في الحلقة التاسعة:
المعنونة الاشتراكية والتاريخ،يذكران ان الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية هو جزء من الايقاع التاريخي في معزوفة تكديس الثروات وتبديدها،وطبعا قامت الرأسمالية بدور خلاق في التاريخ اذ جمعت المدخرات في رساميل منتجة،وقدمت العائدات والفوائد،ومولت مكننة الزراعة والصناعة،ووازنت منطقية توزيع الثروات والارباح،فأدى الى ازدهار اقتصادي كبير.وفي السوق الحرة ضاعفت حوافز المزاحمة في ميادين العمل،وقد ضبطت قواعد الديمقراطية الاساسية حتى الان طريقة الانتاج،فجاءت الخدمات المقدمة لارضاء المستهلك افضل مما قدمته قرارات الحكومات،كما ادى الى تلبية حاجات العمال ورفع مستوى الانتاج وجودته،ثم تذكر امثلة تاريخية قديمة وخاصة من حضارة بلاد مابين النهرين. اما الاشتراكية فبرزت طلائعها في الرومان بحدود 301م في محاربة الاحتكارات وتنظيم النشاط الاقتصادي،ولكن في حضارة الصين كانت اقدم من ذلك بكثير.اما اطول نظام اشتراكي عرفه التاريخ حتى الان فقد نشأ خلال القرن الثالث عشر الميلادي في بيرو الان عن طريق قبائل الانكا الذي دام حتى الفتح الاسباني عام 1533م.
وبعد مجيء الثورة الصناعية،نشأت معها ظاهرة القسوة والجشع والتعامل الوحشي مع العمال،فجاءت حركة ماركس وانجلز للدعوة للتغيير الى مرحلة الاشتراكية التي كانا يأملان من ان تطبق في انكلترا نظرا لنمو الصناعة بها،الا ان الشيوعية نشأت في روسيا بدلا منها وهي دولة متخلفة حينها.
والاسباب في ذلك معروفة يذكران بعضا منها،من خلال فقدان الدولة الروسية الحرب وسوء الاحوال الاقتصادية،ورجوع الفلاحين الناقمين مع اسلحتهم من الجبهات،وتحالفهم مع المثقفين،فقامت الثورة التي واجهت الحرب والمعارضة الداخلية والخارجية،وكانت ردة فعل الشيوعيين في غاية الوحشية والقسوة الغير مبررة خاصة في تطبيق الاشتراكية،والتي ادت الى كوارث ومجاعات وقمع وحشي خلال الحقبة الستالينية. استفادت الرأسمالية من افكار الاشتراكية وطبقتها خوفا من انهيارها كليا،مما ادى الى استمرارها بينما لم تستفاد الاشتراكية كثيرا من الرأسمالية ومزاياها مما ادى الى انهيارها بعد ان ساءت الاحوال الاقتصادية وكذلك بقيت في موقفها الرافض للتغيير السياسي فبقيت المهيمنة على السلطة المطلقة.
في الحلقة العاشرة:
وتحت عنوان الحكومة والتاريخ،يقول المؤلفان ان للتاريخ كلام كثير في شكل ونوع الحكومات. وبما ان الانسان يعشق الحرية،وحرية الافراد في المجتمع تتطلب شيئا من آداب السلوك،فأول شروط الحرية هو وضع حدود لها،لانها عندما تكون مطلقة،لابد ان تتجمع وتتردى في فوضى ليس لها حدود،ولذلك كان فرض النظام من اهم واجبات الحكومة،وانشاء قوة مركزية رادعة هو الوسيلة الوحيدة لكبح جماح من يريد ان يعبث بالامن على هواه.
والقوة بطبيعتها تتجه نحو نقطة مركزية،ولكن مفعولها يبطل متى ما انقسمت او توزعت كما هو الحال في البلدان التي تخضع لمبدأ الاقتصاد الحر.
وفي توقع لما يمكن ان تكون عليه الحكومات الدولية في المستقبل،توقعا ان تنمو بأزدهار الاقتصاد والتجارة والمال،وكلها تتعدى حدود البلاد وتتخذ اشكالا عالمية.
