لا يجرؤ إنسان عرف الإنصاف أن يغسل يد الضباط الأحرار وأولهم جمال عبد الناصر من دم الرئيس المغدور به اللواء محمد نجيب حين انقلبوا عليه وأذلوه وحددوا إقامته بمنزله حتى الموت دون ذنب أو جريرة منه سوى المطالبة بتحقيق الوعد بالعودة إلى الثكنات وتسليم السلطة للشعب المصري إثر انقلاب أو حركة أو ثورة يوليو 1952 على يد الضباط الأحرار ضد الملك فاروق ..
ولا يجرؤ إنسان عرف الإنصاف وترك العين التي ينظر بها لجمال عبد الناصر كزعيم الوحدة العربية وباني السد العالي وقائد حركات التحرر من الاستعمار – وهذا حق لا ننكره أبداً-
ثم نظر بالعين الأخرى إلى جمال عبد الناصر الحاكم المصري (الداخلي) أقول لا يجرؤ أي منصف أن يغسل يد عبدالناصر من (عار) الاستبداد والحكم المطلق والديكتاتورية..
ابتداء من إلغاء الأحزاب وسيادة الحزب الواحد (الاشتراكي) ..
وإطلاق يد زمرته من الطواغيت المجرمين( شعراوي جمعة .. وحمزة البسيوني.. وصلاح نصر.. والدجوي .. وشمس بدران) ليلغوا في دم الشعب المقهور عن طريق أشرس الأجهزة الأمنية القمعية (القلم السياسي) حتى وصل الأمر إلى خوف الإنسان أن يكلم حتى نفسه ..
وصار تجسس الأخ على أخيه وتقديم الابن تقارير التجسس على أبيه وأسرته إلى (القلم السياسي) الذي استخدم تهمة (عدو الثورة) كمسوغ كاف لإعدام من توجه إليه ولو بالمزاج الشخصي أو بالنكاية أو بالتلفيق ..
نظام عبد الناصر أعدم أفضل رجل في الإخوان الشهيد / سيد قطب وستة من الرجال معه .. وقضى على السيدة المحترمة / زينب الغزالي بالمؤبد في السجن الحربي مقروناً بأشد ألوان التنكيل والعذاب .. نظام عبد الناصر ضرب أفضل رجال القانون في تاريخ مصر العلامة والفقيه القانوني والدستوري الأشهر عبدالرزاق السنهوري بالجزمة "الحذاء " على رأسه ..
كما أقام مذبحة القضاء بإحالة الكثيرين من القضاة الشرفاء إلى التقاعد وإقالته من مناصبهم لتأديبهم ..
جمال عبد الناصر نفسه أسلم جيش مصر العظيم ليد أحد أصدقائه (الرائد) عبد الحكيم عامر والذي لم تكن مؤهلاته لترأس أقوى جيش في الشرق الأوسط سوى أنه صديق عمرالرئيس ناصر .. ورفيق رحلته .. وزميله في حركة الانقلاب فرفعه من رتبة الصول إلى رتبة (المشير) أعلى رتبة في القوات المسلحة المصرية في تجاوز لجميع قواعد الحق والمنطق والأصول العسكرية !!!..
وكان من نتيجة ذلك أن الشعوب العربية الهادرة من المحيط إلى الخليج والشعب المصري الثائر والملتحم مع الجيش المتنمر لإبادة الكيان الصهيوني اللقيط الذي لم يزد عمره في الحياة عن تسعة عشر عاماً واسترداد فلسطين من أيدي المجرمين حتى سادت عبارة (إلى اللقاء غداً في تل أبيب) وعبارة (سنلقي إسرائيل ومن وراء إسرائيل _أمريكا يعني- في البحر) هي كلمة التحية الرائجة بين الشعوب العربية دلالة على تهيؤ الجيش المصري لالتهام إسرائيل ومن وراء إسرائيل !! ..
ولم تغرب شمس الخامس من يونيو عام 1967 حتى كانت تل أبيب - الكيان اللقيط - تضع أيديها على ثلث مساحة مصر وأراضي سوريا والأردن بالإضافة إلى ابتلاع باقي فلسطين ..
كل ذلك قبل أن تمتد يد أي جندي في الجيش المصري سلاحه الراقد بجانبه ..
بينما المشير – قائد الجيش المصري .. والصديق الأثير لزعيم مصر والعرب .. كان في طائرته بالجو عائداً ليس من تفقد قواعد وتجهيزات الجيش .. بل عائد من حضور إحدى حفلات الغناء التي أغرق فيها
وهكذا تلقت مصر أفدح هزيمة على مر تاريخها الطول على يد نظام (الزعيم) جمال عبدالناصر .. وعلى يد زمرته من أصدقائه .. ورفقاء السلاح من والأومباشية والصولات .. علاوة على زبانية التعذيب والمعتقلات الذين أذاقوا الشعب .. وساموه سوء العذاب ..
