elsaadani5@gmail.com
يتجلي مأزق السياسة في بلادنا المحروسة في كثير من المشاهد التي يمكن اختزالها في صورة واحدة تبدو فيها مصر مابين ثورة متطلعة ونخبة طامعة وحكومة ضائعة، وأن الفرقاء جميعاً يتناوشون مساراتهم مابين مطرقة الأمريكان وسندان الوهابية، ولاخروج من المأزق إلا بالرهان علي وعي الجماير ونبل مقاصد الثورة في إطار حركة التاريخ التي لاتعرف إلا التقدم والاستقامة.
لقد تعرجت بنا كثيراً مسارات الثورة بما يهدد مآلاتها وينذر بصدام تتجلي بشائره في الأفق وتترسخ علي الأرض دلالاته، ولا أحد يحاول علمية التحليل والتدقيق حتي نفهم لنقرر، فالجميع يتحرك ويصرح ويتخذ المواقف ثم يتوقف بعدها محاولاً للتبرير والتزيين تارة أو للإنكار والتعديل تارة أخري وبما ينبؤ أن هناك أهدافاً خفية غير معلنة يحاول البعض فرض وجودها علي الأرض من خلال خلط الأوراق وتشتيت الانتباه وممارسات التشكيك والإقصاء والاستبعاد والتخوين والفوضي، يساعد في تكريس هذه الصورة إعلام نمطي يفتقد الرؤية والحكمة وينزع للتصيد والإثارة ويحصر أهداف الثورة في الانتقام لا البناء والنهضة والتقدم، ويعتم علي وضوح الرؤية في مثل هذا الظرف الذي يتسم بالحساسية والخطورة.. وإذا ما اتفقنا أن كل عملية سياسية لها أهداف وآليات ولاعبين، فدعنا نبحث قليلاً في هذا الإطار لنري أن المشهد السياسي العام في بلادنا قد غابت عنه أهداف الثورة وآليات الحداثة والشفافية واستقامة المقاصد وبهتت فيه ألوان اللاعبين واستغلقت علينا أهدافهم ورؤيتهم وتناقضت أقوالهم ومواقفهم. كيف؟
في الصورة سلطة حاكمة تمتلك رؤية استراتيجية شاملة بينما لم يكن من تخصصها أو اهتمامها ومسئولياتها في أي وقت حرفية التكتيك السياسي الداخلي رغم امتلاكها خبرة التكتيك العسكري والمناورة السياسية مع قوي الخارج وتحديات الأمن القومي، وأقصد هنا المجلس العسكري الذي حمي الثورة ومكن لها الانتصار في عملية خلع رأس النظام الفاسد ومحاكمة رموزه، ثم عجز عن التواصل مع الثورة بتوليته سلطات التنفيذ لحكومة تفتقد الأفق السياسي ويغيب عنها روح الإرادة الثورية والقدرة علي إحداث التغيير السريع الذي يحقق أهداف الثورة ويلبي مطالب الجماير ويحقق أشواقها في العدالة والحياة الحرة الكريمة، وأقصد بها حكومة شرف التي هي في أحسن حالاتها تمثيل باهت لحكومات العجز والفشل والبطء والتردد قبل 25 يناير. ثم يأتي في بؤرة الصورة ثوار يتميزون بالنبل والقدرة علي الفعل والحلم تسرق منهم الثورة ويركب باسمهم الموجة وكلاء يبتعدون بالثورة عن أهدافها ويقودون مساراتها إلي طريق القطيعة والصدام حتي مع أقرب أصدقائها وحلفائها والمبشرين الحقيقيين بها وأماني شعبها وجمايرها. وتدخل علي الخط أحزاب كارتونية قديمة مثلت العجز والتواطؤ وكأنها تحاول إنتاج صفقات صفوت الشريف وألاعيب الوفد والإخوان والتجمع والناصري وغيرها من أحزاب