في الحلقة الرابعة: وتحت اسم الاعراق والتاريخ،ذكر المؤلفان ان عدد الملونين فاق عدد البيض،الضعف تقريبا،كما ذكرا ان كثيرين من البيض اغتبطوا من دراسة كوبينو في منتصف القرن التاسع عشر حول عدم المساواة بين اجناس البشر،وان العنصر الآري يتحلى بمزايا متفوقة على جميع ما عاداه،ومن بين ما ذكره كوبينو،ان حسنات البيئة غير كافية لانتشار الحضارة،اي الانهار التي اخصبت التربة والتي انشئت اعظم الحضارات في الشرق الاوسط، لم تنشأ اية مدنية بين الهنود الحمر في امريكا الشمالية رغم ان اهاليها عاشوا في ارض خصبة على طول ضفاف انهار ممتازة،اما دواعي انحلال المدنية فهي فساد الجنس والاصل والعرق،ويذكر ان تفوق البيض في امريكا وكندا ناتج من عدم حصول التزاوج مع الهنود الحمر،بينما كان نصيب البيض عكس ذلك في امريكا اللاتينية عندما حصل هذا التزاوج،والضعفاء الذين انبثقوا من تمازج كهذا وحدهم ينادون بتساوي الاعراق.وفي تحليل بارع يدل عمق فكرهما،يذكر المؤلفان عدد من المؤلفين وبعض مؤلفاتهم وابحاثهم التي توصلوا اليها من خلال دراساتهم حول العرق والاجناس والحضارات،ففي عرض لبعض نتاج هؤلاء وفي طريقة ذكية لاثبات بطلانها،يذكر كل واحد من هؤلاء مدى تفوق عرقه او بلده وهي تبيان لمدى عنصرية هؤلاء،فعرضا نماذج من مختلف الاعراق والبلدان التي تحاول اثبات تفوق عنصرها،منهم من يحاول اثبات تفوق العنصر الآري او الشعوب الشمالية المنتسبة لهذا العنصر اي الاسكندنافيين والالمان والانكليز والامريكيين الانكلو سكسون،على اساس ان برد الشتاء قوى عود هؤلاء!!وبنوا من جراء ذلك الحضارة الكبرى،وكذلك ذكرعالم صيني ان شعبه انشأ مدنية فريدة هي الاقوى احتمالا امام الشدائد في عهود التاريخ،بما انجبه من رجال دولة وعباقرة في مختلف العلوم والاداب،منذ الفين سنة قبل الميلاد حتى عصرنا الحالي.كما اشار عالم مكسيكي الى بروز البنية الثقافية في شعوب المايا والازتيك والانكا التي سبقت تاريخ اهتداء كولومبوس الى القارة الامريكية.وأقر عالم هندي بالتسرب الآري الى شمال الهند منذ الف وستمائة عام قبل الميلاد،وذكرنا بان الشعوب شبه السوداء القاطنة جنوب الهند انجبت معماريين بارعين وشعراء لامعين.
لاينكر ان هزال النظريات العرقية بات امرا معروفا،وبذلك لم تصمد النظريات العنصرية في اثبات وجودها في ارض الواقع خاصة في ظل النهضة الجديدة للشرق،وقد ذكرا المؤلفان بعض من حضارات الشرق التي لايمكن نكرانها ابدا،فالساميون ابتدعوا حضارات بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام وقرطاجة والاسلام وقد اليهود التوراة ثم بشر المسيحيون بالانجيل وانتشر القرآن التي اتى بها الرسول محمد(ص) فتسنى للمسلمين ان يعدوا الاحكام والفنانين والشعراء والعلماء والفلاسفة وغيرهم واتحفوا عالم العرق الابيض بصورة خاصة قدرا كبيرا من الروائع من غرب الصين حتى اسبانيا،بينما كانت شعوب اوروبا تغط في سبات العصور الوسطى. ومن المعلوم ان ثقافات قدماء المصريين والاغريق والرومان جاءت نتيجة فرص النمو الجغرافي والاقتصادي والسياسي اكثر من صدورها عن البنية العرقية بحد ذاتها،وان معظم حضاراتهم مستقاة من ينابيع شرقية.
