حزب البعث قدر العراقيين.. ..حاكما ومطاردا!
قانون الاجتثاث يضع العراق بين فكي "حرب أهلية باردة"
ممدوح الشيخ
هناك من يرى البعث تهديدا ومن يراه "فزاعة" لإقصاء العرب السنة
عاصفة بدأت بإعلان إقصاء مرشحين ولم تنته بإعلان السماح لهم...وطال غبارها القضاء ومجلس الرئاسة والبرلمان.. ..والشارع
أنصار إيران ضد السماح.. ..وعلاوي والهاشمي ضد المنع!!
رافضو ترشيح المتهمين بالولاء للبعث: دول وشخصيات تعمل لإعادة البعث للصف الأول في الدولة
أقليات كركوك: نخشى من انحياز المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ونريد رقابة دولية
الاجتثاث يتوسع ليصبح عملا انتقاميا واسعا ضد كل "المشتبه بهم" في جهاز الدولة
كتلة علاوي: تراجع التمييزية عن قرارها بالسماح للمرشحين المشتبه ببعثيتهم "خطأ كبيرا"
لم يحدث بالسلاح بين فرقاء العراق أصبح واقعا... لكن بالآليات القانونية والدستورية
إن لم تكن الحرب الأهلية صراعا مفتوحا داخل الدولة بين شركاء عجزت الإجراءات عن بناء تفاهمات بينهم، فماذا تكون؟
وإذا أصبحت أسس العملية السياسية محل خلاف عميق فكيف يمكن بناء دولة مؤسسات؟
هذان السؤالان وغيرهما مطروحان بقوة في العراق المؤرق بالبعث حاكما ومطاردا، فالحزب الذي عذب العراقيين لأكثر من ثلاثين عاما بقبضته الحديدية عاد شبحه من جديد ليحلق مهددا حاضر العراق ومستقبله، حتى وهو حزب منحل مطارد. وإذا كان هناك من يرى البعث تهديدا فإن هناك في المقابل من يرى أن اجتثاثه تحول من صمام أمان لمنع عودة حكم الحزب الواحد إلى مجرد "تكئة" ومبرر لإقصاء العرب السنة، وفي المسافة الفاصلة بين الرؤيتين – وهي مسافة كبيرة – يشهد العراق "حربا أهلية باردة"، تمثل جرس إنذار ينذر من خطورة استمرار الانشقاق العراقي العميق بين من "يخافون" من عودة البعث ومن "يخوفون" بعودة البعث!
نرفض..نقاطع..نحذر
وقد شكل قرار استبعاد مرشحين من الانتخابات القادمة على خلفية اتهامهم بالانتماء للبعث أو الدعوة إلى فكره بداية عاصفة لم تنته بـ "الإعلان" عن إلغاء القرار ليثير السماح بترشحهم عاصفة – ربما أكبر – من عاصفة منع ترشحهم، وقد اتسع نطاق انتشار غبار العاصفة ليشمل المحكمة العليا ومجلس الرئاسة والبرلمان والأحزاب والشارع!
فبصدور قرار الاستبعاد هدد رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي وقوى أخرى يغلب على مكوناتها العرب السنة عزمهم مقاطعة الانتخابات القادمة، وبالإعلان عن إلغاء قرار الاستبعاد انتقلت العاصفة إلى الجبهة الأخرى ليعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أنه يدرس إمكانية سحب الثقة عن الهيئة التمييزية الخاصة بمراجعة قرارات هيئة المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث) التي أعلنت السماح بمشاركة جميع المرشحين الممنوعين من خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، فلا المنع مقبول ولا السماح مرحب به!
وكان الائتلاف الوطني العراقي الذي يضم كيانات سياسية أبرزها المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري وحزب الفضيلة أصدر بياناً أعلن فيه رفض قرار الهيئة التمييزية بالسماح للمستبعدين بالترشح واتهم البيان دولاً وشخصيات (لم يسمها) بالعمل على "إعادة البعث إلى مؤسسات الدولة بل إلى الصف الأول في العملية السياسية الديمقراطية".
القرار بالمنع صدر عن هيئة العدالة والمساءلة فيما القرار بالسماح صدر عن الهيئة التمييزية التي صادق عليها مجلس النواب قررت إرجاء النظر في الطعون التي قدمها المستبعدون المشمولون باجتثاث البعث وسمحت لهم بالمشاركة في الانتخابات. وكانت هيئة المساءلة والعدالة التي حلت مكان اجتثاث البعث قررت منع 517 مرشحا لكنها عادت ووافقت على قبول 59 منهم. والمرشحون المثيرون للجدل ينتمون لائتلافات انتخابية أبرزها "الكتلة العراقية" ذات الاتجاه العلماني و"ائتلاف دولة القانون" و"الائتلاف الوطني العراقي"، والتحالف الكردستاني و"ائتلاف وحدة العراق".
وفتحت قضية المرشحين المتهمين بالانتماء للبعث أو الدعوة لأفكاره باب سجال علني أميركي عراقي فالمالكي في بيان له رفض "تدخل السفير الأمريكي في العراق كريستوفر هيل في قضية الانتخابات البرلمانية العراقية". وعلى وقع الموقف الأميركي حمل النائب الكردي المستقل محمود عثمان، بشدة على الرئاسات العراقية الثلاث لاعتراضها على قرار الهيئة التمييزية بالسماح للمرشحين المبعدين بقرار هيئة المساءلة والعدالة المشاركة بالانتخابات. وفي تأكيد آخر لحقيقة وجود مسافة كبيرة بين مواقف القوى السياسية العراقية من الانتخابات القادمة أعرب ممثلون عن أقليات كركوك عن مخاوفهم من انحياز المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حيث قالت هيئات عربية وتركمانية بكركوك إنها تريد مراقبة "حقيقية وفاعلة" للانتخابات التشريعية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وفي تصعيد للضغط السياسي لجأ زعماء شيعة للشارع لدعم موقفهم الداعي لاجتثات البعث فنظمت تظاهرات في بغداد والبصرة والنجف تقدمها المحافظون والمسؤولون المحليون الذين تعهدوا بـ "تطهير العراق من الموالين لحزب البعث". ونسب إلى محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق، وهو مسؤول كبير بحزب "الدعوة" الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، المتظاهرين بألا يقفوا مكتوفي الأيدي "خلال هذه المرحلة الحساسة"، وأن ينتقموا "لشهدائهم ومسجونيهم ونازحيهم والمشردين الذين خلفهم النظام السابق". وتعهد بـ "اجتثاث الوجود البعثي في إدارة بغداد". وفي البصرة أطلق زعماء الحكومة المحلية المرتبطون بحزب "الدعوة" وتكتلات شيعية أخرى بينها "المجلس الأعلى" بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري تعهدات مشابهة بتطهير المدينة من المتعاطفين مع البعث.
وفي مؤشر على وجود خلاف كبير بين التيارات الرئيسة المسيطرة على المناصب السيادية بالدولة العراقية عقدت قمة رئاسية غاب عنها الرئيس العراقي جلال طالباني ونوابه وحضرها رؤساء: الوزراء والبرلمان ومجلس القضاء الأعلى في العراق وأوصت "هيئة التمييز" بإكمال مهامها قبل الانتخابات. وبعد أن تقرر أن يعقد البرلمان العراقي اجتماعاً استثنائياً لمناقشة قرار الهيئة التمييزية السماح للمشمولين بقانون المساءلة والعدالة المشاركة في الانتخابات تراجعت الهيئة عن قراراها فألغيت الجلسة البرلمانية لانتفاء الحاجة إليها!!!!
وكانت المفاجأة التالية أن تعلن الهيئة التمييزية أن هناك 180 طعنا وليس 500. واتسعت دائرة الاضطراب لتعلن مفوضية الانتخابات إرجاء انطلاق الدعاية الانتخابية بانتظار حسم موضوع المستبعدين وألمح أعضاء بالمفوضية لإمكان تأجيل موعد الانتخابات إذا استمر السجال في شأن القضية. وحول طلب مفوضية الانتخابات الموجه للمحكمة الاتحادية بشأن إصدار حكم نهائي حول ما إذا كان قرار الهيئة التمييزية ملزما لها أصبح الطلب لاغيا، لأن الهيئة التمييزية سوف تنجز النظر في الطعون كافة.
وأثار تراجع الهيئة التمييزية عن قرارها السابق استياء الكتلة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي واعتبرته "خطأ كبيرا" مؤكدة الضغط السياسي أن كان واضحا منذ البداية، وهو ما أدى لمزيد من التخبط. وعلى هامش السجالات الساخنة اعتبر المتحدث الرسمي باسم المكتب الإعلامي لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، طلب رئيس اللجنة القانونية بهاء الأعرجي شمول الهاشمي بالاجتثاث بأنه لا يمثل الائتلاف الوطني العراقي ولا يمثل حتى البرلمان!
ويعد أياد علاوي أعلى السياسيين العراقيين صوتا في رفض الاجتثاث محذرا من أنه يجر العراق لـ "حرب أهلية"، وهو قال: "هذا سيضع العراق في خانة الطائفية وعلى الطريق نحو الحرب الأهلية"، و"إذا استمر الحظر كما هو وكما اتفق وبستار يحجب الناس... فسيؤدي هذا إلى توترات طائفية بالغة الشدة". ما يعني أن ما لم يحدث بالسلاح بين فرقاء العراق أصبح واقعا لكن بآليات الحرب الباردة وعبر الإجراءات القانونية والدستورية وهذا الصراع البارد يمكن أن يفضي إلى حرب فراغ دستوري تنجم عنه أهلية فعلية.
التعليقات (0)