ورقية تفتقد الرؤية الواقعية لمستجدات العصر وضرورات الثورة، وأحزاب مستجدة بعضها يحاول تجميل وجوه متجهمة وتوجهات متشددة كشفتها الثورة بأن نزعت عنها قناع الاضطهاد الذي تسربلت به طويلا وتكسبت من وراءه في الشارع السياسي باعتبارها ضحية سياسات الحزب الوطني المستبد بينما هي تنام معه في سرير واحد بعد أن يأوي الصغار والأبرياء إلي فراشهم، تعقد معه الصفقات وتمارس خلط الأوراق، تصرح حيناً بأنها ليست ضد التوريث وحيناً أنها توافق عليه بشروط، ثم تقسم أدوارها مابين مكذب ومنكر ومشكك ورافض وهي لعبة مازالت تقدمها لنا علي مسرح السياسة "التعبيرية" التي ماعادت تنطلي علي أحد، في تعهدها بقبول الدولة المدنية والاقرار بشروط الديمقراطية بينما هي تنفذ مخططاً أكبر لفرض التوجهات الوهابية في رؤية إسلام البداوة والتصحر الذي يكفر الغرب لكنه لايتردد عن الاتصال به سراً والحوار معه إلتزاماً بحماية مصالحه والشراكة في استثماراته والتسليم برؤيته لشرق أوسط جديد إحياء لمشروع "بيريز" لضمان التسليم بوجود اسرائيل العضوي في المنطقة وعدم تهديد مصالحها وأهدافها. إنها قوي انتهازية تقوم بمناورة للوصول للسلطة من خلال "فكر التقية" لا باعتبارها قناعات سياسية مؤكدة أو تحولات فكرية ثابتة بل هي مناورات وصفقات وادعاءات سرعان ماسوف يتبين الجميع عدم صدقها وأنها كانت وسيلة ليس غاية في ذاتها، وهم في ذلك أصحاب تاريخ طويل للمناورة وواقع حديث شكلوا فيه إنقلابا علي الثورة ومحاولة الوقيعة بين الثوار والشعب والجيش، وتحالفوا مع قوي سلفية تربت في أحضان "أمن الدولة" وحرمت الخروج علي الحاكم وكفرت الثورة والأحزاب والسياسة ثم عادت مع تعليمات الوهابية وسخاء عطاياها وإمداداتها لتأسيس الأحزاب والاستعداد للانتخابات والمساهمة الفاعلة مع الاخوان بالتأسيس للفوضي وخلط الأوراق وتغييب أهداف الثورة وتعريج مسارات تقدمها واحباط جمايرها.. في الصورة أيضاً إلي جوار اليمين الديني والرجعي والانتهازي يمين ليبرالي مغامر ليس له توجه محدد ولايمتلك أصولاً في الشارع يتحالف مع الجميع وهو أيضا لايتورع عن التلاعب بالجميع إذا ما أوصله ذلك للسلطة، وهو يستخدم في هذا أمواله وفضائياته وجرائده ومجالسه وتحالفاته بينما جماير الثورة من الفقراء والبسطاء أسلمهم الجميع ضيوفاً علي موائد اللئام ودهاء السياسة ومخططات السفيرة الأمريكية "آن باترسون" المتخصصة في الانقلابات والفوضي كما فعلت في السلفادور وكولومبيا وباكستان، وتمويل حركات ومنطمات مشبوهة لتظل مصر تحت مطرقة المعهد الجمهوري الأمريكي للديمقراطية ومنظماته وسندان الوهابية وومغامراته وتحالفاته، وهو وضع ينبغي للمجلس العسكري أن يقفز علي أهدافه ومعطياته ويلتقي مع أهداف الثورة وأحلام الشعب في كل قراراته وتوجهاته، ولاسبيل غير ذلك لحماية براءة الثورة من دهاء السياسة وسوء مآلاته.
|
التعليقات (0)