قراءات في المعترك الراهن(6)
لاغرو أن بعضاًَََََََ من قيادات الحزب الاشتراكي وأعضائه وأنصاره على افتراض أن يكون له أنصار يبدون استياء ظاهراً من الآراء التي أعرض لها في تناولاتي عبر صحيفة عهدوا منها الصمت والتراخي عن تفنيد مقولات الحزب أو تعرية خطة السياسي الحافل بأرقى طرائق المكر، والمكتض بأكثر صور التآمر بشاعة، والمردان بتاريخ طويل قوامه القمع والجماجم والدماء.
لكن هؤلاء الذين تبدو عليهم أعراض الغضب بفعل جلبة التعصب وطقوس الخوف المألوفة في صفوف الحزب يعلمون جيداً أننا لم نقل بعد إلا الشيء اليسير مما تشتمل عليه ذاكرة الجماهير.. ويدركون في حقيقة الأمر كم هي قاتمة تلك التجربة التي تجرع الشعب امرارتها تحت قيادة رفاقنا وما يزال يتغصب علقمها بصبر منقطع النظير..
ومن يردي فقد تكون جراب الحزب مليئة بمآس قادمة أشد وبالاً من مصائبه التي أثقلت كاهل الوطن في الماضي.
وعلى ما أعتقد فإن مصائب الرفاق التي تحمل الشعب نتائجها في غضون الفترات الماضية تهون عند مقارنتها بتوجهات الحزب الراهنة وسياساته الهادفة إلى إدخال الوطن اليمني برمته في أتون حرب أهلية يحرص الحزب على تفجيرها وفقاً لروؤية انتحارية تدفعه إليها دوائر خارجية ترى في الوحدة خطراً ماحقاً وتجد في الديمقراطية شكلاً من أشكال العداء الذي يصوب سهامه إلى نحورها وهي لذلك لا تجد منفذاً لتحقيق مطامعها أفضل مما تتلقاه في عروض وجاهزية بعض قيادات الاشتراكي واستعدادها لإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة وتحمل مسئولية تمزيق الوطن وواد حرية الإنسان وفصد أوردة الشعب ونسف كل منجزا الثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر و14 أكتوبر.
ومن عجب أن يتبارى البعض لإسداء النصح لقيادة المؤتمر الشعبي بأن يصبح مسيحاً آخر يدير خده الأيسر كلما نالت يد الشريك من خده الأيمن ويلتزم الصمت حيال مفتريات الحزب وحملاته الآثمة وأحاديث إفكه لتي تجاوزت حدود المنطق ودواعي الحوار..
وفات على هؤلاء وأولئك أن يمتلكوا الشجاعة ويقدموا موعظتهم الطيبة لشركائنا خلال ثالثة أعوام ونصف أمضاها الحزب وفي متناوله كل معاول الهدم وقواميس النكاية والتشهير وكل ما حفلت به مفردات الهجاء.
فالمؤتمر وراء تردي الحالة الأمنية والمؤتمر ينشب في الناس أظافر الموت الذي لا يرحم.. والمؤتمر شماعة يعلق عليها شركاؤنا أخطاءهم وسلبياتهم.
وفيما ينفذ الحزب خطة ماهرة ويمزق الكيان الوطني ويفت عضد الوحدة ويدمر التمسك الجماهيري بين فئات وشرائح المجتمع.. وفيما يروج الحزب لأفكاره النية الهادفة لبث روح الانقسام والتصدع في مجرى علاقات المجتمع ببعضه ويحض على إقامة مؤتمر قبلية "التلاحم" "مؤتمر تعز" مؤتمر "بكيل" مؤتمر "سبأ" وبينما الحزب يغذي النعرات المناطقية تحت ذريعة الثأر من منطقة في اليمن أنجبت واحدً من الرموز التي دخلت التاريخ برجولة وشرف.
