قد يكون العقيد على حق...
جمال الهنداوي
قد اصدق ملك الملوك رعاياه المعتمدين القول, من رؤساء وملوك القارة السمراء,حين دعا في تصريح يسير بموازاة عالم الأحلام إلى سن القوانين وتعديل الدساتير لكي تتيح للرؤساء البقاء في السلطة من دون المرور بالفقرة المقيتة التي تدعو إلى التقيد بفترات رئاسية محددة..
فقد تكون للعقيد تجلياته ورؤاه السريالية لما لا يحتمل..وقد تكون له تنبؤاته وشطحاته التي لا يتحكم في مساراتها ..وقد يصح له ما لا يصح لغيره..ولكنه على الأقل ينطق بما يضمره الغير في قلبه.وما تنطوي عليه الجوانح..وما تغلق عليه الأفئدة..
يقول العقيد مستشرفاً حافات الكون البعيدة ومستنطقاً المستقبل «أنا إلى جانب تعديل الدساتير.. مع إني أجد معارضة من المعارضة في هذا، أنا إلى جانب حرية إرادة الشعب، وليس إلى جانب الحبر على ورق».والحبر والورق هنا في رأي العقيد هو ما يطلق عليه الدستور..
يقولها..وقد لا يعجبنا ما يقول.. ولكننا بعد اثني عشر مليون نعم للتصخر في اللا معلوم. وبعد الإخراج الرديء والمتخلف للصداع الانتخابي المستعاد بإلحاح في الجزائر ..لا نجد إلا أن نقول له صدقت أيها الأخ القائد..
فنسبة التسعين بالمائة المغمسة بالدعاء والزغاريد والهتاف والتصفيق والتهليل, وخصوصا وإنها جاءت بعد مسيرة من دورتين انتخابيتين مملتين اعترف الرئيس بعدهما أن اليد الواحدة لا تصفق..-فلماذا تصفق وحيدا ًسيدي الرئيس – وأن مشاكل الجزائر لا تحل إلا بخاتم سليمان, وبعد معركة متطاولة لاهثة لتعديل للدستور, تجعلنا نتيقن بان الديمقراطية في بلاد العرب هي أكثر مواطن هدر المال العام كلفة..
فمن المؤلم استيعاب أن كل تلك الجهود والحشود وساعات العمل الضائعة ، والمبالغ التي سفحت والحناجر التي بحت ، والمداد الذي سكب والتعليقات الذكية والتخريجات الفقهية وما وثق من عهود وما أغلظ من أيمان ،كلها وجدت لكي يعيد الرئيس تمثيل مشهد دخوله إلى التاريخ من اتجاهه المعاكس..كما قال احد العقلاء..
يتساءل السيد جمال الدين بوزيان " لا أدري ما الذي منعهم من جعل نسبة الفوز تقارب 99% ؟ هل ولّت موضة هذه النسب؟ " ونحن أيضا نتساءل ..ولم الانتخابات أصلا ؟
والآن,هناك في أقصى الغرب..في بلد المليون شاعر..حيث لا يملك الناس غير الشعر يلوكونه بأفواههم.. يستعد جنرال آخر للفوز.. فمن سخرية القدر وقلة الحيلة أن تقوم بأعباء الانقلاب..ولا تنظم انتخابات بعدها..وتفوز ..فما جدوى الجيوش التي تكلف أطنان من الخبز والأحلام والحقائب المدرسية..إذا لم تكن وسيلة مضمونة لوصول الجنرال لمشيخة دولة مشغولة بالظروف الاحترازية والاستثنائية وقوانين الطوارئ التي لا يبدو أنها ستنتهي يوما.
فالديمقراطية في بلادنا لا تعد أكثر من مضيعة للوقت ومنقصة للرجولة.. زائدة دودية..واجبة الاستئصال..فانفجارها في جسد السلطة يشي بما لا يحمد أوله ولا منتهاه ..
ففي بلادنا تساس الأمور أساساً ومنطقياً بالسيف..فلقد قال حكماؤنا منذ الأزل, من جاء بالقوة.لن يدوم ملكه إلا بالقوة ..وإلا فالمزيد من القوة.والحاكم عندنا لا يترك منصبه وصولجانه حتى لو أراد..فالحكم كالموت.."لا يأتي الإنسان إلا مقسرا".
بلادنا تقطر دما. دول قامعة ومنتهكة لحقوق الله والعباد .دول اقصائية والغائية ومنغلقة ونافية ورافضة للآخر. و الحاكم ينظر للسلطة كأسلاب حرب أو غنائم قتال, وهي هكذا منذ تشكلت في عمق القدم الموغل في العتق..والجنرالات في بلادنا يتداولون الحكم ما بين انقلاب وانقلاب.انقلاب يطيح بالشعب قبل أن يطيح بالمنقلب عليه. ولكل حاكم عندنا تؤامان سياميان..قانون الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب ..وتبدل الخطاب يحدده كفاءة وبلاغة كاتب خطابات الرئيس ومدى قدرته على حشو الآمال في اسطر معدودة.
سيفوز الجنرال حتماً مدعوماً بتواطؤ عربي مسكون باللهفة لاستقباله كزعيم..فالزعامة في بلادنا شرطها الاستبداد..ولا مكان فيها للضعفاء الذين استبدلوا السوط والسيف بأوراق وصناديق وأصابع بنفسجية.
بماذا يعني هذا..أجاب رجل موريتانيا القوي حين سأله الصحفي"هل تعتبرون أنكم لا تزالون في إطار بيان الجزائر1999؟".. لم يفهم ولد عبد العزيز السؤال .. ففسر له الصحفي " بيان الجزائر1999 هو إعلان يرفض الانقلابات العسكرية في إفريقيا و لا يقبل كل من يصل إلى الحكم عن طريق انقلاب عسكري(...)"قد يكون فهمها عندها ..وقد يكون استوعب التهكم المختفي خلف السؤال..ولكن إجابته بقيت..وماذا يعني هذا.
التعليقات (0)