"قبيلة العدل والمساواة" و "قبيلة الحكومة"
المتتبع لسيرة خليل إبراهيم قد يصل في نهاية المطاف إلى قناعة مفادها أن الخليل (كما يحلو لأنصاره تسميته ) قد قتلته عاطفته الزائدة ، وولعه بأن يكون كل شيء أو لايكون .... وأنه كان على ما يبدو من أصحاب السبع صنائع والبخت ضائع .... وهؤلاء الأفراد من أصحاب السبع صنائع تؤكد النظريات العلمية الحديثة أنهم أكثر عرضة للفشل مقارنة بسواهم المتخصص . وأنهم لا يتمكنون في نهاية المطاف من تحقيق إنجازات كبيرة بسبب تشتيتهم لجهودهم في كل الإتجاهات.
درس خليل إبراهيم الطب لكنه لم يمارس المهنة إلا مضطرا في بدايات شبابه . ثم استغرق بعدها في ممارسة هواية العمل السياسي المحببة إليه . بل وزاد على ذلك ولعه الملحوظ بالعمل العسكري والغزو المسلح ؛ لدرجة يخيل إليك أنه درس في كلية الطب ليمارس " الطـب المسلّح " العسكري بدلا من الطب البشري.
وما بين حياة الداخليات المدرسية حتى جامعة الجزيرة وتخرجه من كلية الطب وإغترابه في السعودية ثم عودته مع بدايات سيطرة الترابي على الحكم ، وحتى طلاقه البائن (أي الترابي) منه لمصلحة عمر البشير وتلاميذ عشاء القصر الأخير ؛ نلتقط من سيرة خليل إبراهيم شتاتا قل نظيره ما بين الخرطوم ودارفور والنيل الأزرق وجنوب جون قرنق . ثم تشاد وفرنسا ولندن ومصر وليبيا .... وحيث لم يحقق خلال كل هذا الشتات والتحالفات واللجوء سوى منجزات غلب التنظير والتشخيص فيها على سائر الأعمال. بل حاكى نصره المؤزر الذي إحتفلت به حركة العدل والمساواة قبل شهور ؛ والمتمثل في إفلاته من جرذان ليبيا من جهة وعناصر الأمن السوداني من جهة أخرى . وعودته متسللاً مظفرا إلى داخل أراضي بلاده .. حاكى نصره هذا مصير المستجير من الرمضاء بالنار ؛ فكان فيه حتفه الذي سعى إليه بظلفه.
لا يختلف عاقل مع خليل على أن هناك تهميش طال وأزمن وأفرخ ، ولا يزال يضرب بأطنابه كافة مناطق الأطراف بما فيها إقليم دارفور .... وهذا الإهمال يظل خطأ إستراتيجي في مجال التنمية والأمن معا ؛ إرتكبته وترتكبه كافة الحكومات والأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحكم من كراسي الخرطوم. لظن هذه الأنظمة أن مكمن الخطر على بقائها في السلطة إنما مصدره داخل العاصمة حصريا وليس الأقاليم ما بعـد منها أو دنا .
أفلح خليل إبراهيم في تأسيس حركة العدل والمساواة يوصفها تحمل "نظرياً" توجهات مقبولة إلى حد كبير. ومطالب عامة مشروعة فيما يتعلق بضرورة وأهمية توجيه الكثير من جهود وأموال التنمية نحو الأطراف ...
لكن المأساة أن خليل إبراهيم لم ينجح بتاتاً في "قومنة" حركته هذه عبر صهرها وتلقيحها على النحو الذي تتسع فيه رقعة المشاركة داخلها وبحيث يكون لديها متسع من فضاء العمل السياسي . فظلت حركته تتسم بالجهوية والقبلية والإقطاعية والعسكرية والتشدد المتمثل في رفض القبول بالحلول الوسط .
ولعل واقع طغيان العنصر القبلي "الزغاوي" على قيادتها وكوادرها وجنودها ومؤيديها مافيه الدلالة البليغة على صحة هذا الرأي الحر ..... ونرجو أن لا تغضب هذه الصراحة والشفافية أهل العدل والمساواة .. وأن لا يتوقعوا من المواطنين الآخرين إرضائهم ومسايرتهم على طول الخط في الخطأ والصواب.
