قراءات في المعترك الراهن
الأزمات كالحروب يورثن الهموم، ويقتلن طموحات الشعوب، ويدفعن نحو المصائب.
وفي الأزمات تذوي الحكمة، ويتوارى دور العقل إلا فيما ندر.
والأزمات تفتح الباب على مصراعيه للاجتهادات الضارة، وردود الفعل المتشنجة كما أنها تحول دون التفكير السوي القائم على التروي والتبصر وبعد النظر.
والأزمات يبدأن أعراضهن على هيئة نزوة أو في صورة حمق ولكنهن لا يغادرن إلا وقعد خلفن جراحاً في النفوس وندوباً على القلوب.
ولا بأس أن نرث من حرب الخليج غيوماً داكنة، وعتاباً قاسياً وأن نلتمس في درسها المرير العبرة التي تحصن تجاربنا السياسية القادمة من العنتريات البائسة، ومن التهور في تغليب النزوات والمزالق الخطيرة التي تنجم عن القرارات المتسرعة.
ولا شك أن حرب الخليج لم تكن الأولى من نوعها في التاريخ فلقد دفعت البشرية في متواليات الأيام ثمناً باهضاً لانحراف قادتها وميلهم للهوى وشطحات تفكيرهم الذي عادة ما يقوم على الاستهانة بحقوق الآخرين والشعور المتعالي بإمكانية ابتلاع الشعوب التي تبدو ضعيفة لسبب أو لآخر.
ولا غرو أن تقترن النزعات العدوانية ذات الطابع الاستعماري بتاريخ أسود حافل بالإرهاب وديكتاتورية الأفراد ولهذا فإن الأنظمة السياسية الوضعية التي اعتمدت القوة منطلقاً للاستيلاء على إرادات الشعوب وانجرفت في طريق الاحتلال واتخذت من الاستعمار وسيلة لفرض الهيمنة وبسط النفوذ إنما فعلت ذلك بدافعين اثنين أولهما انحلاله من الأخلاق والثاني إدراكها لوهن الفريسة ................. عن المقاومة.
.................................................................................
الثأر بثقافة تغريبية تنزع للمجاراة ويدهشها التقليد والمحاكاة هذا من جانب والآخر قدرة الاستعمار على تكوين قاعدة من القيادات الشبابية المراهقة التي أحسن المستعمر تهيئتها ونفخ فيها من روحه واستخلفها في كثير من البلدان العربية لتحكم المواطنين على هدى من تفكير المحتل الأجنبي وقوانينه ونظمه.
وبوسع المرء أن يمعن التأمل في تاريخ الجبهة القومية وكيفية استلامها مقاليد السلطة في المحافظات الجنوبية ليقف من خلال ذلك على دليل قاطع يؤكد صحة ما ذهبنا إليه من رأي حول كارثة الاستعمار في الوطن العربي التي لم تقتصر آثارها على تنشئة حكام من عينة القيادات التاريخية في الحزب الاشتراكي اليمني ولكنها أي الكارثة تعدت ذلك إلى ما هو أخطر حين أفضت لرسم خارطة استعمارية جديدة حولت الوطن العربي إلى دويلات صغيرة تتجاذب أطراف النزاع والتآمر ضد بعضها ويقاتل كل منها الآخر دون هوادة.
ذلك أن الثأر بالثقافات الاستعمارية كان وما يزال مسيطراً على تفكير الأنظمة العربية في الغالب منها.
وحين وهت علاقة الأنظمة العربية بعقيدتها الإسلامية الداعية للم الشمل ووحدة الصف وتداعي انجذابها لمقوماتها القومية لغة وذماً وتاريخاً حينذاك أمكن منها معول المستعمر فهد كيانها المتحد وشل قدراتها المتلاحمة وسرق خيراتها وإذكاء الحرائق في صفوفها.. وأذكى وأوغل في تهجينها وتغريب فكرها الديني والقومي.
