هؤلاء الأسرى من الفلسطينيين والعرب في سجون المحتلين ومعتقلاتهم، وهؤلاء الموقوفون والمعتقلون الإداريون الذين تغص بهم مراكز التحقيق والتوقيف والاعتقال، وهؤلاء الأسرى من الكبار والصغار، والمرضى والأصحاء، من المضربين ومن غير المضربين عن الطعام، وأهالي هؤلاء الأسرى، وذووهم، وأقرباؤهم، وأنسباؤهم، وأصدقاؤهم، ومعارفهم، ومواطنوهم، وبنو جلدتهم من كافة الفئات والشرائح والمستويات، ومن سائر المجتمعات والمناطق والتجمعات.. هؤلاء جميعًا.. أليس من حقهم أن يعيشوا حياة حرة كريمة آمنة هادئة بعيدة عن كل أسباب التوتر والقلق والخوف والرعب؟ أليس من حقهم جميعًا أن ينعموا بالأمن والأمان والاستقرار، بعيدًا عن التعدي والتحدي والعدوان والاستفزاز، وبعيدًا عن التحكم والتجبر والتسلط والاستبداد والاستعباد، وبعيدًا عن حياة السجون والمعتقلات، ومراكز التوقيف والتحقيق والإذلال؟؟ أليس من حقهم أن يعيشوا في وطنهم، وقد حصلوا على حقوقهم المشروعة الثابتة فيه؟؟ أليس من حقهم جميعًا أن يعيشوا سادة أحرارًا كرامًا في ديارهم، وقد تخلصوا من كل مفردات اللجوء والشتات والاغتراب والغربة، ومن كل مفردات العنصرية والتمييز والجوع والخوف، ومن كل سياسات النهب والسلب والمصادرة والهدم والتشريد والوعيد والتهديد والاستكبار والإقصاء والاحتواء والاستعلاء؟؟ فلماذا لا يخرج كل هؤلاء الأسرى إلى عالم الحرية؟ ولماذا لا يضع هذا المجتمع الدولي حدًّا لكل ألوان التعدي والعدوان على هؤلاء الناس في كل أوطانهم؟ ولماذا لا يتكفل هذا المجتمع الدولي بإحقاق كافة الحقوق التي نصت عليها مواثيقه، وكفلتها قوانينه لكل الناس في هذا العالم؟ ولماذا لا يضمن مجلس الأمن الدولي كافة حقوق هذا الشعب في بلاده؟ ولماذا لا يطبق مجلس الأمن كافة القرارات المتعلقة بهذا الشعب، وبحقوق هذا الشعب في بلاده فلسطين؟؟ ولماذا لا يضع مجلس الأمن حدًّا لسائر الاعتداءات على هذا الشعب؟ ولماذا لا يغلق مجلس الأمن بالتالي هذا الملف الأسود، ملف الاعتقال الإداري والسياسي؟ ولماذا لا يغلق ملف أسرى الحرية بعد أن أصبح وصمة عار في جبين حقوق الإنسان، ووصمة عار في جبين المجتمع الدولي، ووصمة عار في جبين هذه المنظمة الدولية منذ أكثر من ستين عامًا، بل منذ أكثر من ذلك بكثير إذا عدنا بالذاكرة إلى ذلك الانتداب البريطاني على بلادنا فلسطين، وما فعله ذلك الانتداب بفلسطين والفلسطينيين منذ أن وطئت أقدامه بلادنا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وحتى العام الثامن والأربعين من القرن الماضي؟!!.
لقد تعرض عشرات الآلاف من أبناء هذا الشعب المسالم للموت والأسر منذ تلك الأيام، كما تعرض هذا الشعب المسالم لكل أنواع الخوف والرعب والجوع في تلك الأيام التي لا تنسى من تاريخه، ثم تعرض للتهجير من وطنه بعد ذلك،حيث أجبر نحو مليون فلسطيني على الهجرة عام ثمانية وأربعين، وقد أصبحوا اليوم ستة ملايين لاجئ يهيمون على وجوههم في كل واد، في الوقت الذي يبلغ فيه تعداد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية اليوم ستة ملايين أيضًا تعيش غالبيتهم الساحقة حياة الذل والفاقة والمهانة والاغتراب على أرض الوطن! في الوقت الذي تقبع فيه هذه الآلاف من الأسرى والمعتقلين في السجون والمعتقلات.. إن قرابة مليون فلسطيني قد جرب حياة الأسر، وتعرض للاعتقال والتوقيف والتحقيق منذ عام سبعة وستين، فإذا أضيف إلى هذا العدد مَن تعرضوا لذلك من قبل، وإذا أضيف إليهم أيضًا مَن تعرضوا لمثل ذلك في منافيهم خارج أرض الوطن، فإننا نستطيع القول إن أكثر من مليوني فلسطيني قد مروا بتجربة الأسر والاعتقال بنسب متفاوتة!!.
ولقد اشتكى الفلسطينيون، واحتجوا، ولطموا الخدود، وشقوا الجيوب، وكتبوا، واستنكروا كل هذه الإجراءات، وكل هذه الاعتداءات والاعتقالات.. ولكن دون جدوى!! وكأن الفلسطيني إنما خلق للعذاب والاضطهاد والأسر والاعتقال الإداري والسياسي، وكأن الفلسطيني إنما جاء إلى هذا الوجود ليكون عبدًا، أو شريدًا، أو شهيدًا، أو لاجئًا، أوسجينًا، أو معتقلاً، أو موقوفًا، أو رقمًأ في مقابر الأرقام، أو تابعًا ذليلاً لهذا (السيد) أو ذاك، وفقًا لهذه المشاريع المرحلية أو تلك!! وكأن الفلسطيني قد جاء إلى هذا الوجود بلا وطن يؤويه، أو عشيرة تحميه، أو مجتمع دولي يتبناه ويرعاه، ويرد إليه اعتباره مع الاعتذار، ويعيد إليه كامل حقوقه التي جرد منها ظلمًا وعدوانًا، وبدون أي وجه حق!!.
للمرة الألف تحدث المتحدثون في هذا الملف، وكتب الكتاب في هذا الملف.. وللمرة الألف قال الفلسطينيون، وقال معهم كل أحرار العالم وشرفائه، وقالت معهم الدنيا كلها: إن كل هذا الذي يتعرض له الفلسطينيون من تجويع وتنكيل وتقتيل وتركيع وحبس واضطهاد واعتقال إداري وسياسي هو قمع لا يمكن أن يستمر، وهو محاولات يائسة بائسة لإجباره على التخلي عن وطنه وحريته وكرامته وانتمائه.. ولكن دون جدوى.. فهذا الشعب العربي الفلسطيني شعب حر كريم أبيّ، وهو شعب أعلنها ثورة على السجن والسجان.. ويكتب في هذا الملف وآلامه وأوجاعه للمرة الألف.. وسيواصل العمل حتى تحرير آخر أسير من أسراه، وحتى تحرير آخر حبة تراب من تراب وطنه الطاهر المقدس الطهور.. وسلام على القدس والخليل وغزة والجليل.. سلام على فلسطين في العالمين.
التعليقات (0)