وقد حاول البعض ان يربط الحضارة بالعرق،على اساس حجم الدماغ البشري ووزنه فألقى هذا الافتراض بعض الضوء على المسألة على اعتبار توصل زنوج افريقيا الى أنشاء حضارة مدنية قليلة الازدهار،فلربما السبب هو الاحوال المناخية والجغرافية المجحفة بحقهم،ويتسائلان هل كان عرق ابيض توصل الى احسن مما حققوه في مثل تلك البيئة القاسية؟ويذكران ما وصل اليه زنوج امريكا،مستويات عالية من المهن والفنون والاداب رغم كثرة العقبات القائمة في طريقهم.
ويمكن الاستنتاج ان دور العرق في التاريخ هو على الارجح غريزي اكثر منه خلاق،ومثال على امتزاج الاعراق في تكوين شعب ونموذج جديد،فهكذا امتزج السلتيون والرومان السكسون والقوط والنورمان الدانماركيون ليؤلفوا الشعب الانكليزي،وعندما تكونت هذه الفئة الجديدة،توحدت تعابيرها الثقافية ونشأت حضارة جديدة،وهنا يسعنا القول ان العرق لا ينشئ الحضارة،انما الامة هي التي تبنيها،فالاحوال الجغرافية والاقتصادية والسياسية تبتدع الثقافة،والتي بدورها تكون النموذج البشري،اذا ليس الشعب الانكليزي هو الذي صنع المدنية بقدر ما هي كونته،والتي نقلها بدوره الى بقاع اخرى.
اما الكراهية العنصرية فيعزى سببها الى اختلاف المصدر والعرق والمشرب،لكن باعادة تكوين الشخصية،يرجح تغلب المواطنين على هذه الكراهية بفضل التبدلات المكتسبة من الثقافة،على السواء في اللغات والالبسة والعادات والاخلاق والديانات،ولا علاج لهذه الكراهية الا بالسهر على التربية المثلى وتوسيع آفاق المعرفة،فالمعلومات التاريخية تؤكد ان الحضارة ثمرة تعاون ساهمت فيه كل الشعوب تقريبا،مع العلم ان تهذيب النفس يظهر دوما في حسن المعاملة بحق كل رجل وامراة مهما تواضع شأنهما،لان كلا منهما يمثل روح البناء والتعاون في البيئة التي ينتمي اليها.
في الحلقة الخامسة:وتحت اسم الاخلاق والتاريخ،يقول المؤلفان ان المثل العليا لاتبني المجتمعات،بل تنشئها طبيعة الانسان،وفي تصنيف بارع وضع في جدول،صنفت طبيعة البشر بموجب جدول العناصر الخلقية،ومن تحليلهما يتبين لنا ان الكائن البشري مزود بطبيعة وراثية تشتمل على ست غرائز ايجابية وست سلبية،وظيفتها صيانة الفرد والاسرة والبيئة والنوع. ففي الشخصيات الايجابية تغلب الميول الايجابية،لان معظم الافراد مزودون بكلتا الفصيلتين من الغرائز التي تساعد الانسان،حسب مزاجه وظرفه،على مواجهة ما يعترض سبيله من المصاعب،وعلى اغتنامه فرص النجاح والتقدم،مع العلم ان كل غريزة تفرز عادات وترافقها احاسيس يؤلف مجموعها طبيعة الانسان.ومن خلال مراجعة الجدول الموجود في الكتاب يقسم المؤلفان العناصر الاخلاقية الى ثلاث اقسام هي:الغرائز والعادات والاحاسيس.والاقسام الثلاثة بدورها تقسم الى عناصر ايجابية وعناصر سلبية،وتتكون كلتا العناصر من فروع متعددة نذكر بعضا منها على سبيل الاختصار،فالغرائزالايجابية،تتكون من العمل،ويقابلها في السلبية النوم،ومن النضال ويقابلها التخاذل،ومن الربح وياقبلها الخسارة،ومن المشاركة ويقابلها الاستئثار،ومن التجمع ويقابلها الانزواء ومن عناية الاهل ويقابلها تهاون الاولاد.
ومن العادات الايجابية نذكر بعضا منها على سبيل المثال،الكد والحزم والتفكيروالنظام والانفتاح والسخاء والحشمة وغيرها ويقابلها حسب الترتيب،الكسل والتردد والوجوم والفوضى والانطواء والبخل والتهتك.
