ماهي الردة:
الردة بكل بساطة هي خروج من الاسلام. هي تغيير الاتجاة الفكري والقناعات العقائدية من ساحة الايمان الى ساحة الكفر,وهي بلا ادنى شك معصية كبيرة جدا جدا كيف لا وهي انقلاب ثوري على المقتضيات والعقائد الايمانية وهي الكفر بعينة بذالك الايمان..!
ولكن السؤال الكبير:
هل الكفر بالله هي رخصة وتهمة وفريضة كافية ومقنعة للمسلم لكي يقتل الكافر...؟؟
هل الكافر يقتل لكفره فقط ؟؟؟
الجواب من القران الكريم :
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة : 190]
لاقتل الا لمعتدي ويستوي هذاالمعتدي اكان كافرا او مسلما
اما ضمن الله عزوجل حرية الكفر كما ضمن حرية الايمان فقال:
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ
طبعا على ان يكون الحساب يوم الحساب يوم يقوم الناس للرب العالمين حيث اعد الله عزوجل نارا احاطت بهم بجدران من لهب وسعير فقال عز من قائل سبحانه
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً [الكهف : 29]
ولكن هناك فرق بين من يكفر في الدنيا حيث ان الله عزوجل اعطاه هذا الاختيار وبين ان يعاقبة هو الله عزوجل يوم القيامة ..؟؟؟ وهناك طبعا فرق شاسع ان ياتي من يدعي الاسلام ثم يقول انا سيف الله في الارض اقطع به رؤس الكفار.؟؟ وكأنه سلب حقا من حقوق البشر وهو حق الاختيار بين الايمان والكفرالذي اعطاه الله عزوجل لجميع البشر.. وكأنه ايضا سلب حق الله في عطاء الحرية لبني ادم فكأنه سلب حقين هنا , حق الحرية من الله للبشر و وحق البشر على الله في الاختيار ..! وكل من يمارس ويسلب هذين الحقين (حق الحرية وحق الاختيار ) يكون معتديا على الاخر وعلى الله عزوجل ولو كان الاخر كافرا...؟؟؟
فالله عزوجل خير الانسان المقدس الذي اسجد لة الملائكة وجعلة خليفة في ارضة فقال له :
هل تري ايها الانسان المكرم المقدس ان تكون مسخرا ام مخيرا ..؟؟؟
التسخير ام الاختيار فاختار الإنسان حرية الاختيار على عملية التسخير، وجاءت آية الأمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا}.هذة هي الامانه هي حرية الاختيار وحرية العقيدة وحرية الاراء والافكار بلا اكراه وبلا استبداد فالدين والإكراه في الرؤية الإسلامية ضدان؛ لا يمكن اجتماعهما.
فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم.
منذ أن أعطى الله الإنسان الأمانة وكلفه واستخلفه جعله حرا له أن يؤمن وله أن يكفر.
والحرية مقصد من مقاصد الشارع، ونعمة من نعم الله على الإنسان، وهي أيضا مصدر ابتلائه في الدنيا والآخرة
وهنا نقول ان الردة في حد ذاتها ليست هي المشكلة بل هي حرية اعطاها الله عزوجل للانسان المشرف المقدس والردة حينما تكون فكرية وتتعلق بتغيير في الأفكار والمعتقدات الشخصية دون وجود أسباب سياسية وراء ردته، لا يؤاخذ المرتد على ردته، ولا يقام عليه حد، بل يترك إلى رب العالمين هو يحاسبه في الآخرة
ولكم المشكلة تكمن فيما بعد الردة من افعال و مصاحبات التي ترافق "الردة" وهي تتعلق بأمور سياسية، أي في حالة أن يكون المرتد خطرا على البلد الذي ينتمي له نتيجة انضمامه إلى صفوف الأعداء، أو الاشتباه في خيانته
المرتد عن الإسلام لا يقتل وعلى دولة الخلافة حمايته ..!! بل وظيفة الدولة اصلا ان تؤمن للبشر وبني ادم كلهم بمسلمهم وكافرهم حالة الامان الفكري وحرية التعبير .؟وظيفتها هي رفع حالة الاكراة من كل مفاصل دولة الخلافة وقطع يد كل من تسول له نفسه ان يكره الاخر على الايمان كما تقطع يد كل من تسول له نفسه ان يكره الاخر على الكفر..؟؟؟
فآية السيف لم تنسخ حرية الاعتقاد كما يعتقد البعض.
مراجعة التراث الإسلامي ونقده، كما شدد على أنه لا بد أن يكون فن المراجعات والنقد لتراثنا أمرا دائما وجزءا من تعليمنا في مؤسسات التعليم الإسلامي، والجامعات الإسلامية
وهنا نقول لا بد من مقاومة الردة وحصارها، حتى لا تتفاقم ويتطاير شررها،ولكن مقاومتها تكون بالحجة..! فالحجة بالحجة والبينة بالبينة وليس بالسيف فالافكار لاتحارب بالسيف ..!
الإسلام لا يكره أحدًا على الدخول فيه، ولا على الخروج منه.
فالردة في حكم القرآن الكريم معصية خطيرة الشأن وإن لم تُفرض لها آياته عقوبة دنيوية.
الإسلام لا يعاقب على الكفر بذاته وإلا لعوقب اليهود والمجوس, و الكفر ليس تهمة, وقرار نهائي نافذ المفعول وجاهز للقتل
الردة بين مفهوم الحرية ومفهوم الاكراه:
فالقول بأن القتل يكون للردة وحدها ولا شيء معها أو سواها، يتنافى تنافيا واضحا مع قاعدة {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
الدين والإكراه في الرؤية الإسلامية ضدان؛ لا يمكن اجتماعهما. فمتى ثبت الإكراه بطل الدين. الإكراه لا ينتج دينا، بل ينتج نفاقا وكذبا وخداعا، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة. وكما أن الإكراه لا ينشئ دينا ولا إيمانا، فإنه كذلك لا ينشئ كفرا ولا ردة. فالمكرَه على الكفر ليس بكافر، والمكره على الردة ليس بمرتد
وهكذا فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم. ولن يكون أحد مؤمنا مسلما إلا بالرضا الحقيقي الذي أوضح النبي صلى الله عليه وسلم كنهه بقوله في الحديث المطول: "رضيتُ بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا". وإذا كان الإكراه باطلا حتى في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية، حيث إنه لا ينشئ زواجا ولا طلاقا، ولا بيعا، ولا بيعة، فكيف يمكنه أن ينشئ دينا وعقيدة وإيمانا وإسلاما؟
النتائج السلبية لمفهوم الاكراه الإكراه لا ينتج سوى الكذب والنفاق وكراهية الإسلام وأهله
انواع الردة :
1- الردة الفكرية السلمية :
والردة هنا هي مجرد موقف عقلي تغيير في الاتجاه الفكري فقط تحول وتبدل من حالة الايمان الى حالة الكفر, هذه الحالة لايقتل المرتد لأن ردتة فكريا فقط عقليا فقط يستوي فيها مع الكافر الاصلي من اليهود والنصارى وما شابه ويجب على دولة الحلافة حمايته من اي ظغط قد يمارس علية بالعنف المسلح نتيجة لتبديل الايمان بالكفر..! أما تحمي دولة الخلافة اهل الذمة الكفار كذالك تحمي المرتد فكريا ,, مابقيت و ظلت ردتة سلمية وفي اطار المواقف العقلية فقط,
وهنا نعم نقول هو خروج من الاسلام ولكن ليس خروج على الاسلام...!!!!
