نداء إلى كل أحرار العالم
قبل أن ينتصر بن لادن في مصر؟
يخطيء من يظن أن قمع ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر يعني منع التطرف من الوصول للحكم في مصر، ذلك أنه سيعني – على وجه القطع – ميلاد مليون بن لادن في هذا البلد الذي انتفض كما لم يكن لأحد أن يتخيل طلبا للحرية والكرامة، فلم تكن الهبة ثورة تستهدف تحقيق برنامج أيديولوجي أيا كان نوعه.
ومن يتأمل المشهد في ميدان التحرير وغيره من الميادين في الإسكندرية ومدن القناة وعواصم المحافظات المصرية يجد كل ألوان الطيف السياسي المصري، وكل المستويات الاجتماعية، بل إن العلماني فيها كان أكبر بكثير من حضور أي تيار ديني، وقد شاهدت بنفسي فنانين وناشطي حقوق إنسان كما رأيت مثقفين يكفي أن أذكر منهم الدكتورة نوال السعداوي.
وقد استغل النظام الحاكم مخاوف الغرب الهيسترية من الإسلاميين لدفعه للتواطؤ على الثورة بدافع الخوف من وصول الإسلاميين – ولا بأس من إضافة المتطرفين لمضاعفة الخوف – إلى السلطة، والقضية هنا ليست تأكيد أو نفي تطرف الإخوان فتلك قضية تبقى خلافية ويبقى الحكم عليها مرتبا بالمخاوف أكثر من ارتباطه بالحقائق.
لكن القضية هي في الحقيقة الخطر الجسيم الذي ينطوي عليه قمع ثورة جمعت بين وضوح الهدف ومشروعيته وسلمية السلوك – رغم الاعتدءات والاستفزازات التي تعجز اللغة عن وصفها – فضلا عن الشفافية الكبيرة التي اتسمت بها، حتى إنها تكاد تكون "ثورة أمام الكاميرا".
وهذه الثورة هي في الحقيقة أهم حدث سياسي خلال قرن منذ الثورتين اللتين قام بهما المصريون ضد الاحتلال الفرنسي، وهي تفوق في الأهمية التغيير السياسي الذي شهدته أوربا الشرقية عقب انهيار سور برلين، ذلك أن هذا التغيير كان تم برعاية رسمية غربية وفي بعض الحالات تم خلال أيام معدودة.
فماذا يعني إجهاض ثورة الخامس عشر من يناير؟
إجهاض هذه الثورة لن يعني هزيمة التطرف كما يصور الكاذبون، بل يعني انتصار الأشد تطرفا، أي أسامن بن لادن. وسيكون من نتائج انتصارها حتما ظهور ملايين من المصريين لديهم قناعة راسخة بصحة مقولة "المؤامرة الغربية على الإسلام"، وأن الغرب يحكم سلوكه في المنطقة اعتبار واحد هو أمن إسرائيل، وأن الإسلام هو العدو الأول، وبالتالي سيسهم هذا في بدء حقبة جديدة قد تكون أكثر عنفا من سابقتها من العنف ضد كل ما هو غربي، وستستمد هذه الموجة رصيدها في المقام الأول من هذه الثورة التي ساهم الغرب في قمعها بالتواطؤ.
وإذا حدث هذا فسيكون من العسير – بل ربما سيكون من المستحيل – أن يتمكن داعية حوار أو وسطية أو نضال سلمي أن يقنع الشباب بصوابية هذا الطريق وسيشهد العالم مزيدا من التباعد بين العالم الإسلامي والغرب. وهذا التحول سيدفع إلى مزيد من اعتماد الغرب على الحكومات الغربية لضمان مصالحه، ما سيعني متوالية جهنمية: مزيد من الكراهية للغرب – مزيد من العنف ذي الإسناد الإسلامي – مزيد من اعتماد الغرب على المستبدين – مزيد من التململ يدفع لأعمال مسلحة ضد الغرب.....وهكذا.
لقد أصبحت نهاية "الاستثناء المصري" ضرورة لأمن العالم كله، وعلى صانع القرار الغربي أن يدرك أن الاستقرار يتحقق بوسيلة واحدة: الديموقراطية. والنظام المصري يعمل منذ عقود بشكل منظم على إبقاء الساحة السياسية خالية بشتى الوسائل – وكلها غير مشروعة – حتى يكون بإمكانه دائما الاحتكام لقاعدة: أنا أو الفوضى.
وكسب المستقبل بالشكل الحقيقي لا يكون بسفك الدماء وفتح أبواب المعتقلات والتمترس وراء "سيادة الدولة" بل يتحقق بالإيمان الحقيقي بأننا جميعا نتساوى في الإنسانية ولنا الحقوق نفسها في الحرية والكرامة والرفاهية، وقبول الآخر ليس دعوة موجهة للعرب والمسلمين وحدهم بل على الغرب أيضا أن يذكر نفسه بضرورة قبول الآخر حقيقة لا ادعاءً.
وثورة الخامس والعشرين من يناير اختبار حقيقي للتشكيل الحضاري الذي ظل يقول دائما إنه داعية حرية ومساواة وتعددية، وفي حال فشل الغرب في هذا الاختبار وساهم في قمع الثورة فيسكون قد فتح بابا واسعا لرعب لم يشهد له العالم مثيلا وسيؤدي إلى ظهور عشرين وربما أكثر من نوعية "كوريا الشمالية".
وعندئذ لن ينفع الندم.
ممدوح الشيخ
سياسي/ كاتب مصري
mmshikh@hotmail.com
التعليقات (0)