قرأت لك
مختصر وتحليل وتعليق ونقد للكتاب
في سبيل موسوعة معرفية مختصرة(1)
مقدمة لابد منها:
أصبحت شعوب العالم العربي الادنى في العالم على مستوى القراءة والكتابة وتأليف وطباعة ونشر الكتب،وفي الاحصائيات العالمية توجد بلدان صغيرة تتفوق على العرب تأليفا وطباعة،كما وكيفا،وتلك مشكلة كبرى من مشاكل العالم العربي المستعصية،ويشترك الطرفان الحكومي والشعبي في أستفحالها وعدم أيجاد الحلول الناجعة لها والغريب في الامر أن الجاليات العربية في الغرب ورغم العيش المشترك لفترة طويلة الا أنها مازالت متأثرة ببعض سلبيات العالم العربي ومنها قلة القراءة والاهتمام بالمعرفة والتدوين رغم فرص العيش الرغيد والحرية الواسعة،عكس ما هو معروف عن العرب والمسلمين في العصور الاسلامية من أهتمام واسع لا مثيل له بالعلم والمعرفة،تطبيقا وسلوكا وتدوينا ونقله للاجيال اللاحقة وكتب التاريخ تعطي امثلة حية ونموذجية على ذلك.
رغم مرور أكثر من 40عاما على القصة الشهيرة،عندما التقى وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق موشي دايان(1915-1981) بهيئة الاذاعة البريطانية البي بي سي التي سألته من ضمن الاسئلة،أنه أستخدم نفس الخطة الهجومية في حرب 1956م والتي ذكرها في كتابه بعدها بعام،في حرب عام 1967م مجددا،والسؤال كان هل خاف ان يكون العرب يعلمون بها وبالتالي يكونوا مستعدين لها لدحر أسرائيل؟الجواب كان عن قناعة وثقة عالية بالنفس ايضا:كلا لان العرب لا يقرأون!!.بعد مرور تلك الفترة الطويلة لا يزال العرب في سبات تام ولا يقرأون!ولا ندري متى يصحون؟.
مهما تكن مشكلة الغالبية العظمى من عدم توفر الكتاب الى عدم توفر المال الكافي لشراءه الى عدم توفر الوقت للقراءة والتفكير(وكأن الجميع يعمل لفترات طويلة!) الى عدم توفر الرغبة وغيرها من الاسباب،أدعوا كل من لديه القدرة على كتابة مختصر مفيد وبامانة تامة للكتب التي قرأها مع تحليل وتعليق ونقد بسيط أن أمكن،للمساهمة في نشر متعة القراءة والمعرفة للجميع،ولا يهم نشر المختصر مع النقد والتحليل في الانترنت والصحف والمجلات،المهم هو ايصال المساهمة لاكبر عدد ممكن من القراء والتوصية لهم بنشرها شفويا أو تحريريا.
من هذا المنطلق بدأت بذاتي والمصادفة كانت لاخر الكتب التي قرأتها،وسوف ابدأ وعلى شكل حلقات متسلسلة اذا سمح لي الوقت بنشر المختصر ونقده وتحليله لاشهر الكتب التي قراتها وبعضها مر عليه سنين طويلة
وأتمنى ان تكون على شكل موسوعة مختصرة يشترك فيها الجميع لخدمة الجميع تحت شعار المعرفة للجميع .
الكتاب الاول
أوكار الهزيمة تأليف هاني الفكيكي
كتاب:أوكار الهزيمة،تجربتي في حزب البعث العراقي،تأليف هاني الفكيكي:
الكتاب يتألف من384ص من القطع المتوسط ومطبوع في قم بأيران للمرة الثانية بدون تاريخ! نقلا عن طبعته الاولى في لندن عام 1993م وهو كتاب سيرة ذاتية لكاتبه القيادي البعثي السابق ولايخلو من الجرأة والشجاعة الادبية في نقد الذات لما قامت به في الماضي من أخطاء مأساوية،وبالتالي هدفه عرضه للاجيال اللاحقة للاتعاض من التجربة القاسية والمرة والبحث عن طريق فيه حفظ حرية وكرامة الجميع بدون أستثناء.
