في الثالث من ماي من كل عام يحتفل الجميع باليوم العالمي لحرية الصحافة، و كواحدة ممن يحملون شهادة "صحفية" سأحاول أن أتطرق الى الموضوع بطريقة أدعي أنها مختلفة، فسأدافع عن المتضررين من حرية البعض في التعبير و سأدافع عن الصحافة من بعض الطفيليين عليها و الذي يعملون على تشويه سمعة "صاحبة الجلالة".
فالجميع، من داخل المجال و خارجه، ينادون بحرية الصحافة و التعبير، و أنا أعتقد أنه من لا يسير في هذا الإتجاه بالتأكيد هو لا يريد أن تكون الصحافة عامل من عوامل المعرفة و التنمية لأنه اصلا لا يهمه في شي مفهومي المعرفة و التنمية.
لكن في المقابل، يجب على الصحفي أن يعرف كيف يتصرف في تلك الحرية، و أنا هنا لا أقصد استحضار مفهوم "الرقابة الذاتية" التي يتخوف دائما من أن تكون عائقا أمام النشاط الصحفي و بالتحديد المضي بعيدا في هذا النشاط، و لكن أقصد وعي الصحفي بأنه مسؤول أمام الله، ان كان يؤمن به، و مسؤول أمام ضميره، و بالتالي يعمل في كل مرة على قياس درجة المنفعة و الضرر عندما يكتب خبرا.
فأنا مستعدة أن أتنازل عن حقي في التعبير عن رأيي اذا رأيت أن هذا الرأي يمكن أن يسبب أذى نفسي و معنوي خاصة لإنسان واحد فضلا عن أن يكون لآلاف أو ملايين الناس، فلا يجب على الصحفي أن يتمادى في "نرجسيته" أمام مشاعر الناس.
فمثلا أنا كمسلمة او غيره لا أستطيع أن أفهم العلاقة التي تجمع البوذي مع الهه "بوذا" و لكن أستطيع أن أتفهم مشاعره، فحرية الرأي قد تبيح لي الإستهزاء بتفكيره و "تخلفه" و لكن احتراما لمشاعره، أكتفي بأن أوصف الوضع دون أن أضيف "تتبيلات" من عندي، فليس المطلوب أن أفكر عنه فخلفيات تفكيره و ظروفها ليست شبيهة لما عندي لكي أجزم برأي لن تكون نتيجته الا جرح المشاعر فقط و تغذية الكراهية بين الناس.
من جانب آخر فإن حرية الصحافة لا يجب بأي حال من الأحوال أن تنطلق أو تؤدي الى الكذب و تلفيق الأخبار، فالمفروض أن الخبر يقود الى استنتاج رأي و ليس العكس ، أي تكوين رأي مسبق و العمل على صنع خبر يكون على مقاسه، فهؤلاء أكبر خطر على الصحافة و مصداقيتها، يحرفون أهدافها و يشوهون وسائلها.
و الأدهى من كل ذلك أن تستغل حرية التعبير لخدمة من "يدفع أكثر" لأنه من يصل الى حد أن يدفع رشوة لصحفي هو بالتأكيد يتموضع الى جانب الباطل من كل قضية صغيرة كانت أم كبيرة، و من أسمى معاني الصحافة أنها تبحث و تتحرك من أجل الإنسان، الإنسان في المطلق، فالإنسان المظلوم تنتفي أمامه كل التصنيفات الدينية و العرقية و الثقافية ...
و أمام قضية انسان مظلوم يصبح مفهوم "الحيادية" مفهوم لا معنى له و خارج السياق بالكامل، فالصحفي بالتأكيد ليس الهلال الأحمر أو منظمة العفو الدولية و لكنه أيضا لا يجب أن يورط اسمه و مهنته في قضية انسان مظلوم.
فالدعوة في مثل هذا اليوم يجب أن تكون مزدوجة، من جانب لمن يطبقون على أنفاس الصحفي خاصة في عالمنا العربي بأنه لا تنمية بدون اعلام حر، و من جانب آخر الى الصحفي بأن يراعي ضميره عندما يبدأ قلمه في الإلتحام بورقة بيضاء.
التعليقات (0)