إن قتل مارجريت حسن الناشطة العراقية فى مجال الإغاثة حسب ما قالت به وزارة الخارجية البريطانية بعد مشاهدتهم للشريط الإرهابى الذى ظهرت فيه إمرأة يتم إطلاق النار عليها ، هو دليل إدانة ضد كل من ساهم بفتاويه فى تشويه عقول هؤلاء الشباب حتى أرتكبوا جرائمهم ، ودليل إدانة ضد كل من لاذ بالصمت وكان فى مقدوره إيقاف كرنفال الدم الذى أسسته المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام .
مارجريت حسن قتلوها لأنها تحب كل الناس وكرست حياتها لخدمة الفقراء والمحتاجين ، قتلوها لانها لا تعرف التعصب أو الكراهية ، قتلوها لأنها لا تعرف الجهاد فى سبيل الله بل تعرف فقط الجهاد فى سبيل المعوزين وإغاثة المحتاج ، قتلوها لأنها كانت صديقة للشعب العراقى المغلوب على أمره .
كانت مارجريت حسن مديرة لوكالة " كير " للإغاثة فى العراق ، ولم تكن مديرة سجن أبو غريب أو رئيسة للعراق حتى يفعلون بها ما فعلوا ، كانت تقدم يد المساعدة لكل إنسان دون تمييز فى العقيدة أو الجنس أو اللون ، شُبه لهم أنهم قتلوها وتخلصوا منها إلى الأبد ، لكن أعمالها ستبقى حية فى نفوس من مدت يد المساعدة لهم .
ليس مهماً إدانة المجتمع الدولى لإختطاف أو قتل مارجريت حسن أو غيرها ممن يعملون فى مجال العمل الإنسانى بالعراق ، بل المهم هو رأى الإرهابيين فى بنو البشر المختلفين عنهم حتى يكون سبباً كافياً فى إقناع العراقيين السذج فى التستر على هؤلاء الخاطفين وعلى جرائمهم الفظيعة ضد أمرأة .
كانت خطيئة مارجريت حسن أنها تقوم بأعمال الخير من أجل حياة البشر ، خطيئتها أنها لم تقوم بأعمال الجهاد مثل الذين خطفوها ثم قتلوها ، أعمال خطف وذبح وتفخيخ وتخريب وتكاثر أعداد اليتامى بذبح آبائهم وأمهاتهم ، زرع العبوات الناسفة ليتكاثر أعداد المعوقين فى مجتمع العراق الجديد ذهنياً وجسدياً ، نعم كانت خطيئتها أنها عجزت عن التفكير مثلهم ورفضت أن تتنازل عن قيم المحبة والرحمة ، لذلك كان عقابها من هؤلاء المجاهدين هو القتل لأنها لا تستحق الحياة بسبب تمسكها بقيم هابطة تساعد على الإنحلال الأخلاقى بين شعوب العرب .
كفى البشر مجازر وخناجر الأديان التى يوجهها إرهابيين ضد أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم يفعلون الخير ، كفى قمع للقيم النبيلة التى وهبنا الله ، كفى قمع وأستعباد المشاعر فى ممالك رجال الأديان الذين فتحوا ينابيع الدماء وفجروها فى طرقات الموت ، وأغلقوا أبواب الحياة ورفعوا رايات السواد حداداً على موت القيم الحية وظللوا كل الشوارع بشعارات الموت السوداء التى توارثوها عن آبائهم وأجدادهم .
المسئولية فى تلك الجرائم اليومية التى تجتاح أرض العراق تقع على عاتق كل عراقى لديه رغبة حقيقية فى تحرير بلاده من قوى الإرهاب والطغيان ، مسئولية كل عراقى يعلم ويعرف جيداً أماكن هؤلاء الإرهابيين ويتركهم يفعلون ما يريدون من أعمال تتنافى مع كل القيم الإنسانية والإلهية .
إن الساحة الإعلامية قدمت بعض المقالات عن جريمة قتل مارجريت حسن وأنتهى الأمر ، وهذا أكبر دليل على الغيبوبة التى يفرضها الإعلام على شعوب المنطقة العربية ، لا يجب أن يتجاهل المثقفون ورجال الدين تلك الجريمة ، إنها جريمة لا تحتاج إلى كلمات الشجب والإدانة ، بل تحتاج إلى تنوير الرأى العام لشعوبنا ليقف على حقيقة الفساد الذى أنتشر فى مجتمعاتنا وأفسد الإنسان الذى أنتج الإرهاب .
إن القوة الأمريكية لن تستطيع فرض الديمقراطية على بلد يأبى أهله التفكير بمنطق العصر الحديث ، ويفضل التفكير بمنطق عصر الغزوات الدموية ، التى أصبح القتل فيها لذة مفروضة لإرضاء إله يحتاج إلى من يجاهد بالنيابة عنه ضد أعداءه الغير منظورين .
ستنسحب القوات الأجنبية من العراق عاجلاً أم آجلاً ، لكن تبقى القضية التى يجب أن يتبناها الجميع وهى كيف يمكننا طرح قضايانا الحيوية بطريقة سلمية بدلاً من الطرق الإرهابية التى يطاردها الضمير الدولى بلا هوادة ، الطريقة السلمية هى الطريق الوحيد أمام بلادنا وشعوبنا لعلاج كافة مشاكلنا حتى نقف على أقدامنا وليس على أقدام الآخرين ، ونفكر بعقولنا وليس بعقول الآخرين سواء كانوا أمواتاً أو أحياء .
سيأتى اليوم الذى ستتحرر شعوب الشرق الأوسط من قيود الجهل والتخلف ، وساعتها ستكتشف عمق المأساة الإرهابية التى عاقتها عن التقدم ومواكبة الحضارة الحديثة ، سيأتى اليوم الذى يكتشفون فيه أنهم قد كانوا بلا عقل وفاقدين القدرة على التمييز بين الخير والشر لأنهم كانوا تحت التخدير الإرادى ، التخدير الدينى الذى أصاب العقول بالشلل برداً وسلاماً .
2004 / 11 / 21
التعليقات (0)