مصيره وثمرة عمله.
والنظرية الماركسية –التي يعتنقها الماركسي- لا تمنحه هذه الأبعاد، لأنها لا تملك الإجابة عليها، فهذه الحقائق، حقائق مطلقة، لا تخضع للتجارب في نوعها، ومن ثم فإن التزام العضو الماركسي بحزبه ضرب من العبث، لا يحقق له حياة مستقيمة آمنة مطمئنة.. ففي التزامه الحزبي تحول عقيدي يجعل مسألة المعايشة السلمية والتكامل الإيجابي في الحياة، مسألة صراع وعداء مستقر في واقعه وعلاقاته..
ولما كان الخوف نوعاً من أنواع العذاب الرباني، وانتقاماً في أغلب حالاته من هذا المخلوق البشري، بسبب انحرافه عن منهج الله وكفره به، لذلك حلت نقمته بها الحزب الملحد الشاذ "فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف"..
خوف من أنفسهم وخوف من الناس وخوف على مصالحهم وبقائهم.
وإن أشد أنواع الخوف وأقساها على النفس البشرية، وهو الخوف والرعب الذي يقذفه الله في نفوس العصاة من عباده، الذين ينحرفون عن منهجه، كالذي حدث لليهود في خيبر من الرعب، قال تعالى: "هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار" (سورة الحشر 2)..
وقد يكون مثيراً للعجب أن نقرر هنا هذه العقدة المرضية خطأً نفسياً بازراً لمجموع الحزب الماركسي في الجنوب، مع أن الاتجاه البارز له هو اتجاه المغامرة والعنف والإرهاب والتحدي وفي طبيعة صراعه وصدامه الدموي خير شاهد على ذلك.. وفي أحداث المنتصف من يناير من عام 86م ضرب من ضروب التحدي والشجاعة المتهورة.. فمن أين له عقدة الخوف؟!
الحقيقة الجوهرية أن هذه الحالة الدموية لا تعدو عن كونها تغييراً سلوكياً وإفرازاً نفسياً ومادياً عن عقدة الخوف في المركب النفسي لهذا الحزب –يشبه تماماً، تعبير كل ذي روح في الدفاع عن نفسه إذا ما حوصر واضطر إلى الدفاع الجبري..
وسيتضح هذا الأمر من عرضنا لمقومات التربية التكوينية الحزبية، التي يصوغ الحزب عليها أعضائه.
مقومات التربية الحزبية الماركسية في الجنوب
تهدف عملية تربية التي تحقق وصوغ الفرد بصفات وخصائص معينة ومحددة، ليكون قادراً على أداء دوره في تحقيق هدف معلوم، في خطة كلية، تتظافر جهود مجموعة من الأفراد لتحقيقها..
وبما أن مهمة الحزب الماركسي في الجنوب هي مهمة العميل المحددة في تكوين دولة سلطوية إرهابية في المنطقة حسب خطة الامبريالية السوفيتية بإيجاد حالة عدم استقرار أمنية فيها. كانت مقومات التربية الحزبية الماركسية مطابقة لهذه المهمة، وهي كما يلي:
1- أنها تربية حزبية ذات طابع بوليسي.
2- أنها تربية تغذي اتجاه التعصب في الولاء الحزبي..
3- أنها تربية تقوم على التضليل والوهم.
4- أنه تربية تنمي وتغذي العقلية التآمرية.
وتكفي هذه المقومات الأربعة لتدمير أمة كاملة إذا ما سرت في كيانها..
أ- التربية الحزبية البوليسية:
تستطيع –على الإطلاق- أن تقول أن الحزب الماركسي في الجنوب برمته، جهاز ضخم للاستخبارات البوليسية، من قاعدته إلى قمته، بالإضافة إلى شيوع الاتجاه الباطني في تكوينه النفسي القائم المتسلسل والتدرج في المراكز والرتب ودرجات العضوية، حيث تتوقف على هذا التدرج لدرجة الانكشاف والسلطة التنفيذية، إذ تغرس في نفسية العضو منذ البداية، مفهومات ومبادئ بوليسية، أهمها:
1- الطاعة العمياء للقيادة والمسئول المباشر دون نقاش أو جدل خاصة في الأمور التنفيذية.
فيكون عاملاً وفاعلاً ومنفذاً لأوامر لا يدرك مقاصدها وأسبابها، بل في أغلب الأحوال –لا يكون مقتنعاً بها في ضميره ووجدانه ، ويخضع العضو للتحقيق من هذه الصفة لسلسة من التجارب والمواقف.
2- السرية والتحفظات لضمان ضيق الدائرة في العلاقات الشخصية والاتصالات داخل كيان التنظيم الحزبي، حتى لا تتم عملية النقل وتبادل المعلومات بين الأعضاء في المهام السرية –في حد ذاته- مشبوهة.
3- التجسس، تحت ذريعة جمع المعلومات التي تفيد الحزب وقيادته، لاستبصار الواقع واتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بحماية الحزب من أعدائه المتربصين به، فتصبح التقارير التجسسية نوعاً من النظام العادي المتبع داخل الحزب، فتلد عن هذا السلوك الحزبي خلق النفاق والدس، واستخدام وسيلة للانتقام داخل الحزب، وخارجه، وتمكنت قيادة الحزب من رصد الأعضاء وغيرهم داخل وخارج نطاق التنظيم، ومن ثم تمكنت قيادة الحزب من أمداد أجهزة الاستخبارات المنحازة إلى مسعكرها، بالمعلومات المحلية وغيرها، إلى جانب إرهاب المقاومة الوطنية الشعبية واستخدام هذه المعلومات في تصفيات حزبية داخلية.. فساعد هذا على تنمية عقدة الخوف..
ب- التربية العصيبة في الولاء الحزبي:
حيث يربى العضو على مشاعر الاستعلاء على كل فئة من فئات الشعب لا تدين بالولاء لحزبه واعتبار هؤلاء جميعهم دون مستوى تفكيره ونضاله، كما يربى أيضاً على الدفاع المستمر ضد الثورة المضادة والطبقات، بمقررات مسبقة وجاهزة، هي في حقيقتها مضمون لإجابات على أسئلة قد تتردد في نفس العضو، فمن مركب الاستعلاء مشاعر الدفاع تتكون لدى العضو الماركسي قناعات ومسلمات نفسية، هي مدار تعصبه الحزبي الولائي، ونظرته لكل ما هو غير ماركسي، فتنمو عنده عقدة الخوف من الغير عل التنظيم والحزب ومصلحته".
ونواصل الحديث في حلقاتنا القادمة إن شاء الله.
الصحيفة: الميثاق
العدد: 591
التاريخ: 18/4/1994م
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات