واخيرا اقر مجلس النواب الاردني قانون الانتخاب الذي اقرته اللجنة القانونية فيه . اقر بعد مسرحية سبق ان شاهدناها من قبل في برلمانات عالمية مثل برلمان كوريا الجنوبية وبرلمان اوكرانيا , مسرحية جديدة على البرلمان الادرني , حيث تعرض النائب جميل النمري ( مسيحي ) من بلدة الحصن شمال الاردن من قبل زميله النائب يحى السعود الى الضرب بالايدي بدلا من الحوار الحضاري المطلوب ان يسود بين اعضاء نواب منتخبين من الشعب . وهذه السابقة الغريبة على البرلمان الاردني اثارت العديد من الهيئات الشعبية والحزبية , حيث نددت نقابتا الصحفيين والصيادلة اللتين ينتسب اليهما النائب النمري بهذا الاعتداء غير الحضاري , كما وصفه البعض بانه بلطجة غير لائقة بنائب . وطالب عدد من اعضاء البرلمان بمعاقبة من يسئ داخل قبة البرلمان . هذه البلطجة سوف تمر اما بالمصالحة " وبوس اللحى " ومن ثم دعوة على حساب البادئ بالضرب او المعتدي " لتطييب الخواطر " . او بمعاقبة النائب المعتدي من قبل رئاسة المجلس .
ويبدو ان ظاهرة النزق بين الاردنيين صارت تتكرر كل يوم تجدها في الشوارع بين سواق السيارات انفسهم وبينهم وبين المارة , وفي المحلات التجارية , وفي دوائر الدولة , فمعظم الناس يريدون الامور ان تمشي كما يريدون وحسب امزجتهم , المراجع عصبي , والموظف عصبي ايضا , الكل يعتقد انه على حق والاخر على باطل . وتعزى هذه الظاهرة الى ارتفاع الاسعار وخاصة اسعار المشتقات النفطية حيث ارتفع سعر لتر البنزين ( اوكتان 95 ) الى دينار اردني , واوكتان 90 الى 70 قرشا . ومعهما ارتفعت اسعار السلع الاخرى بالتبعية . وكذلك يعزى هذا النزق الى ارتفاع درجات الحرارة الى فوق معدلاتها من الاعوام السابقة , يصاحبها انقطاع التيار الكهربائي وشحة الماء نسبيا بالقياس الى الحاجة الفعلية للفرد الواحد .
قانون الصوت الواحد :
اقر قانون الصوت الواحد منذ عام 1993 , وتم انتخاب اربعة مجالس نيابية على اساسه , وتم توجيه النقد له من قبل الاحزاب والفعاليات الشعبية والشخصيات الفكرية في المجتمع الاردني . لان هذا القانون عمق الولاء العشائري , كما عمق سطوة المال السياسي , فالفائز في اية انتخابات نيابية هو الذي لدية عشيرة كبيرة " عزوه " , او انه يملك المال الكافي لشراء الذمم وشراء الاصوات , من خلال تقديم الهدايا والهبات واقامة الولائم الكبيرة .
منذ بداية عام 2011 ومع امتداد الانتفاضات الشعبية الى الاردن كان شعار الفعاليات الشعبية والحزبية " الاصلاح السياسي " , وقد استجاب الملك عبدالله الثاني لهذه المطالب الشعبية , واستبق الاحداث وطالب الحكومات المتعاقبة بان تتواصل مع الاحزاب والفعاليات الشعبية وتكثيف الحوار معها للوصول الى صيغ للاصلاحات السياسية ترضي جميع الاطراف . وقد وجدت هذه الرغبة الملكية في الاصلاح صداها الايجابي من قبل الشعب الاردني , وفي ضؤ هذه الرغبة الملكية تشكلت اكثر من لجنة للحوار للوصول الى الهدف الاصلاحي الصحيح , وابرزها اللجنة الملكية لاعادة النظر بالدستور الاردني المعمول به منذ صدوره عام 1952 .
انجزت اللجنة الملكية حول الدستور عملها وقدمت الاصلاحات الجديدة الى الملك , وكان من ابرز الاصلاحات و الاضافات الى الدستور "
1 . انشاء هيئة عليا للانتخابات تشرف على الانتخابات البرلمانية والبلدية بدلا من وزارة الداخلية كما كان في الماضي . وقد عين عبد الاله الخطيب رئيسا لهذه الهيئة , وتعد هذه الخطوة تطورا باتجاه الديمقراطية والحد من سلطة الحكومة على الانتخابات , بحيث لا يبقى لوزارة الداخلية من دور سوى حماية العملية الانتخابية فقط .
2 . انشاء المحكمة الدستورية التي سوف تبت في شرعية القرارات .
3. لاتنفذ المعاهدات الخاصة باراضي الدولة الا بموافقة مجلس الامة ( النواب والاعيان ) .