الدليل :
القران الكريم : وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر
ْ قول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا" (النساء: آية 137)، دليلٌ آخر على هذا التفريق، إذ إنها تنفي أي احتمالٍ لعقوبةٍ ما، فلو كانت عقوبة المرتد بكل أنواعه هي القتل، لما كان للمرتد هذه الفرصة في التردد بين الكفر والإيمان.
روى الإمامان البخاري ومسلم عن جابر قال: إن أعرابياً بايع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فأتى النبيَّ فقال: يا محمد، أَقِلْني بيعتي، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاءه فقال: أَقِلْني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال: أَقِلْني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها، وينصع طيبها"، وفي رواية البخاري: فبايعه على الإسلام. فلو لم يكن هناك تفريقٌ بين "الخروج على" و"الخروج من" لما كان مصير هذا الأعرابي إلا القتل
الردة الفكرية والسياسية المعارضة المسلحة:
وهنا يظيف المرتد مع ردته الفكرية ردة سياسية معارضة ومسلحة لغرض فرض حالة الاكراة على مجتمع المسلم بالعنف المسلح وبالاكراة وبالسيف وبالقهر وبالاستبداد ومصادرة حريات الاخر في حرية الاراء والافكار والعقائد وهي حالة اشبه ب بالخيانة للوطن وموالاة أعدائه بالإلقاء بالمودة إليهم وإفضاء الأسرار لهم جريمة كبرى، ولم يقل أحد بجواز إعطاء المواطن حق تغيير ولائه الوطني لمن يشاء ومتى يشاء
والردة هنا ليست مجرد موقف عقلي، لكي يقتصر الحديث فيها على مناقشة مبدأ حرية الاعتقاد، بل هي أيضًا تغيير للولاء، وتبديل للهوية، وتحويل للانتماء. فالمرتد ينقل ولاءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى، ومن وطن إلى وطن آخر
الردة يصبح لها عقوبة دنيوية إذا كانت حرابةً وخروجاً على الأمة مثل الخيانة الوطنية وهي هنا نعم خروج على الدين وخروج على الاسلام يقتل المرتد هنا لابسبب ردتة بل بسبب الخيانة العظمى وبسبب الانظمام للعدو الصائل المسلح ..!
ردة السلطان، ردة الحاكم:
أخطر أنواع الردة: ردة السلطان، ردة الحاكم، الذي يُفترَض فيه أن يحرس عقيدة الأمة
لا تدخُّلَ للسلطة في ضمير الفرد، والاعتقاد يجب أن يقوم على حرية الفرد واطمئنان قلبه
أن هناك استغلالا سياسيا من قبل السلطة لاستخدام هذه الصلاحية في الحكم بالردة.
لتفويض الفقهاء للحاكم في الحكم على المرتد؛ أنه نتيجة لذلك كان أول الضحايا في هذا الأمر هم العلماء، وأشار إلى أنه لو أحصي عدد العلماء الذين وقعوا تحت حد الردة من القرن الثاني الهجري إلى يومنا هذا فسنجد ما لا يقل عن مائة وخمسين من كبار العلماء من الذين وقعوا تحت طائلة حد الردة؛ وذلك لأن الحكام قد يستغلون هذا الأمر لصالحهم هم ويحكمون بحد الردة على من يخرج عن طاعتهم هم لا طاعة الله
وضرب العلواني مثالا على ذلك
بالإمام سيف الدين الآمدي صاحب كتاب "إحكام الأحكام في أصول الأحكام" وهو إمام من أئمة الشافعية الكبار، والإمام البلقيني، وغيرهم ممن اتهموا بالردة وحكم عليهم بحكم الردة فقط لأنهم كانوا يحملون لواء المعارضة، وكذلك الحجاج اتهم سعيد بن جبير وهو إمام من أكبر أئمة التابعين بالردة لخروجه على عبد الملك بن مروان،
لا تدخُّلَ للسلطة في ضمير الفرد، والاعتقاد يجب أن يقوم على حرية الفرد واطمئنان قلبه
حد "الردَّة" برمَّته يكمن في التمييز بين "الخروج من الإسلام"، و"الخروج على الإسلام".
الردة بمفهوم القران القران الكريم:
الآية "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" غير منسوخة، وغير قابلة للنسخ، فهي أيضا غير مخصصة وغير قابلة للتخصيص
أشار القرآن في عدد من الآيات إلى الارتداد عن الإسلام، منها قوله تعالى:
"وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ" (البقرة: 217)،
وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ" (آل عمران: 149)،
وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..." (المائدة: 54)، وقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ" (محمد: 25).
وهناك آيات أخرى لم تستخدم فعل "ارتد"، ولكنها تضمنت المعنى مثل
قوله تعالى: "مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (النحل: 109)،
وقوله تعالى: "وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور: 55).
وهذه الآيات صريحة في إشارتها إلى الردة بعد الإسلام، ومع هذا فلم تُشِر أقل إشارة إلى عذاب دنيوي أو حدّ يوقع على المرتد، كما يوقع على السارق أو القاتل. وإنما كان العقاب المروع المخوف هو غضب الله.
قاعدة ذهبية: لا تدخُّلَ للسلطة في ضمير الفرد
قوله تعالى: "وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (آل عمران: آية 72)،
وهي إحدى الآيات التي نزلت بشأن بعض المرتدين في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم. ويذكر الإمام القرطبي في تفسيره أن هذه الآية نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وغيرهما من اليهود، ثم يقول: "ومذهب قتادة أن اليهود فعلوا ذلك ليشككوا المسلمين": أي ليرتابوا في دينهم فيرجعوا عنه إلى اليهودية. ويقول الإمام ابن كثير: "هذه مكيدة أرادوها ليَلبِسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتَوَروا بينهم أن يُظهِروا الإيمان أول النهار، ويصلُّوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطِّلاعهم على نقيصةٍ وعيبٍ في دين المسلمين، ولهذا قالوا: "لعلهم يرجعون". وقد قال بهذا القول كذلك أبو مالك الغفاري، والسدي، والربيع، والطبري، والزمخشري، وهو مرويٌّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما.
وفي تفسير قوله تعالى: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران: آية 85)،
يذكر الإمام القرطبي أن هذه الآية نزلت في الحارث بن سويد، وكان من الأنصار ارتد عن الإسلام، هو واثنا عشر معه، ولحقوا بمكة كفارًا. وهاتان الآيتان توضحان أن الارتداد كان عادةً ذا صبغة جماعية لا فردية، بل إن الله تعالى لمَّا تحدَّث عمَّن يرتد عن دينه ذكر ذلك بصيغة الجمع: "كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (آل عمران: آية 86).