الكاتب في سطور: هاني الفكيكي،ولد في بغداد عام 1936 وأنتسب الى حزب البعث عام 1954 أي عمره 18 عاما !وشارك في هذا السن الصغير في مسؤوليات حزبية ورسمية كبيرة بعد ذلك.شارك في أنقلاب 1963م واصبح عضو قيادة للحزب في العراق ومجلس قيادة الثورة،اطيح به في انقلاب1111و18111963م فصل بعدها من حزب البعث عام 1964م أكمل دراسة الصيدلة عام 1969 وأعتقل بعدها عدة مرات حتى مغادرته العراق نهائيا عام 1979م الى لندن حيث توفي عام 1997م ودفن في دمشق-السيدة زينب(ع).أنتهى
يتألف الكتاب من تسعة فصول اضافة للمقدمة.يبدأ الكتاب عن سيرة اسرته وأصولها القبلية،وهو من عائلة شيعية أصلها من جنوب العراق،والده القاضي والكاتب المعروف توفيق الفكيكي الذي ألف ما يقارب العشرين كتابا أشهرها كتابي الراعي والرعية وهو دراسة مقارنة بين النظرة الاسلامية للحكم والدساتير المعاصرة بالاستناد الى رسالة الامام على(ع) الى مالك الاشتر حين ولاه على مصر،والكتاب الاخر هو المتعة في الاسلام،اي الزواج المؤقت وتبيان الغاية منه لحماية المجتمع من الفساد،أما والدته فهي سنية أصلها من الدليم،أما نشأته فكانت في ضاحية الاعظمية السنية،ورغم شهرة والده ودفاعه عن المذهب الشيعي وأتذكر مناقشته ومعارضته لكتاب مصطفى كامل الشيبي عن الصلة بين التصوف والتشيع،الذي فيه كثير من الاتهامات الغير صحيحة والتي ردها بعض الفقهاء والمؤرخين،وأتذكر رد توفيق في مجلة الايمان النجفية وكان فيه تذكير بشيعية المؤلف ووالده،وأقارنه بما ذكره ابنه في الكتاب في تهاونه مع أبناءه الذين يصلون وفق المذهب السني وقد يكونوا معتنقيه نتيجة سكنه تلك الضاحية السنية المتعصبة،كذلك سوء تربية على الاقل واحد من أبناءه أي هاني دون أن يذكر المؤلف البقية من أخوانه، كان أنسانا منحرفا يشرب الخمر ويمارس الزنا مع البغايا في بغداد والتي يذكرها بدون خجل او حرج،يجعل القارئ يستغرب من موقف الوالد المتناقض!.يعترف المؤلف بان والده بعد التخرج من كلية الحقوق وتبوئه المناصب الهامة،كان حائلا دون اصطدام عائلته بالمسألة الطائفية حيث كان أبناء الجنوب الشيعي الفقير وممن كانوا يحملون أسماء تدل على شيعيتهم كانوا يلاقون التمييز الواضح في المدينة والادارات،ذلك التمييز الذي لا ينكره الا مكابر في كل العهود في العراق الحديث.كما يذكر كيف يتم ألصاق تهمة الشعوبية والانتماء الى العجم بكل شيعي بينما اغلبية من يطلقون ذلك هم من اصول تركية أو من القوقاز والبلقان!،كما يذكر كيف أنه رغم أنتمائه القومي فأنه كان مثل بقية أفراد جيله خائفا من الاتهام الطائفي وكيف أن هذا الخوف متوارث وأنه تزايد لدى الاجيال اللاحقة فسيف الاتهام بالطائفية بقي مسلطا على رقاب الشيعة وخاصة مثقفيهم ومتعلميهم على أختلاف الولاءات والاهتمامات!ومازال الاتهام موجها والخوف متغلغلا لدى الكثيرين الان!!.يذكر ايضا كيف فشل والده في الترشح للبرلمان عن الاعظمية رغم مكانته فيها عام 1950،وهودليل قوي على مقدار التفكك الطائفي في المجتمع العراقي وأنه لم يكن وليد الساعة عندما يتهم البعض امريكا أو المعارضة السابقة لنظام البعث المجرم بأنها المسبب للطائفية بعد عام 2003م.يذكر المؤلف في انحاء كثيرة مثالب الحكم الملكي،أبتداءا بسيطرة السنة العرب مرورا بالتركيبة البرجوازية والاقطاعية للحاكمين،وبفقر المجتمع وأهمال الدولة له بالاضافة الى حديثه الدائم عن المعارضة السياسية وكيفية تحركاتها وعملها الدؤوب لاسقاط النظام،ورغم أعدام النظام لقادة الحزب الشيوعي وبعض الضباط والفساد والطائفية وتزوير الانتخابات،ألا أنه بالمقارنة مع الانظمة المستبدة بعد عام 1963م فأن الامر جدا مختلف بل يصح أن يقال بأن العصر الذهبي للعراق في الحكم الملكي!،فالسماح بالتظاهرات والاضرابات وعمل الاحزاب والنقابات وأفساح المجال للصحافة بالعمل مع هامش حرية،كل ذلك حرم العراق منه بعد ذلك.
