قراءات في المعترك الراهن(5)
يستطيع المرء أن يغالب نفسه ويلوذ بالصبر لبعض الوقت من أجل غاية نبيلة وهدف شريف.. لكنما يستحيل عليه أن يظل كل الوقت هدفاً للإساءة ونكران الجميل.. بيد أن من الظلم مصادرة التاريخ بحقائقه ووقائعه ولأي سبب كان، ومن الجهل أن يعتقد أناس في مواقع مختلفة بأن في وسع أي سلطة على الأرض أن تصدر مرسوماً بإلغاء التاريخ ومصادرة ذاكرة الشعوب.
ونحن هنا لا تستهوينا المماحكات ولا نحس بميل لإيذاء أحد ولكنا نروي حقائق ونتحدث عن سلوكيات ما زالت حارة في أذهان المجتمع.
ومن هنا فإن تناول السيرة السياسية في تجربة الحزب الاشتراكي إنما تهدف إلى الإفادة من مرارة الدرس حتى لا تتكرر المأساة.
والشعوب إنما تفيدها التجارب القاسية فتزيدها صلابة في مواجهة العسف وترفدها بمقومات الوعي لتكون على بينة من الأمر كلما برزت أمامها ظواهر من شأنها الإضرار بحياة الإنسان وحريته والنيل من كيانه والتفريط بمستقبله.
إنني أستبعد أن تكون قد مرت على أحد من الناس في مراحل الطفولة أو في سن المراهقة ممارسات طائشة كالتي تكتنف نشاط وتفكير الحزب الاشتراكي في كهولته..
وأعتقد جازماً أن أبناء الشعب اليمني بما فيهم أعداء الحزب وضحاياه لم يكن لخطر في ذهن أحدهم أن يتداعى الحزب بهذا الشكل المريع وأن يتراجع عن مقولاته ويرتد عن فلسفاته ويتنكر لشعاراته بهذه الصورة المفجعة التي تدعونا للإشفاق على تجربة مهما بلغت مرارة المجتمع منها وكيفما كانت عليه معاناتهم سببها إلا أن المآسي الكبيرة تنسي الناس بعضاً من مواجعهم فلا يملكون غير التعبير عن نزعتهم الفطرية وتقديم مواساتهم في معزل عن جراحات الماضي.. وأحسب أن المصاب الجلل الذي لحق بالحزب الاشتراكي اليمني نتيجة لمواقف واتجاهات قيادته ولاسيما منها الأعزاء أعضاء المكتب السياسي هذا المصاب الجلل يعتبر أحد أبرز كوارث الحزب من تاريخه.
فإذا كان ماضي الحزب مكتضاً بالخيانات وحافلاً بمشاهد دموية أشد فضائعة من مذابح النازية ومرتبطاً بعوامل الارتهان السياسي ومشتملاً على جحود في حق رسالات السماء وإنكار لعقيدة الشعب وإذا كان ماضي الحزب قد اقترن بمصادرة الحريات ونهب الحقوق والممتلكات وكان هذا الماضي من السوء بحيث يفرض على المتتبعين والمؤرخين والنقاد الزهد الكامل في تشخيصه إذا كان الأمر كذلك فليس من تقية دارت عن الحزب الاشتراكي غضبة الشعب أفضل ولا أنقى ولا أشرف من إعادة تحقيق وحدة الوطن وتعاطي الحزب معها وحسن النية التي فرضت على كل الشرفاء التعامل معها كبادرة وطنية تدل على رغبة الحزب في التكفير عن ماضيه وطي الصحائف القاتمة وفتح صفحة جديدة بعضمة الوحدة وطهارتها.. وبذلك القدر من النوايا الحسنة شق الحزب طريقه إلى قلب دولة الوحدة ولكن على ذات الشاكلة التي اختزنها حصان طروادة!!
وبمراس وخبرة وحنكة الاشتراكي المعتق غدت المرحلة القليلة الماضية من عمر الوحدة أطول فترة يستغرقه حزب عريق لاستكمال مقومات خطته البارعة في سبيل القضاء على تطلعات الشعب والتنكيل بأحلامه ووأد وحدته.
