شيركو شاهين
ــــــــــــــــــــــ
sherkoo.shahin@yahoo.com
تتمايز العصور حسب ازمانها بمسميات تعتمد فيها على منجزات اجيالها عبر حقبة محدودة كانت او مفتوحة، ففي اوربا مثلا ومع بداية عصر الانفتاح العلمي الصناعي قبل قرن من الزمان(تقريبا) كان جيل الشباب يعرف على انه جيل الثورة الصناعية الكبرى والتي حددت بها فيما بعد مسمى (عصر النهضة الصناعية الكبرى).فالشباب بطاقاتهم علمية كانت او فنية يبرزون كل وحسب مجهوده ليرسموا خارطة المستقبل لبلدانهم وملامح العظمة المستقبلية، واذا تناولنا عبر هذا المنحى واقع الجيل العراقي فتية وفتيات لكشفنا عن ارهاصات عديدة عصفت به عبر عقود مصادرة الحريات والضغوط النفسية الاليمة التي ادت فيما ادت الى تنمية الاحساس الداخلي بروح الغربة داخل الوطن والاحاسيس التي هي اشد وطأ واكبر فتكا بهم بخاصة اذا ما اعتبرناها الاساس الحقيقي الحي لما تلحقه فيما بعد من هجرات يبحرون فيها الى موانى بعيدة المرجى عن اوطانهم عبر مضايق وممرات الصعاب وصولا الى شواطئ المجهول.تلك الغربة الروحية والتي قد تتمثل باشكال واوضاع قد تختلف في عدد الوانها ولكنها تشترك اجمعها على لونها القاتم.ويمكن ان نلمس ذلك الشعور الوحدوي مع بداية تخرج الطلبة من الجامعات والمعاهد واصطدامهم الاول بجدار البطالة، او بما هو مجود في واقع حال البقية الباقية منهم من ذوي التعليم المحدود الذين زادوا مع الاسف بمعدلات مخيفة لما بذرته فيهم سنوات الحروب وحصدته فيما بعد سنين الحصار الظالمة عبر حاجة التكاتف للعائلة الواحدة لابعاد شبح الجوع والعوز قدر المستطاع حتى وان كان ذلك على حساب نيلهم ضمانا علميا ينفعهم في المستقبل.فهؤلاء المساكين هم اشد بؤسا ممن سبقنا وصفهم لان اعتمادهم الكلي نابع على اساس النمو الاقتصادي للبلد على صعيد القطاعين العام والخاص لما يمكنهم فيما بعد من زيادة دخلهم والاجتهاد على تامين ابسط اساسيات الحياة بعد ان تخونهم قدراتهم الجسمانية عند خريف العمر.ولكن وبسبب الظروف الامنية السيئة وتقلص نشاط اغلب القطاعات الرئيسة في الحياة الاقتصادية تدهورت بهم الحال، وسعيد الحظ منهم من يحصل في ذات يوم على فرصة (عمالة) باجرة بالكاد تسد مصروف يوم واحد، ليعود بعدها في الليل وينفرد عند احدى زوايا الدار ليعيش اقصى حالات القلق من اليوم القادم.ان تلك العوارض وغيرها جمعت فيها اركان الغربة من الاصطدام بالواقع والتشتت المستمرين بين ماكن وبين مايجب ان يكون الحال عليه واخيرا وليس اخرا حالة الانفرادية والانهزامية المرة والتي يفر بها ممن هم حوله كلها صفات المغترب عن تراب ارضه ومائه.الحالات انفة الذكر قد تمثل ابرز المعوقات النفسية لجيل الشباب، وفي عود الى بدأ ياتي سؤالنا الى أي حد وحتى متى يدوم التجاهل الاعمى لهذا الجيل عبر المراحل المتقدمة للمستقبل؟ والى متى نكتفي من رفع اللافتات ذات الشعارات الرنانة المؤكدة على دحض البطالة بينما لم تزل الغالبية العظمى تعاني من ظمأ الحاجة الى منفذ لتفريغ طاقاتهم الاكاديمية والفنية؟ ولن ننسى ان نسأل شلل الفضائيات الهدامة عن ساعة صحوها من سباتها؟ بعد ان ابرزت جيل الشباب العراقي على انه (جيل البرتقالة-اللعينة-) وهم بذلك عامدين على استنقاص قدراتهم.ان هذا الجيل اقل ما يقال عنه انه جيل البناء الفكري الحر بعد ازلة ركام التخلف والرجعية فهم اميز من غيرهم في قدراتهم ومواهبهم العلمية منها والثقافية وحتى منهم من ممن لم تتوفر فيه هذا او ذاك تراه غيورا على بلده وكرامته وشهما في تصرفه معتدا نبيلا في قيمه عزيزا ابيا في خلقه.فيا ترى ياهل ترى متى ننصف هذه الشريحة الخلاقة في مجتمعنا وتجد لها الرعاية المناسبة؟
نشر بتاريخ 26/9/2005
التعليقات (0)