وحسب رأيهما ومن خلال قراءاتهما التاريخية،يبدو لهما ان الملكية افضل اشكال الحكومات بأعتبار ان افضل الحكومات استقرارا وعدلا،ومن خلال سجلها المعتدل،مع ان حروب وراثة العروش جرت على البشرية ويلات كثيرة،كذلك لا تخلو في الغالب من السخافة والمحاباة وعدم المسؤولية.والحكومات خضعت لتأثير الاقليات فتم قبولها بموجب حق الوراثة،كما هو الحال في الارستقراطيات او بموجب التنظيم الديني كما هو الحال في المجتمعات الطائفية،او بضغط المال كما هو الحال في الديمقراطيات.
ومن خلال تحليل رائع حول طبيعة النخب الارستقراطية في الحكم،يذكران طبيعة تكوين الاسر الارستقراطية التي تهيئ ابنائها للحكم،وتقوم بتدريبهم لتحمل المسؤولية،وهي في رأيهما دعامة وينبوع ثقافة وحسن تصرف ومستوى لائق وذوق سليم وعامل استقرار. ورغم ذلك فأن الارستقراطية رغم مساندتها للفنون الجميلة الا انها لاتنتجها الا نادرا لانه ينظرون للفنان كأنه عامل يدوي!ويفضل العيش الرغيد على عيش الفن المتواضع ولايفكر بتاتا بالتنازل الى العمل الشاق الذي يكون في الغالب ضريبة النبوغ.ولذلك لم ينتج الارستقراطي كثيرا من روائع الادب،والكثير من العلوم الاخرى،وقد ادى ذلك الى قلة اكتراث والاسترسال في الملذات وتذوق نعومة العيش قد تدوم مدى العمر بفضل اموالها الطائلة،وامتيازاتها،لذلك عم الفساد في الارستقراطيات.
لم ينقذ الارستقراطيين سخاء خدماتهم،بعدما احتكروا الامتيازات والسلطات بشكل فاضح،فضيقوا على عامة الشعب بأنانية عمياء اضرت بنمو الامة،فما كان لتصحيح تلك الاوضاع الا الثورات العنيفة والتي ادت الى قتل اعداد كبيرة منهم.
السؤال الذي يطرحانه،هو هل برر التاريخ قيام الثورات؟وهو سبب جدلا واسعا.
الاراء كانت متباينة،فالبعض يؤيدها بشدة والبعض الاخر يفضل الاصلاح التدريجي وترميم الحكم بالتعديلات الممكنة،لكن في بعض الحالات بدت المؤسسات البدائية الجامدة بحاجة الى طرح عنيف،كما جرى ذلك في روسيا عام 1917،ولربما برزت امريكا بدون ثورة هدامة كعامل مثالي في العالم الغربي.
اما الذي قاموا بالثورة الفرنسية،فقد احتلوا مكان الطبقة الارستقراطية بالعنف كسلطة مطلقة،ولكن هذه النتيجة عينها حصلت في انكلترا خلال القرن التاسع عشر بدون اراقة نقطة دم واحدة.
وفي النهاية،يرى المؤلفان ان الثورة الحقيقية الوحيدة هي تنوير الاذهان وتقويم الاخلاق وتحرير الفرد من نقائصه وبصورة فعلية،وليس هنالك من ثوار حقيقين غير الفلاسفة والقديسين.وبعد ان يتم ذكر مجموعة من الامثلة التاريخية،يذكران ان الديمقراطية هي من اصعب اشكال الحكم،لانها تتطلب استخدام اكبر قدر من البراعة والذكاء،ومن خلال العرض التاريخي يتبين ان الديمقراطية قد اضرت اقل ونفعت اكثر من كل ما عرفه البشر من اشكال الحكم،لانها اعطت الوجود الانساني نكهة فاخرة عوضت عن كل عيوبه ونقائصه،ومنحت الفكر والعلم والعمل حرية اساسية لاغنى عنها للتحرك والنمو والازدهار،وحطمت حواجز الامتيازات والطبقات واعلت شأن المهارات وفي كل المستويات.