ولست أدري والحال ما وصفت كيف راق لعناصر الشريفة في الحزب الاشتراكي أن تجاري قياداتها وتلتزم الصمت حيال ما تراه بيناً وما تلمسه عياناً في ممارسة رموزها.. ألم تكن وحدة الوطن شعاراً براقاً يمد قواعد الحزب بالنشوة ويدفعها للاستغراق في حلم التوحد وجني ثمار النضال وتجرع الغصص في شعاب وقفار وأودية البلاد..
ألم تكن الوحدة ذات يوم هي أوسع مداخل الاستقطاب الحزبي؟
أولم تكن الديمقراطية ابلغ المواعظ وأفضل الهدايا التي يزفها قادة الاشتراكي لرفاق الدرجة الثالثة؟ والآن أتساءل بمرارة.
أين هي المكاسب العظيمة التي روج لها بروليتاري المناطق الوسطى..
فعلى نطاق المصالح المشتركة والمواطنة المتساوية ألم تقم قيادة الحزب بإعادة فرز هذه المواطنة على أسس شطرية؟ الحاكم ف يعدن قبل الوحدة أصلح أريكته وغير هندامه واعتنى برباطة عنقه وراح يحكم في صنعاء.. ورفاق الدرجة الثالثة كانت عليهم للمرة الأخيرة أن يهتفوا بحياة الحزب ولكن من ذات الرصيف الذي لا يتسع لغير التسكع وترديد الاسطوانة المشروخة عن الشغيلة وهموم الكادحين ووجع الآمال الضائعة كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء..
ومن الرصيف وليس من أي مكان آخر انتظم طابور كبير قوامه عشرات الآلاف من الأعضاء الذين أوكلت إليهم مهمة انتقاد الوضع وإطلاق الاتهامات على المؤتمر وأمينه العام وفي الرصيف المشبع بقيم النضال من أجل حرمان أشهى اشتغل أعضاء الحزب بدور المعارضة.. ذلك لأن الصديق الحميم المهندس حيدر العطاس رئيس الوزراء الذي اتصفت توجيهاته بنفاذ السيف على كل مؤسسات الدولة.. الصديق حيدر لا يطيق رؤية رفيق دوني يعمل في مكتبه وهو لا يجد الوقت الكافي لدراسة أوضاع رفاق الدرجة الثالثة ولهذا اتبع أفضل سياسة لإقصاء معانة هؤلاء ومكنهم سبل مواصلة النضال عبر كل الأرصفة وداخل الأسواق وبفضل تلك السياسة اتجهت حملات التشهير الرفاقية المنهكة صوب المؤتمر الشعبي فهو مصدر الفساد وناهب الأرزاق!!
ومنذ قيام الوحدة حتى اليوم وهؤلاء يؤدون المهمة على أفضل وجه ويحكمون على المؤتمر بواقع الرقعة التي يتحركون داخلها ولا أظن أن الوقت قد حان لتذكيرهم برفاق الدرجة الأولى ولا بتمكينهم من عناوين رئاسة الوزراء وإمدادهم بأسماء قيادات الحزب التي تحكم سيطرتها على وزارات ومؤسسات ومصالح في كل وظائف وقنوات الدولة..
خطة الإجهاض المبكر
لربما حضيت الأزمة السياسية الراهنة بأهمية خاصة لدى المجتمع وفي أوساط عربية وأجنبية شتى نظراً لحجمها الذي تجاوز مسألة التباين في الرأي وبلغ حد المساس بالوحدة ولكني في حين لا أختلف وهؤلاء إلا أن شيئاً آخر لا بد من التوقف عنده.. وهو أن الحزب الاشتراكي حول مسيرة الوحدة منذ انطلاقتها إلى ساحة للأزمات المتواصلة التي ما إن تنفرج أحدها إلا وتقود لأزمة أخرى أشد وأعتى من سابقتها..
والحقيقة أن الحزب أراد من تلك الأزمات:
1- تعطيل دور المؤسسات وخلق تراكم كمي هائل من معاناة الجماهير وبالأخص في المحافظات الجنوبية بغية أن يأتي دوره لاحقاً كمنق لأبناء هذه المحافظات من الوحدة..
2- التمكن من كسر الحاجز النفسي مع بعض القوى الخارجية المعادية لشعبنا الطامعة في السيطرة على خيرات الأرض.
