حکم على رجل بالاعدام، وعندما أرادوا أن يلبوا آخر أمنية له قبل أن ينفذ فيه الحکم، طلب أن يرى أمه، ولما حضرت أمامه وهي غارقة في دموعها، طلب منها أن تدع لسانها خارجا لکي يقبله ومع إستغرابها لما طلبه لکنها مع ذلك إستجابت له وماأن صار لسانها خارجا حتى أطبق عليه بأسنانه بکل قوته و قطع لسانها، ولم يدع الاستغراب و الحيرة يأخذ بالحضور إذ سارع بالقول و الدماء تتقطر من فمه: لسانك هذا من أوصلني الى هذا المصير، فقد کنت تثنين على کل عمل خاطئ أقدم عليه و تشجعينني على المضي قدما في طريق الضلال، ولذلك فإنه يستحق ذلك!
هذا الرجل الذي ترعرع في حضن هذه المرأة التي يبدو أنها لم تکن تکترث بنتائج و تداعيات مايقدم عليه بقدر ماکان يهمها أن يحضر لها شيئا ما سوائا کان من عرق جبينه أو من جراء سرقة، ولم يتسنى لهذا الرجل وهو في بدايات حياته أن يفکر او يتصرف خارج مشيئة و ادارة والدته، ولذلك إنساق و إنجرف في هذا السبيل حتى أوصله الامر في نهاية المطاف الى خشبة الاعدام عندئذ يبدو أن رهبة القصاص قد دفعته کي يراجع نفسه مليا و يبحث عن السبب الحقيقي الذي قاده الى هذا المصير الاسود، وهنالك لحظات توقد فريدة للذهن الانساني حيث يصل الى حقيقة تصل الى حد البديهية في رمشة عين، وطبعا لم يکن بوسعه التفکير بهکذا عقلانية من دون وصول الامر الى هذا الحد المأساوي، لکن طبعا لو قدر له أن يفکر کذلك(قبل وقوع الفأس بالرأس)، لکان مصيره مختلفا بالمرة، هذه الحکاية اوردناها ونحن نرى"إلقاء"و"وعظ السوء" الذي يعاد طرحه ليل نهار على مسمع رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي من جانب النظام الايراني و التي قطعا لاتصب في مصلحة العراق و شعبه بل حتى أنها لاتخدم حاضر و مستقبل المالکي نفسه بشئ بقدر ماتخدم مصلحة و أهداف قادة النظام الايراني بعيدة المدى، ولو تتبعنا الخط العام للسياسة التي ينتهجها المالکي فإننا نجد انها لاتستند على أسس و رکائز تخدم مصلحة العراق وانما تتخذ سياقات تلبي أهداف و طموحات هذا النظام المتطرف بصورة يکاد أن يتصور المرء وکأن العراق مجرد إقطاعية صغيرة تابعة له وليس له أي حول او قوة من دونه!
وعندما نستحضر تلك الجريمة النکراء التي وقعت يوم 8 نيسان الماضي و ذهب ضحيته 36 من أفراد معسکر أشرف العزل فإنه وعلى الرغم من التبريرات السمجة و المثيرة للسخرية التي طرحتها حکومة نوري المالکي لإقدامها على تلك الجريمة المخالفة للأعراف و القوانين الدولية، فإنها لم تتمکن أبدا من إقناع ولو جهة دولية محايدة واحدة بذلك، حيث أن سکان أشرف قد قاموا بتوثيق الجريمة و تصويرها بدقة و حرفية عالية لامجال لتبريرها او التهرب منها، ان بشاعة الجريمة الموثقة تلك هي من القوة بحيث تدفع کل انسان حر صاحب ضمير حي أن يتألم من أعماقه و يسخط على اولئك المهاجمين المجردين من أبسط إحساس إنساني، ولم تملك مذيعة عربية مشهورة حضرت مؤتمر باريس الاخير بخصوص الابعاد القضائية لمشکلة أشرف وهي ترى الفلم الخاص بجريمة 8 نيسان المنصرم البشعة، إلا أن تدير وجهها و تهتف: ياربي ماهذا؟ و سألتني وقد ظهر إنفعال غريب من نوعه على تقاسيم وجهها: هل هذا الذي نشاهده حقيقة؟ الحق أنني أعطيتها الحق کاملا لکي تتسائل هکذا والاعلام العربي ينأى بنفسه جانبا عن کل شأن يتعلق بالنظام الايراني خصوصا فيما لو تعلق الامر بمجاهدي خلق الذين يقارعون الدکتاتورية الدينية مثلما قارعوا الدکتاتورية الملکية للشاه قبل ذلك، ذلك أن الاعلام العربي مافتأ يجامل او يماشي بصورة او أخرى النظام الايراني ولاينقل عن المجاهدين حتى ولو(لاتقربوا الصلاة)، في الوقت الذي ينقل و يعکس تماما کل آراء و طروحات النظام بخصوص خصومه من المعارضة الايرانية النشطة و على رأسها منظمة مجاهدي خلق التي مازالت تشکل کابوسا مرعبا للنظام، مؤتمر باريس قد تدارس قضية أشرف من خلال البعد القضائي لها و دقق في جريمة 8 نيسان من خلال الاعراف و القوانين الدولية، وهو أمر طفق يأخذ بعدا جديا خصوصا بعد قرار المحکمة الاسبانية بإستدعاء لفيف من المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم نوري المالکي لإستجوابهم بخصوص تلك الجريمة البشعة بحق الانسانية، وان تأکيدات الحقوقيين الذين شارکوا في مؤتمر باريس تذهب الى أبعد من مجرد طروحات و أفکار نظرية ليس بالامکان تفعيلها على أرض الواقع، بل أن هناك حقا مساعي حقيقية بهذا الاتجاه وهي لن تهمل او توضع جانبا و الخطر مازال محدقا و قائما وکما لم تذهب دماء ضحايا مجزرة سربرنستا سدى فإن دماء تلك المجازر التي جرت بحق سکان أشرف العزل أيضا لن تذهب من دون مسائلة او حساب وان نوري المالکي الذي يتمتع اليوم بحکم منصبه بحصانة تحفظه من أن تطاله أية أحکام او قوانين، حري به أن يفکر بتلك الايام التي سيغادر خلالها کرسي رئاسة الوزراء وهو أمر لامناص منه(لو دامت لغيرك لما وصلت إليك)، ولاسيما وان خريف النظام الايراني قد بدأ فعلا حيث أن تزعزع نظام دمشق(الممانع)، و النتائج و التداعيات المستخلصة من ذلك خصوصا من حيث خنق ذلك الحزب الذي ملأ الدنيا صخبا و لغطا في سبيل رجال الدين المتطرفين في طهران و قم، تدفع المراقبين و المحللين السياسيين الى إدراك حجم"التوجس و الرعب"السائدين في اوساط النظام الايراني وان ارسال قوات من الحرس الثوري و من حزب الله اللبناني من أجل دعم النظام السوري ضد شعبه الثائر ناهيك عن المليارات الستة التي وهبها عن طيب خاطر ولي أمر المسلمين لهذا النظام الدکتاتوري غير شرعي الآيل للسقوط، بل وان مسايرة حکومة المالکي و شخص رئيس الوزراء نفسه لأهواء و ميول و"نصائح"و"مواعظ" السوء المتلاة عليهم من طهران إنتصارا لنظام دمشق المتهاوي، هي الاخرى علآمة استفهام کبرى توضع على جبين المالکي و تفضح حقيقة عدم حيادية و استقلالية القرار السياسي في العراق مما يضع سيادة العراق ذاته في دائرة الشك قبال النفوذ الايراني المستشري في العراق و تضع المالکي مرة أخرى تحت طائلة المسائلة و الحساب، وقد يکون هذا الوقت بالذات مناسبا لرئيس الوزراء العراقي کي ينأى بنفسه بعيدا عن الاهواء و الميول غير المسؤولة للنظام الايراني و يبدأ بإنتهاج سياسة أکثر استقلالية و اقرب من روح السيادة العراقية، وان النصر الذي حققه هرقل أمبراطور الروم على الامبراطورية الفارسية لم يکن ممکنا لو لم يعد هرقل الى رشده و يتخذ سياسة أکثر حکمة و إتزانا، وبإمکان المالکي أن يحدث معجزة سياسية سيذکرها التأريخ بل وانه سيثبت للعالم الاجمع استقلالية و حيادية شيعة العراق عن النفوذ المفرط للنظام الايراني، الحق نقول، ان إتخاذ هکذا قرار من جانب المالکي صعب جدا ويکاد أن يصل الى درجة المستحيل لکنه في نفس الوقت مثل الهدف القاتل الذي ينتظر لحظة مباغتة و تذهل الريق الخصم، ونتسائل: هل سيفعلها المالکي و يقطع لسان رجال الدين قبل أن يحاسب على مافعله إقتدائا و إلتزاما بنصحهم و إرشاداتهم، وهل سيکون أفضل من ذك الرجل الذي قام بمافعله وهو في لحظة يأس مفرطة؟ اسئلة مشروعة تطرح نفسها و تبحث عن إجابات شافية!
التعليقات (0)