وبينما الحزب ينعش المسألة السلالية والمذهبية ويذر الدموع الغزيرة على إطلال بيت حميد الدين وبينما الحزب يبحث عن عاصمة جديدة جوار (مزرعة رصابة) أو إلى جانب أحمد بن علوان في الجند أو قريباً من ضريح السيدة أروى بنت أحمد.
بينما الأمر كذلك في تصرفات الحزب ونزواته إذا بقيادته تقرر بدء البروفات التطبيقية وتتخذ من عدن عاصمة لدولة خار نطاق الشرعية.
في القضية:
ليكن واضحاً أنه لا يوجد بين المؤتمر الشعبي العام وشريكه ثأراً أيدلوجياً كالذي شهدته تجربة الحزب في مخاضها الأول بين الجناح الروسي الذي تزعمه باذيب وفتاح والجناح الماوي نسبة للزعيم الصيني ماوتسي تونغ" ومثله الرئيس الفريسة سالم ربيع علي.
وإذا كان المؤتمر عادى الحزب قبل الوحدة دفاعاً عن العقيدة الإسلامية التي ناصبها الاشتراكي عداءاً رهيباً أدى لسحل العلماء وتشريد الرموز الدينية أمثال الشيخ محمد سالم البيحاني وعمر طرموم والشيخ علي محمد باحميش وغيرهم من غرسوا في أذهان الشعب عقيدة الهاد ضد المستعمر البريطاني منذ الخمسينات.. وإذا كان المؤتمر قد تمسك بالعقيدة كواحدة من أهم الثوابت التي قامت الوحدة على أساس منها فإن من الواضح أن ذلك العداء من قبل المؤتمر انتهى تماماً بمجرد قيام الوحدة وإذعان شريكنا وتسليمه بالإسلام عقيدة وشريعة وحتى وإن بدت منه بعض المواقف الدالة على بقايا موروث "جاهلي" إلا أن مثول قادة الحزب للخالق العليم وظهورهم على شاشة التلفزة وهم يؤدون مناسك العمرة ويقفون خلف إمام الجامع الكبير كل ذلك يجعل العلاقة بين الحزب والمؤتمر كأفضل ما تكون.
وإلى ذلك فليس بين المؤتمر والحزب ثأراً وطنياً وحدوياً لأن كل منهما نادى بالوحدة أثناء مرحلة التشطير وإن اختلفت طريقة أحدهما عن الآخر.. إذا التزم المؤتمر في دعوته مجرى السلم وجعل الحوار وسيلته لتحقيق الوحدة بينما فضل الاشتراكي تحقيقها عن طريق الحرب وتصدير العنف..
وفيما وصل المؤتمر إلى الوحدة بيد طاهرة لم تلوثها الدماء كان الحال عكس ذلك بالنسبة للحزب حيث قدم إلى الوحدة وفي مرآته حقول مزروعة بالألغام وجبال مفروشة بالأشلاء ودروب متخمة بالآهات ودموع الأرامل واليتامى..
بيد أن الوحدة طوت صفحة الماضي عنوة.. فالتقى الشريكان في خندقها وقررا المضي في بناء دولتها الفتية ويومها تخلى المؤتمر عن الحنكة السياسية ولم يلق بالاً للمؤشرات التي استمت بها بعض ممارسات الشريك وكان ينبغي التعامل معها على نحو آخر..
وبهذا الصدد فإن ممارسة الحزب المضرة بالوطن المنذرة بالخطر على مسيرة الوحدة هي التي أعادت إلى ذاكرة الشعب صوراً مختلفة للفارق بين الاتجاهين المؤتمر والاشتراكي والفارق بين العليين صالح والبيض..
ومن ذلك أن أحدهما ذهب إلى عدن ليرفع علم دولة الوحدة في 22مايو 90 وقدم التنازل تلو الآخر من الاستقرار واتسع صدره للتجريح والاتهامات وأحنى هامته لمصلحة الوطن وبذل كل ما لديه من جهد وحكمة وطول أنة لإنهاء الأزمة ووقف تداعياتها بينما خرج الآخر من صنعاء وطاف على دول وإمارات ومالك ولم يعد إلى عدن معتكفاً ومهدداً بقصم ظهر القمر.