يذكر المؤلف في الفصل الثاني أسماء البعثيين الاوائل وأصولهم الدينية والمذهبية والمناطقية والطبقية من مختلف مناطق العراق ولكن كانت تنظيماتهم ضعيفة في الجنوب وقوية في الوسط،وكان اول امين عام للحزب في العراق فؤاد الركابي وهو شيعي من الجنوب وكانت نسبة الشيعة عالية في القيادات ومعظمهم من المهاجرين الى بغداد او طلاب فيها،ثم يذكر تشدد الحزب في قبوله الاعضاء حيث جعل خمسة مراتب طويلة الامد وبعدها تتم العضوية!وهو تقليد حتى سقوطه المدوي عام 2003م،ولان كان الحزب جديدا لذلك وصل الى اعلى المراتب فيه حتى بداية السبعينات شباب صغار السن ارتكبوا الكثير من الجرائم والحماقات نتيجة قلة الخبرة وعنفوان الشباب وطيشه،ولكن بقائهم فترة طويلة في الحكم جعل الحزب شيخا خرفا بأعضاءه تمسكه عصا الديكتاتورية.معظم قيادات الحزب واعضاءه الاوائل تمت تصفيتهم على مراحل عديدة ولكن حصة الاسد كانت من نصيب المجرم صدام.أعترف المؤلف بأن عدد اعضاء الحزب الشيوعي ومؤيديه كان كبيرا جدا يقدر بعشرات الالآف بينما حزب البعث بضع مئات!ومع هذا منح زعيمه حقيبة وزارية أسوة بغيره وبدون تناسب.تحدث المؤلف كثيرا عن علاقة عبد الناصر مع حزب البعث وتحالفه مع جناحه في العراق لاسقاط الجنرال عبد الكريم قاسم،وصراعه مع جناح الحزب في سوريا! ودعمه كذلك لكل المحاولات الانقلابية،كل ذلك في سبيل الابقاء على زعامته الديكتاتورية الزائفة وتوسيعها بعد ان نافسه قاسم بعقلانيته ووطنيته وكذلك شخصيته وثقافته القوية،ويكفي المقارنة بين اسلوبيهما في الكلام،كان عبد الناصر يستخدم العامية لعجزه وقاسم الفصحى لاتقانه لها،وقد سبب تدخل عبد الناصر المستمر حتى سقوط قاسم في 8شباط 1963م وبعد تسلم أعوانه تناسى الجميع الوحدة العربية وضاعت احلامهم الزائفة في خضم صراعاتهم الدموية،وبذلك يكون عبد الناصر وحزب البعث المسؤولين عن كل الجرائم سواء في تمرد الشمال عام 1959م والذي أدى الى أنتقام الشيوعيين والاكراد مما سبب مقتل بين 3-5 الاف،وقد أجج مشاعر الحقد والانتقام التي أنفجرت عام 1963م مما سبب سقوط أكثر من 20الف ضحية في ظرف 9 أشهر في بلد لا يتجاوز 6 ملايين،بينما كان حكم قاسم بأعتراف أعدائه رحيما مع الخصوم مما سبب ذلك سقوطه!.