اما الاحاسيس الايجابية فنذكر بعضا منها،مثل الحماس والحركة والاعجاب والصداقة والرفق والتواضع والقناعة والحياء والتودد والفضيلة وغيرها ويقابلها من السلبيات حسب الترتيب،الخمول والجمود والازدراء والعداوة والقساوة والعجرفة والطمع والوقاحة والنفور والرذيلة.
وهنا برزت المبادرة الفردية وتجلت قدرة الانسان وبطولته ونبوغه،واحتل مكانته كقوة فاعلة في التاريخ،وتندرج افكاره وقراراته واعماله بحيوية على صفحات التاريخ.وفي مقارنة رائعة لبعض الشخصيات التاريخية،يذكر ديورانت،احيانا بلاغة الانسان مثل تشرشل تساوي الف فيلق من الجند،ونابليون في بعد نظره وبراعته في التخطيط والتنظيم الحربي،ونبيا مثل محمد(ص) حكيما في ارشاد الناس وهدايتهم،استطاعت كلماته الحماسية ان تنهض شعبا فقيرا محروما وان تثبت فيه روح عزيمة خارقة عجيبة،وهكذا كان باستور واديسون وفورد ورايت وغيرهم.
وعلى هذا الاساس،برزت الثقافة في التاريخ كقوة حيوية،وربما كانت عامل فساد وهدم،فمن اصل كل مئة فكرة جديدة،هنالك تسع وتسعون هي اضعف من الحلول التقليدية في رأيه.
ليس هنالك من رجل مهما كان ذكيا لامعا واسع الاطلاع،ان يغير في مدى عمره،عادات مجتمعه ودور مؤسساته التي تمثل حكمة ماسبقه من الاجيال السابقة،وهكذا يكتسب من لايقاوم التغيير،فضيلة المجدد الذي يقترح التحسين لان الجذور هي دوما اكثر حيوية من كل مطعوم.
والتجربة وشجاعتها هي التي تقضي على لامبالاة الجنس البشري.
في الحلقة السادسة:وتحت عنوان الادبيات والتاريخ،يذكر المؤلفان،ان الادبيات هي قواعد،كالقوانين المفروضة يرشد بها المجتمع اتباعه،فعلى سبيل المثال تسنى لليهود طوال ستة عشر قرنا ان يصونوا كيان جماعاتهم ضمن مواطن المسيحيين والمسلمين بسلام وامان،بفضل ما ساد من انظمة ادبية حكيمة،طبقت غالبا بدون تدخل الدولة وقوانينها.
الانظمة الادبية متباينة لانها تطورت حسب احوال البيئات في التاريخ،فأذا قسمنا التاريخ الاقتصادي الى ثلاث مراحل:الصيد والزراعة والصناعة،تيسر لنا ان نتوقع ان نظام ادبيات احدى المراحل تغير في المرحلة الثانية،ففي عصر الصيد يأكل الانسان اكثر من حاجته لعدم اطلاعه على انه سوف يحصل على فريسة اخرى،وفي غياب الاكتفاء يتولد الجشع،وهذا يذكرنا بوحشية اراقة الدماء،كما هو الحاصل بين الدول الان،ولهذا كانت نسبة الموت لدى الرجال اكبر من النساء،ولذا ترتب على الرجل ان يقترن بعدة زوجات وان يؤمل الحمل للنساء.وكانت الكراهية والشراسة والطمع والتأهب الدائم للجماع،من حسنات تنازع البقاء،وربما كانت كل رذيلة في يوم من الايام فضيلة،اي صفة حميدة ضرورية لضمان بقاء الفرد والاسرة والبيئة.
لم يحددلنا التاريخ بالضبط تاريخ انتقال البشر بين المراحل الثلاث،وتبين من المرحلة الاولى ان العمل الجاد افضل من الشجاعة وان السلم اضمن انتصارا من الحرب،وبدا الاولاد كأنهم حوافز اقتصادية،فبات تحديد النسل غير اخلاقي،واصبحت السلطة الابوية ركنا اقتصاديا متينا.