وبهذا الصدد يسجل الإمام الشهيد حسن البناء رأياً حصيفاً في كتابه الشهير "حديث الثلاثاء" حيث يقول: "وقد أنتجت الحوادث العالمية، وأهمها الحرب العالمية الثانية انقلاباً سياسياً وفكرياً واجتماعياً خطيراً إذا تحطمت مظاهر الأفكار القديمة والأوضاع السابقة كلها ووقف العالم على مفترق طريقين الأفكار الشيوعية التي تتزعمها وتدعوا إليها روسيا السوفيتية وطريق الأفكار الديمقراطية التي تدعوا إليها وتتزعمها أمريكا وانجلترا، وكلا التيارين مسلح بالمظاهر المادية والنظريات الجدلية واستثارة المطامع والشهوات الإنسانية وقد امتد أثر هذه الموجة الجديدة إلينا بل إنها لتغمر مجتمعنا الإسلامي في كل مكان في بوادي الحجاز وصحاري اليمن ومجاهل أفريقيا وهضاب آسيا وسهول مصر وبين البدو والحضر وفي القرى والمدن، وفي كل مكان صرنا نسمع كلمات الشيوعية والديمقراطية والنازية والفاشية وملحقاتها ما يشتق منها ويتصل بها ويحاول المبشرون بهذه الأفكار أن يركزوها على قواعد من المنطق والفكر وأن يلبسوها ثوب العقائد الثابتة ويصلوها بالمشاعر والوجدانات الأصيلة في الإنسان ويزينوا للأمم والشعوب فوائد الأخذ عنها، ويدفعوهم إلى الإيمان بها والارتماء في أحضانها مع أن الإسلام الحنيف قد تكفل الله به وأغنى من حيث الأفكار أو المشاعر أو الأوضاع العملية.
هذه الموجة الجديدة الطاغية تجتاح أرضنا في قوة واندفاع ونحن في حالة تذبذب بين الاتجاهين ولا بد من الاستقرار فدوام هذا التردد من المحال، والاستقراء على قواعد أحد المذهبين من أخطر الخطر على كيان الأمم العربية والإسلامية والشرق كله، فليست هذه المبادئ إلا ثورات وقتية لأعراض فساد اجتماعي مكبوتة في بيئة من البيئات، ثم تطورت إلى أستار حريرية تخفي وراءها مطامع الغاصبين وأحلام المتسيطرين ولا نجاة للعرب ولا للمسلمين، ولا عزة للشرق إلا أن يتخلص منها جميعاً".
ولقد بات من الواضح أن الفطنة المبكرة التي طبعت بها آراء المفكرين العرب لم تكن بحجم موجة التغريب ولا بمستوى حماس بعض الأنظمة لتكريس مصطلحات إيديولوجية تؤصل لسلوك تبعي بحت وتؤسس لمستقبل حافل بالصراع وتعمل على استغفال الجماهير وتطبيعها على الضغينة والعداء الموجه ضد من يوصمون بالعملاء والرجعيين والكمبرادور.
وبحسبي الاستشهاد على مناهج التغريب وسياسات التأصيل العداء بين أبناء الشعب العربي بمقطع صغير من افتتاحية "الثقافة الجديدة" وهي المجلة الإيديولوجية التي يصدرها الحزب الاشتراكي اليمني إذ تلخص رأي الحزب بقولها "لقد وجهت الإمبريالية الأمريكية، والأعداء الرجعيون حملات ونشاطات موجهة. عسكرية واقتصادية سياسية وأيدلوجية لغرض قمع إرادة شعبنا وحرف طريق توجهه واختياره لطريق التنمية المستقلة عن عجلة الامبريالية والمعتمدة والمعتمدة على إمكانياته الذاتية بمساندة أصدقائه المخلصين وفي مقدمتهم بلدان المنظومة الاشتراكية وطليعتها المخلصة لكافة الشعوب التواقة للحرية والتقدم الاجتماعي الاتحاد السوفياتي الذي يقدم العون النزيه لهذا الشعب ولثورته منذ البداية.. ولكن محاولات الأعداء قد باءت بالفشل الذريع وتوج شعبنا انتصاراته المتعددة بانتصارات متلاحقة في كافة مجالات الحياة".
وبالعودة إلى وثائق الحزب وأدبياته وخطب رموزه يمكن القول بأن غزو العراق للكويت لم يكن إلا ثمرة لثقافة عدوانية تعتبر من السعودية ودول الخليج العربي عدواً طبقياً للبروليتاريا وعائقاً إمبريالياً أمام النظام الأممي الذي يقوده الأصدقاء الخلص في المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي سابقاً.
وإذا ما أتيح للباحثين المقارنة بين طرائق التفكير السائدة على نطاق النظم الاشتراكية "القومية والأممية" فسيجدها تمثل أصلا ًواحداً للقناعة العسكرية التي نبع عنها القرار باحتلال الكويت.
