قرأت لك
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة
(4)
المقدمة:
هناك اهمية بالغة للكتب التي يؤلفها في العادة أناس معارضون لحكوماتهم وتزداد اهمية كتبهم اذا كانت الحكومة مستبدة تمارس العنف ضد خصومها،كون ذلك شجاعة بالغة منهم تستحق الاحترام والتقدير والثناء البالغ لاحتمال تعرضهم لشتى انواع المضايقات اذا كانوا محظوظون!لان العادة هي الاغتيال او السجن اوالنفي لهم،وتكون كتب المعارضين مهمة لاحتوائها على نقد النظام الحاكم وكشف فضائحه المختلفة وهذه النوعية من الكتب مرغوبة للرأي العام لاسباب شتى من ضمنها حب الاستطلاع لدى البعض وخاصة من دول خارج النظام المنقود اوكره النظام ومحاولة معرفة جميع الحقائق المتعلقة به او تكون سهلة القراءة للجميع لان اللغة غير معقدة ولاتحتاج الى ثقافة عالية وانما هي لجميع الفئات والطبقات وليست مؤلفة لمجموعة متخصصين في مادة ما ولذلك دائما تكون مبيعات تلك النوعية من الكتب في اعلى سلم المبيعات ولا يحد من المزيد من المبيعات الا منع دخولها الى بلدانها .
كتب المعارضين تكون في قمة الاهمية اذا جاءت على شكل كتب تحليل ونقد للانظمة بشكل موضوعي مدعوم بالوقائع والارقام او تدعو للاصلاح والتغيير بطريقة علمية رصينة وخاصة اذا كان كاتبها اكاديمي او مفكر او مثقف ورغم اهمية تلك النوعية من الكتب الا ان مبيعاتها تكون قليلة بالمقارنة مع سابقاتها كون اللغة المكتوبة تتجه نحو طبقة المثقفين وتستخدم كلمات ومصطلحات نادرا ما تستخدم في الحديث اليومي لغالبية الناس،ولذلك فأن على الكتاب استخدام لغة مفهومة لاكبر عدد ممكن من الناس على قدر الاستطاعة،الا ان الاهمية الحقيقية تكون في طرحها على المستوى العالمي في وسائل الاعلام المختلفة وبلغات مختلفة،لانها بالتأكيد سوف تكون احد المصادر المهمة للدراسات والبحوث المختلفة،واتذكر في هذا المجال كتاب جمهورية الخوف الذي نشر عام1989م في اوج قوة النظام البعثي في العراق والذي كتب بلغة رصينة وكان كاتبه خائفا ايضا(كنعان مكية)الذي كتبه باسم مستعار(سمير الخليل)وقد بقي لفترة طويلة في الغرب احد المراجع المهمة عن الحكم البعثي في العراق الذي تميز بالتكتم الشديد عن ما يجري بالعراق وزاد من اهميته ترجمته الى اللغات الحية،وهناك الكثير من الكتب والدراسات الا انها لم تأخذ مكانها الطبيعي كونها لم تطبع في الغرب او تترجم الى لغات اخرى،ولذلك على كل الكتاب بذل اقصى جهد لنشر كتبهم في الغرب كون سوق الكتب ضخم جدا ويحافظ على حقوق الكاتب المادية والادبية ويستطيع طباعته الى لغات مختلفة.