تكلم المؤلف كثيرا عن مؤسس الحزب ميشيل عفلق،وفكره وشخصيته مما يجعل من كتابه أحد الوثائق الهامة لتاريخ هذا الحزب الدموي والي بني على القتل والغدر والتخريب عكس الاحزاب الوطنية الاخرى.ومن ابرز ما تميز هذا الحزب واصبح في نفس الوقت سمة له ولاتباعه فقره الفكري وتفاهة افكاره التي جمعها من الماركسية والاسلام والقوميين العرب!في تناسق غريب وساذج ويذكرني هذا بالجدل الفكري ايام الديكتاتور ستالين في الاتحاد السوفييتي عندما رفض الكثير من الماركسيين فكرة قيام الاشتراكية في بلد واحد بل يجب ان تكون على مستوى العالم!معللين ذلك بأن الرسمالية والحروب سوف تجهضها بينما اذا انتصرت في العالم لا احد حينها يستطيع القضاء عليها،الا ان ستالين باجرامه المعهود تبنى الاشتراكية في بلد واحد،وأدعى ان تلك نظريته الخاصة للتغطية على جهله الفكري المفضوح وسجله الاجرامي المكشوف،وقد تكرر ذلك عند تلميذه النجيب الذي لم يراه،صدام التكريتي وجميع مواصفات ستالين تنطبق عليه أدعى ضرورة تطبيق الاشتراكية في بلد عربي واحد وهو العراق،عام 1976م بعد ان أدعى بعض البعثيين ضرورة قيامها في جميع أقطار الوطن العربي!محاولات مكشوفة لحزب وزعيمه للتغطية على جهلهم الفكري وتأريخهم الاجرامي البشع،هذا مثال بسيط على سرقة الحزب لفكر الاخرين ونظرياتهم.ضحالة فكر البعث وجهل اتباعه وأميتهم الثقافية لم يبنى من فراغ بل كان مؤسس الحزب عفلق نموذجا مميزا له فقد كان كتابه الرئيسي في سبيل البعث مجموعة مقالات وأحاديث مجموعة في كتاب واحد ولم يكن له سفر فكري يذكر له بل ان الكثير من أفكار البعث مأخوذة من زكي الارسوزي الذي ترك البعثيين وتركوه،وتميز البعث وخاصة في جناح العراق بجهل أفراده وهذا مايؤيده المؤلف من أن الجناح في سوريا متقدم عليه في النوع من حيث كثرة المثقفين فيه،وقد أعترف عفلق حسب المؤلف انه لم يقرأ كتابا واحدا منذ عام 1956م وهذا حديثه بعد عدة أعوام وقد يكون ذلك لغاية وفاته عام 1989م والغريب في الامر أن تلميذه طارق عزيز يذكر ذلك عن نفسه في مقابلة تلفزيونية مع ال بي سي اللبنانية عام 1999م من انه لم يقرأ كتابا منذ عام 1958م وهو يعتبر عن البعض من مثقفي الحزب !!لقد اصبح الحزب وأعضاءه مثالا للسخرية والاحتقار من قبل الشعب العراقي منذ عام 1963م بعد ان اجتمعت فيهم كل الرذائل والموبقات.كان عفلق نموذجا للانتهازية والجبن أيضا ويذكر ذلك في مواقع عديدة من الكتاب وخاصة في رسالة الذلة لحسني الزعيم ديكتاتور سوريا حينها يتوسل العطف والعفو،وهذا مادرج عليه أعضاء البعث ومنهم البكر عندما أزاحه عبد السلام عارف في نوفمبر1963م.
يذكر أيضا تدخلاته في الصراع بين الحزبيين وكيف يميل للاقوى مما جعل البعثيين وخاصة السوريين يطالبون بأقصاءه من الحزب بعد أن اصبح عبئا وعارا عليهم،يالسخرية ذلك الحزب الذي يطرد مؤسسه قبل ات تطرده الجماهير.وعلى العكس منهم تميز منافسهم الرئيسي وهوالحزب الشيوعي بتراثه الفكري الغني بسبب عالميته وتأسيسه على يد كبار الفلاسفة والمفكرين مما جعل له بغض النظر عن خطأ أو صواب نظريته فكره المتميز والثري والغني عن التعريف مما يجعل مقارنة فكرالبعث معه كالقزم أمام العمالقة،ويكفي البعث عارا قتله أفراد الطبقة المثقفة لمختلف التيارات وتزعم الجهلاء والرعاع له وجعلهم مفكرين !والبكر وصدام قمة في الجهل والهمجية والوحشية خيرا مثال على ذلك.
التعليقات (0)