على أننا في كل الأحوال لا نعتبر التجزئة القطرية القائمة في وطننا العربي حالة صحية ينبغي الدفاع عنها بل نحن نرى أن الوحدة العربية هي المشروع الحضاري الذي يفترض العمل على خلق مقوماته واستنهاض أسبابه والنضال الدائب في سبيله غير أن مشروعاً طموحاً كهذا لا يمكن تحقيقه بمنطق الإكراه ولا بوسائل الغزو وسياسات الابتلاع وإنما باستدعاء عوامل التنسيق المشترك واجتراح مآثر التكامل السياسي والاقتصادي وبواسطة الالتفاف حول القضايا الرئيسية وتضافر الجهد لمواجهة التحديات الكبرى وبتكريس منهج تربوي عربي موحد يجعل قضايا الوحدة العربية ملحماً بارزاً في صدارة الهموم الموكل أمرها لجيلنا القادم من مشارف القرن العشرين..
سياسة الذكاء البدائي
وبما أن التحولات العالمية الكبيرة تقود في العالم لمعطيات جديدة وتهتك أسرار شتى كذلك فقد كان لاضمحلال الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية وبروز النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كان لذلك أكبر الأثر في تعرية عدد غير قليل من الأدوار المشبوهة والمزاعم الباطلة ليس على مستوى الوطن العربي فحسب ولكن على مجمل أرجاء العالم..
غير أن الحزب الاشتراكي اليمني كان الأوفر حضاً من الفضائح التي نجمت عن التحولات العالمية الجديدة.
ولقد كان مما يؤسف له أن تنحسر الأقنعة عن وجه الحزب وتذوي شعاراته ويظهر في صورة من الدمامة التي تبعث على الازدراء والمقت.ز لقد تحققت الوحدة اليمنية وذهب المئات من أبناء الشعب الذين استهوتهم شعارات الحزب حيناً من الدهر ذهب هؤلاء إلى عدن ومنها إلى بقية المحافظات الجنوبية والشرقية يحدوهم الأمل بأن تقع أبصارهم على معجزات الاشتراكية ومنجزات الرفاق لكن خيبة الأمل جعت كل هؤلاء يثوبون لرشدهم عندما لم يجدوا من أثر طيب يدل على أن الرفاق البروليتارين كانوا يحسنون شيئاً آخر غير المجازر..
لقد كان المنجز الاشتراكي الذي صادفته عيون المتلهفين لتجربة الرفاق تلك اللوحة الكبيرة التي نصبت في جولة الشيخ عثمان وبدت فيها صورة مجسمة للرفاق الأربعة الموتى الذين ذهبوا ضحية الرفاق الآخرين ممن هم على قيد الحياة يواصلون رسالتهم الخالدة في تاريخ المؤامرات..
ويوم جال الناس في أناء عدن لم يجدوا غير سجن ضخم اسمه الفتح ووكر يدعى (الصولبان) ومقبرة جماعية يطلق عليها (المشاريع).
ولقد تيقن الجميع حينئذ أنهم خدعوا طويلاً واستبانوا الحقيقة الشوهاء كما هي عليه في الواقع ولا بمثل ما تبدو عليه صورة الحزب في طوايا الكتب.
ولقد تأكد لكل المغرر بهم أن الحزب لم يأخذ من الاشتراكية غير أبشع ما حفل به تاريخها دماء وقمع، جوع وتظليل، كبت وجحود.
ولقد ذهل هؤلاء حين لم يجدوا حالة واحدة تدل على جانب ولو بسيط ينم عن شيء له علاقة بالاشتراكية في أقل مقتضياتها لا عجلة إنتاج لا فرائض قيمة لا وسائل لا أهداف لا علاقات بروليتارية وكلما في الأمر أن الذين أوصلوا الرفاق إلى الحكم طلبوا منهم أن يكونوا اشتراكيين حسب الحاجة وبرجوازيين عند الطلب.
ولم يكن في بال أحد أن يكتشف تحول الحزب الاشتراكي اليمني إلى مجرد إناء زجاجي في إحدى رفوف الكرملين وما أن اهتزت الساحة الحمراء بموسكو حتى سقط الاشتراكي اليمني وانكسر الإناء الملطخ بالدماء..