وحتى لو لم يكن لدى العدل والمساواة توجهات كهذه في لوائحها وشروط الإنضواء فيها . فإن فشلها في "قومنة" نفسها يصبح بمثابة العذر الأقبح من الذنب.
ثم أنه وعلى المستوى الولائي الإقليمي ... وإذا كان الحلو وعقار يجادل أحدهما بشرعيته كحاكم للنيل الأزرق ، والآخر بأنه الفائز في إنتخابات جنوب كردفان. وأن مقعد الوالي قد سحب من تحته بالتزوير ... فإن خليل إبراهيم لا يمكنه الإدعاء بأنه يمثل إقليم دارفور من بحر العرب جنوبا إلى حدود الجرذان شمالا. ولا تستطيع حركة العدل والمساواة إدعاء شرف ذلك . وهي التي لم تخض هي ومؤسسها الراحل حتى تاريخ مقتله أية إنتخابات تجعلنا نصمت إزاء ما يدعونه من تمثيل شرعي مؤسساتي لجميع أهل أو حتى قطاع من دارفور.
معضلة العدل والمساواة الكبرى مع خليل إبراهيم أنها كانت في حياته وبوجوده حركة أصغر منه، لا تستمد وهجها إلا ّ من كاريزميته العنيدة وكمؤسس لها من عدم . وكان أعضاء مكتبها السياسي وكوادرها شتات نيازك خاملة الإضاءة تدور في فلكه.
والشيء الذي لاحظه المتابع المحايد أن خليل إبراهيم كان إلى جانب إنفراده بقرارات الحركة السياسية وماليتها .. كان يقحم نفسه في إتخاذ القرارات العسكرية ، وإدارة المعارك دون أن تكون له خلفية عسكرية أو نجاحات في هذا المجال تذكر. وهو ما جعل الحركة في نهاية المطاف تعاني من تكلس الأطراف تارة والزهايمر تارة أخرى.
وإذا كان خليل قد ظن في نفسه أن فترة جهاده الإسلامي المسلح ضد الحركة الشعبية في أدغال ما كان يسمى جنوب السودان قد أهلته عسكريا . فواقع الحال والتاريخ يؤكد أن الدبابين والمجاهدين وشباب المجندين لم يفعلوا من شيء سوى التشويش على مهنية وإحترافية وقرون إستشعار القوات المسلحة هناك. ولم يكن لهم من إنجازات سوى الموت ، أو تقطيع أيديهم وأرجلهم على نحو مأساوي مريع ساهم في رفع القوى المعنوية لقوات الحركة الشعبية . وتسريع إنفصال الجنوب في ظل هضم الشماليين وتقبلهم لهذا الإنفصال بسهولة ؛ بعد أن دخلت مأساة الجنوب كل بيت من بيوت الشمال على هيئة إبن شاب مجند عاد مبتور الساقين ، أو مبتور الأطراف من خلاف . أو أب وعائل تحول إلى مرحوم بزعم شهيد.
محاولة خليل إبراهيم الفاشلة وربما الحمقاء لغزو العاصمة المثلثة بأولئك الصبية والغلمان تأتي واحدة من الدلالات على مدى الوصاية ، والقراءات الخاطئة لحجم وقدرات وشراسة الغير . ومجمل القرارات الفردية التي كان يتخذها خليل إبراهيم بنفسه لنفسه ولحركته دون إستشارة مكتبها السياسي كانت تصب في مثل هذا الوعاء اللامعقول.
كثرة وتعدد البيانات والتصريحات والتحليلات المتناقضة بعد مقتل خليل ، التي جاءت من مختلف كوادر وقيادات حركة العدل والمساواة المشتتين في العديد من عواصم العالم ، تؤكد هي الأخرى أنه لا يوجد هناك تنسيق داخل هذه الحركة وأن لا شفرة سرية تجمع بين أذرعها وجسدها ورأسها. وهذا دلالة أيضا على هشاشة التركيبة الداخلية في هذه الحركة التي تحتاج إلى كثير من ملاط اللحمة وصيانة قنوات التنسيق مستقبلا... كما أنه آن الأوان لتحول نفسها إلى حزب سياسي بالمعنى المعترف به والمقبول لدى الغير.