تزداد حرية الكاتب المعارض في الغرب بمقدار يتناسب عكسيا مع دور دولته في الساحة الدولية او علاقاتها مع الغرب والتي تزداد في الغالب اذا كانت العلاقة استراتيجية ناشئة عن اهمية الدولة في المصالح الحيوية للغرب،والعكس صحيح ايضا لان الدول الكبيرة المستبدة تبقى تضغط على معارضيها في الخارج وقد تغتالهم او تختطفهم اما اذا كانت الدولة صغيرة فسوف تكون اجهزتها القمعية صغيرة ومكرسة للداخل وللمثال على ذلك تكون حرية المعارضين لانظمة بحجم العراق(سابقا تحت حكم صدام)والسعودية ومصر وسوريا وليبيا،ضئيلة لا تتناسب بحجم حرية المعارضين لانظمة صغيرة او ضعيفة مثل لبنان اوالكويت او اليمن،ولذلك نجد ان حجم الكتب والدراسات المؤلفة عن الانظمة الشمولية في خارج اوطانها اقل من الانظمة الاخرى وبالتالي تكون نظرة الغرب باعتباره هو المتحكم بالعالم الان،قاصرة او خاطئة تجاه الكثير من الامور،والتي تؤدي الى حدوث كوارث تمس حياة شعوب بأكملها وللمثال على ذلك الثورة التي حدثت في جنوب العراق بعد حرب الخليج عام1991م ونتيجة لضعف دورالمعارضة العراقية في الغرب وخاصة في المجال الثقافي وانعدام اي نفوذ لدى جماعات الضغط السياسية في الغرب،ادى ذلك الى عدم مساندة امريكا وحلفاءها للثوار في مواجهة الابادة الجماعية التي كان من السهولة منعها لو ارادت قوات التحالف حينها،ولكن انصياع الغرب لطلب الحكام العرب وخاصة في السعودية ومصر والاردن بضرورة مساعدة صدام لقمع الثورة الشعبية خوفا من سيطرة الشيعة على الحكم في العراق حتى لو كان حكمهم ديمقراطيا!وقد اصبح ذلك معروفا ولم يكف الحكام عن تلك الدعوات قبل تحرير العراق عام 2003م وبعده!،ولولا ذلك لامكن تجنب الدمار والمعاناة لشعب العراق وكان بالامكان ايضا السيطرة على الارهاب كون القاعدة والتكفيريين ليسوا بتلك القوة والنفوذ كما الان.
من الواجب على المعارضين لكل الانظمة المستبدة،نشر نتاجهم الفكري والثقافي في الغرب وبأي وسيلة كانت وخاصة في شبكة الانترنت التي تعبر الحدود وبكافة اللغات،لان سطوة حكامهم في داخل بلدانهم تمنع وصول اي شئ ينتج من المعارضة حتى ولو كان كذبا وافتراءا!لان ذلك (وهم محقون)يهدد امنهم واستقرارهم فقط.
الكتاب الرابع
مأزق الاصلاح في السعودية
في القرن الحادي والعشرين
مضاوي الرشيد
الكتاب:مأزق الاصلاح في السعودية في القرن الحادي والعشرين:تأليف الدكتورة مضاوي الرشيد،الطبعة الاولى في بيروت-لبنان،ويقع في182ص في طباعة انيقة ومن القطع الكبير.وللمؤلفة كتب اخرى ايضا بالاضافة للكثير من البحوث والمقالات وفي اغلبها عن وطنها الام السعودية.
ترجمة المؤلفة:د.مضاوي طلال محمد طلال الرشيد،استاذة علم الانثروبولوجيا الديني بجامعة لندن،وحفيدة اخر حكام اسرة الرشيد الحاكمة في حائل(1830-1921) ووالدها مقيم في باريس وهو معارض للنظام السعودي.
يتكون الكتاب من مقدمة وستة اقسام تحتوي عشرون فصلا،الا ان هذا الكتاب باعتراف المؤلفة يتكون من مجموعة مقالات كتبت عامي2003و2004 في جريدة القدس العربي الصادرة في لندن،وبعضها مستمد من ابحاث اكاديمية مفصلة عن التاريخ والمجتمع والدولة في السعودية . في بداية المقدمة تحليل لطيف ومنطقي حول ما تطلق عليه المؤلفة،هزتي 1967 و1991 بأعتبار الاولى كانت هزيمة لدول المواجهة مع اسرائيل والتي تعتبر قلب العالم العربي حينها،مصر وبلاد الشام والعراق،والتي تأثرت كثيرا فكريا واجتماعيا وسياسيا اكثر من المناطق التي تعيش على الهامش العربي ذلك الوقت ومنها السعودية بالطبع،التي ازدادت اهميتها منذ السبعينات لاسباب اقتصادية،وايضا لسبب لم تذكره المؤلفة هو مجئ السادات الذي لم يكن بوزن عبد الناصر لدى الشعوب العربية مما اضعف كثيرا دور مصر وساعد في انعزالها معاهدة الصلح مع اسرائيل،اضافة الى سيطرة حزب البعث في العراق وسوريا والصراع بينهما ودخولهما في صراعات جانبية مع ايران ولبنان .