قول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا" (النساء: آية 137)، دليلٌ آخر على هذا التفريق، إذ إنها تنفي أي احتمالٍ لعقوبةٍ ما، فلو كانت عقوبة المرتد بكل أنواعه هي القتل، لما كان للمرتد هذه الفرصة في التردد بين الكفر والإيمان.
فلعل في هذا التقسيم أو الفصل بين "الخروج على الإسلام" و"الخروج من الإسلام" يكون قد جمع بين الأدلَّة، وخرج من مسألة اختلاف النصوص وتعارض الممارسات، ووصل -عبر النصوص والوقائع- إلى منطقة تسمح بالتقاء الطرفين: القائلين بقتل المرتد، والمانعين لقتله.
: ﴿كيف يهدي اللّه قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقّ وجاءتهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين، أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين، خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا ينظرون، إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا، فإنّ اللّه غفور رحيم.
﴿إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم ، وأولئك هم الظّالّون، إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو اقتدى به، أولئك لهم عذاب أليم ومالهم من ناصرين﴾(آل عمران3: 91-86).
فما هو دليل من يسلط سيف قطع الرّقاب على المرتدّين؟ هل يقبل العقل الواعي أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم يصدر أحكاما تخالف ما يصرّح به القرآن في هذه الآيات الّتي غاب فيها حكم قتل المرتدّ،
حين نصّب الفقهاء أنفسهم حكّاما على رقاب المرتدّين في مثل هذه النّصوص
إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى، الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم، ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزّل اللّه سنطيعكم في بعض الأمر واللّه يعلم إسرارهم فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم﴾(محمد47: 25-28)،
فأين الحكم بقتل المرتدّ في هذه الآيات، وإنّما المعنى الّذي ندركه منها أنّها اعتمدت "التقريع لبيان ما سيلحقهم من العذاب عند الموت وهو استهلال لما يتوصّل من عذابهم من مبدإ الموت إلى استقرارهم في العذاب الخالد" على حدّ عبارة محمد الطّاهر ابن عاشور ، مفسّر تونس في كتابه "التحرير والتّنوير". ويخاطب القرآن المرتدّين بهذه الآية الّتي لا تحكم عليهم بالقتل ونصّها
﴿يا أيّها الّذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم ويحبّونه، أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين﴾(المائدة5:55).
إضافة إلى ما ذكرت فإن الحكم بقتل المرتدّ يتعارض مع مبدإ حرّية العقيدة في الإسلام، فكيف تقرّ الآيات القرآنية بالحرّية الدّينيّة من جهة ، وتحكم بقتل المرتدّ من جهة ثانية، ففي القرآن ﴿لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ﴾(البقرة257:2)، وفيه حرّية اختيار المعتقد﴿ وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾(الكهف30:18)، ولزيادة التّوسّع انظر سور( يونس108:10، الغاشية :22، الأنعام 67:6) ، وغيرها من الآيات الّتي تصل إلى مائتي (200) آية تذكر حرّية المعتقد. وقد أحيطت حرّية العقيدة بضمانات قرآنية لا تشمل حكم الرّدّة، ولا تجد فيها عقوبة دنيوية للمرتدّ، وإنّما العقوبة أخروية تكفل بها الخالق.
الخالق.
الردة بمفهوم السنة:
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد كثيرون في مناسبات مختلفة، ولم يُروَ أن رسول الله قتل واحدا منهم
لا يُحتج في إثبات نسخ قوله تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، بالأحاديث النبوية الصحيحة
المقرر في أصول الفقه أن القرآن لا ينسخه إلا قرآن مثله، أو سُنة متواترة.
أغلب الأحاديث الواردة تقرر حكم المحارب، والمحارب يقتل سواء كان مسلما أم غير مسلم. مع التسليم بتجريم الردة، فإننا نتردد في القطع بأن العقوبة التي قررها لها الإسلام هي عقوبة الإعدام. الأمر الوارد في الحديث بقتل المرتد ليس على ظاهره، والمراد منه إباحة القتل لا إيجابه
روى الإمامان البخاري ومسلم عن جابر قال: إن أعرابياً بايع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فأتى النبيَّ فقال: يا محمد، أَقِلْني بيعتي، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاءه فقال: أَقِلْني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال: أَقِلْني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها، وينصع طيبها"، وفي رواية البخاري: فبايعه على الإسلام. فلو لم يكن هناك تفريقٌ بين "الخروج على" و"الخروج من" لما كان مصير هذا الأعرابي إلا القتل
ولكن الأمر يختلف -ولا بد أن يختلف- حين الحديث عن "الخروج من الإسلام" بصورة فردية ليس فيها الاستهزاء بالدين، ولا تمثل تهديدًا للأمة أو لكيان الدين، ولا يقصد بها العبث بشعور أو شعائر المسلمين، وإنما منبعها الوحيد شعور "المرتد" بعدم الاقتناع بالإسلام والاقتناع بغيره، فيخرج من الإسلام في هدوء وفردية. وبنظرة سريعة على الأدلة الواردة في المرتدين يتضح لنا هذا الأمر بشكل جلي
قوله: "التارك لدينه المفارق للجماعة" قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق كذلك رواه أبو داود في سننه مفسرا عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم ورجل خرج محاربا لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض أو يقتل نفسا فيقتل بها" فهذا المستثنى هنا هو المذكور في قوله: "التارك لدينه المفارق للجماعة" ولهذا وصفه بفراق الجماعة وإنما يكون هذا بالمحاربة". ومن هنا فإن الاستدلال بهذا الحديث على أن القتل هو حد للمرتدين لمجرد الردة غير مسلم
البخاري
ما رواه البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: "كان رجل نصرانيًّا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران. فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانيًّا، فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض…" الحديث، ففي هذا الحديث أن الرجل تنصر بعد أن أسلم وتعلم سورتي البقرة وآل عمران، ومع ذلك فلم يعاقبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ردته
حكم المرتدّ في الحديث النّبوي: يعتمد الفقهاء الّذين يحيزون قتل المرتدّ عن الإسلام على هذا الحديث "من بدّل دينه فاقتلوه"، ولا يمكن العمل بهذا الحديث في قتل المرتدّ للاعتبارات التّالية:
1) لا تثبت الحدود بأحاديث الآحاد، والحديث من الآحاد، ولا يعمل بالآحاد في العقائد والحكم بقتل المرتدّ من العقائد. 2) لا يمكن الاحتجاج بهذا الحديث لقتل المرتدّ لأنّه لم ينسخ أية "لا إكراه في الدّين" بما أنّ الأصول الفقهية، خاصّة عند الإمام الشّافعي، أقرّت أنّه لا ينسخ القرآن إلاّ القرآن، ولا تنسخ السّنّة إلاّ السّنّة، وعند من يرى جواز نسخ القرآن بالسّنة، فإنّه يشترط سنّة متواترة، وهذا حديث آحاد فلا ينسخ أنّه أشارت إلى حرّية المعتقد، فلا يصحّ العمل بحديث يعارض القرآن عقلا وشرعا...