3- إعادة تشكيل الخارطة الجغرافية على أساس مناطقي ينزع للاستئثار بمردود الاستكشافات النفطية.
4- التخلص من وجود ودور بعض قياداته من أبناء المحافظات الشمالية.
ولعلنا إذا ما أعدنا قراءة الأزمات السابقة التي اختلقها الحزب نجد أنها مثلت حلقة متواصلة تفضي لمحصلة واحدة هي ما أسلفنا.. ولو أن إخوتنا في الحزب الاشتراكي دخلوا الوحدة بنوايا صادقة وضمائر نقية لما بدت محاولتهم لإجهاضها في مهدها ومداهمتها منذ اللحظة الأولى.. ومثال ذلك.. قيام الحزب عشية الوحدة بمنح رواتب ودرجات الجهاز الإداري وتصعيد العاملين في الوظائف الحكومية إلى الفئات العليا لهيكل الأجور الأمر الذي جعل دولة الوحدة تسدد نفقات هذا العبء الباهض من اعتمادات الباب الأول في الميزانية العامة على حساب التنمية الاقتصادية وهبوط العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم وتدني مستوى معيشة المجتمع.
وعشية الوحدة قام الحزب بإحالة أعضاء جهازه الحزبي وأنصاره إلى سلك الوظائف العامة بدرجات خيالية.. بحيث شكلوا ما يزيد عن أربعة أضعاف موظفي الدولة لما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية وليلة الوحدة نهب الحزب ما يزيد عن 500 مليون دينار من الخزينة العامة ومن رصيد التأمينات ومن الإيرادات الخاصة بالمؤسسات الحكومية مثل الإسكان/ المياه/ الكهرباء.
إن من يعيد النظر في مجمل الإجراءات التي اتخذها الحزب أثناء وبعد قيام الجمهورية اليمنية لا يساوره أدنى شك بأن الحزب أراد أن يحيل الوحدة من انتصار عظيم إلى انتكاسة مريعة ومن عار براق إلى جثة هامدة وأن الحزب اتبع سياسة خلق الأزمات دون تفكير بالمستقبل ودون ملامسة الأخطاء التي ارتكبها في حق الوطن والحيلولة دون اجتراح آفاق نقية تتبلور أثنائها توجهات القوى الوطنية في الساحة اليمنية لتضع اللبنات الأساس طريق نهضة اليمن واستقرار الشعب ومتانة صرح الوحدة.
النقاط الوهمية
من ذا الذي لا يدرك سذاجة اللعبة التي يتداولها الحزب للعبث بكل ما هو خير وبناء وهنا تستوقفني بإلحاح كبير بضع كلمات قالها السياسي اليمني البارع د/ عبد الكريم الإرياني أثناء حواري الصحفي معه "لو كانت نقاط الحزب حقيقة لوقعنا عليها لكنها "العرض" وليست "الجوهر".. إنه لشيء عجب بل ومضحك أن يقدم حزب مشارك في السلطة ويرأس الحكومة على تقديم مطالب أو شروط أو نقاط تخص حياة الناس.
أي منطق أعوج هذا الذي نتحدث عنه أو حوله وأي فجاجة أكثر من أن يجلس رئيس الحكومة على مائدة حوار مع أحزاب المعارضة وفي يده 18 نقطة جميعها مرتبطة به ومسئولية تنفيذها معلقة عليه.
لنسأل العالم أجمع ولنبحث في أكثر الروايات سخرية وملها عن دور مماثل لحزب في السلطة يناقش مطالبة مع المعارضة.
إن الحزب الاشتراكي مع كل المودة والاحترام يجيد حبك المؤامرات ويقتن خلق الأزمات ولكنه عائر الخطى لا يحسن الإخراج ولهذا تنكشف ألعابه بسرعة وتذوي مخاتلاته بشكل ملفت للنظر.