وفيما المجتمع يرقب سلوكيات الحزب المضادة لوحدة الوطن وبينما تتجه أياديه للإضرار بسمعة وكرامة الشعب إذ قيادة الاشتراكي تعطي لنفسها دوراً طفولياً أكبر من حجمها وتتصرف وكأنها بمثل ما استطاعت تضليل الجماهير اليمنية كذلك يكون في وسعها تضليل دول كبرى وأنظمة عربية على جانب من الدراية والخبرة والدهاء.
ذات مساء رمضاني من عام 1992م كنا نتسقط أخبار الجلسات الودية التي تجمع بين جار الله عمر والسفير الأمريكي في حين تداهمنا العاطفة إشفاقاً بالحزب الذي اضطره اليتم إثر سقوط الاتحاد السوفيتي إلى جلد نفسه ومحاكمة تجربته والتنصل من ماضيه والاتجاه في بؤس نحو الملجأ الأمريكي.
وما هي إلا فترة قصيرة وإذا الاشتراكي يفتعل الأزمة السياسية الراهنة ويخلع عن وجهه ورق التوت ويسطع بتوجهاته الانصالية وتبدو حقيقة أمره ويرفع الستار مفصحاً عن ارتباطه الحقيقي بتبعية قديمة لم يعد الحديث عنها من الأسرار الغامضة ولم يعد من المتعذر حشد الأدلة لإثباتها.
لذلك توجب علينا أن ننظر لمواقف الحزب من حرب الخليج وسياسته اللاحقة في ظل الأزمة من زاوية الرصد الدقيق لذات الجهة التي تقف اليوم في صف الاشتراكي وتوجه مساره وتنظم علاقاته بعدد من الدول الشقيقة والصديقة..
ومن هنا ندرك مجدداً أن حرب الخليج لم تكن لتحدث لو لم تكن واردة ضمن مخطط خارجي أدت الأنظمة العربية فيه دوراً متواضعاً ي جوقة غير متقنة الترتيب.
وماذا بعد..
لشد ما كان عليه حرصي على التزام الصمت حيال حرب الخليج وقناعتي بأن العودة لسرد التفاصيل تنكئ الجرح وتطيل من عمر المواجع وتشج بوادر الصفح والتجمل لكنما تجري الرياح على غير مشتهى السفن.
ولست لأحمل على الأشقاء في الخليج إن واصلوا العتب أو إن تأخرت بوادر الحب عن مسح الغبار الكريه الذي علق في صفحة العلاقات الأخوية الحميمة بين اليمنيين وأبناء عمومتهم من الأخوة الأشقاء في هذه الدول لكني وقد احتطب الحزب ضغائن الحرب وأوزارها وراح يلقيها على كاهل الشعب ويوظفها في خدمة مخططه الانفصالي وجدت نفسي مضطراً للتعاطي مع هذه القضية بغية سد الثغرات التي يسرب منها الاشتراكي دسائسه الصغيرة..
ولا يساورني أدنى شك بأن عقلاء الخليج يدركون ما تمر به الأمة العربية من إحباط وما يشهده الوطن العربي من انهيارات وما أحسبهم بحاجة لإضافة رصيد جديد من الحسرات في مسيرة الأمة والوطن.. وإنما يكبر التاريخ دور العقلاء والمصلحين لأنهم تشغلهم الحسنة عن السيئة ويقدمون الجميل على الإساءة ويشيدون المعجزات في إباء وترفع..
ولا أظن أن الأنظمة العربية ذوت حنكتها فغدت تتجاهل العبرة فيما داهمها من أحداث وما لحق بها من تقهقر.
ولقد كشفت حرب الخليج عن حقيقة لا غبار عليها هي أن الأنظمة التي تسعى "لتأديب" أي شعب شقيق إنما تقود نفسها إلى الدرك الأسفل من خيبة الأمل، ومن المؤكد أن الأشقاء في بعض دو الخليج لا يميلون لاستخدام ذات السلاح الذي بلغهم أذاه ولا يسمحون بمعالجة الخطأ بمثله وإلا لكان على الجميع أن يظل يجتر الكوارث ولا يبين عن هدأة ضمير أو نعسة طرف.
لقد آن للعرب أن يلموا شتاتهم بعد تمزق وأن يضمدوا الجراح ويرتقي كل منهم بأخيه إلى فضيلة التكامل والتكافل ورأب التصدعات.
والمفاجئات المباغتة.. السار منها والمفزع لا يمكن اعتبارها أساساً موضوعياً لحركة التاريخ وتقلبات الأيام ولكن الذي تحفل به الإنسانية هو ذلك النمط المتسلسل والمتواصل في مجرى علاقات الأممم.