3) آية ﴿لا إكراه في الدّين﴾ ليست من القرآن المنسوخ، وقد جمع السّيوطي كل الآيات الّتي صحّ عند العلماء نسخها، فلم يكن بينها هذه الآية، وذكروا أن عدد الآيات المنسوخة إحدى وعشرون آية لا تصحّ دعوى النّسخ في غيرها حسبما جاء في "الإتقان في علوم القرآن"
. 4) ورد ذكر حرّية المعتقد فيما يناهز مائتي (200) آية محكمة، فلا يقوى حديث آحاد "من بدّل دينه فاقتلوه" أن يعارضها كلّها ويبطل أحكامها، ويزيحها ويحتلّ مكانها. "وإنّما خبر الواحد يردّ من معارضة الكتاب، وقد اتّفق أهل الحديث على إنّ كتاب اللّه مقدّم على كلّ قول"على حدّ عبارة التفتزاني في التّلويح".
5) مدينة، فجاء الأعرابيّ إلى الرّسول فقال: يا رسول أقلني بيعتي فابى، فخرج الأعرابيّ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّما المدينة كالكير تنفي خبثها، وتنضع خبثها" (رواه البخاري). في هذا الخبر أعلن الأعرابي ردّته للرّسول، ولم يقتله وإنّما تركه ينصرف مرتدّا، ولم يلق عليه القبض، ولم يخضعه للاستتابة، فإن تاب وإلاّ قطع عنقه. الخبر الثّاني أنّ عبد اللّه بن أبي سرح أسلم وكان يكتب القرآن للرّسول ثمّ ارتدّ وصرّح أنّه كان يغيّر كلمات القرآن، ويوم فتح مكّة أمر الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقتل عبد اللّه هذا لأنّه كان يحرّف الكلام عن مواضعه، فاستجار له عثمان بن عفّان، فقبل الرّسول جواره ولم يقتله رغم جرمه
الردة بنمطق الاشياءوالاثار السلبية للتطبيق في الواقع:
أنه في حالة تعميم نظرية "قتل المرتد" والأخذ بها كم من أبنائنا كان علينا قتلهم من الذين آمنوا بالنظرية الشيوعية التي تؤمن بالماركسية اللينينية، وحزب البعث الذي كان يؤمن في المادة الأولى من دستوره بالماركسية اللينينية ولكن بتطبيق عربي. أيضا الليبراليون والعلمانيون؛ حيث أكد أن نخبة الأمة كان لابد أن يقام عليهم حد الردة إذا أخذنا بهذه النظرية.
الدين والإكراه في الرؤية الإسلامية ضدان؛ لا يمكن اجتماعهما. فمتى ثبت الإكراه بطل الدين. الإكراه لا ينتج دينا، بل ينتج نفاقا وكذبا وخداعا، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة. وكما أن الإكراه لا ينشئ دينا ولا إيمانا، فإنه كذلك لا ينشئ كفرا ولا ردة. فالمكرَه على الكفر ليس بكافر، والمكره على الردة ليس بمرتد
وهكذا فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم. ولن يكون أحد مؤمنا مسلما إلا بالرضا الحقيقي الذي أوضح النبي صلى الله عليه وسلم كنهه بقوله في الحديث المطول: "رضيتُ بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا". وإذا كان الإكراه باطلا حتى في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية، حيث إنه لا ينشئ زواجا ولا طلاقا، ولا بيعا، ولا بيعة، فكيف يمكنه أن ينشئ دينا وعقيدة وإيمانا وإسلاما؟
الردة عند المذاهب:
ليس هناك اتفاق بين المذاهب الإسلامية حول حد الردة.
في الحنفية مثلا لا يذكرون حد الردة في الحدود، ولكن يذكرونه في السير أي في أحكام الجهاد، إذن يعتبرون المرتد متعاونا مع جهة خارجية، وينظرون أن الحكم الذي ينبغي أن يصدر عليه يكون بناء على تعاونه مع تلك الجهة وليس على تغيير رأيه في الدين، وهناك آخرون يقولون هو تعزير، وآخرون يقتلون المرتد إذا كان رجلا ولا يقتلون المرأة إذا ارتدت، مع أن المرتدات عندنا اليوم أكثر فاعلية من المرتدين
الأقوال التي امتلىء بها تراثنا الفقهي حول قضية الردة تظهر مدى التخبط والتعارض والانقسام
تجاوز الفقهاء لروح الإسلام في هذا الصدد لم يكن له مبرر
آراء تأريخية ومعاصرة حول المسالة :
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية:
أن النبي صلي الله عليه وسلم قبل توبة جماعة من المرتدين، وأمر بقتل جماعة آخرين، ضموا إلى الردة أمورًا أخرى تتضمن الأذى والضرر للإسلام والمسلمين. مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح، لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم. وأمر بقتل ابن أبي صرح، لما ضم إلى ردته الطعن والافتراء.
روى عبد الرازق والبيهقي وابن حزم: أن أنسًا عاد من سفر فقدم على عمر، فسأله: ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام، فلحقوا بالمشركين؟ قال: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، قتلوا بالمعركة. فاسترجع عمر -أي قال: إنَّا لله وإنا إليه راجعون-، قال أنس: هل كان سبيلهم إلا إلى القتل؟ قال نعم، كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبوا أودعتهم السجن. وهذا هو قول إبراهيم النخعي، وكذلك قال الثوري: وهو الرأي الذي نأخذ به. وفي لفظ له: "يؤجل ما رجيت توبته".
الخلافة العثمانية لم يكن لها أن تكون ملهمة للتفكير في "حد الردة" لولا أن النص الشرعي قابل للاجتهاد.
الإمام ابن القيم: المرتد يقتل سياسة لا حدًّا، وهي مسألة سياسية قُصِد بها حياطة المسلمين
ابو بكر رض و الردة
والذكر المأثور للردة في التاريخ الإسلامي هو ردة القبائل العربية بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد كانت ردة هذه القبائل في حقيقة الحال رفض دفع الزكاة. ومن هنا كانت قولة أبي بكر المشهورة: "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه للنبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه". وأكثر منها صراحة قولته في حربه لمن يفرق بين الصلاة والزكاة.
فردة هذه القبائل كانت سياسية أكثر مما كانت دينية بالمعنى الذي نفهمه. ولهذا لا نجد استشهادًا بها في الكتب الفقهية تأييدًا لدعوى قتل المرتد.