في أعقاب هزيمة يونيو المريرة جلس زعماء الصهاينة والأمريكان الغرب - كما يجلسون الآن- على قرافيصهم ينتظرون لحظة الانهيار الكبير لمصر ..
ينتظرون أن يروا عبد الناصر مشنوقاً في ميدان التحرير ..
ينتظرون ركوع الشعب المصري وإعلان الهزيمة والخضوع لإسرائيل وعلى وقع بيان عبد الناصر الذي أعلن فيه هزيمة مصر والعرب .. وكان الانفجار ..
انفجرت مصر ..وانفجرت الشعوب العربية مطالبة عبدالناصر بالوقوف على قدميه وعدم التسليم .. كانت مصر وشعبها من الوعي إلى الدرجة أنها لم تلفت إلى محاسبة عبدالناصر بقدر ما تدافعت إلى رأب الصدع ولملمة الشمل والصمود في وجه الانهيار ..
وقفت مصر كلها خلف القائد المنهزم والمسئول الأول عن الهزيمة بلا منازع ..وقفت مصر كلها بدموعها ..وجراحاتها .. وآلامها .. ومرارتها .. ودمائها خلف القائد المنكسر لتدعمه ولشد من أزره ولتمنع شماتة الشامتين ولتصد أطماع المجرمين فيها ..
وقام عبد الناصر من جديد وأخلص لشعبه ..
وأعاد بناء قواته المسلحة من جديد ..وأعاد تنظيم الجيش .. وقام ببناء حائط الصواريخ ..
وبذل كل ما في جسده من عرق وماء ودماء في سبيل استعادة أرض سيناء السليبة..
إلا أن المنية وافته في سبتمبر عام 1970 .. مات عبدالناصر ..
مات عبد الناصر ولم يمهله القدر للثأر واستعادة سيناء الرهينة في قبضة الصهاينة ..
ومع ذلك ورغم ذلك بكت مصر كلها .. بل بكت الشعوب العربية كلها جمال عبد الناصر ..
شيعت مصر ابنها .. وحلمها ..وغفرت لها جميع ذنوبه في حقها ..
وشيعته في أضخم جنازة عرفتها البشرية وسجلها التاريخ ..
ستة ملايين إنسان ساروا في جنازة جمال عبد الناصر ..
ولا يزال جمال عبد الناصر حياً ومحبوباً وأثيراً في قلوب الشعب المصري ..
الشعب الذي ساند جمال عبدالناصر الذي تسبب في هزيمة مروعة فرفض أن يشمت فيه الأعادي ونظر لصالح الوطن بأكثر مما نظر في الانتقام من شخص رئيسه المذنب ..
وحسني مبارك لم يرتكب هزيمة بحجم الهزيمة التي ارتكبها جمال عبدالناصر ..
وحسني مبارك لم يهرب وتحمل مسئوليته أمام التاريخ مثلما لم يهرب عبدالناصر وتحمل مسئوليته أمام التاريخ .. وآثر - كقائد عسكري- آلا يترك بلده - التي أضرها أشد الضرر- دون أن يسلمها في البضعة أشهر الباقيات له في الحكم تسليماً آمنا يضمن ألا تقع البلاد نهباً للفراغ التشريعي ونهباً للفوضى ومطمعاً للأعداء المتربصين على حوافيها .. والمتسللين إلى داخل عمقها في الأيام الأخيرة ...
الغريب ..والعجيب ..والمدهش ..أن شعب مصر غفر لعبد الناصر خطيئته العظمى التي لا تقارنها مرارة عشرة آلاف عام من الفساد ووقف شعب مصر خلف عبد الناصر اقاذاً لمصر من الخراب والضياع .. إلا أن أخواننا وزملاءنا الناصريين الأعزاء( بحق) لم يمنحوا (حسني مبارك) من العذر أو المهلة واحد على مليون مما منحته مصر لابنها الزعيم جمال عبدالناصر الذي أمنى بنا هزيمة 67ضاعت فيها كل سيناء التي لا زلنا ندفع ثمنها وما نحن فيه من آثارها السوداء ..
بل إن ابناء الزعيم ( جمال عبدالناصر) قد ذهبوا في مظاهرات ميدان التحرير يطالبون بالخلاص من حسني مبارك وتنحيه عن الحكم لاستشراء الفساء في عهده !!!
