... نشات الحذاثة عندما تخلى الفكر الفلسفي عن اعتبار أن نظاما يحكم الكون ويفرض نفسه على الطبيعة والمجتمعات والأفراد، فدخل البشر في فلك الحرية ومعها القلق ، وفقد الحكم طابعه المقدس ، وصارت ممارسات الفكر العقلاني تنعتق عن حدود المفروضة عليه سابقا .. فادرك الإنسان منذ هذه اللحظة أنه صانع تاريخه ، بل أن العمل في هذا السياق واجب ، الأمر الذي يفرض بدوره ضرورة الخيار .
انطلقت الحذاثة إذن ، عندما انفلت الإنسان من تحكم النظام الكوني بل تحرر من هذا التحكم وكانت اللحظة أيضا لحظة تبلور الوعي بالتقدم أي الرغبة في إنجازه وربطه بالتحرر ، من هنا أصبح مفهوم التقدم وثيق الصلة بالمشروع التحرري كما أصبح العقل مرادفا للتحرر والتقدم .
الحذاثة لا تغلق في نمط نهائي .. هي في تطور مستمر متواصل ينفتح على المجهول ..لا نهاية لها ..ترتدي أشكالا متتالية طبقا لإجابتها على التحديات التي يواجهها المجتمع في لحظة تاريخية معينة ..الحذاثة عرفت عن نفسها في عصر التنوير ...الحذاثة لم تنجز وستستمر غير منجزة طالما استمر الإنسان..
من كتاب : نقد روح العصر
لدكتور : سمير أمين
التعليقات (0)