أما فكرة الارتداد كنوع من ممارسة حرية العقيدة فقد كانت مستبعدة وقتئذ، ومن هنا فحتى الفقهاء أنفسهم لاحظوا هذه النقطة
ومن أدلِّ الأمثلة "حروب الردة" التي حدثت بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي بداية عهد خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- حيث كان الارتداد جماعيًّا، حين أنكر المرتدون علانية خضوعهم لركن من أركان الإسلام، ولحكم من أحكام النظام الاجتماعي للأمة، وزادت ردتهم حين ظهر مُدَّعو النبوة الذين خرجوا على الأمة وعلى الدين كله، وكان خروجهم بقصد النيل منهما والكيد لهما.
علي رض
وكذلك كان الأمر في فعل علي -رضي الله عنه- بحرق القوم الذين ادعوا ألوهيته؛ لأنه رأى في ذلك تهديداً للدين وللأمة في آنٍ واحد، كما أنهم كانوا "قومًا" لا "فردًا". ولعل هذا ما يوحي به نص حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قتل المرتد: "… والتارك لدينه المفارق للجماعة"، فنص "المفارق للجماعة" يوحي بالانسلاخ من الكيان وإرادة الضرر به، فكان ترك الدين وحده ليس سببًا لحِل الدم، بل يجب مفارقة الجماعة أيضًا.
عمر رض
ثم هل فهم الفاروق رضي الله عنه من قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه" "أنه –صلى الله عليه وسلم- قد قال ما قال بوصفه إمامًا للأمة، ورئيسًا للدولة؟ أي أن هذا قرار من قرارات السلطة التنفيذية، وعمل من أعمال السياسة الشرعية، وليس فتوى وتبليغًا عن الله تعالى، تُلزَم به الأمة في كل زمان ومكان وحال، فيكون قتل المرتد وكل من بدل دينه، من حق الإمام، ومن اختصاصه، وصلاحية سلطته" كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي
الدكتور محمد عمارة:
"الردة يصبح لها عقوبة دنيوية إذا كانت حرابةً وخروجاً على الأمة مثل الخيانة الوطنية، ولذلك، الحديث الذي يُستَند إليه في عقوبة الردة والقتل أنَّ من بدل دينه وفارق الجماعة، أي خروج على الأمة"، ثم قال: "إذا كانت الردة اختياراً فكريًّا، لكن صاحبها يعيش في الأمة وينتمي إليها ولا يخرج عليها أو يوالي أعداءها، يبقى ويُحاوَر إلى نهاية عمره، وهذا رأي بعض الفقهاء، والبعض قال حول الاستتابة: يستتاب ثلاثة أيام، وآخرون قالوا: شهراً حتى ثلاثة أشهر، وهناك من قال: يستتاب أبداً باعتبار أن هذا مرض يعرض للفكر مثل الأمراض العضوية، وهذا يعالَج. إنما الخطر هو في الدعوة للإلحاد، فهناك فارق بين حرية الاعتقاد وحرية الدعوة للإلحاد، لماذا؟ لأننا إذا اعتبرنا الإيمان الديني مقومًا من مقومات المجتمع، إذن الدعوة للإلحاد هي هدم لمقوم من مقومات المجتمع، وكل مجتمع له ثوابت لا يبيح حرية هدمها، وهذا ليس ضيقًا بالحرية، وإنما لأن العدوان عليها هو عدوان على حرية الآخرين".
الإمام ابن القيم
ومما يدعم كلَّ ذلك إن ثبت ما نُقِل عن الإمام ابن القيم في حديثه عن قتل المرتد، حيث اعتبر أن المرتد يقتل سياسة لا حدًّا، وأنها مسألة سياسية قُصِد بها حياطة المسلمين، وحياطة تنظيمات الدولة الإسلامية وأسرارها من تذرع أعدائها المتربصين بها للنيل منها بادعاء الإسلام، وقد أشار القرآن لهذا المعنى في الآية الكريمة : "وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (آل عمران: آية 72).
مستندهم الأكبر في نصوص السنة النبوية
أن سفيان الثوري كان لا يرى قتل المرتد ...شك في حديث من بدل دينه فاقتلوه قال أنه من أحاديث الأحاد فلا يقبل لضعفه وقال أن مسلما لم يذكره في صحيحه لأجل (عكرمة) وهو ضعيف
و في نفس شريط ذكر المناظرة بين الشافعي وأحمد ثم قال انظروا الإمام أحمد لم يجب للشافعي ما عنده حجة
.
واختلفوا في المرأةِ إذا ارتدَّتْ عن الإسلامِ فقالت طائفةٌ من أهلِ العلمِ تُقتلُ وهو قَولُ الأوزاعِيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وقالت طائفةٌ منهُم تُحبسُ ولا تُقتلُ وهو قَولُ سُفيَانَ الثَّوريِّ وغيرهِ من أهلِ الكوفةِ))
قلت انظر كيف أنه لم ينقل الخلاف إلا في المرأة فتأمل
وقد نقل النووي في شرحه على صحيح مسلم الإجماع على قتل المرتد وإنما وقع الخلاف في الإستتابة
الشيخ محمود شلتوت في حكم المرتد
: "وقد يتغير وجه النظر في المسألة إذا لوحظ أن كثيرا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبُت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم، وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه في الدين".
ويقول د. يوسف القرضاوي:
"والذي أراه أن العلماء فرقوا في أمر البدعة بين المغلظة والمخففة، كما فرقوا في المبتدعين بين الداعية وغير الداعية، وكذلك يجب أن نفرق في أمر الردة الغليظة والخفيفة، وفي أمر المرتدين بين الداعية وغير الداعية، فما كان من الردة مغلظًا كردة سلمان رشدي، وكان المرتد داعية إلى بدعته بلسانه أو بقلمه، فالأولى في مثله التغليظ في العقوبة، والأخذ بقول جمهور الأمة وظاهر الأحاديث؛ استئصالا للشر، وسدا لباب الفتنة، وإلا فيمكن الأخذ بقول النخعي والثوري، وهو ما رُوي عن الفاروق عمر، إن المرتد الداعية إلى الردة ليس مجرد كافر بالإسلام، بل هو حرب عليه وعلى أمته، فهو مندرج ضمن الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادًا".
الدكتور محمد بلتاجي حسن:
"وليست هي ـ يعني الردة ـ فيما يبدوا لي ـ مناط العقاب؛ إنما مناطه أقوال وأفعال يظهرها المرتد بقصد مفارقة جماعة المسلمين، والعمل على هدم مقومات حياتهم؛ فهي أشبه ما تكون بجريمة الخيانة العظمى في التشريعات الوضعية، أما مجرد أن يعتقد الإنسان بما يكفره شرعًا دون قول أو فعل منه يهدم مقومات المجتمع المسلم فليس مناط التجريم، فيما يبدو لي؛ لأن الاعتقاد أمر باطني لا يعلمه إلا الله تعالى، وهو مناط الحساب في الآخرة".