الله .. الله .. الله .. الله .. أي فساد يا هذا ؟!
أوليس من ذات عجينة فساد زمرة الزعيم الملهم جمال عبدالناصر؟! ..
وهل في زمرة ونظام مبارك - على طغيانه واستبداده وشراسته- ما يمكن أن نقارنه بشعراوي جمعه.. والدجوي.. وشمس بدران.. وصلاح نصر .. والقلم السياسي.. والسجن الحربي .. والحزب الإشتراكي الأوحد.. والصحف الموجهة .. والأفواه المكممة .. وتقليد الفنانات والراقصات مقاليد ومصير مصر في أخطر أوقات عمرها ؟!!!
وهل حسني مبارك هو الذي ألحق بمصر هزيمة يونيو ؟!! ربما .. فالتاريخ انقلب ..
ولماذا لا تمنحون مبارك واحد على مليون من الغفران الذي منحته مصر المكلومة لوالدكم الزعيم (بحق) الراحل جمال عبد الناصر ؟!! .. أنتم قساة القلوب يا أبناء الزعيم الراحل ..
من عجب أن حسني مبارك كان من طلائع الجيش الذي هب للثأروالانتقام وإعادة سيناء..
وحسني مبارك هو الذي رفع علم مصر على (طابا) آخر ذرة تراب من ارضنا السليبة المحتلة في (05 يونيو 1967) ... عجبت لك يا زمن !!!!
الحاج محمد حسنين هيكل - (بصراحة) - رجل عبد الناصر .. وأحد أقطاب النظام .. ومخترع وصفة هزيمة يونيو بالنكسة.. وأحد أعمدة نظام عبدالناصر المسئولين عن الهزيمة المروعة .. وقائد معركة حشد الجماهير في الشوارع للمناداة ببقاء عبد الناصرفي الحكم وعدم ترك مصر في هذه المحنة ..
هو نفسه الآن الحاج محمد حسنين هيكل الذي يحرم على مبارك مجرد التنفس لمدة بضعة أشهر لتسليم البلاد تسليما آمناً ومنع وقوعها في براثن الفوضى والفراغ والدمار .. وكأن هزيمة يونيو واحتلال ثلث أرض مصر وأرضي بضعة دول عربية أخرى فضلاً عن ابتلاع باقي فلسطين ..كأن كل ذلك عند الحاج هيكل لا يستحق إسقاط الرئيس ناصر "فوراًُ" بل يستحق دعم الحشود حوله والمناداة ببقائه .. بينما حسني مبارك الذي كان ممن أ‘ادوا سيناء وطابا إلى حضن مصر لا يستحق منحه لحظة واحدة للبقاء لتسليم مصر تسليماً آمنا .. .. عجبت لك يا زمن !!!
نحن لا ندافع عن شخص مبارك .. فنحن من معارضيه الألداء ..ومن منتقديه الأشداء..ومقالاتنا السابقة .وقبل أن تحبل مصر بانتفاضة شباب التحرير الطاهرة تشهد على ذلك .. ولكننا رأينا فقط أن مصر اهتزت بشدة الآن كما اهتزت بشدة عقب الهزيمة المريرة ..وأعداء اليوم هم أنفسهم أعداء الأمس وربما زادوا كثيراً يقفون متلمظين متربصين منتظرين انهماك الناس بمطاردة واسقاط رئيس مصر للنيل منها واشاعة الفوضى فيها وربما الاعتداء العسكري عليها أو على سيناء لانشغال الجيش بفض فوضى الشعب ..
نقول أن مصر ساندت عبدالناصر رغم خطاياه التي لا تغتفر .. ومصر يجب أن تساند حسني مبارك بضعة أشهر رغم خطاياه التي لا تبلغ عشر معشار خطيئة هزيمة يونيو 67 التي يحمل أوزارها عبدالناصر نفسه قبل نظامه ..والتي ما زالت مصر تدفع ثمكنها الفادح حتى اليوم رغم مرور أكثر من خمسين عاماً عليها ..
مصر .. واستقرار مصر .. والموت في سبيل عدم انهيار البلد ..
وعدم وقوعها في أيدي أعاديها هو ذات الهدف الذي جعل مبارك لا يغادر الميدان كما سبقه إلى ذلك جمال عبد الناصر .. مصر لها شخصية خاصة ..
مصر لها طبيعة أخرى لا يعرفها إلا من عجن جسده من طين هذا البلد العريق الأصيل الضاربة جذوره في أغوار الحضارة والتاريخ ..
التعليقات (0)