وعلى ذكر الفارق بين الرجلين والحديث عن الآمال التي علقها الشعب عليهما منذ مولد الجمهورية اليمنية تجدر الإشارة هنا إلى فارق التطلعات الجماهيرية ففي المحافظات الشمالية هلع الناس لاستقبال علي سالم البيض القادم ولسان حاله (ذهب الذين أحبهم.. وبقيت مثل السيف فردا).
والمناضل الذي رافقته السلامة بينما سقط معظم رفاقه في مسلسل الصراع.. والإنسان الذي علقت به الآمال والمتحدث الرسمي باسم هموم الجماهير الكادحة والذي على يده سيدخل أبناء خمر ومسور وأمتحيته حملة الإعلام الوحدوية في تعز جنة البروليتاريا ويتخلصون من (نانا) و"أبو ولد".
وفي المحافظات الجنوبية والشرقية حدث لأول مرة منذ الجلاء تمرد الناس عن السلطة وسطوة ونفوذ الحزب وخرجوا لاستقبال علي عبد الله صالح وفي أذهانهم صور دارمية مختلفة فالبسكويت أبو ولد أفضل إلى حد ما من الجوع.. وعسكر الرئيس وهم يمتطون الدبابة لإخماد فتنة أو للقضاء على تمرد أو لمواجهة مؤامرة على الشرعية.. هم بالتأكيد ملائكة رحمة حين يتم مقارنتهم برجل المليشيا الذي يمشي على الأرض هوناً وليس في يده سلاحاً مشهراً ولكنه يغمز بطرف عينه لتنتهي أسرة كاملة.
لقد كانت المرة الأولى التي يصطف فيها الناس على شوارع عدن ويهتفون بحياة رجل وصفة الحزب بالرجعية.
ولأول مرة منذ الجلاء يصافح أبناء عدن بعضهم ليس على سلامة النجاة من صواريخ الرفاق "عابرة الحارات" ولكن لسلامة الوطن وعودة الحياة إلى كنف الأسرة اليمنية الواحدة.
الهروب إلى الأمام
ومن المؤكد أن للحزب الاشتراكي مشاكله الداخلية المتفاقمة شان أي حزب أو تنظيم سياسي على الساحة اليمنية لكن مشاكل الحز تكاد تكون على جانب كبير من الخصوصية والتفرد بفعل العقلية التي تدير تلك الخلافات والغالب عليها طابع التآمر وليس الحوار.. التصفيات الجسدية وليس الإقناع..
ولعل من أبرز الأسباب التي تحول دون الوصول إلى حلول حاسمة لمشكلات الاشتراكي هي وجود مراكز غير هيئات الحزب هي التي تدير الصراع الحقيقي وتتخذ القرارات الهامة وعادة ما تكون هذه المراكز منطلقة من عصبية سلالية أو مناطقية ولأنها كذلك فإن التباينات الفكرية تعد مسالة ثانوية شأنها في ذلك شأن قواعد الحزب التي يجري استبعادها وتهميش دورها وإلهائها بقضايا عارضة تندرج ضمن مهام الأجهزة الأمنية.
وفي اعتقادي أن الوحدة اليمنية أجلت صراعاً دموياً داخل الحزب على غرار 13 يناير 86م ولكنها لم تنه هذا الصراع ولم تستأصل جذوره.
ولا ريب أن الديمقراطية التي رافقت وحدة الوطن كانت قادرة على إنهاء بؤر التوتر والقضاء على الروح التآمرية في أوساط قيادة الشريط وتطبيعها على القبول بالرأي الآخر ضمن بنية الحزب والنزول عند رأي الأغلبية وإيجاد مخارج لإنقاذ الحزب من السنين لماضيه الدموي.. لولا أن الحزب صدم بالديمقراطية واعتبرها مثل أي جسم غريب في جسد مترهل..