إن الذاكرة التاريخية التي تؤصل وعياً مجتمعياً وسياسياً ناضجاً إنما تستمد دينمايكيتها من منطلق التتالي والتتابع في سياق يمنح الأفراد والشعب القدرة على معرفة وتحديد الحدث الشاذ والنادر مما يمكن اعتبارها هامشاً غير ذي قيمة في فهرس الأحداث المتسقة مع الموقف العام.
وتأسيساً على ذلك فإن التأمل في صفحة العلاقات اليمنية –الخليجية يجعلنا ندرك بأن تلك العلاقات قد بلغت أوج ازدهارها وأنها مثلت نموذجاً راقياً يحتذى به.
وكانت عبر زمن طويل في أروع صور الإخاء والوفاء والاحترام المتبادل وخصوصاً في ذلك الوضع المزدهر لعلاقات الأشقاء في دول الخليج بالنظام السياسي لما كان يسمى بـ "الجمهورية العربية اليمنية".
وفي اعتقادي أن حرب الخليج بقدر ما حفلت به من دروس قاسية إلا أنها إلى ذلك جسدت لوناً مشرقاً يعطي المثل الأعلى لنقاء الضمير ونبل المشاعر بين المواطنين اليمنيين وإخوانهم في السعودية ودول الخليج.
فلقد بدأ سيناريو الحرب بصورة متلاحقة وبينما الكويت ترزح تحت وطأة الاحتلال فإن الأشقاء في العربية السعودية كانوا هم أيضاً على مرمى حجر من الجيش العراقي وفي غضون الأسابيع الأولى لإعلان الحرب كانت السعودية وبعض الدول الخليجية مسرحاً لحركة وعمليات جيوش عربية متعددة الهوية متعددة الألوان واللغات..
وفي غضون تلك المرحلة العصيبة كانت المدن الخليجية والسعودية على وجه أخص تكتض بالعمالة اليمنية التي تربو عن مليون مهاجر جميعهم التحموا بأشقائهم لبناء نهضة شاملة في هذه الدول.
وفي ظروف معقدة كهذه يصبح من غير الممكن السيطرة على أهواء النفس ونزواتها وذلك بالتحديد ما كنا نخشى حدوثه وإن على أضيق الحدود..
بيد أن وشائج الحب التي جمعت بين اليمنيين وأشقائهم أعطت ثمارها بشكل لا مثيل له..
وحين وضعت الحرب أوزارها وتمكن الأشقاء من بحث هذا الموضوع الهام تبين أن مليون مغترب لحقهم الضرر وعادوا إلينا دون أن يتركوا خلفهم أدنى ريبة في أمانتهم نحو البلدان التي كانوا في ضيافيتها..
ولو كان النظام السياسي في بلادنا يضمر شيئاً من العداء لأشقائه إذاً لفكر ولو لمرة واحدة بالنيل من استقرار جيرانه قبل الحرب أو أثنائها أو في ما تلاها..
والآن وحيث تتأكد حاجة الوطن العري لنبذ الفرقة وتوطيد عرى الوئام فإن الأشقاء من زعماء الدول الخليجية هم الأولى بالمبادرة والأقدر على النهوض برهان العقل لا فيما يتعلق بالشعب اليمني ومساعدته في الحفاظ على وحدته ولكن بالنسبة للشعب العراقي الذي يشوى بجحيم المخططات الاستعمارية ويدفع الثمن لقاء نتائج لم يكن له ناقة في صنع مقدماتها..
وإذا كان الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة قد تقدم الصفوف وضرب المثل الرفيع في مكارم الأخلاق وتبني الدعوة لترميم شروخ الحرب وتنقية الأجواء وشدته جذور العراقة والشمم للحرص على وحدة اليمن تماماً كما فعل الزعيم العربي الوفي أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني فإننا والحال ذلك نستشرف آفاقاً عامرة بالأمل ونطمع بخطوات مماثلة من كل الأشقاء من أبناء الأمة العربية التي:
"إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها"
أليس كذلك أيها الأخ العربي الكبير والكاتب الكويتي العظيم والرجل الرجل الأستاذ/ عبد العزيز المساعيد.
الصحيفة: الميثاق
العدد: 588
التاريخ: 28/3/1994م
التعليقات (0)