والتاريخ يعطي لنا ما مدى الازدهار الذي وصلت اليه اثينا وروما في التاريخ القديم،وافسحت المجال لامريكا في سياق قرنين من الزمان فقط كي تؤمن لنسبة كبيرة من البشر بحبوحة عيش لم يسبق لاحد ان عرفها قبلا.وقد اعطت الديمقراطية الجميع حق اكتساب العلم والثقافة والصحة،وهو جوهر حقيقة الحياة بأصدق معانيها وابهاها،لان الناس وان لم يكونوا في الواقع متساوين،فحصولهم على الثقافة والعلم وامكانية النجاح جعلهم اقرب للتساوي،وحق الانسان هو ميزة خيرة في صالح المجموع.وفي البلاد التي اختارتها كوسيلة للحكم اثبتت شجاعة وتصميم وقوة حيال هجمات الديكتاتورية المتربصة في داخلها،ووقفت ضد كل من لديه شهوة الحكم.
وفي الحلقة الحادية عشر:والمعنونة التاريخ والحرب،يذكر المؤلفان ان الحروب هي من ثوابت التاريخ ولم تخف وطأتها تحت تأثير الحضارة والديمقراطية.
وفي مثال رائع يذكران انه على مدى 4321 عاما اشتملت عليه صفحات التاريخ،هنالك فقط 268 سنة لم تشهد قتالا،ونعمت بسلم اهلي نسبي!.
لقد اقررنا بحتمية الحرب،كما اعترفنا بشرعية نشاط المنافسة وبتفوق النخب الطبيعية بين مستويات البشر.
اما اسباب الحرب فهي بواعث المنافسة عينها بين الافراد،اي الملكية والحسد والمفاخرة،وكذلك الحاجة المادية.فالدولة لها مثل غرائزنا!بدون ان تعتريها معضلاتنا،والدولة تضمن للجميع الحماية اللازمة لحفظ حياتهم واملاكهم وحقوقهم الشرعية،ولكن بحد ذاتها لاتحل الكوارث المادية،وكما يمنح الاعتزاز كل فرد عنفوانا اضافيا اثناء كفاحه في الحياة،كذلك تضفي الوطنية على الدولة مزيدا من القوة في الدبلوماسية والحرب.والدولة هي المسؤولة عن شحن الحقد والبغضاء بين مواطنيها تجاه الدول الاخرى،بينما تعلن ظاهرا شجبها كل عداء وتعلقها بأهداب السلام والوئام.والتضحية بمئات الالاف من الجند ضرورية لحفظ الامم من الخضوع للتهديدات الخارجية وخاصة الشيوعية التي كانت في حينها الخطر الابرز على العالم الغربي.
وفي الحلقة الثانية عشر:والتي تحت عنوان عظمة وانحطاط،يحلل المؤلفان طبيعة الحضارة والتي يعرفانها انها نظام اجتماعي ينمي الثقافة الخلاق،وانها نظام سياسي تؤمنه شهامة التقاليد وعدالة القوانين.هي ثقافة خلاقة تغذيها الحرية الحقة وتشجعها الابتكارات وصراحة التعبير وخبرة التجربة ويدعمها تفتح الاذهان والافكار،وازدهار الاداب والفنون،وائتلاف العادات الرصينة.السؤال المطروح هو لماذا يعج التاريخ بأنقاض المدنيات؟الجواب لان الموت مصير محتم على كل البشر كما قال شلي الشاعر المشهور،ولذلك فأن التاريخ يعيد نفسه جملة وتفصيلا،وهي عبارة قالها مؤرخان امضيان جل عمرهما في البحث التاريخي الانساني.