وبالإنتقال إلى مسألة الخلط والجدل القائم حول الأيدي الحقيقية التي ساهمت وامتدت وشاركت مباشرة في مقتل خليل إبراهيم . فإن الملفت للإنتباه بين كل هذا وذاك هو تصريح كان قد صدر يوم الخميس 22 ديسمير الجاري لمتحدث رسمي عن العدل والمساواة ، بأن خليل إبراهيم متواجد في شمال كردفان لتجميع قواته تمهيدا لإعادة محاولة غزو الخرطوم . ثم مقتل خليل في نفس المنطقة صبيحة اليوم التالي في رواية . وقيل مقتله فجر الأحد في رواية أخرى! فهل كان هناك تواطؤ من داخل الحركة نفسها للتخلص من مؤسسها الذي دأب على "تهميش" زملائه فيها؟
إذا كان خليل إبراهيم لم يفلح في إحتلال الجنينة ونيالا والفاشر ؛ أو أن يحتكر لنفسه حواكير محررة في إقليم دارفور بالمعنى الواقعي (وليس الوهمي) للأراضي المحررة . فكيف يظن أنه سيفلح في إحتلال الخرطوم؟.... أخشى أن خليل في مسيرته خلال شهر مايو 2008م تجاه الخرطوم تاركا خلفه مدن وبلدات وقرى وحلاّل دارفور في يد الحكومة .. أخشى أنه كان يتمثل بقول المتنبئ :- "قواصد كافور توارك غيره ... ومن قصد البحر إستقل السواقيا".
إن السؤال الذي يظل يطرح نفسه دائما هو:- لماذا زهد خليل في إحتلال وتمكين حركته من مدن وبلدات دارفور المعروفة . وجعل غاية همه ومحط ّ آماله ولهفته وشغله الشاغل غزو وأحتلال الخرطوم . على الرغم مما يكتنفه طرق هذا الحلم الوردي من دروب وأبواب وسواحل المستحيل؟
هل كان السبب في هذا الزهد الغير منطقي أنه لم يكن على ثقة بوقوف الشعب الدارفوري بكل قبائله خلفه ؟
أم هل طغت على نفسية خليل "المهمشة" نوازع هواجس شخصية ومسلـّمات ذاتية بأن عصا موسى وكنوز الملك سليمان وخبز المسيح لا توجد مجتمعة إلاّ داخل سرايا غوردون ؟
دعونا نضع النقاط في الحروف ؛ فنقول أنه لا يخفى على أحد من أهل البلاد أن قبيلة الزغاوة التي تصطبغ بصبغتها حركة العدل والمساواة ؛ ليس لها ثقل وشرعية تاريخية في أرض دارفور مثل ما لدى القبائل الأصلية التي إستوطنت جبل مرة ، وأسست مملكة الفور ذات الصبغة الأفريقية العربية وأنشأت مدينة الفاشر من عدم.
جانب من مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور
يقولون "حـدّث العاقل بما يليق " ..... ومن ثم فلا يستساغ أن تأتي العدل والمساواة بداية القرن الواحد وعشرين ؛ سواء في حياة خليل أو بعد مماته فتجادل وتدعي لنفسها وحدها بحقوق لاتمتلكها أو تحتكرها تاريخيا . أو تطمس الحقائق والشواهد ، وتنزع الملك ممن تشاء وتهبه لمن تشاء ؛ هكذا (دون تفويض عبر إنتخابات شفافة) من لدن هؤلاء الكثرة الغالبة من القبائل الرعوية وغير الرعوية الأخرى على وجه وأرض دارفور في عصور الظلام أو بعد بزوغ فجر الإسلام ......
تتحدث العدل والمساواة كأنها التي تعيش وحدها في دارفور ، وكأنها المكون القبلي الأول والأخير فيه . وهي وإن كانت تفعل ذلك من وراء قناع عسكري تنظيمي ؛ إلا أن ما وراء القناع لا يخفى على أحد. وهو السبب الذي يجعل الحكومة السودانية ومن موقع مسئوليتها وشرعيتها المكتسبة في الداخل والخارج والمنظمات الدولية ، تصر على عدم الجلوس معها وحدها للتباحث في شأن الإقليم حاضره ومستقبله .