وهو وإن لم يقل بعد أن الديمقراطية لا تتناسب وتاريخه ولا تستقيم مع موروثه فإن ممارساته الداخلية قالت ذلك دون لبس.
ومن المفيد التذكير بأن الحزب الاشتراكي يعاني انفصاماً بين شعاراته المرفوعة عن الديمقراطية وممارساته الأكثر ديكتاتورية من ستالين.
وهو يعاني شرخاً عميقاً بين آمال التطلع لإحداث تغييرات جوهرية في قيادته العليا وبين انتكاسة التسليم بالأمر الواقع.. وكوادر الحزب منقسمة على ذاتها ولا تدري بأي البرنامجين السياسيين تستهدي هل ببرنامج الحزب قبل الوحدة أم بمشروع البرنامج الذي أقرت القيادة الأخذ به كضرورة حتمية أملتها حاجة الحزب لطرح صيغ جديدة تتناسب ومرحلة الوحدة وتتلائم مع التحولات الدولية التي تضع الحزب خارج سياق حركته ونشاطه الراهن فيما لو كان برنامجه السياسي السابق ما يزال سار المفعول.
ولهذه الأسباب علم الحزب على تصدير أزماته للآخرين وفي مقدمتهم المؤتمر الشعبي العام وسعى بكل إخلاص لإشاعة أجواء غير صحية سياسية واقتصادية وأمنية لاعتقاده بأن وجود مناخات طبيعية في الساحة لن يكون في صالحه إذ أنه سيجد نفسه وجهاً لوجه أمام أزماته المتعددة مشاكله الداخلية المتفاقمة.
عام 90م وجد الحزب من قضية الدستور واستكمال خطوات الدمج وسيلة لإشغال المجتمع وصرف اهتمام قواعده عن المطالبة بعقد المؤتمر العام للحزب الذي كان مقرراً التئامه رسمياً في نوفمبر 1990م.
وحين اشتد الجدل في أوساط الحزب وكاد يقود لانقسام خطير في نيته التنظيمية كرد فعل على قيام قيادة الحزب بتأجيل الموعد الثاني لعقد المؤتمر العام في موعد أقصاه نوفمبر 92 ولمواجهة الخطر الداخلي جرى افتعال أحداث الشغب في ديسمبر من نفس العام.
ولما كان آخر موعد وهو الثالث من نوعه لعقد المؤتمر العام للحزب بالعاصمة صنعاء في موعد أقصاه شهر مارس 93م وبقرار من اللجنة المركزية عمدة إعلان رسمي من المكتب السياسي ولأن قيادة الحزب لا تريد مؤتمراً يهدد بإطاحتها ولمواجهة النتائج المحتملة لهذا التعطيل افتعلت أزمة جديدة..
وأوكل إلى اللجنة المركزية في اجتماع عدن الأخير تأجيل المؤتمر إلى زمن مجهول؟
وعلى عادة قيادة الحزب الاشتراكي فإنها ما إن تحس بتفاقم الصراع الداخلي إلا وفكرت بمخارج تقيها الحرج.. ليس هذا فقط بل وتذهب لافتعال أزمات خطيرة وتنسج مخاوف وهمية أمام الرأي العام من جهة وللبحث عن خصومات وهمية تضمن قدراً من التماسك في نطاق القواعد ولتشغل أعضاء الحزب بجملة من الأراجيف حتى لا تكون لديهم الفرصة للمطالبة بحقوقهم المشروعة وفقاً للنظام الداخلي وبمقتضى التحديات الوحدوية التي تستدعي من قواعد الحزب ممارسة الديمقراطية ومحاسبة الذين أساؤوا إلى المجتمع والوحدة باسم الحزب وعلى حساب تمثيله في الحكومة الانتقالية التي كشفت عن معدن غير وطني لطائفة كبيرة من قياداته.