ودامت ادبيات نظام الزراعة القائم على العفة سارية المفعول مدة خمسة عشر قرنا،وبالتدريج ثم بسرعة وعلى نطاق واسع،غيرت الثورة الصناعية،شكل الاقتصاد وهيكلية الادبيات في الحياة،وغادر الجميع بيوتهم واسرهم وسلطتهم ليعملوا كأفراد يتقاضى كل واحد اجره،وسرعان ما حان وقت النضوج الاقتصادي الذي امن المقدرة على اعالة الاسرة فلم يعد الاولاد يشكلون ادوات اقتصادية،وتأخرت مواعيد الزواج،واصبح الامتناع عن العلاقات الجنسية قبل الزواج اصعب مما كان،واتاحت المدنية فرصا للتمتع بالجنس باستخدام وسائل المنع المعروفة مما سهل الرذيلة،ولم يعد الشباب خاضعا لسلطة الاب والام المرتكزة على العوامل الاقتصادية واصبح التمرد صفة الشباب في العصر الحديث.
كما ادت مكننة الانتاج الاقتصادي الى مكننة الانتاج الاقتصادي والى مكننة الوجهات المادية من خلال تسامح الفلسفة.
ومنذ القدم افضت الحروب الى تراخي الاخلاق وتفسخها ،وهنا يذكر امثلة من العهود السحيقة،وكيف ادت الى تفسخ المجتمعات.
في الحلقة السابعة:وتحت عنوان الديانة والتاريخ،يذكر المؤلفان ان اكثر المؤرخين شكا ورفضا هم يكنوا للدين بعض الاحترام،ما داموا يعتبرونه سياجا واقيا ويبدو لهم ضروريا في كل البلاد وفي جميع الاجيال.فالدين يمنح التعساء والمتألمين والمحرومين والمسنين صبرا وقوة فائقة على احتمال الشدائد يقدرها هؤلاء،وهي اثمن ماتتلقاه من عون وتعزية روحية في هذه الدنيا،التي يدعوها البعض وادي الدموع،وقد اعطى معنى وكرامة لاحقر المخلوقات البشرية،من خلال تحويله العلاقات الانسانية الى روابط وثيقة مع الله.وحسب قول نابليون:ردع الفقير عن قتل الغني.ولابد من امل فائق الطبيعة للحيلولة دون تسرب القنوط الى اعماقنا،فمتى ما تحطم الرجاء ازدادت احتمالات نشوب الحروب.
ثم يذكر الديانات السماوية الثلاث،اليهودية والمسيحية والاسلام،بمختصر مفيد.
ثم يذكر محاكم التفتيش التي ادت الى تدني هيبة رجال الدين في اوروبا،وفي اعتقادهما ان استبدال المبادئ المسيحية بالمؤسسات المدنية اضر كثيرا بنتائج الثورة الصناعية،واصبح عمل الجميع الاعتماد على المنطق والاقناع في تربية نشء متمرد لايخاف سوى الشرطي!..كما نجح دعاة الوطتية والراسمالية والشيوعية في بث معتقدات غريزية وناموس اخلاقي مائع.ومن ابرز عبر التاريخ في رأيهما هو ان للديانة اكثر من حياة لانها نهضت دائما بين الانقاض،ولذلك نلاحظ الصحوة الاسلامية في اواخر القرن العشرين بعد خمود طويل.
في الحلقة الثامنة: والمتعلقة حول الاقتصاد والتاريخ،وبعد استعراض لاقوال ماركس حول الاقتصاد وعلاقته بالتاريخ، يذكر كيفية بزوغ الثورة الصناعية وآثارها السلبية.والاقتصاد والثروة الناتجه منه هو من العوامل الرئيسية في التغيير الحاصل في التاريخ وبخاصة قيام الثورات والدول،ولكن هناك عوامل اخرى اعطت نتيجة هامة وهي ان الفقراء اثبتوا انهم اشد ساعدا من الاغنياء وخاصة في الجانب العسكري وفتوحات البلدان،الا ان المهارات تختلف من شخص لاخر،واغلب المهارات تقريبا تمتلكها اقلية من الاغنياء،وتكديس الثروات يتأتى بصورة طبيعية من استغلال تلك البراعة المتجددة بأنتظام في التاريخ.كما ان التكديس هو امر طبيعي وان تخفيف وطأته تتم مرحليا باعادة توزيع الثروات جزئيا او كليا،اما باعتماد الوسائل السلمية او العنف،ويعطيان امثلة من التاريخ على الاضطرابات الناشئة من العوامل الاقتصادية .
التعليقات (0)