ونلاحظ أن العدل والمساواة تبتسر الحكومة السودانية بل والقوات السودانية المسلحة في أفراد وجماعات ......
محاولة "شخصنة" الحكومة . أو تحويلها هي الأخرى إلى محض "قبيلة" تعتبر من المآخذ الأخرى على العدل والمساواة. . ذلك أنها في أدبياتها كانت ولا تزال في مجال علاقتها مع الحكومة السودانية تصوّر الأمر وكأنه " نزاع فردي" تارة و "قبلي" تارة أخرى بينها وبين هذه الحكومة . وذلك لما تكتنفه هذه الأدبيات من تصنيف قبلي وجهوي غير موضوعي ؛ وتشدد مؤسس على قاعدة من التحدي والعناد المقيت. وإنعدام الثقة المفرطة يرفض التنازل قيد أنملة. ويرى في كافة الحلول الوسط إذلا لٌ للذات ومؤامرات وتسويف وخداع ، حتى لو كانت هذه الحلول ممهورة بضمانات دولية وعربية ذات تأثير قوي على حكومة الخرطوم.
لا أحد يحب الحكومة ولا أحد يكرهها بالمقابل .. والحكومة في أي بلد لا تأتي كي يحبها هذا ويكرهها ذاك ، لأن دورها يتمثل في إدارة وتنظيم أمور الدولة والحفاظ على الأمن وصيانة الحقوق ... إلخ من واجبات الحكومة المعروفة .. ومن ثم فلا داع نراه في "شخصنة" العلاقة مع الحكومة خيراً كان ذلك أو شراً. أو إدارة الصراع معها على واقع مفهوم "قبلي" . أو كأنّ الصراع معها ليس سوى "شكلة" بين إثنين من فتوات المصاطب الشعبية داخل دار للسينما.
ثم والملاحظ أكثر في أدبيات العدل والمساواة هو محاولات التقليل من شأن الحكومة والحط من قدرها وكأنها "أي الحكومة" هي المتمردة المشردة في الآفاق . وأن العدل والمساواة هي الآمرة الناهية الباسطة ذراعيها بوصيد الحكم في طول البلاد وعرضها. وهو ما دعا بكثير من المراقبين وأهل الحكومة أنفسهم للسخرية من هذه التوجهات. ووصف ما يدور بأنه "حرب إنترنت" في فضاء إفتراضي لا وجود لها على الأرض.
محاولات التقليل من قدرات الجيش السوداني في مقتل مؤسس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم لا تبدو منطقية ولا واقعية ..... وتأتي هي الأخرى دلالة على هذه السياسة الإعلامية من "شخصنة" و "قبلنة" للصراع ؛ تتخذها العدل والمساواة ركناً من أركان دعايتها في علاقتها مع الحكومة والقوات النظامية السودانية التابعة لها بحكم الواقع.
قواتنا المسلحة منذ تاريخ إنشائها تتعامل مع شعبها بمصداقية مشهودة لا يمكن التشويش عليها ببضع إشاعات ومقالات وأقاويل هنا أو هناك . والبيان الصادر من القوات السودانية المسلحة على لسان الناطق الرسمي بإسمها كان واضحا لا لبس فيه ... وربما لو جاء البيان من جهات أمنية تابعة للنظام لكنا قد ظننا الظنون وكان في الحجة والجدل سعة.
-----------------
نص البيان الصادر من القوات المسلحة السودانية بشأن مقتل خليل إبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى فى محكم تنزيلة ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) صدق الله العظيم
ايها المواطنون الاحرار
تمكنت قواتكم المسلحة الباسلة وبعد متابعة طويلة انتهت بمحاصرة قوية وفعالة لفلول المتمرد خليل ابراهيم الذين واصلوا اعتداءاتهم المذكورة على المواطنين العزل والقرى والفرقان الامنة على امتداد الحدود الفاصلة بين ولايتى شمال دارفور وشمال كردفان وقد اغلق الحصار المحكم لقواتكم الباسلة لبقايا فلول المتمرد خليل كل المنافذ بمحلية ود بندة واشتبكت القوات المسلحة مع هذه المجموعة فى مواجهات مباشرة لتمنع تقدمهم تجاه المواطنيين العزل فى القرى الامنة بالمنطقة وقد تمكنت قواتكم المسلحة فى هذه العملية البطولية من القضاء على المتمرد خليل ابراهيم الذى لقى مصرعة ضمن مجموعة من قياداتة التى كانت معة وقد قطعت جهود قواتكم المسلحة خط سير فلول المجموعة التى كانت تخطط للعبور الى دولة جنوب السودان لاعادة تنظيم صفوفها.