ولا شك أن مواجع جمة يذكيها استعراض الحقائق في تصرفات الحزب الاشتراكي الذي عده الشعب طرفاً شريكاً في إنجاز الوحدة اليمنية بينما اختار أن يكون نقيضاً لها وهي مواجع تمسنا جميعاً ولا يقتصر أثرها على أعضاء الحزب فحسب إذ الحديث يدور عن يمنيين منا وليس عن ملائكة في السماء أو شياطين على الأرض.
الذرائع الأمنية
إن مكافحة الجرائم هو الضمانة الملحة لحماية الشرعية الديمقراطية وبناء دولة النظام والقانون على أنه لا يبدو مستساغاً أن تتحول ورقة الاستقرار الأمني إلى قفاز يرميه طرف سياسي في وجه الآخر.
إذ لا مبرر لأن "نجعل ورقة الاستقرار الأمني، عصا في دولاب دولة الوحدة الفتية التي لم يمضي عليها سوى ثلاث سنوات ونصف وشرطاً أساسياً لمشروعيتها والقبول بصحة مسارها معياراً لكفاءة كيانها السياسي أو البحث عن بدائل أخرى تتخذها ملاذاً آمناً لما يتجرعه البعض أو الكل من ضعف في آلية الاستقرار.
فلم نستمع حتى اللحظة إن الجرائم السياسية والاجتماعية اختفت في المجتمعات البشرية المعاصرة أو أنها تنحسر قليلاً عما يشهده مجتمعنا اليمني ولم نسمع أن دولاً لها مؤسسات أمنية وشرعية قانونية نافذة مثل إيطاليا أو بريطانيا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة الخ قد جعلت الجرائم السياسية والاجتماعية ذريعة سياسية للمطالبة بإحداث تبدلات في كيانها السياسي، أو التشكيك بسمار الدولة.
هل سمع أحدنا أن أحزاباً في أوروبا يتساقط رموزها القيادية برصاصات مافيا الفساد أو المنظمات الإرهابية حملت الأحزاب الحاكمة مغبة ذلك ودعتها إلى ضمان حمايتها لتقر بمشروعية النظام السياسي ومؤسساته الدستورية مثلما ينحو الحزب الاشتراكي الذي طالب شريكه في الحكم أن يتعقب الذي استهدفوه كشرط للاستقرار في الوضع السياسي وإلا فالبلاد في أزمة عامة، ودولة الوحدة في خطر وتشطرها حتمية قائمة.
تتكدس الأسلحة وتنشط عصابات الإجرام بصورة منتظمة في عواصم عالمية كبرى ولم يتبادر إلى أسماعنا أن أحزاباً طالبت بتغيير مواقعها مثلما يطالب الاشتراكي أن يستبدل العاصمة التاريخية صنعاء بعاصمة أخرى ما دامت الأولى وكأنها تصطفي لنفسها بهذه الصورة دون سائر المدن اليمنية.
وإذا كان الحزب الاشتراكي وهو الشريك المتقاسم ثنائياً لمؤسسات الدولة وأجهزة حماية الشرعية والمؤسسات العسكرية وله مليشياته غير المعلنة ويتساوى أعضاؤه في حمل السلاح أكثر من الآخرين ويطالب بضمانات لما يتعرض له أعضاؤه من تصفيات بدواعي وحسابات سياسية سابقة عندما كانت ذراعة القوية تنشر الرعب في صفوف معارضيه طوال ربع قرن من احتكار السلة.. فماذا بقى للآخرين أن الحاكم الذي يطالب بأن تكون مدننا خالية من الأسلحة هو المسؤول الأول عن نشر هذه الأسلحة منذ 22 مايو 1990م ويعلم الكثيرون من أبناء شبعنا الطيب يعلمون أن السلاح المنتشر في المحافظات الجنوبية والشرقية كان ولا يزال حتى اللحظة بكمياته الكبيرة عمله خاصة برجال الحزب ومناضليه وطلائعه الحاكمة.