4. تخفيض سن الترشح للانتخابات النيابية الى 25 سنة بدلا من 30 سنه .
5. لا تاجيل للانتخابات البرلمانية تحت بند الظروف القاهرة .
6.الحكومة التي تحل مجلس النواب عليها ان ترحل بعد اسبوع .
7. محاكمة الوزراء امام القضاء واتهامهم من قبل النواب بالاكثرية بدلا من الثلثين .
8. رفع مدة الدورة البرلمانية الى 6 اشهر بدلا من 4 اشهر , ومدة رئاسة المجلس لسنتين .
9 . القضاء هو المتختص في الفصل في صحة نيابة اعضاء مجلس النواب .
10. لا قوانين مؤقتة الا في حالات الكوارث .
11. يحضر على من يحمل جنسية دولة اخرى شغل منصب وزير او عين او نائب .
الحوار من خلال اللجان الوطنية :
منذ اكثر من عام والحكومة تتحاور مع الاحزاب والنقابات والجمعيات والشخصيات الوطنية حول قانون الانتخاب المزمع اقراره بالتوافق , وكثيرا ما كان رئيس الحكومة يرأس هذه الاجتماعات الحوارية , وخاصة حكومة عون الخصاونه , وكانت مطالب الغالبية الشعبية تتركز على ضرورة اقرار قانون انتخاب عصري , وانصبت المقترحات على اعتماد " النسبية المغلقة " او " النسبية المفتوحة " اي تجاوز قانون الصوت الواحد الذي انتج مجالس نيابية تمثل العشائر والواجهات , اي مجالس مطلبية او خدماتية , في حين ان المطلوب هو انتخاب مجلس وطني يتصدى لهموم المواطنين المعاشية , وضمان حرياتهم في القول والراي والاعتقاد والتظاهر والشكاوى , وكذلك المشاركة في الحكم , والرقابة على الحكومات والحد من ظواهر الفساد المالي والاداري .
المطالبات كانت تنصب على اعتماد النسبة السكانية , ورفض الكوتات الخاصة بالنساء والخاصة بالبدو . او اعتماد المحافظة كمساحة جغرافية , ومن ثم المطالبة بان يكون للناخب " ثلاثة اصوات , اثنان للمحافظة او للدائرة الانتخابية وصوت ثالث للوطن " .
كل هذه المقترحات المقدمة من الاحزاب والفعاليات الشعبية ذهبت ادراج الرياح , واقر مجلس النواب الذي اقتربت مدة دورته على الانتهاء وعليه ان يقر هذا القانون .اقر قانون جديد اقرب الى " قانون الصوت الواحد " القديم , اما الجديد فيه هو :
1. زيادة عدد اعضاء مجلس النواب الى 140 عضوا .
2. زيادة الكوتا النسائية الى 15 عضوا , بحيث يكون لكل محافظة عضوا واحدا ( 12 محافظة ) وثلاثة اعضاء للبدو .
3. تخصيص 17 مقعدا للوطن . اي يتم انتخابهم على مستوى المحافظات الاثني عشر .
4. للناخب صوتان واحد للدائرة الانتخابية واخر للوطن .
الخلاصة ان القانون الجديد اذا اقره مجلس الاعيان سيكون نافذا بمجرد موافقة الملك عليه وصدوره في الجريدة الرسمية . وقد تجرى الانتخابات البرلمانية على اساسه قبل نهاية العام الجاري , اي ان قانون الصوت الواحد عاد من حيث بدا , ومن لم يرضيه هذا القانون فما عليه الا المقاطعة , ومن المحتمل ان تقاطع الاحزاب الانتخابات المقبلة احتجاجا على عدم تلبية مطالبهم في اصلاح حقيقي . وربما يكون حزب جبهة العمل الاسلامي ( الاخوان المسلمون ) هم اول المقاطعين , لانه كان لديهم طموح بان يكتسحوا الانتخابات المقبلة اذا اقر قانون عصري يوفر لهم فرصة الفوز باكبرعدد من مقاعد البرلمان ويؤهلهم لتشكيل حكومة . وقبل الانتخابات المقبلة قد يشهد الاردن احتجاجات كبيرة تطالب باصلاح يرضي الاخوان ويوصلهم الى السلطة كما وصل اخوانهم في تونس ومصر الى سدة الحكم . وسوف تكون الازمة الاقتصادية ممثلة في زيادة الاسعار والبطالة والمديونية وعدم محاسبة الفاسدين الحقيقين سببا الى مزيد من الاحتجاجات والمسيرات في المدن الاردنية تطالب بالاصلاح السياسي والاقتصادي . كما سيكون لتداعيات الازمة السورية اثرها السلبي على الاوضاع في الاردن .
التعليقات (0)