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، قال:
"ذهب جماعة من السلف والأئمة إلي أنه ليس كل مرتد يقتل، وإنما يقتل من كان مجاهرًا بردته أو داعيًا إلي فتنة أو معلنًا بأذى الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين، وقتله من أجل حماية الدين والمجتمع من فساده، وليس ذلك من مصادرة الحريات لما في فعله من التعدي علي حق غيره، ومصلحةُ الدولة والمجتمع مقدمتان علي المصلحة الفردية الذاتية، وهذه القضية في الحقيقة شبيهة بما يصطلح عليه في القوانين المعاصرة بـ (الخيانة العظمى) بسبب ما يترتب علي ذلك من الضرر العام".
د. أحمد الريسوني:
"فالحديث ـ يعني حديث عبد الله بن مسعود ـ لم يقتصر على المروق من الدين (وهي الردة)، بل أضاف إليه ترك الجماعة، أو مفارقة الجماعة، أو الخروج من الجماعة، كما في روايات أخرى. وهي إضافة لا يمكن أن تكون بدون فائدة إضافية وبدون أثر في موجب الحكم. ومفارقة الجماعة، أو الخروج عن الجماعة، كانت تعني التمرد والعصيان والمحاربة، وربما الانضمام إلى العدو المحارِب. وهذا ما جاء صريحا في روايات أخرى لهذا الحديث... وبهذا يظهر أن موجبات قتل المرتد، هي ما يقترن بالردة من خروج عن الجماعة وحمل للسيف عليها، كما يظهر أن القتل ليس هو العقوبة الوحيدة الممكنة لمثل هذه الحالة.
ويخلص الريسوني إلى أن القول بأن القتل يكون للردة وحدها ولا شيء معها أو سواها، يتنافى تنافيًا واضحًا مع قاعدة "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" فتعين رده وعدم التسليم به. بعد ذلك؛ فإن هذه الأخبار والآثار الدالة على قتل المرتد، يمكن أن تفهم على أنها:
ـ إما متعلقة بعقوبة تعزيرية، تراعى في اعتمادها الملابسات والمخاطر التي كانت تشكلها حركة الردة على الكيان الإسلامي الناشئ؛ خاصة ونحن نعرف من خلال القرآن الكريم، ومن سياق الأحداث والوقائع يومئذ، أن كثيرا من حالات الدخول في الإسلام، ثم الخروج منه ، كانت عملا تآمريًّا مبيَّتا ينطوي على الخيانة والغدر.
ـ وإما متعلقة بما يقترن عادة مع الردة، من جرائم، أو التحاق بصف العدو أو نحوها من الأفعال الموجبة للعقوبة".
الدكتور محمد سليم العوا:
فيضيف لنا بعدًا أصوليًّا جديدًا في النظر لحديث ابن عباس، وهو أقوى حديث للاستدلال في قتل المرتد حدًّا؛ حيث رأى أن الأمر في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "فاقتلوه" ليس للوجوب، وإنما هو للإباحة لوجود قرائن صارفة للأمر من الوجوب إلى الإباحة، ومن ثم تكون العقوبة تعزيرية موكولة إلى الإمام، ومن هذه القرائن:
الأمر الأول: أن الأحاديث التي ورد فيها أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قتل مرتدًّا أو مرتدة أو أمر بأيهما أن يُقتل، كلها لا تصحُّ من حيث السند؛ ومن ثم فإنه لا يثبت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاقب على الردة بالقتل.
الأمر الثاني: ما رواه البخاري ومسلم من أن "أعرابيًّا بايع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا محمد أقلني بيعتي. فأبى ثم جاءه قال: يا محمد أقلني بيعتي؛ فأبى؛ فخرج الأعرابي، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها"، وقد ذكر الحافظ ابن حجر، والإمام النووي نقلاً عن القاضي عياض أن الأعرابي كان يطلب من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إقالته من الإسلام، فهي حالة ردة ظاهرة، ومع ذلك لم يعاقب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل ولا أمر بعقابه، بل تركه يخرج من المدينة دون أن يعرض له أحد.
الأمر الثالث: ما رواه البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: "كان رجل نصرانيًّا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران. فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانيًّا، فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض…" الحديث، ففي هذا الحديث أن الرجل تنصر بعد أن أسلم وتعلم سورتي البقرة وآل عمران، ومع ذلك فلم يعاقبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ردته.
الأمر الرابع: هو ما وردت حكايته في القرآن الكريم عن اليهود الذين كانوا يترددون بين الإسلام والكفر ليفتنوا المؤمنين عن دينهم ويردوهم عن الإسلام، قال تعالى: "وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (آل عمران: 72). وقد كانت هذه الردة الجماعية في المدينة والدولة الإسلامية قائمة، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاكمها، ومع ذلك لم يُعاقب هؤلاء المرتدين الذين يرمون ـ بنص القرآن الكريم ـ إلى فتنة المؤمنين في دينهم وصدهم عنه.
وليس من اليسير علينا أن نسلم مع وجود هذه الوقائع المتعددة للردة، ومع عدم عقاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمرتدين في أي منها، بأن عقوبة المرتد هي القتل حدًّا؛ إذ من خصائص الحدود ـ كما قدمنا ـ وجوب تطبيقها كلما ثبت ارتكاب الجريمة الموجبة لها.
وإذ كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" حديثًا صحيحًا من حيث السند، فإننا نقول: إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما أراد بهذا الحديث ـ والله أعلم ـ أن يبيح لأمته قتل المرتد تعزيرًا"(17). ا.هـ.
لابد من البحث عن مقصد الحكم بإرجاع متشابهها إلى محكمها، وحمل مطلقها على مقيدها؛ ولكي نقف على المقصد ينبغي أن نبحث عن السياق الحكم صدر فيه، والسياق أحد أهم مسالك الكشف عن المقصد الجزئي للحكم الشرعي الفرعي العملي.
العلامة محمد رشيد رضا يبين لنا هذا السياق في قوله:
"كان المرتد من مشركي العرب يعود إلى محاربة المسلمين وإيذائهم، فمشروعية قتله أظهر من مشروعية قتال جميع المشركين المحادين للإسلام، وكان بعض اليهود ينفر الناس من الإسلام بإظهار الدخول فيه، ثم بإظهار الارتداد عنه ليقل قوله بالطعن فيه قال تعالى: "وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (آل عمران: 72). فإذا هدد أمثال هؤلاء بقتل من يؤمن ثم يرتد، فإنهم يرجعون عن كيدهم هذا؛ فالظاهر أن الأمر بقتل المرتد كان لمنع شر المشركين، وكيد الماكرين من اليهود؛ فهو لأسباب قضت بها سياسة ذلك العصر، التي تسمى في عرف أهل عصر سياسة عرفية عسكرية، لا لاضطهاد الناس في دينهم، ألم تر أن بعض المسلمين أرادوا أن يُكرِهوا أولادهم المتهودين على الإسلام، فمنعهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بوحي من الله عن ذلك، حتى عند جلاء بني النضير، والإسلام في أوج قوته، وفي ذلك نزلت آية: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة: 256).