كما نتوقع في المستقبل كما جرى في الماضي،قيام دول فتية،وزوال دول هرمة،وستبدأ الدول الحديثة العهد بالاعتناء بالاقتصاد ثم الثقافة.الطبيعة البشرية تتكيف حسب التطورات الارضية المتواصلة وان ببطء،ولان الانسان دائم التأهب بتواتر ورتابة.وتدهور الحياة المشتركة للمجموعة البشرية يتم في الغالب عبر فشل زعمائها السياسيين في مواجهة تهديدات التغيير والتي تنجم من عدة اسباب،وبما ان حدة عدم المساواة تزداد بتقهقر الاحوال الاقتصادية،يجد المجتمع نفسه منقسما الى اقلية مثقفة منورة واكثرية من الناس ظلمتهم الطبيعة وقست عليهم الظروف،وحين تتضخم الاكثرية،تشكل عبئا ثقيلا على مثالية الاقلية،وهنا ينشا الصراع المدمر.تدهور الاخلاق والايمان الالهي ونشوء الافكار الفوضوية الالحادية من اسباب تدهور الحياة الاجتماعية والتي تجعل الدولة فريسة للبلدان المجاورة التي تختلف عنها في التركيبة الاجتماعية والنظام السياسي،مما يؤدي الى نهاية الدولة عن طريق ضمها الى الممالك الناشئة. اما السؤال الهام فهو هل تموت الحضارات؟وجوابهما انه ليس تماما،وهاهي الحضارة الاغريقية لم تمت حقا بل فني اطارها وتغير مقرها ثم ذاعت وعمت ارجاء المعمورة. الامم تضمحل والمناطق القديمة يدركها الفناء والارض الخصبة يجتاحها الجفاف ولكن الانسان الفطن يحمل عدته وفنه ويرحل مصطحبا ذكرياته،فأذا تأصلت في اعماقه جذور العلم والثقافة وتوسعت آفاق معارفه ومداركه،هاجرت الحضارة معه واتخذت لها موطنا في اي مكان يحل فيه.وهكذا نجد ان روما اقتبست ثقافة الاغريق ثم نقلتها الى اوروبا الغربية،واستنارت امريكا بالحضارة الاوروبية وسعت لتجاوزها وايصالها بتقنية نادرة الى الاجيال القادمة. فالمدنية هي مواكب متعاقبة على دروب الرقي البشري،وكما ان الحياة تخطت الموت بالتناسل،هكذا نقلت الثقافة المثقلة بثمارها الطيبة تراثها الى الابناء والاحفاد عبر السنين والمسافات.
وفي الحلقة الثالثة عشر والاخيرة:وتحت عنوان هل التقدم حقيقي؟يجيب المؤلفان بشيء من التفصيل على ذلك السؤال. وجدت فكرة التقدم ذاتها في موقف لفه الالتباس والشك،وبما ان التاريخ لم يشهد تبدلا ذا اهمية في طبيعة الانسان،لابد لنا اعتبار اي تقدم تقني كوسيلة جديدة لبلوغ هدف قديم مثل الحصول على البضائع والائتلاف القائم بين البشر وتحدي المنافسة.ان احد الاكتشافات الغير المشجعة خلال العصر الحديث المليء بالخيبات هو حياد العلم الذي قتل نيابة عنا،كما شفى الجراح،وهدم في سبيلنا اكثر مما بنى،ولهذا خيل الينا ان قول المعرفة قوة،هو في غير محله.ورغم التقدم الهائل الذي حصل في جميع المجالات،الا اننا اغفلنا الكثير من الامور المروعة،من قبيل نشر الفساد تحت جنح الظلام بين الاحياء المعدمة والاكواخ الحقيرة. بعد ذلك تبع التحرر من ربقة الواجبات الدينية بدون ان ننمي في اعماقنا مثالية طبيعية كأفضل بديل عنها بمثابة ناموس اخلاقي مستقل عن الدين،وقوته كافية لردع غرائزنا الانانية وكراهيتنا الغادرة وميولنا الجنسية المستهترة،والتي وصلت عن طريقها مدنيتنا الى الحضيض سولء بالجشع او الفوضى المدمرة والجرائم المروعة.ولم نقوي في اعماقنا فضيلة روح التسامح والتغلب على الشهوات الدنيئة. كما نقلنا شعورنا وحماسنا من حضيرة الدين الى دهاليز النزاعات الوطنية والعقائدية والعنصرية،فباتت تصرفاتنا وعاداتنا اليوم افضع مما كانت عليه بالامس.وفي وصف رائع لمكان العادات،فهي تميل الى الاسوأ كلما ابتعدت عن الشرق بأتجاه الغرب،فهي مبتذلة في آسيا،وبذيئة في اوروبا،ولكنها قبيحة منحطة في امريكا،والان جاء دور الشرق ليحذو حذو الغرب!.
وفي اعتراف مرعب،يصفا تقدم الفلسفة منذ ديكارت حتى الان،الا ضلال من خلال فشله في الاعتراف بدور الميثولوجيا في تعزية الانسان وضبط اهوائه المنحرفة!.
وقد قيل ان من زادت معلوماته طغت عليه احزانه،وفي فيض الحكمة غمرة الاسى.