استفادت السعودية من رمزيتها الدينية ايضا وعلاقتها الحميمة مع الغرب وبالخصوص امريكا الذي ظل يتعامل معها من مبدأ النفعية والبراغماتية،الا ان الضربة القاضية برأي المؤلفة كانت حرب1991 بين صدام والتحالف الغربي على ارض السعودية،والتي دفعت ثمنا باهضا ماديا ومعنويا من جرائها،ورغم امتلاكها لاكبر امبراطورية اعلامية الا انها لم تستطع تبرير ضعفها السياسي والعسكري ومن تداعياتها في رأيها:ان السعودية تخاطب شعبها الذي خطى خطوات كبيرة في التعليم والثقافة والانفتاح بمنطق قديم وهذا صحيح في رأيي حيث ان الدولة مازالت تمارس رقابة مشددة عليه خاصة في مجال الاعلام والثقافة التي تعتبرها احيانا معادية لفكر الدولة الايديولوجي . وثاني شئ هي العولمة التي تؤدي الى الانفتاح على الاخر،وعدم قدرة الدولة على استيعاب كل التيارات الاجتماعية والسياسية خلال العقود الثلاثة المنصرمة،وقد تطورت المواجهة الرئيسية سواء سلميا مع التيار الليبرالي وعنفيا مع التيار الديني المتشدد.ثم العلاقة مع الولايات المتحدة والتي تتعرض دوما للنقد من قبل جميع المعارضين،بالاضافة الى المؤسسة الدينية وخطابها الموالي دوما للسلطة مما سبب في خروج الكثير من العلماء والمتشددين عليها لاحقا مما سبب لاحقا مشاركة البعض في احداث سبتمبر 2001م،والتي سببت مع وضع المرأة المزري في السعودية تشوه سمعتها كثيرا في العالم وظهور مجموعات ضغط تحاول حث حكوماتها على محاربة السعودية او الضغط عليها لتغيير سياساتها.
في الفصل الاول تتحدث المؤلفة عن تحديات اليوم ومسؤوليات المستقبل،وتبدأ الحديث برفض الامراء عبد الله ونايف في كانون الثاني 2004م للملكية الدستورية باعتبارها خطرا على حكم الاسرة الحاكمة ولذلك تحتاج المعارضة الى استراتيجية جديدة للعمل السياسي . تتحدث عن مجموعة من الاساطير في رأيها حول الدولة السعودية،منها اي الاسطورة الاولى انها مجموعة دول على اعتبار انها دولة شخصيات اكثر من كونها دولة مؤسسات،بأعتقادي ان الدولة اذا كانت تعطي النفوذ لمجموعة صغيرة من الامراء،فليس معنى ذلك انها مجموعة دول،والملك له من النفوذ الغير محدود بحيث يستطيع الاطاحة بكل من يراه خطرا على حكم الاسرة،ولذلك فأن الاسرة السعودية رغم الصراعات الباطنة الا انها متحدة الى حد كبير بوجه كل من يحاول النيل من الاسرة وحكمها،وطريقة النظام هي منح الامتيازات المغرية لجميع افرادها مما يجعلهم قوة كبيرة يصعب اختراقها،كذلك ان العداء الخارجي والداخلي لهذه الاسرة لا يستثني احدا منها او على الاقل اغلبية افرادها،ولذلك الدولة مركزية تمنح الصلاحيات السياسية المحدودة لافرادها،ولكن صلاحيات اوسع في المجالات غير المهددة لامن الاسرة الحاكمة مثل البلديات والعقود التجارية وما شابه ذلك.
الاسطورة الثانية ان الدولة تعكس تحالفات قبلية،والحقيقة لاوجود لذلك لان القبيلة السياسية الوحيدة هي ال سعود الكبيرة العدد وبقية القبائل تم ترويضها وتفتيتها.الاسطورة الثالثة في رأيها هي دولة نجدية،لان نجد منقسمة ثلاث اقسام غير منسجمة والمعادية للحكم دوما هي نجد الشمالية وذات ميول نحو العراق وسوريا،اعتقد ان رأي المؤلفة يعود بالاساس لكونها منتسبة للقسم الشمالي،وانتسابها ذلك لايمنع كون ان الاقليم المسيطر هو نجد،على الاقل باعتراف غالبية سكان الاقاليم الاخرى،لان من المستحيل جمع النجديين تحت سلطة النظام ولذلك هناك العديد معارضين او غير مستفيدين وهذا قريب لحالة سيطرة الاقليات على الحكم مثل حالة الاقلية السنية في العراق قبل 2003م او الاقلية العلوية في سوريا لانه دائما هناك فئات تستأثر بالحكم ولكن تنتسب لاقلية معينة،ولكن بالشكل العام السيطرة في الدولة للنجديين ويمكن رؤية ان معظم حقول النفط والغاز في مناطق الاقلية الشيعية والحرمين في الحجاز،الا ان الثراء والنفوذ لسكان نجد ورغم ذلك فهناك معارضة مختلفة الاتجاهات في نجد.