ولو أن الأخوة نائب الرئيس وسالم صالح ورئيس الحكومة قدموا استقالاتهم أولاً مارسوا الضغط السياسي والشعبي لتحقيق مصالح أكثر وجعلوا من الـ 18 نقطة ستار لهز المؤتمر أو لإثنائه على الرضوخ لابتزاز جديد لو كان الاشتراكي فعل ذلك لعجزت عن كتابة سطر واحد. ولكن ربك يعمي ويصم فراح الحزب يقدم المطالب من أعلى موقع في السلطة وذهب العطاس يفاوض باعتباره رئيس الحكومة.. وبهذا يكون الحزب د استدرج المعارضة للوقوع في شراك آثم بحيث أمكنه احتلال موقعها والقيام بدورها على حين غفلة وسوء تقدير.
ولا بد أن القوى السياسية خارج السلطة ستجد نفسها في أقرب فرصة تدفع ثمن الجلوس مع حزب مزدوج يمارس الحكم والمعارضة في وقت معاً..
وسيكون من الصعب على القوى الوطنية خارج السلطة الاضطلاع بدور لمعالجة أوضاع البلاد لأنها ستواجه برفض الحزب الاشتراكي صاحب المبادرات المبكرة والمتبني الأول لهموم الشعب ومن أين لهه المعارضة أن تؤدي مهامها الوطنية وهي التي لم تسأل الأخوة في قيادة الحزب الاشتراكي من أي موقع يقدم الحزب شروه هل بصفته الرسمية كشريط في السلطة أم من موقع الحز الذي عف عن الحكم وانتقل إلى المعارضة، ذلك ما لم تبحثه المعارضة السياسية ولو من قبيل الاسترشاد بتجربتها المريرة مع الاشتراكي أثناء الانتخابات البرلمانية عندما اكتشف على أرض الواقع عدم مصداقية الحزب لاسيما وأنه أعلن عدم تريح أعضائه في الدوائر التي يرشح فيها أمين عام أي حزب نفسه لعضوية مجلس النواب وحينها ربط الأخ الأستاذ/ علي سالم البيض هذا الوعد بقيم أخلاقية رائعة جعلت عدداً من الرموز الوطنية في أحزاب المعارضة تأمن جانب الاشتراكي وتخوض غمار الانتخابات وإذا هي في الأخير ضحية مكر قاتل بيته الذين يتحدثون اليوم عن توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في إدارة شئون المجتمع.
عينات ووقائع
إن التعود على المؤامرات يتحول إلى إدمان خطير يهدد المجتمع ويبدد طموحات الجماهير وحين يصبح القتل هواية محببة وإراقة الدماء عادة رائجة وحين تضطرب أفكار شركائنا وتتناقض مقولاتهم حينئذ تشتد حيرة العقلاء وتنشط وسائل الهدم وتتبارى القدرات الشريرة لتخدش وجه التاريخ وتدمي قلب الوطن.
ومن خلال رصد سريع لتناقضات قيادة الحزب نجد أن رفاقاً أعزاء في مواقع مختلفة يريدون حكم البلاد بالفوضى ويودون أن يغدو النظام السياسي في الجمهورية اليمنية خليطاً من المناورات المكشوفة التي تمكنهم من البقاء في السلطة بأي ثمن.
ولست هنا بصدد اختلاق دعاوي لا تستند لوقائع دامغة وبراهين ساطعة وأدلة واضحة.
فالأستاذ البيض الذي يتحدث اليوم عن الفساد وعن عدم الجدية وعن صمته طوال الفترة المادية من عمر الوحدة هو ذاته الذي وقف أمام الجماهير بمدينة عدن في 23/5/90م قائلاً: "إن ما أنجزناه في غضون خمسة أشهر واثنين وعشرين يوماً يفوق عشرات المرات ما تحق خلال ثمان عشر سنة منذ اتفاقية القاهرة عام 1972م ولأن الجدية توفرت بالمستوى اللازم فإنه أمكن اختصار الفترة الزمنية التي حددها اتفاق 30/11 إلى أقل من النصف".
والأستاذ/ البيض الذي يرى حل الأزمة في تنحي الرئيس من السلطة هو ذات البيض الذي تحدث إلى صحيفة "الحياة" عام 91 بقوله: لا نخشى أي تباين في الآراء ما دام الهدف هو بناء اليمن الجديد.. إن حلول شخص مكان شخص آخر لا يحل المشكلة".