ايها المواطنون الشرفا الاحرار
تشيد القوات المسلحة بجهود مواطنى محلية ود بندة الذين ضربوا المثل فى الوطنية والتفانى والاخلاص لصبرهم ومثابرتهم على ماتعرضوا لة من ظلم وتنكيل وحصار وقتل وتشريد مارسة فلول المتمرد خليل معهم وتوكد القوات المسلحة ان ملحمة ود بندة كانت نتاجا لاروع انواع التعاون بين الشعب وقواتة المسلحة.
والله اكبر والعزة للسودان
العقيد الصوارمى خالد سعد
الناطق الرسمى باسم القوات المسلحة
-------------------
إذا كانت القوات المسلحة في بيانها أعلاه تستشهد بأولاد "ود بندة" . فلماذا لا تسألوا أهل الذكر من أولاد ود بندة إن كنتم لا تعلمون؟
على أية حال فلحديث حركة العدل والمساواة عن إستراتيجية جديدة للحكومة فيما يتعلق بالتعامل المضاد تجاه قادة الحركات المسلحة المتمردة على سلطتها - وأن خليل قد أغتيل تبعا لذلك - فإن الذي يجب التذكير به أن خليل إبراهيم جمع في يديه مابين القيادة السياسية والعسكرية لحركة تمرد إختارت العمل العسكري والمسلح إستراتيجية معلنة في مسارها المعارض لنظام الحكم الشرعي في الخرطوم . وهو ما يجعل من كل تجمع ومعسكر لقادة وعناصر هذه الحركة المسلحين هدفا عسكريا وقتاليا مشروعا للجيش السوداني وفق مواد الدستور ، سواء أكان الذي يجلس على "الكرسي العالي" في القصر المطل على النيل الأزرق هو المشير عمر البشير ، أو كان الإمام الصادق المهدي ، أو أحد حيران السيد محمد عثمان الميرغني.
حسب نص البيان الصادر عن قواتنا المسلحة ؛ فإن هناك سطرا تؤكد فيه القوات المسلحة ان ملحمة "ود بندة" كانت نتاجا لاروع انواع التعاون بين الشعب وقواتة المسلحة.
.... وهو مما يقتضي التوقف عنده ولا حاجة للإطناب بعده.
وعلى ضوء مزاعم لكتاب وإعلاميين تابعين لحركة العدل والمساواة . فإن الذي يستوقف المرء هو مقولة أن الإستخبارات التشادية هي التي إخترقت الدائرة الضيقة وأرسلت "غواصة" شاب من أبناء قبيلة الزغاوة . إستطاع هذا الشاب الإقتراب من قريبه خليل إبراهيم ، وسرير خليل إبراهيم ليلصق فيه الشريحة الألكترونية التي أرشدت الصاروخ الفرنسي المنطلق من طائرة حربية فرنسية بقيادة طاقم فرنسي قبل حلول موعد صلاة الفجر ؛ مما أدى إلى مقتل خليل وحارسه وتناثر أجسادهما التي جمعت ودفنت في ذات المكان بعد الصلاة عليهما.....
إذا كان الأمر كذلك فلماذا تقحم "قبيلة الحكومة" نفسها في مثل هذا الحرج. وتطلب لنفسها وتلصق بها تهمة وجريمة لم ترتكبها؟
لو كان أمر مقتل خليل كما تدعيه أقلام "قبيلة العدل والمساواة" ؛ فإنه كان الأسلم أن تكتفي "قبيلة الحكومة" بدور المتفرج ، والقول بأن خليل إبراهيم قد قتل بيد أهله لا بيد عمرو . وأنه تمت تصفيته داخليا للتخلص منه تمهيداً للعودة إلى طاولة المفاوضات والرضا بالمقسوم.