والتاريخ حيادي غني بحد ذاته لايميل الى اي اتجاه او فريق،وللاطلاع على اي حال من احواله يكفينا ان نختار الفترة الزمنية المرغوبة،واذا وقعنا على مقطع منحاز يسعنا ان نعلق عليه بصورة مقنعة.واذا القينا نظرة بعيدة المدى على حياتنا،وقابلنا وجودنا العصري الهش المشوش الحافل بالجهل والتشاؤم والعنف والمرض،وكلها اتسمت بها الشعوب البدائية،لارتسمت على وجوهنا حتما دلائل الحسرة والاسف.
اذا ان ادنى طور من اطوار حضارة الدول حاليا،قد لا تختلف الا قليلا عن البربرية والهمجية،لكن فوق هذه المستويات هنالك ملايين البشر قد بلغوا اصعدة ادبية ومعنوية نادرة الوجود في محيط الانسان البدائي،وتحت وطأة حياة المدن المجهدة المعقدة،نستنبط احيانا أعذارا واهية لنستر بها تقصيرنا.
كل حضارة عظيمة لا تزول كليا،لان الانجازات الرائعة ظلت حية رغم المحن التي عرتها من جراء ازدهار دول اخرى وسقوطها.والاكتشافات المستمرة منذ اكتشاف النار واختراع الدولاب وسواه الى يومنا الحاضر،هي كلها من عناصر الحضارة التي اجادت صيانة هذه الانجازات بمثابرة وعناد عبر التدرج الخطير من حضارة الى التالية،في مسيرة الانسانية. واذا كان التعليم هو نقل المدنية من الخلف الى السلف،فأننا نسير حتما على دروب النمو والازدهار،وبما ان الحضارة لا تنتقل بالوراثة،فلابد ان نتعلمها ونتقنها في كل جيل.واذا تجمد مجراها لفترة قرن مثلا من الزمن،فلامناص لها من الزوال،فنعود حينها الى الحياة الهمجية الوحشية مرة اخرى.ولذلك افضل انجاز لنا هو ان نقوم بتوفير زاد العلم للجميع.والتراث الذي ننقله اليوم الى الخلف هو اغنى مما كان عليه في اي وقت مضى،واذا كان التقدم حقيقيا رغم تذمرنا،فليس لاننا ولدنا مزودين بصحة اكمل او مواهب اغزر او بعقل ارجح من مواليد الماضي،بل لاننا خلقنا في احضان تراث اغنى واغزر،ومستوى ارقى وارفع من القاعدة التي تكدس فوقها العلم والفن في ارض هي مهد كياننا ومرتع شبابنا،فكلما ازداد التراث جودة ووفرة،ازداد الانسان معرفة بنسبة ما اغترفه من المعلومات القيمة.
والتاريخ هو سجل مخزونات تراثنا،والنبيه بيننا من يدرس التاريخ،لا بصفته كمرشد ينصح البشر لتجنب الاخطاء والحماقات،بل بصفته خبير محنك يحض النفوس المبدعة على عدم اعتبار الماضي غرفة اهوال رهيبة،وقد اضحى الان فردوسا!. ففي الماضي هنالك مبدعون في كافة المجالات وفي زمننا الحالي كذلك،فأذا كان المرء سعيدا عليه ان يعمد قبل رحيله عن هذه الدنيا الى جمع اوفر قسط من تراث التاريخ ونقله الى اولاده،وكذلك يقضي الواجب ان يعترف بفضل هذا المعين الذي لا ينضب،وهو ينبوع استمرار حياتنا..اي التاريخ.
علينا قراءة التاريخ بصورة موضوعية،لا بقدسية وان نتحرى ايضا الصحيح من الخطأ،فكم من الجرائم تقع نتيجة الاعتقاد الخاطئ بأن حدثا تاريخيا هو صحيحا ويتبين لنا بعد فوات الاوان انه كان خطأ!...فكلما علينا هو التعايش السلمي مع الاخر ونقل الصراع والعنف الى صراع سلمي حضاري يضمن العيش المشترك للجميع ويجعل الجهد البشري محصورا في بناء الحضارة التي لا زالنا في بدايتها،وليس كما يتصور الجميع انها النهاية...او نهاية الزمن!.
التعليقات (0)