ولا يخفى على أحد أن الاشتراكي وهو يشكو من أخطار السلاح المنتشر في المحافظات الشمالية كان هو المصدر الرئيس لتوزيع الأسلحة على المواطنين الذين حولتهم شعاراته إلى متراس أمامي لمقاومة سلطة صنعاء ولتحقيق "يمن ديمقراطي موحد نقدية بالدم والأرواح"!!
وبدون مواربة فإن الاشتراكي في ظل هذه الكيفية مدعو إلى تقاسم مسئوليته مع شريكه في السلطة لخلق مناخات حقيقية للاستقرار الأمني المنشود والبحث عن سبل واقعية لمعالجة حوادث الاضطراب الأمني هنا وهناك وتقديم مبادرات حيه لخلق الشعور بالاطمئنان الأمني هنا وهناك وتقديم مبادرات حيه لخلق الشعور بالاطمئنان الأمني عند الحاكم قبل أن يتداعى المواطن المسلح إلى اتباعه.
وإذا كان المرء يعشر بالانزعاج من أنهار الدم التي تسيل أمامه أياً كانت ينابيعها ويقف حزيناً على كل مواطن يخسره الوطن برصاصات الحقد فإن منطلق العقل أن لا نجعل مستقبل الوحدة الوطنية والديمقراطية مرتهناً بالتوصل إلى معالجة حاسمة لما نشكوه من انفلات أمني وجرائم إرهاب وثار.
إن علينا أن نتقبل وندرك مصاعب الواقع ولا نحولها إلى مخزن لإنتاج الأزمات السياسية التي تعرقل أقدامنا وجرأتنا لصنع الأهداف الكبيرة لوطن الغد..
إن الإرهاب والعنف ليس لها أسماء كثيرة فالطلقة سواء كانت اشتراكية أم رجعية هي ذاتها التي لا تعرف التمييز بين الضحايا ومن المهم أن يعي الحزب مسئوليته إزاء الإرهاب وأن يتذكر ولو قليلاً من قتلاه الذين لا شك أنهم تركوا ورائهم من يبحث عن القصاص العادل بعيداً عن المساومات السياسية.
ومن الملفت أن تدان أجهزة الشرعية لأنها اعترضت سيارة تابعة للأخ رئيس الوزراء كانت تقل مسلحين مرقوا من نقطة تفتيش دون إحاطة الجنود بهويتهم وما إذا كانوا فعلاً ضمن حراسة رئيس الحكومة أم اندسوا في موكبه لإضفاء الطابع الرسمي على أنفسهم.. بينما يطبق الصمت حيال الإجراءات الأمنية التي اتبعها الحزب في المحافظات الجنوبية والشرقية بدوافع انفصالية..
لقد كان جديراً بالحكومة أن تشكر هؤلاء الجنود الذين أدوا ما عليهم في حدود الواجب بينما أغفلت الحكومة والأحزاب السياسية أي إشارة تنم عن استنكار لقيام الحزب برد ممثلي الأحزاب وأعضاء مجلس النواب من مداخل عدن مرفقين بجنود حراسة! وصدهم عن القيام بواجب ديني ووطني لتشييع حثمان الفقيد المناضل حسين عشال.
إنها مفارقات عجيبة تدعو لبحث الجوانب الأمنية بمسئولية تخلو من المكابرات الصغيرة والحذق في اختلاق المشاكل وتضخيمها والتباكي المريب على الاستقرار والأمن.
إن رئيس الوزراء معني أكثر من غيره باحترام النظام والقانون ولا ينبغي على حراسته ممارسة الخرق وتجاوز القانون لأنهم على الأقل ليسوا ممن يصممهم الحزب بالإرهاب.