والأستاذ البيض الذي يرمي كل السلبيات على عاتق المؤتمر هو نفسه القائل لصحيفة "الحياة" في عددها (9960) منا نصه: "نحن جميعاً مسئولون عن كل شيء في البلاد ولا نستطيع أن نتخلى عن مسئولياتنا" والأستاذ الفاضل علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني يربط جدلية التلازم بين الوحدة والديمقراطية إلى الحد الذي جعله يقول: "ضرب الديمقراطية يعني أن نعود إلى الطريق الذي كنا فيه قبل الوحدة وذلك في حده الأقصى هو تمزيق اليمن وإدخالها في حرب أهلية".
فما الذي بقي للأستاذ البيض من مدة المقولة الرائعة وهو الذي يرفض حتى الآن الامتثال لمجلس النواب لأداء اليمين الدستورية ويمارس مهامه الرسمية مع الاحتفاظ بموقفه الرافض الذي يعمد إلى التشكيك بالانتخابات ويتخذ من مدينة عدن الحبيبة منفذاً للتوجهات الانفصالية التي تكتنفها ممارسات وآراء ثلة من رموز الحزب.
والأستاذ البيض الذي سمح بتوزيع الأسلحة على مليشيات الحزب وأنصاره ويتزامن اعتكافه مع تحركات عسكرية مريبة هو ذاته الذي طالب في 25/6/92م الجميع بالتدبير والتكفير والابتعاد عن أي تصرف يؤدي البلاد إلى أزمة تقود إلى سفك الدماء".
إنها نبؤة تنم عن وعي عميق بما يحدث الآن (!!).
وعلى هذا النحو فإن الأخ نائب الرئيس الذي يعترض على ممارسة الديمقراطية وفقاً لأصولها الثابتة في الفقه السياسي والإنساني ويبتكر مصطلحاً جديداً لنفي الديمقراطية أطلق عليه بـ "الاستقواء بالأكثرية العددية".
هذا الرجل الذين نكن له الحب والاحترام أعلن عبر صحيفة "الثوري" في عددها (1264) الصادر بتاريخ 24/9/92م عن الآتي:
"أنا على استعداد أن أحتكم إلى ما تجمع عليه الأغلبية".
"الديمقراطية.. سنقبل نتيجتها أياً كانت وعلينا أن لا نلتف عليها".
"ينبغي على الحزب والمؤتمر أن يكونوا القدوة وأن ينقلوا هذه الأمانة إلى الشعب الوفي والطيب ولا بد أن نحتكم لما يقوله وألا يمارس أحد أي ضغط من الضغوط".
ما أنه القائل: "إن طريق الاحتكام الوحيد هو صندوق الاقتراع وإننا نقبل أية نتيجة للانتخابات".
إن الأستاذ علي سالم البيض يؤمن بالثبات على المبادئ ويحترم رأيه ولا يتنصل عن مواقفه نقيضاً لآرائه وطروحاته التي لم يمض عليها الحول أليس الأستاذ البيض هو القائل أثناء لقائه الإذاعي بـ "صوت أمريكا" في 27/4/93م "نحن مرتاحون لأن الوحدة بدأت تؤتي ثمارها".
وقوله لذات الإذاعة: "أتوقع أن الوحدة تقوى والوضع يتحسن والصعوبات سنعالجها ولكن ليس بعصاً سحرية بل بمزيد من العمل والصبر".
والأستاذ الأمين العام الذي يلقي نقاطه خارج نطاق السلطة التشريعية ويدعم الاتجاه المكرس ضد الشرعية الدستورية أنه ذات الرجل الذي أكبره الشعب يوم قال لصحيفة "الحياة" في 6/5/93م ما نصه "أنا شخصياً مقتنع بما تحقق.. أما ليوم فصار هناك مجلس نواب منتخب نعود إليه وسيكون المرجعية لنا جميعاً وهو يتحمل مسئولية بناء الدولة واستكمال كل الإجراءات اللاحقة.. ويكفينا أن تسير اليمن خطوة خطوة ولو كانت صغيرة".