فمتى كانت الردة غير مزعزعة للأمن فلا قتل، ومتى كانت مهددة له جاز
أما مقصد هذا الحكم، والذي اتضح لنا من خلال سياق تشريعه، فهو: منع الفتنة والهدمِ والتفريقِ والمحاربةِ والخروجِ على جماعة المسلمين وإيقاعِ الضرر بهم، والحيلولةُ دون زعزعة النظام الاجتماعي للدولة؛ فمصلحة الدولة والجماعة والأمة مقدمة على مصلحة الفرد.
وهذه المقاصد مجتمعة تصب في مقصد واحد هو تحقيق الأمن الاجتماعي لجماعة المسلمين، وهذا المقصد لم يختلف فيه أحد سواء من ذهب للقول بأن قتل المرتد حدٌّ، أو من قال بأنه سياسة تعزيرية مرتبطة بالخروج على المسلمين ومناصبتهم العداء، واتضح هذا جدًّا في النصوص التي سبق ذكرها
متى يقتل المرتد:
العقوبة المسماة حد الردة تقع بسبب التلاعب بالدين.
الردة يصبح لها عقوبة دنيوية إذا كانت حرابةً وخروجاً على الأمة مثل الخيانة الوطنية
قتل المرتد ليس من باب الإكراه في الدين، وإنما هو من باب المحافظة على "النظام الإجتماعي للأمة"
المرتد أن يغرر بغيره وخصوصًا من الضعفاء والبسطاء من الناس، وتتكون جماعة مناوئة للأمة، تستبيح لنفسها الاستعانة بأعداء الأمة عليها، وبذلك تقع الأمة في صراع وتمزق فكري واجتماعي وسياسي قد يتطور إلى صراع دموي، بل إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس.
موجبات قتل المرتد، هي ما يقترن بالردة من خروج عن الجماعة وحمل للسيف عليها واذا كانت خروج على الدين وليس خروجا من الدين
شبهات القائلين بقتل المرتد والرد عليها
نتيجة لما يتمتع به الإسلام من حرية كبيرة في البقاء في الدين أو في الخروج عنه استغل أهل الكتاب هذه الحرية الموجودة في الإسلام؛ حيث جاء اليهود بفكرة لاختراق المجتمع المسلم وهدم الإسلام من الداخل وقالوا: {آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وهذا يعني أنكم أنتم أيها اليهود ادخلوا الإسلام ثم بعد ذلك أعلنوا أنكم اكتشفتم أشياء فظيعة في هذا الدين وأهله ولذلك قررتم الخروج منه، وبسبب هذه الأفكار الشيطانية ومن أجل أن يقطع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الظاهرة قال: «من بدل دينه فاقتلوه».
العقوبة المسماة حد الردة تقع بسبب التلاعب بالدين
قال: «من بدل دينه فاقتلوه».
ويرى العلواني أن في إسناد هذا الحديث مشكلات كثيرة، ولا يرقى إلى مستوى القطعية في الصحة، فبالنسبة لمتنه كلمة "من" تفيد العموم، والإضافة أيضا تقتضي العموم في اللغة؛ ذلك يعني أنه حتى من بدل دينه من الجاهلية والشرك والنصرانية ومن اليهودية إلى الإسلام فيجب قتله؛ وهذا لا يعقل أبدا.
ردة القبائل في زمن أبوبكر كانت سياسية أكثر مما كانت دينية بالمعنى الذي نفهمه.
أ- حديث المحاربين من عكل وعرينة:
وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما، روى مسلم بسنده عن أنس أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم فشكوا ذلك إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها فقالوا بلى فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل فبلغ ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا".
والرد على هذا الحديث هو:
ففي هذا الحديث لم تكن الردة وحدها هي السبب فيما أوقعه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهم، وإنما لأنهم "قتلوا الراعي، وطردوا الإبل"، وهذا يمثل محاربة، أو كما قال ابن تيمية: "وأما ابن سرح وابن خطل ومقيس بن صبابة فإنه كانت لهم جرائم زائدة على الردة، وكذلك العرنيون، فإن أكثر هؤلاء قتلوا مع الردة وأخذوا الأموال فصاروا قطاع الطريق محاربين لله ورسوله، وفيهم من كان يؤذي بلسانه أذى صار به من جنس المحاربين".
وقال في موضع آخر: "قوله: "التارك لدينه المفارق للجماعة" قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق كذلك رواه أبو داود في سننه مفسرا عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم ورجل خرج محاربا لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض أو يقتل نفسا فيقتل بها" فهذا المستثنى هنا هو المذكور في قوله: "التارك لدينه المفارق للجماعة" ولهذا وصفه بفراق الجماعة وإنما يكون هذا بالمحاربة". ومن هنا فإن الاستدلال بهذا الحديث على أن القتل هو حد للمرتدين لمجرد الردة غير مسلم.
ب - والحديث الذي رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: "من بدل دينه فاقتلوه"، وقد سبق تخريجه.
والرد عليه يكون:
ان هذا الحديث هو أقوى الأدلة عند من يقول إن قتل المرتد هو حد لمجرد الردة؛ وهذا متعارض مع قوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة: 256). وهي آية محكمة؛ لأنها كلية خلافًا لما ذهب إليه بعض المفسرين، فإن السنة لا تنسخ القرآن. وقوله تعالى: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف: 29). وقوله تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ". (يونس: 99). فلم يبق إلا أن نفهم الحديث فهمًا آخر.
جـ - والحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة".
والرد هو
وهو ما يرشدنا إليه هذا الحديث الذي ذكر الأسباب المبيحة لدم المسلم، وذكر منها: "والمارق من الدين التارك للجماعة"، وعند أبي داود عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محاربا لله ورسوله، فإنه يُقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يَقتل نفسا فيُقتل بها".
ومن خلال جمع الأحاديث في الموضوع الواحد ـ وهو منهج معتبر ومتبع في فهم نصوص السنة النبوية، بل لا يصح فهم السنة بدونه ـ يتبين لنا أن مجرد الردة ليس موجبًا للقتل، وإنما اقتران الردة بالحرابة والخروج، ومفارقة الجماعة هو الموجب لذلك، ويمكن حمل الإطلاق في حديث ابن عباس على التقييد المذكور في حديث ابن مسعود وحديث عائشة.