وهيئة الدولة لا تقوم إلا متى كان رئيس الحكومة أول الذين توقفهم إشارة المرور ما بالك بنقاط تفتيش رسمية تتخذ إجراءاتها على المواطنين عموماً وبصرف النظر عن مراتبهم ومواقعهم وألقابهم وحين لا يكون الأمر كذلك فإننا سنضاعف شكوكنا حول قضية المواطنة المتساوية التي يتحدث عنها الحزب بلباقة وحماس..
الحوار اللعبة
كاد الحوار خلال الفترات الماضية أن يغدو إحدى الثوابت التي يحرص عليها المؤتمر الشعبي العام ومثل الحوار ركناً أساساً في نهج المؤتمر وتوجهه ومبادرته ومواقفه وفي علمنا جميعاً أن المؤتمر منذ بدء الأزمة طرح فكرة الحوار مشترطاً ارتكازه على ثلاث ثوابت وطنية هي الوحدة.. الديمقراطية.. نبذ العنف..
وعلم المؤتمر على تجاوز كل الحساسيات التي أفرزها الخطاب الإتهامي المستفز الذي اختاره الحزب وسيلة لتوتير الموقف وتأجيج الأزمة وفقاً لمخطط مدروس يرمي لتحقيق أهداف سيئة وتحقيق غايات غير وطنية منها اعتقاد الحزب بأن خطابه التحريضي المكشوف سيقابل بردود فعل مماثلة من المؤتمر بحيث يتمكن الاشتراكي من التقاط أي مؤشر سلبي ويبني عليه موقفاً مضاداً للوحدة.
ولعلنا حين نحصي استفزازات واتهامات وتصريحات وخطب قيادة الاشتراكي منذ بداية الأزمة حتى الآن ندرك بشكل واضح أن الحزب أراد من ذلك دفع المؤتمر في اتجاه انفعالي يعطي الرفاق مبرراً كافياً لحرف بوصلة الأزمة في اتجاه انفصالي بحت.
ولست هنا لأزعم أن ذكاء ودهاء المؤتمر هو الذي حال دون الانجرار في تكتيك الشريك الحاكم.. ولكني أعتقد في ثقة عميقة أن التعامل العقلاني الذي طبعت عليه مواقف المؤتمر مره الفطرة التي قام عليها ونشأ في كنفها.. فهو لا يمارس سياسة التذاكي على حساب قضايا الوطن وهو لا يجد مبرراً لبقائه في السلطة إن لميقترن ذلك بخير الإنسان وسلامة الوحدة.
وعلى الرغم من نكد الحوار خصوصاً حين يكون طرفه الآخر حزباً على شاكلة شريكنا العزيز والذي يحاور حول مسائل ليست نفسها التي يطمع في الاتفاق حولها..
ويوم نتوقف عند مجمل الإجراءات التي اتبعها الاشتراكي في المحافظات الجنوبية والشرقية فإننا نصل إلى استنتاج واحد هو أن الحزب لا يسعى إلى الانفصال فحسب ولكنه يريد أن يسند إلى الذين يؤمنون بالوحدة مسئولية التعبير عن هذه الرغبة بدلاً عنه.
ولو لم تكن رغبة الحزب على نحو مما أشرنا غليه لانتهت الأزمة السياسية بمجرد أطلاق الرئيس علي عبد الله صالح مبادرة القبول بنقاط الاشتراكي.
لكن القضية ليست نقاطاً وليست حواراً ولكنها عودة نحو الماضي ورجعة عن الديمقراطية وحينناً متأصلاً للشمولية..
ولكم أتمنى أن تكون استنتاجاتي غير صحيحة وأن يثبت إخواننا في الاشتراكي أنهم فعلاً مع الحوار الذي يضع حداً لتداعيات الأزمة وأنهم مع الوحدة لا التشطير وفي صف الشعب ومع معالجة همومه وليس بالعكس..