والأستاذ الفاضل علي سالم البيض الذي بعث نقاطه الـ 18 عبر الفاكس إلى عاصمة دولة الوحدة دون أن يكون معها برنامج تنفيذي أو جدول زمني أو رؤية واضحة أو خطة عمل ولو متواضعة.. ربما يتذكر معنا قوله لصحيفة المستقلة في 2/7/93م "نحن مقتنعون ببرنامج الحكومة ونعمل بجد لإنجاحه وأهم شيء هو أن نصدق وأن نكون عمليين".. ويضيف محذراً: "بيع الكلام والبرامج الملتوية لا ينفع إذا لم يصاحبه عمل". ويردف لائماً ومفنداً وناقداً: "للأسف هناك الآن متخصصون في بيع الكلام والوعود دون أن يكون لها أدنى صلة بالواقع".
وإذا عدنا لمقولات الأستاذ البيض وتجلياته الوطنية التي أوردناها سلفاً فإن من الخطأ الفادح القول بوجود أزمة من أي نوع داخل الجمهورية اليمنية.
ولم الأزمة.. وما مبرر القلق من تداعياتها.. ولأي سبب تتراشق صحف الائتلاف الحكومي بالاتهامات إني لا أعتقد في ثقة واطمئنان أن شيئاً من هذه المخاوف والتخرصات لا ينم إلا عن جهل فضيع..
لنعد إلى آراء الأستاذ البيض لأنها في رأيي أفضل وسيلة لحل أي أزمة مهما بلغت من التعقيد..
ولم الإسراف أيضاً ففي مقولة واحدة من مقولات الأستاذ البيض تنفرج الأزمة الراهنة.. مقولة واحدة ذات دلالة وطنية وديمقراطية سنجدها مجسدة بالتزام الأستاذ علي سالم البيض نائب رئيس مجلس الرئاسة الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني واحتكامه للشرعية الدستورية ممثلة بمجلس النواب.
إننا نربأ برموز الوحدة أن يكونوا الشيء ونقيضه ولا نشك بأنهم لا يتنكرون لمواقفهم وأن أحداً منهم لا يقبل لنفسه تحت أي مبرر بالظهور أمام الشعب بشكل يتناقض وقناعات أخرى نقيضة.
وهي ثقة لا سبيل لدحضها فالرئيس علي عبد الله صالح أو نائبه علي سالم البيض لا يكذبون على الشعب ولا يدغدغون مشاعره بآراء غير حقيقية أو قناعات يراد منها العبث بعواطف الشعب والهزوء بوعيه.
وحين تتحدث قيادات الحزب ورموزه السياسية عن المتاعب التي نالتهم من قبل المؤتمر الشعبي العام فإنهم لا يكتفون بمجرد اتهام شريك كان له الدور الأكبر في تحقيق الوحدة وانتهاج الديمقراطية بل يوجهون حملاتهم الإعلامية واتهامهم المتلاحقة ضد المؤتمر بواقع نظرة انفصالية ضيقة ويوم يجأرون بالشكوى فلسبب جوهري ناجم عن إحساسهم بأن المؤتمر أمعن في تجاهل تضحيات الحزب الذي قدم "دولة وشعباً وثلث الأرض".. ولا يكف رموز الحزب عن التلويح بالغبن الذي لحقهم والخسارة الجائرة التي أضرت بمصالحهم.. وفي آخر مقابلة لرئيس الوزرا أجرته معه إحدى الصحف الخليجية يتحدث الأخ العطاس بمرارة وانكسار قائلاً: "كان هنا دولة وشعب" فعن أي دولة يدو الحديث وعن أي شعب أو أرض أو تاريخ أو لغة أو ثروة يتعالى الصراخ؟
ولماذا يحرص الحزب الاشتراكي على اعتبار نفسه الوريث الشرعي لكل مساوئ التشطير وذكرياته وآلامه.. إن الذين يؤمنون بوحدة الأرض والشعب ووحدة المصير الذي يربط بين أبناء اليمن الواحد هؤلاء لا يمكنهم بحال من الأحوال لجم إرادة الجماهير ولا تزوير حقائق التاريخ ولا اعتبار الوطن أو جزء منه في حكم الملكية الخاصة.. ثم ما الذي يؤكد –ولو من قبيل تدون وقائع على هامش التاريخ- بأن المحافظات الجنوبية والشرقية قد شهدت وجود دولة وطنية منذ الاحتلال البريطاني وما تلاه.. بعكس الحال في المحافظات الشمالية التي شهدت في غضون النظام الجمهوري مخاضات تبشر بميلاد دولة.. وإذا لا نزال حتى الآن وفي ظل الجمهورية اليمنية الحديثة فما بالنا والمجازفة في ذروتها خصوصاً عند إطلاق صفة الدولة على تجربة ماركسية أبادت بقوة وقسوة وعنف مجمل أوجه النشاط السياسي والاقتصادي والتربوي الذي اعتملت به طاقات أبناء اليمن في المحافظات الجنوبية والشرقية التي ظلت تناضل في سبل الاحتفاظ بهويتها الوطنية والتمسك بعقيدتها الدينية والحرص على عادات وتقاليد وقيم المجتمع اليمني الواحد.