- حروب الرّدّة: هذه التسمية خطأ اصلا والأصوب أن تسمّى "حروب مانعي الزّكاة"
إذا كان حكم قتل المرتدّ لم يرد في القرآن ولا في السّنّة القولية والفعلية، ولا في القواعد الأصولية فبماذا نفسّر حروب الرّدّة الّتي قادها أبو بكر الصدّيق ضدّ المرتدّين؟
كثيرا ما يتّخذ المجيزين لقتل المرتدّ هذه الحرب دليلا على صحّة الحكم وعدم مناقشته، وهو دليل باطل ومتهافت لأنّ أبا بكر حارب القوم لأن قبيلتي عبس وذبيان أوّل من حارب المسلمين بعد وفاة الرّسول حسب رواية الطّبري في تاريخه، ولأنّهم امتنعوا عن دفع الزّكاة، وتمرّدوا على النّظام الحاكم، والأصوب أن تسمّى "حروب مانعي الزّكاة" لأن الثّائرين لم يعلنوا ارتدادهم عن الإسلام وإنّما رفضوا أداء الزّكاة لأبي بكر وقالوا: كنّا نعطي الزّكاة لمحمد، ومحمّد قد مات وإنّما الزّكاة أخت الجزية،
ولذلك عارض عمر بن الخطّاب أبا بكر وقال له كيف تقاتل النّاس وقد قال رسول اللّه"أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقول : لا إلـه إلاّ اللّه، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه وحسابه على اللّه"
ولذلك قال الشّافعي:
"وأهل الرّدّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضربان، منهم قوم كفروا بعد الإسلام ...، ومنهم قوم تمسّكوا بالإسلام ومنعوا الصّدقات" ويعتبر الشّافعي من يصف الصّنف الثّاني بالمرتدّين من العامة ويقول "ثم أمضى ابو بكر خالد بن الوليد في قتال من ارتدّ ومن منع الزّكاة فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم"،كما جاء في كتابه "الأم" من "كتاب قتال أهل البغي وأهل الرّدّة".
ورغم هذه الحرب فإن أبا بكر لم يقتل المرتدّين الّذين أخذهم أسرى بعد انتصاره عليهم. فمن أين جاء الفقهاء بقتلهم دون إمهال أكثر من ثلاثة ايام ؟؟؟؟.
الردة في الواقع المعاصر
ثمة ثلاث تيارات تتنازع هذه القضية.
التيار الأول:
وهو تيار يميني إسلامي، يحضر في أوساط قطاع واسع من التيارات السلفية، ولا يزال هذا التيار يرى أن الخروج من الدين قيمة سلبية في حد ذاته، وأن الحكم فيه محدد بنص قرآني قطعي لا يمكن تأويله، ومن ثم، فإن هذا التيار يرى أن هناك ما يمكن تسميته "حد الردة".
التيار الثاني:
وهو تيار يتحرك لأقصى تضاد مع التيار السابق، ويمثله شريحة من الفقهاء مثل الدكتور أحمد الريسوني، وشريحة من الباحثين في مجال الحضارة الإسلامية كالأستاذ جمال البنا، ويرون أن النص القرآني تعرض لواقعة تاريخية، وبخلاف هذه الواقعة؛ فإن الأصل في الدين هو حرية الاعتقاد بموجب آية محكمة من آيات الكتاب الحكيم.
التيار الثالث:
هو تيار وسطي، وإليه ينتمي الدكتور يوسف القرضاوي، وعدد كبير من المفكرين والفقهاء المعاصرين، ويرون أن الردة نوعان: النوع الأول منها يتعلق بالخروج من الدين فقط؛ في هدوء وسكينة، ويرون أن هذا الأمر مباح بموجب نص القرآن ولا شية فيه. والنوع الثاني هو الخروج المصحوب بتهديد للجماعة المسلمة، وهو ما يستوجب "العقوبة".
التيار الثالث اختلف في تحديد طبيعة العقوبة المترتبة على استهداف أمن الجماعة المسلمة بعد الخروج من الدين، حيث رأى بعضهم أنها عقوبة "حد" مذكورة بنصها. والاتجاه الثاني رآها عقوبة قصاص، والبعض الثالث رآها عقوبة تعزير.
اليوم، تشهد بعض دول وطننا العربي حالة حراك سياسي وثقافي واسعة، أعادت لدائرة التفاعل بعض القوى الثقافية التي كانت مهمشة في إطار الأوضاع المرذولة السابقة، وأبرز هذه القوى التيار السلفي والاتجاه اليساري. وبات متوقعا - مع استعار الخلاف بينهما في دولة مثل مصر - أن تثور الحاجة لمقردات هذا الملف مجددا، وهو ما دفعنا لإنتاج هذا الملف المجمع المفتوح لأية مناقشة فعالة تستهدف تأمين أوطاننا لا توتيرها.
بين نفي الحد، وإقراره، وتأويله ثلاثة مواقف مختلفة تتجاذب قضية الردة.
القضية في الواقع العربي الغابر لم تكن أكثر من زخم مصنوع لا مردود منه إلا الثراء النظري.
وما نختم به أنّ القول بحرّية المعتقد من سماحة الإسلام، ومن طبيعة المجتمعات الّتي بنيت على الاختلاف، وهي ترتكز على حرّية الإيمان ومنها حرّية الاختيار وحرّية الفكر، والحقّ في ممارسة القناعات الشّخصية، وهو حق طبيعي أقرّته الأديان السّماوية والقوانين الوضعية. والأمر يحتاج إلى شجاعة من المفكّرين النّيرين الّذين ساهموا في دفع الظّلم والقهر عن النّاس، وأبطلوا حكم قتل المرتدّ صراحة، ورفضوا القتل باسم الدّين،
لأن قتل المرتدّ حكم ناتج عن توظيف الدّين لأحكام ذاتية لا أصل لها في القرآن ولا في السّنّة، وإنّما اجتهادات لفقهاء البلاط أرضوا بها السّاسة ثم نقلها عنهم تلاميذهم الّذين فقدوا الحسّ النّقدي فتبنّوا أراء شيوخهم على أنّها مقدّسة، وحان الوقت لهدم المقدّس من فكر البشر، وخاصّة ذلك الفكر الّذي يمتهن التّكفير فيصنّف كلّ مخالف له في الرّأي في خانة المرتدّين وإن كان من أتقى عباد اللّه. ومن الواجب علينا – واسمحوا لي أن استحمل كلمة من الواجب وما تعوّدت استعمالها- أن نعمل جميعا على إيقاف تدريس هذه الجريمة (حكم قتل المرتدّ) في مؤسسات التعليم الدّيني الّتي مازالت تحشو بها عقول المتعلّمين مصوّرة لهم على أنّها جهاد في سبيل اللّه وأنّها من الشّريعة، وأنّ الجنّة مثواهم الأخير، مع مواصلة إسالة الحبر في هذا الموضوع ليتّضح أن لا صلة له بالقرآن ولا بالشّريعة, وأنّها تهمة اكتوى بنارها من الصّحابة عثمان بن عفّان وعلى بن أبي طالب، ومن الفقهاء الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة، والإمام أحمد بن حنبل، ومن المحدثين الإمام البخاري وغيرهم كثير يضيق هذا المقال عن ذكرهم من القدامى وخاصة من المعاصرين الّذين يدعون إلى نقد التّراث الدّيني وتحديد القراءات وغربلة الفكر بالرّجوع إلى الأصول وبالانفتاح على مبادئ حقوق الإنسان ومستجدّات الأحداث.
التعليقات (0)