ما العمل
إنها أيام عصيبة في تاريخنا المعاصر عشناها وما نزال نعيشها بكل مؤثرات القلق النبيل ومسوغات الخوف المشروع.. فالوطن على حافة الانهيار والحزب ماض في مشروعه الانفصالي بإصرار وعناد غير عابئ بمشاعر الشعب غير مكترث بإرادة الأمة.
والحزب ماض في إجراءات الانفصال...؟ وعلى غير تحسب مسبق من قبل المؤتمر الشعبي العام بدت الأمور وكأنها نسق متكامل من المواقف والإجراءات العلمية الملموسة ربت لها الحز بشيء من الدقة والإدهاش في وقت معاً.
قيادات الحزب في مختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية تحزم حقائبها وتغادر صنعاء..؟ وزير الدفاع يدير القضية العسكرية بمنطق واستراتيجية الحزب الحاكم لما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية..؟
السييلي يتحول إلى رئيس وزراء غير متوج ويستولي على خزينة الدولة ويقوم بزيارات لدول شقيقة وصديقة حاملاً معه رسائل تتعلق بتعزيز أواصر العلاقة بين "بلده" تلك الدول ويسلم أثناء زيارته السرية "تقارير تتصل بالأمن القومي لدولة الوحدة وينتقل لأشقائنا وأصدقائنا وجهات نظر هدفها استعداء تلك الدول ضد الوحدة.. ويتلقى أموالاً طائلة من عربية أخرى دعماً للمشروع الانفصالي..؟
الأمين العام المساعد للحزب الشيك يطلق بالونة الاختبار بصدد "الفيدرالية" المقدمة الأولى لتمزيق الوطن..
الأستاذ العزيز علي سالم البيض يواصل اتهاماته للمؤتمر ويعلن للمرة الألف إدانته لصنعاء بوصفها عاصمة دولة الوحدة ولأن علم الجمهورية اليمنية يرفرف فوق أديمها الطاهر..
ما العمل وساحل عدن بوابة تمخر عبابها سفن عربية وأجنبية معبأة بشحنات من الأسلحة المتنوعة والوسائل الحربية المتطورة ومؤن الحرب ومستلزمات المواجهة المسلحة بالإضافة إلى سفن شحنت بالقمح والأرز والسكر مقدمة للشعب لكن الحزب استولى عليها وأنزل حمولتها إلى أسواق عدن بأسعار رمزية ليستدل بها على مظاهر النعمة والرفاه اللذين يرتبطان بدويلته القادمة..؟
ما العمل تجاه مخطط محكم الجوانب مكتمل الإجراءات مستوف كل أشراط التآمر؟
ولا أحسب الإجابة على سؤال كهذا قرأه الحزب قبل ما يقارب عقدين من الزمن ولكن ضمن صيغة بلشفية "للينين" وأشكل على الحزب إن غدا سؤلاً بحجم الوطن.
وأحسب أن المؤتمر الشعبي العام ليس الجهة التي من حقها الرد على سؤالنا اليوم (ما العمل)؟
ولكن البرلمان هو المؤسسة الشرعية التي ينتصب ذلكم السؤال في المقدمة من مسئولياتها..
والبرلمان هو المنبر الأول للتعبير عن إرادة الشعب.. وفي عملنا جميعاً ما تنطوي عليه تلك الإرادة من حرص على الوحدة واستعداد للتضحية في سبيلها والاستماتة من أجل سلامتها وديمومة عطائها ونظارة مستقبلها كونها التجسيد الحقيقي لصدق الولاء الوطني وعظمة الانتماء للأرض والثورة.
لا بد إذاً من مخرج حاسم لا بد من موقف يجعل الشرعية الدستورية حكماً قوياً وليس مجرد وسيط..
وتلك مسألة لنا فيا وجهة نظر نتعاطاها في الحلقة القادمة من القراءات السبع.
الصحيفة: الميثاق
العدد: 575
التاريخ: 20/12/1993م
التعليقات (0)