إن للدولة أساساً وقوانين ووظائف يصعب استبدالها بحزب ينصب فوق جثث ضحايها شعاراً يقول (لا صوت يعلو فوق صوت الحزب).
والدولة حين نبحث في مقوماتها أو نريد الاستدلال عليها هي نسيج من القيم المتداخلة بالتكوين الاجتماعي فئات الشعبي وهي منظومة هرمية متكاملة وهي برامج وخطط وتوجهات عامة وهي بنية مؤسساتية تمارس دوراً فعالاً من شأنه إحداث تراكم كمي ونوعي في مجالات التنمية والبناء وفي رفع مستوى معيشة الناس وتطوير ملكاتهم واستنهاض قدراتهم وتوجيه واستثمار الموارد وحشد مصادر الدخل في خدمة المجتمع..
والدولة إلى كل ذلك كيان سيادي له حرمته واستقلاله وهو كيان متحرك في علاقاته القومية والإنسانية ولم تكن الدولة في علم المجتمعات ولا عند دراسي التاريخ ولا داخل القواميس والمعارف الإنسانية مجرد مجموعة تحيط نفسها بجيش من العسس الذين يمارسون أحط المهام وأكثرها انتهاكاً لحياة الإنسان وحريته.
إن قوائم الشهداء الذين أبادهم الحزب خلال مراحل حكمه ليس دليلاً كافياً على أن الدولة من أي طراز كان نشأت داخل المحافظات الجنوبية والشرقية..
كما أن مظاهر الخراب والبؤس التي كانت عليهما هذه المحافظات حتى الـ 22 من مايو 90م هي الأخرى لا تكفي للقول بأن دولة يمنية ذات توجه وطني قامت في تلك المحافظات..
إن شركاءنا في قيادة الاشتراكي أوسعوا المؤتمر منه واستعلاء لأنهم قدموا دولة وشعباً (!!) إن حزباً على هذا المستوى من التفكير لا يمكن العثور على شيء قريب الشبه به فما زال الحز يعتقد أن صوته الأعلى وما برح يعتبر الشعب إحدى تحفه الأثيرة التي تجود بها نفسه فيمنحها سواه..
ثم من هذا الإنسان أو النظام الذي استلم من مخازن الحزب شعباً أو جزء من الشعب اليمني..
وعلى حد علمي فإن تعبيرات إخوتنا في قيادة الحزب لم تعرف التاريخ البشري شبيهاً لها في أسوأ فترات الرق قبل ثورة أبراهام لنكولن ولا في أدغال أفريقيا ولا إبان مراحل العبودية التي تعرض لها الهنود الحمر..
ولو أن الرئيس علي عبد الله صالح أو أحد رموز المؤتمر الشعبي قال عبارات كهذه لكانت كفيلة لقيام ثورة تلغي من ذاكرة الشعب شيئاً اسمه المؤتمر..
ويتضح عبر شواهد وعبر وتجارب ودروس مررنا بها منذ قيام الوحدة حتى الآن يتضح أن الأعزاء في قيادة الحزب الاشتراكي بحاجة لتصحيح جانب كبير من تفكيرهم القديم ووعيهم السابق ونظرتهم القاصرة لقضايا الوطن ولوحدة الشعب وللشعب ذاته..
ولنا في حلقة قادمة حديث مع الأرقام وتحاور طويل نتوخى فيه لشركائنا كل الخير وكل الصحة إن شاء الله.
الصحيفة: الميثاق
العدد: 574
التاريخ: 13/12/1993م
التعليقات (0)