الاسطورة الرابعة ان الدولة وهابية وتعلل د.مضاوي الرشيد كون الاتجاهات الدينية متنوعة ستجعل من الصعب على اي مؤرخ فكري سيواجه مشاكل في التعرف على جذور الافكار،وقد قسمت الاتجاهات الدينية الى ثلاث اقسام:الاول الرجعي المغلق المسيطر على المؤسسة الدينية والموالي بشدة للاسرة الحاكمة،والثاني الاسلام الحركي الاسلامي وهم على استعداد للتعاون مع الحكومة ولهذه الطبقة تأييد كبير في الطبقتين المتوسطة والدنيا المتعلمة التي يزداد اعضائها،اما القسم الثالث فهو التيار الجهادي والذي حمل افراده السلاح بوجه الحكومة ويطلق عليهم خارجيا بالارهابيين كونهم باعترافهم مسؤولين عن العنف الداخلي والخارجي.وفي الحقيقة ان الكثيرين يختلفون مع المؤلفة في هذه النقطة بالذات،كون ان الانقسام في الحركة الدينية الوهابية وهذا شيء طبيعي في كل التجمعات السياسية والاجتماعية والدينية،لايغير من كون النظام ذو صبغة سلفية متشددة ولا يقبل بمشاركة المذاهب والتيارات الاخرى سواء بالحكم او الحياة العامة،وهذا موجود في دول عديدة مثل ايران التي نظامها شيعي سياسي ولكن في الداخل انقسامات ومعارضة والاختلاف في الاراء والتوجهات وكذلك في النظم المحكومة بأحزاب او نخب عسكرية،كذلك ان خطاب الدولة الرسمي والديني هو محدد ضمن الاطار الوهابي السلفي والحركة الوهابية في العالم ترعى من جانب الحكومة سواء ماديا او معنويا،ولذلك ان الحديث عن ان الدولة بعيدة عن الاتجاهات الدينية او تعتمد المواطنة شبه العلمانية غير صحيح اطلاقا،التمييز مازال موجودا في داخل المملكة سواء دينيا او مذهبيا او مناطقيا لحساب فئات معروفة تعتمد السلفية المتشددة منهجا في الحكم والادارة ولا تقبل بغير ذلك مهما كانت الظروف،واذا لم تسمح الظروف الداخلية والخارجية فأن الخطاب يخف تدريجيا ويسمح للاخرين بالعمل المشروط الا ان ذلك وقتي وغير دائم فالغلبة في النهاية للتيارالسلفي المتشدد الغارق في عدائه وتكفيره للاخرين ولا يقبل بالجدال المتساوي والعادل بل من منظار فوقي ينظر للاخرين على انهم دونه، باعتبار ان الحقيقة المطلقة معهم والاخرون منحرفون او ضالين بدرجات مختلفة وحسب تفسيراتهم للدين.
وفي مكان ثاني تتحدث المؤلفة عن سيناريوهات المستقبل للتغيير،وفي رأيها ان القسم الاول من السعوديين يتبنون سياسة الانتظار باعتبار ان النظام قوي ومدعوم خارجيا وقادر على قمع اي حركة معارضة بوحشية،ورغم ان هناك اجماع على الاصلاح في الدخل الا انه لا يوجد اجماع على التغيير،اما القسم الثاني فهو التغيير الفجائي،مثل انقلابات داخل وخارج الاسرة الحاكمة الا ان الصعوبة تكمن بحجم العائلة الديمغرافي والانقسامات دخل الحركة الاسلامية بالذات،باعتبارها الاكثر قدرة على التغيير،وفي رأيها ان السنوات القادمة ستكون شديدة الاضطراب الا ان ذلك لا يؤدي الى نشوء النزعات المناطقية والمذهبية والقبلية،الا ان تصلب الحكومة في التعامل مع الضغط المجتمعي من اجل الاصلاح قد يفضي في النهاية الى تفكيك السعودية كما حصل في عدة بلدان.
التعليقات (0)