كنت قد ذكرت في مقال سابق لي بعنوان "الربيع العربي يطيل عمر الإنقاذ" أن خلع حسني مبارك ثم مقتل القذافي وزوال نظام حكمه ؛ لن يمرا مرور الكرام على الداخل السوداني . وسيكون ما جرى وبالاً على تحالف كاودا ثم خليل ومناوي بنحو خاص.
لولا ذهاب القذافي لما أضطر خليل إبراهيم للعودة إلى عش الدبابير في إقليم دارفور إبتداء ؛ معرضا نفسه للعديد من إحتمالات إلقاء القبض عليه أو قتله .
ربما لو كان القذافي لا يزال على رأس دولته . وعلى فرض وجود خليل إبراهيم داخل الأراضي السودانية ، لعلمت مخابرات القذافي المتجذرة والمتغلغلة في السودان واللصيقة بمراكز إتخاذ القرار في الخرطوم وإنجامينا ، وحذرت خليل في الوقت المناسب . وكذلك كانت قد علمت مخابرات حسني مبارك بطبيعة الحال وفعلت الشيء نفسه. ..... ولكن لسوء حظ خليل أن القذافي ذهب إلى غير رجعة ؛ وأن المخابرات المصرية مشغولة الآن في نفسها شغلا شديداً.
لسنا ضد خليل إبراهيم تجاه ما كان يحمل من آراء سبق وأن إعترفنا جميعا بمشروعيتها .. ولكن المأخذ الأكبر على خليل أنه فوّت على نفسه فرصة العمر برفضه حلولا وسط في مؤتمر سلام الدوحة مما أفقده التعاطف . فلم يجد من يؤويه سوى معمر القذافي بتوصية من حسني مبارك ، الذي كانت تحكمه ثارات وضغائن مبيتة ، وإنعدام تام للثقة مع النظام السياسي القائم في الخرطوم تجذر منذ محاولة إغتياله الفاشلة في أديس ابابا .
المتوقع الآن أن تجلس حركة العدل والمساواة إلى نفسها وتعيد تنظيم صفوفها سياسيا ، لتخرج إلى الشعب السوداني والعالمين العربي والخارجي بإهاب ورؤى سياسية جديدة تخضع للمنطق والواقع ، في ظل معطيات الربيع العربي الذي تميل نتائجه "الإسلامية" لمصلحة الإنقاذ في الخرطوم .....
تأخر الوقت جداً على تحالف كاودا العسكري والسياسي المضاد ؛ وكل من يرغب في التمرد عسكريا على حكومة الخرطوم. والوقت يمضي صبيحة كل يوم تشرق فيه الشمس من جديد بوتيرة متسارعة لمصلحة الإنقاذ بكل تأكيد. فهناك محور إسلامي سُني منتظر ينمو في أحشاء منطقة الشرق الأوسط بتخطيط ومباركة من الولايات المتحدة والغرب الأوروبي ؛ لعل ذلك يكبح جماح الإرهاب الذي حرقت نيرانه أصابعهم وأقدامهم في عقر دارهم.
وربما ينضم إدريس ديبي نفسه لهذا المحور ..... وهو إن لم ينضم ؛ فلن يستطيع إدريس ديبي (على الأقل) الكذب على نفسه ، ويندفع لمناطحة محور الخرطوم ومصر وليبيا وتونس وقطر والسعودية المنظور مجتمعين .... وهؤلاء جميعا على قناعة بواقع التداخل والتواجد السكاني ( السامي/ الحامي ) الحيوي والتاريخي الموغل في القدم على أرض دارفور - على عكس حال التركيبة السكانية وغياب الحقوق التاريخية للعرب في ما كان يسمى سابقا بجنوب السودان - .... وعلى قناعة إذن بضرورة حل مشكلة دارفور وفق هذا الإطار السامي / الحامي الذي يبدو وحده واقعياً قابلاً للطرح والمداولة ؛ بعيدا عن متلازمة حب الحكومة و بغض الحكومة ورئيس الحكومة التي ترسخت فينا وتفاقمت بسبب معاناتنا من ضرائب باشوات وقموندانات وأميرالايات التركية السابقة ، وحكم الإستعمار الثنائي ثم البريطاني.
التعليقات (0)